مستقبل السلم العالمي بعد عام 20 20


رضي السماك
2021 / 1 / 4 - 21:43     

بانتهاء سنة 2020 والتي طوت معها العقدين الأولين من قرننا الحالي يمكن القول بأنها كانت السنة الأطول بين سنواتهما وذلك لما تخللها من أحداث جسام متسارعة متزاحمة ، وبخاصة في ظل ما سادها من كابوس مرعب تمثل في وباء " كوفيد - 19 " الذي سيبقى على الأرجح جاثماً على صدور البشرية طوال العام الجديد 2021 ، وإن بصورة أخف بعد اكتشاف وتصنيع عدد من اللقاحات المضادة لها ، هي أطول سني العقدين الماضيين ليس بحساب الزمن ؛ بل بحجم -كما ذكرنا - كثرة وتزاحم أحداثها الجسام ، حتى يُخال للمرء إذا ما حاول أن يستذكر واحداً منها يشعر بأن الحدث وقع منذ زمن بعيد لا خلال عام واحد فقط .
ففي أواخر ديسمبر كانون الأول 2019 كان العالم يمني النفس بالتفاؤل بالعام الجميل رقماً 2020 ، لكن سرعان ما تسربت حينئذ على استحياء الأخبار المشؤومة الواردة من الصين بتفشي كورونا في مدينة " ووهان " ، لكن ذلك لم يمنع الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة بقيادة دونالد ترامب من استغلال الحدث للشماتة بشعب الصين الاشتراكية في كارثتها الوبائية وتوظيفه في الحرب النفسية عليها واتهامها بتصنيع الوباء الذي أرتد عليها حسب مزاعمهم ؛ كل هذا والعالم برمته أحوج ما يكون فيه لارساء دعائم السلام بالنظر لما يسوده من توترات وحروب إقليمية . وما أن انتهى يناير حتى تمددالوباء إلى دول عديدة ، وبانتهاء مارس كان قد أطبق على معظم بلدان العالم من بينها دول اوروبية فضلاً عن الولايات المتحدة التي أضحت أكثر دول العالم في انتشار الوباء . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف لنا أن نقتنع بما وصلت إليه البشرية ، سيما دولها الصناعية الغربية منها ، من قفزة مذهلة في التطور العلمي والتكنولوجي ، بأنها كانت جميعها عاجزة عن توقع انتقال الجائحة إلى بلدانها ؛ لا بل إلى مختلف أصقاع الأرض ؟ ومن ثم أخذ أقصى التحوطات الممكنة المسبقة لمنع تسلل الوباء إلى بلدانها ؟ أما كان من الممكن في ضوء ما توصل إليه المجتمع الدولي من تطور هائل في منظومته الدولية الإنسانية والانمائية تحت مظلة الأمم الدولية ووكالاتها المتخصصة العمل بخطة تعاون دولية لمحاصرة الوباء في مهده وهو في الصين والتعاون مع سلطاتها للقضاء عليه سريعاً قبل تمدده إلى العالم ؟ لماذاوقف العالم الغربي متفرجاً وبدا وكأن تفادي انتقال الوباء إلى بلدانه وبلدان العالم مهمة أشبه بالمعجزة المستحيلة فوق قدرة العلم ؟ لا يفسر غياب خطة دولية كهذه سوى طغيان الأنانية الرأسمالية وتقديم مصالحها الضيقة فوق مصالح السواد الأعظم من شعوبها وشعوب العالم ، صغيرها وكبيرها . وهكذا فبدلاً من أن يوحد هذا العدو المشترك للبشرية المتمثل في " كورونا " الدول المتقدمة الرأسمالية ؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، ووضع أيديها في يد الصين الشعبية معاً للتصدي له وإبادته داخل الصين قبل تمدده إلى خارحها قامت تلك الدول باستغلاله لتأجيج حرب باردة ضدها ، كما قامت بدفع حليفاتها في عالمنا العربي باذكاء حروب اقليمية قائمة ناهيك عن مناطق التوتر الاخرى من العالم ، وإذا كانت معظم النار من مستصغر الشرر، فإن كل حرب نارية تسبقها حرب باردة بين أطرافها ؛ وكان برنارد باروخ مستشار الرئيس الاميركي هاري ترومان هو أول استخدم هذا المصطلح " الحرب الباردة " بعد عامين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف أربعينيات القرن الفائت ؛ وحيث كان يقصد به شن حرب باردة بين بلاده وحلفائها من جهة والاتحاد السوفييتي وحليفاته من دول المنظومة الاشتراكية من جهة اخرى . لكن ورغم ماشهده العالم من حرب باردة بين هاتين القوتين العظميين النوويتين طوال ما يقرب من نصف قرن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى مطلع التسعينيات إثر انهيار الاتحاد السوفياتي فإنها لاتقارن البتة بالحجم المهول بما شهده من حرب باردة خلال العقدين الماضيين ، وعلى الأخص خلال عقدنا الأخير حتى رأينا كيف وصلت إلى ذروتها خلال سنته الأخيرة المنصرمة للتو حيث لعبت أمريكا الترامبية ومازالت تلعب بما تبقى لرئيسها المهزوم انتخابياً ترامب من فترة رئاسية انتقالية الدور المؤثر في تأجيجها وتهديد السلم العالمي بجر العالم إلى حافة الهاوية النووية . ولو كان هذا الرئيس الأخرق المصاب بلوثة جنون العظمة هو على سدة الحكم في البيت الأبيض لا المغدور جون كيندي إبان أزمة الصواريخ النووية السوفييتية في كوبا عام 1962 لما كان سيتردد عن ارتكاب دفع العالم برمته في أتون محرقة نووية كونية . وهو خطر ما برح يهدد العالم إن لم تسارع قوى الخير والسلم والديمقراطية إلى تنظيم تنظم وتوحيد صفوفها لمواجهة ذلك الغول الجهنمي .