كي لا تنطفأ الشمعة2/2


محمد الخباشي
2006 / 7 / 20 - 11:31     

والآن، و بعد انعقاد المجلس الوطني، وبغض النظر عن مداولاته والنقاش الذي ساد فيه، فإن القرار الذي اتخذه يعكس الصورة الحقيقية للحزب وقيادته. وقد أعاد إلى الأذهان (على الأقل ذهني أنا) ما كانت عليه، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في بداية التسعينات والتقلبات التي عرفتها قبل أن تنتهي إلى الانشقاق، وبعده الى تنفيذ خطة المخزن لاحتواء اليسار. ونتذكر موقف "عدم المشاركة" المحتشم الذي لم تستطع قيادة المنظمة ان تسميه مقاطعة. وبعده قرار عدم المشاركة مع ترك الحرية لأعضائها للترشح للانتخاباتـ،، وهي مواقف من لا موقف له. و خلال فترة التسعينات، اغتنى القاموس السياسي بكثير من المفاهيم، من قبيل ما ذكرت، ومنها ما سمي لاحقا بالحياد السلبي...... وها هي المشاركة المشروطة تضاف إليه بقدرة قادر.
انها صورة دراماتيكية ليسار تائه تقوده شرائح تواجه عوالي الزمن، بعد ما شاخت فكريا وسياسيا، شرائح تتشكل من جيل المتعبين الذين ضحوا بحياتهم الخاصة حين كانوا شبابا، لنصرة قضايا الديمقراطية والاشتراكية. ولم تشأ حياتهم ان تنتهي بشموخ وبإيباء الكبار(الا قليل منهم). وقد أصبح الاشتراكي منهم بخجل لذكر الاشتراكية حتى خوفا من نعته باللغة الخشبية...... وسوف انشر لاحقا المقال الذي اغضب عينة من هؤلاء، والذي اثار سخطا في صباح ربيعي بارد بالدار البيضاء.
وعودة إلى المشاركة المشروطة، لا يسعني إلا أن أقول أن هذه كذبة كبيرة أخرى تضاف إلى أكذوبة نهاية القرن. ولنسأل عن شروط هذه المشاركة. طبعا يقصد أصحاب هذا القرار، القانون الانتخابي "الذي صاغه وزير الداخلية الفتي في منصبه بتشاور مع أحزاب الأغلبية" هل يعقل ان يقتصر اتخاد مثل هذا القرار المتعلق بقانون الانتخابات على وزير وأغلبية؟ هل تجري الامور الى هذه الدرجة من البساطة؟هل هذا تغابي ام غباء والسلام؟ وهل يعتقد اصحاب هذا الموقف انه بالامكان ان تيم التراجع عن هذا القانون لفسح المجال امام الجميع للمشاركة في الانتخابات؟ اذا كان الامر كذلك فما الدافع الى تبنيه اصلا؟ بكل تبسيط ووضوح فإن الطبقة الحاكمة لم تعد في حاجة الى جوقة كبيرة والى حشد القوى السياسية لتشكيل خريطة سياسية قد يلعب فيها اليسار دورا ما. لماذا لا يريد البعض ان يفهم ان الطبقة الحاكمة قد اسست قاعدتها الجديدة من اليسار والمعارضة البرلمانية السابقة؟ ولهؤلاء اقول ان الفرصة قد فاتت، فلم يعد من خيار سوى ان "يشحتوا التوقيعات من ادريس لشكر وغيره" واذا لم يكن لشكر او احرضان، فليس في القنافذ أملس. واذا لم تتراجع الطبقة الحاكمة او "وزير الداخلية الفتي والاغلبية" عن القانون الانتخابي الحالي، فمن له القدرة على والقوة السياسية على فرض قانون بديل؟
وكما سبق ان قلت، فالقرار مهما كان، لن يكون سليما ما دام قد انبنى على تقييم خاطئ وجزئي لمسيرة الحزب. وينسحب هذا على باقي قوى اليسار الاخرى. ليبقى المخرج في العودة الى الذات، والى تقييم سليم وشامل وجريء للمنعطف الذي عاشه الحزب بكل تحرد، وبنية التقدم نحو بناء حزب حقيقي. وقد لاحظت ان هناك بعض المناضلين بدأوا يتحدثون عن تصحيح المسار، وتنسيقات وحركة تصحيحية...... الخ وللتوضيح اقول انني اعرف ان هناك مناضلين صادقين لا زالوا يعتقدون ان حزب الطليعة لم يخرج عن نطاق الاهداف التي بني على اساسها، وبالتالي مقتنعون بامكانية تصحيح المسار، وهدا حسن نية له مبرره. لكن اية مبادرة من هذا النوع ليست الا فوضى ولا تنظيمية وتضرب في الصميم التنظيم الحزبي. فبالرغم من انني لا ارتبط تنظيميا بالحزب، فاني ارى ان اية مبادرة تنسيقية بين المناضلين في مختلف الاقاليم، خارج القنوات التنظيمية، وان اية مذكرة مهما بلغ نضجها، فهي لن تتجاوز سقف الامراض التنظيمية التي فعلت فعلها في الجسم الحزبي. ترى من يتحمل مسؤولية ذلك؟ هل كان المجال مغلقا لاي نقاش من هذا النوع في الاجهزة الحزبية المسؤولة اقليميا ووطنيا حتى تبدأ مثل هذه المبادرات بالظهور خارج نطاق التنظيم الحزبي؟ اتمنى على الجميع ان يطرح هذا السؤال على نفسه وليجب سرا حتى، ما دام كلامي قد اغضب الرفاق والاصدقاء. وارى انه من غير المعقول معالجة اخطاء القيادة الحزبية بخطإ افدح منها، ويتجلى في هذا التنسيق الذي يتحدثون عنه. وقد ورد هذا على الاقل في المقال الذي سحبته اذارة الحوار المتمدن من عدد يوم الخميس 13/07/2006. اكرر مرة اخرى ان ما سبق ان قلته في مقال "حزب الطليعة ... شمعة في مهب الريح" اتحمل مسؤوليته كاملة، ولم ادع فيه انني عضو في اية حركة تصحيحية، ولا اعلمن اصلا ان كانت موجودة ام لا، ولست معنيا بها حتى ان وجدت. لا اخشى أي رد فعل على الاطلاق، لانني اقبل ان اقدم رأسي ثمنا لرأيي لا للرأي المضاف كما يقول احمد مطر. ولانني ارفض ان يأكل الآخرون الثوم بفمي انا كما يقول التعبير الدارج. فعلى من يدعي انه عضو في حزب الطبقة العاملة الذي لم يولد بعد، وانه عضو في حركة تصحيحية ما، عليه الا يقبل على نفسه ان يكون حقيرا اولا، وعليه ان يمتلك الجرأة الكافية ليعبر عن قناعاته كي لا يساق مثل الخروف.
والحل الا يمكن ان يتمثل في مثل هذه المبادرات اطلاقا، لانه سيتم التصدي لها بكل سهولة تحت مبرر القانون الدالخلي واللوائح التنظيمية للحزب...... الخ انما يكمن في تقييم شامل لمسيرة الحزب على الصعيد التنظيمي والسياسي والايديولوجي. وارى الحل كما يلي:
اولا: عقد المجالس والمؤتمرات الاقليمية لتقييم الوضع التنظيمي بعيدا عن اطنان الكلام التي تنتجها الوثائق المقدمة عادة للمؤتمرات.والهدف وضع الخطط لانعاش وتنشيط التنظيمات الفرعية والاقليمية ونفض الغبار عن تلك التنظيمات وانتخاب اجهزة مسؤولة وديناميكية بعيدا عن العقلية النتخابية الاستقطابية المقيتة، التي سادت في فترات سابقة.
ثانيا : التهييء لمؤتمر استثنائي يضع حدا لمهزلة ما سمي بالمؤتمر الخامس والقفز، بمعنى النقض، على نتائجه السياسية والتوجيهية والتنظيمية، تتويجا لسلسلة المؤتمرات الاقليمية.
ثالثا : فتح اوراش للنقاش حول القضايا الكبرى، التوجيهية منها والسياسية بطريقة تهدف الى التوضيح و الحسم من اجل الاجابة على السوال الذي طرحه القائد الشهيد المهدي بنبركة : من نحن وماذا نريد؟ عندها ينفصل وينكشف اللبس بين الاشتراكي العلمي والسوسيال ديمقراط والقومي العروبي وورثة فكر يحيى بن شرف الدين النووي.
هذه رؤية لاعادة الاعتبار للحزب اولا، وهي مشروطة بتوفر الارادة والعقلية اللازمة لدى من يملك الصلاحيات القانونية لتنفيذها، وهي اللحنة المركزية والكتابة الوطنية. ولا اعتقد ان هذه الارادة تتوفر الآن. ما الحل اذن؟ على هؤلاء الذين يهيؤون لمبادرة ما الا يتسرعوا. لأن العمل يجب ان يبدأ من الاقاليم والتنظيمات الفرعية دون حلقية ولا كولسة مراعاة لقواعد التنظيم الحزبي السليم. والمسألة تتطلب مسيرة طويلة لانها جزء من الصراع من اجل بناء حزب الطبقة العاملة الذي لا يمكن ان تكون هويته الايدولوجية شيئا آخر غير الشيوعية. وشرط ذلك ان يعمل الجميع على اعادة تأسيس وولادة جديدة لليسار في المغرب. واحيل القارئ على والناضلين على مقال نئر سابقا بالحوار المتمدن.