انعطاف المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين الديني الأصولي المتطرف


نضال الصالح
2021 / 1 / 2 - 23:50     

على الرغم من أن الحركة الصهيونية بحد ذاتها لم تكن حركة دينية، إلا أنها استغلت الدين والفكر الديني اليهودي القائم على الوعد الإلهي ليس لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين فحسب ولكن كذلك من أجل تبرير احتلال بقية أرض فلسطين وترحيل الفلسطينيين منها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل الموعودة من قبل الرب .
في الأعوام الأولى لقيام الدولة اليهودية عام 1948 لعبت الأصولية اليهودية دورا هامشيا في إدارة الحكم في إسرائيل، وكان تأثيرها تأثيرا غير مباشر في المجتمع الاسرائيلي، فلقد بقي الحكم في أيدي اليسار الاسرائيلي العلماني الممثل بحزب العمال. وكانت اليهودية الأصولية تركز على مطلب تهويد القوانين وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية من زواج وطلاق وإرث وغيره، وكان همها الدعوة إلى العودة إلى القيم اليهودية الأصولية التي تدعو لها الهالاخاه.
نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية عام 1977 أحدثت انعطافا مهما في المسرح السياسي الاسرائيلي، فلقد فاز في الانتخابات الائتلاف اليميني الاسرائيلي الليكود، ولقد قوبل هذا الفوز بالبرود من قبل أصدقاء اسرائيل في أوروبا الغربية والشرقية، فلقد كان على رأس هذا الائتلاف شخصيات ذات تاريخ إرهابي، مثل بيغن وشامير المسؤولان عن عدد من المذابح ضد القوات البريطانية وضد العرب الفلسطينيين أهل البلاد الأصليين. لقد اعتقد المراقبون أن نتيجة الانتخابات هذه ما هي إلا حدث عارض في المسرح السياسي الاسرائيلي، ولكن الأيام أثبتت أن القضية تختلف تماما وأن هناك تحركا مستمرا في المجتمع الاسرائيلي باتجاه اليمين الصهيوني وباتجاه الديني الأصولي المتطرف. لقد أثبتت المراقبة الدقيقة للمجتمع الاسرائيلي أن هناك رغبة عارمة وخاصة لدى طبقة الشباب الاسرائيلي بإعادة هودنة نظام الحكم والمجتمع في إسرائيل والعودة به إلى الأصول التي قامت عليها اليهودية والمنقورة في الهالاخاه . أشخاص أمثال شامير وبيغن وغيرهم، أصبحت تعتبر في المجتمع الاسرائيلي كأبطال وليس إرهابيين.
أنه كما في داخل إسرائيل كذلك خارجها ظهر عامل جديد أخذ بالانتشار بين صفوف اليهود وهو " الأصولية الدينية اليهودية السياسية" ، واتجه هذا التيار تدريجيا نحو التطرف والراديكالية. مثلا حزب المفدال الديني الذي كان منذ قيام إسرائيل حليفا لحزب العمل واشترك معه في تأليف عدد من الحكومات الاسرائيلية.
لقد نشأ حزب المفدال من الحزب اليهودي المدعو " مزراحي" ومعناه المركز الروحي أو الديني، ولقد كان من أوائل الأحزاب اليهودية الدينية التي قامت بين المهاجرين اليهود في فلسطين قبل قيام إسرائيل. ولقد قام هذا الحزب على نواة حركة من اليهود الأوروبيين الشرقيين كانت تدعى " محبي صهيون" . كان هدف مزراحي هو حث يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين وتكوين أغلبية يهودية فيها. في عام 1902 تحولت هذه الحركة إلى حزب وانضمت إلى الحركة الصهيونية العالمية. ومن الغريب أن هذا الحزب كان من أول من وافق على اقتراح وايزمن بإقامة دولة إسرائيل في أوغنده في أفريقيا على شرط أن تقوم الحركة الصهيونية بتغليف هذا الاقتراح بغطاء ديني يهودي. في عام 1922 ، أسس هذا الحزب نقابات خاصة للعمال اليهود في فلسطين المتعاطفين مع سياساته بمعزل عن نقابات الهستدروت مع أن التعاون بين النقابتين ظل قائما خاصة في مجال التأمين الصحي والاجتماعي. ولكن مع الأيام انفصل التنظيم النقابي لحزب المزراحي عن الحزب الأم وكون حزبا مستقلا له. وبعد قيام دولة إسرائيل بثلاث سنين اتحد الحزبان من جديد وكونا حزبا واحدا هو حزب المفدال القومي الديني.
تحالف حزب المفدال الديني القومي منذ قيامه مع حزب العمال اليساري ودخل معه في ائتلاف حكومي. ولكن في عام 1977 وصل إلى قيادة الحزب مجموعة من الشباب المتطرفة والتي لم تجد في خطاب الحزب وتحالفه مع حزب العمل تلبية لخطابها الديني المتطرف ولذلك ركضت إلى أحضان الحزب اليميني الليكود ودخلت معه في ائتلاف حكومي، لأنها وجدت أن برنامجه يلبي تطلعاتها السياسية والدينية المتطرفة. ولقد تطور الوضع في الحزب وصل درجة أن كثيرا من شباب قاعدته ترك صفوف الحزب وانضم إلى حركات دينية سياسية متطرفة مثل غوش إمونيم وتيخيا و موراشا وكاخ وغيرها والتي أخذت تنتشر خاصة بين يهو د المستوطنات والتي تعتبر نفسها جنود الله من أجل تحقيق وصيته المنقورة في الهالاخاه وعلى رأسها استيطان كافة الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها. أضعف هذا التسرب حزب المفدال فبدلا من إثني عشر عضوا في الكنيست التي حصل عليها في انتخابات 1977 ، حصل في النصف الثاني من الثمانينيات على عضو واحد هو يوسف بيغ العضو المخضرم في المفدال.
إلى جانب الفكر الديني الأصولي فإن عاملا آخر يجمع هذه التنظيمات الأصولية المتطرفة وهو أن قادتها و قاعتها تتكون من اليهود الأشكيناز ، أي من اليهود القادمين من أوروبا خاصة وسط أوروبا وشرقها ومن يهود الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن يهود إسرائيل ينتمون إلى مجموعتين أساسيتين، فإلى جانب اليهود الأشكناز هناك اليهود القادمون من البلدان العربية والشرقية والذين يدعون السفراديم .
احتجاجا على سياسة التعالي والعنصرية لليهود الأشكناز قامت حركة من داخل المفدال تطالب بالمساواة بين اليهود الأشكناز واليهود الملونين وكونت حزبا خاصا بها هو حزب " تامي". استطاع هذا الحزب أن يحوز على تأييد عدد كبير من اليهود الشرقيين وخاصة القادمين من مراكش وتونس ، كما استطاع أن يستقطب بعض التنظيمات الراديكالية لليهود الشرقيين مثل تنظيم " النمور السود" ( سميت باسم منظمة للسود في أمريكا) و تنظيم „إسرائيل شيلي" . ولقد انتقد الحزب سياسة التعليم الاسرائيلية التي لا تأخذ في الحسبان الأصول الثقافية لليهود الشرقيين، كما انتقد السياسة العنصرية في المجتمع الاسرائيلي والتي تتمثل في الأفلام الاسرائيلية حيث تظهر اليهودي الأشكنازي كبطل مثل جيمس بوند أما اليهودي الشرقي فيظهر في دور اللص أو المتسكع العاطل عن العمل. لقد أثار الحزب و ناطقه الرسمي أهارون أبو هاتزيرا وهو من أصول مراكشية، حفيظة مختلف الأوساط اليهودية الأشكنازية في إسرائيل، فلأول مرة يظهر حزب من هذا النوع يتهم المجتمع الاسرائيلي بالعنصرية بناء على حقائق اجتماعية وتجارب فعلية، وبذلك يهدم أسطورة المجتمع الديموقراطي اليهودي الموحد في إسرائيل.
في عام 1983 وبعد اتهامات متعددة للناطق الرسمي للحزب بأنه اثناء رئاسته لمجلس مدينة رام الله، تصرف بالخزينة العامة تصرفا شخصيا حكم عليه بالسجن عدة أشهر. محاكمة الناطق الرسمي للحزب كانت سببا في تصادمات عنصرية، أشار فيها مؤيدي الحزب من اليهود الشرقيين أن أهارون لم يفعل شيئا جديدا وأن ما قام به يقوم به جميع المسؤولين في الإدارة المدنية وبشكل علني، ولكن ذلك لم يمنع من أن ما حدث كان ضربة قوية لحزب " تامي " وأثر تأثيرا سلبيا على مستقبله السياسي.
لم يكن المزراحي الحزب الديني الوحيد الذي قام بين يهود فلسطين، فمن الأحزاب الدينية اليهودية التي قامت في فلسطين الانتداب هو حزب " أجودا" والذي يعني عصبة إسرائيل. تأسس هذا الحزب في البداية في عام 1912 في ألمانيا ولقد انتشر تأثيره إلى يهود المجر وبولونيا والبلقان. لم ينضم هذا الحزب إلى الحركة الصهيونية ولم يوافق على سياساتها باعتبار أن بعث الشعب اليهودي وخلاصه سيتم فقط بعد ظهور المسيح المنتظر. وكما فعل حزب المزراحي كون هذا الحزب لنفسه نقابات خاصة به من العمال اليهود المتعاطفين مع سياسته. ولكن هذه النقابات خلافا للحزب أبدت تفهما لسياسات الحركة الصهيونية وتعاملت معها. بعد قيام دولة إسرائيل انضم الحزب إلى " بناة إسرائيل " واعترف بالجنسية الاسرائيلية ودخل معترك الحياة السياسية في إسرائيل وشارك في الانتخابات العامة فيها. ويركز هذا الحزب على تهويد المجتمع الاسرائيلي حسب الشريعة اليهودية المنقورة في الهالاخاة.
في منتصف الثمانينات أضعف الحزب انفصال مجموعة من اليهود الشرقيين السفراديم بقيادة الحاخام " أوفاديا يوسف" ذو الأصول العراقية وتشكيلهم حزبا خاصا بهم باسم حزب " شاس " ( حماة التوراة السفراديم). ولنفس الأسباب التي خرج بسببها حزب تامي من حضن المفدال، كذلك خرج حزب " شاس" من حضن حزب " أجودا" . لقد أخذ حزب " شاس" على قيادة حزب "أجودا" بأنها أداة سياسية وروحية في يد الأشكناز وبأن أعضاء الحزب من السفراديم قد شعروا أنهم يشكلون بالنسبة للحزب مادة انتخابية فقط لا غير ، ولقد استقطب الحزب مجموعة كبيرة من أعضاء حزب أجودا ذوي الأصول الآسيوية والأفريقية كما استقطب عددا كبيرا من مؤيدي حزب تامي الذين شعروا بخيبة أمل بعد محاكمة الناطق الرسمي للحزب أهارون.
في الحقيقة لم يكن حزب شاس منذ مولده حزبا سفراديميا خالصا، فلقد انضم إلى المجموعة السفراديمية مجموعة أخرى من الأشكناز الذين خرجوا من حزب أجودا بقيادة الحاخام " أ.ميناخيم شاخ " ذو الأصول اللتفانية، احتجاجا على سياسة الحزب الغير واضحة. وهكذا كان داخل حزب شاس تياران أحدهما سفراديمي بقيادة أوفادية يوسف والآخر أشكنازي بقيادة شاخ .
في بداية الأمر كان الطرفان متفاهمان ولكن سياسة أوفايدة الداعية للسلام مع العرب أقلقت كل من الأوساط اليمينية والدينية المتطرفة وأظهرت الخلافات مع التيار الأشكنازي في الحزب بقيادة شاخ. أعلن أوفايدة أنه من أجل السلام وحرصا على أرواح اليهود التي هي أغلى من الأرض، على إسرائيل أن تتنازل عن الأراضي المحتلة وعقد سلام مع الدول العربية. وفي عام 1990 زار مصر واجتمع مع الرئيس مبارك ومع ممثلين عن الديانتين الاسلامية والمسيحية. وفي داخل إسرائيل سعى لحجب الثقة عن الحكومة الاسرائيلية اليمينية وإعلان انتخابات مبكرة لأنه كان يأمل بفوز حزب رابين وبيريز، حزب العمل الاسرائيلي. سياسة أوفيدة هذه لقيت رفضا من الجناح الأشكنازي بقيادة شاخ الذي شكل تنظيما خاصا للاشكيناز في داخل الحزب باسم " ديغل ها- تورا" أي حماة التوراة، و رفض شاخ الاشتراك في دعوة أوفايدة لحجب الثقة عن الحكومة اليمينية، بل واستطاع التأثير على حزب شاس ودفعه للاشتراك في حكومة الليكود اليمينية بقيادة شامير، ولكنه في عام 1992 لم يفلح في منع الحزب من دخول الحكومة الائتلافية العمالية برئاسة رابين واستطاع إقناع الجناح الأشكنازي في الحزب بعدم الاشتراك في هذه الحكومة ، وفي النهاية المطاف انفصل هذا الجناح عن حزب شاس وشكل حزبا مستقلا متعاطفا مع السياسة المتطرفة لليمين الصهيوني و الديني القومي.
تستمد الحركات اليهودية الدينية القومية المتطرفة وبما فيهم المفدال أفكارها من طروحات الحاخام أبرهام كوك ( 1865-1935) الذي ولد في" لتفيا" ورحل عام 1904 إلى فلسطين وأصبح الحاخام الأول لليهود الأشكناز، وابنه تسفي يهودا كوك ، الذي مشى في خطى والده وحمل أفكاره. أهم أفكار كوك الأب هي ، عودة اليهود من المهجر إلى أرض الميعاد تطبيقا لرغبة الله ورفض أفكار بعض الحركات الدينية اليهودية التي رفضت السياسة الصهيونية بحجة أن عصر عودة المسيح المنتظر لم يبدأ بعد، وأعلن أن عصر عودة المسيح قد بدأ فعلا ،و أن الصهيونية ما هي إلا الأداة التي بعثها الله من أجل تحقيق الوعد الإلهي، وأن الله سيرسم الشكل النهائي للمجتمع اليهودي في إسرائيل بعد قيام الدولة اليهودية وسيأخذ بيد اليهود ويساعدهم في تطبيق الاتفاقية حسب تعاليم التوراة. أفكار كوك أصبحت مصدرا للإلهام لكل من المفدال والحركات الدينية المتطرفة . أما كوك الابن فرغم أنه لم يكن في ثقافة أبيه ولم يكن عالما بأصول شريعة الهالاخاة وبقي فترة طويلة لم يلعب فيها دورا مهما في الحركة الدينية القومية والأصولية، إلا أنه أصبح في ما بعد كأبيه ملهما للحركات الدينية المتطرفة.
تنطلق أفكار كوك الابن من شعارين اثنين بناهما على فكر والده، وهما أن انتصار إسرائيل في حرب عام 1967 حدث بمشيئة وإرادة الله الذي أراد أن يعيد أرض إسرائيل لأصحابها اليهود، والتي أخذها من أجدادهم لعدم تمسكهم بالاتفاقية مع الله وبشريعة الرب في التوراة. ولقد كان الصهاينة العلمانيون أداة في هذه الحرب بدون علمهم من أجل تحقيق إرادة الله، وهي إشارة من الله على أن عصر المسيح المنتظر وخلاص الشعب اليهودي قد بدأ ، كما أعلن أن إعادة أي جزء من الأرض إلى الفلسطينيين يعتبر خيانة لله ومخالفة للاتفاقية معه. أكد كوك الابن على النوعية المتفوقة لليهود والثقافة اليهودية ورفض كل ما هو ليس يهوديا سواء من الناحية العرقية أو في ما يتعلق بالدين والثقافة، كما اعتبر أن اليهود واليهودية ستشكل الظروف الحضارية التي على العالم أجمع أن يسير في كنفها. لقد أول النصوص التوراتية حتى تنطبق على الواقع الحالي وأصدر الفتاوى التي تقارن عرب فلسطين بشعوب التوراة مثل أهل مدين أو العمالقة ، الذين وصى رب التوراة بإبادتهم حسب النص " ولن تبقي حيا أي شيء يتنفس" ، وأوجد بذلك تبريرا لطرد العرب من البلاد أو حتى إبادتهم .
من منطلق هذا الفهم نشر الارهابي شامير مقالا باللغة الانجليزية حتى يقرأه أكبر عدد من الناس في العالم، وقد أعيد نشره بالعبرية في جريدة هامشمار الاسرائيلية الصادرة بتاريخ 24 .12 . 1987 ، يقول فيه:
" تعالوا ننظر إلى معتقداتنا حيث لا ديننا اليهودي ولا تراثنا يمنع استعمال الوسائل الارهابية في حربنا ضد الأعداء، لذلك فليس هناك أي سبب يدعونا لوخز الضمير، في الوقت الذي يدعونا الكتاب المقدس " اقتلوا الجميع ولا تبقوا على أي شيء يتنفس" وبناء على توجيه الكتاب المقدس، نحن نقاتل ضد أعداءنا الشريرين."
بناء على أفكار كوك الأب ومن بعده الابن أخذت الحركات الدينية المتطرفة تنظر إلى الصهيونية على أنها اليد التي بعثها الله من أجل تحقيق الوعد الإلهي بإقامة الدولة اليهودية و تعلن أن حرب عام 1967 وانتصار إسرائيل فيها، هو إشارة من الله على أن عصر عودة المسيح المنتظر قد بدأ، كما أعلنت هذا العام ،العام الأول من تاريخ خلاص الشعب الاسرائيلي، ووضعت نصب أعينها الاسراع في استيطان كامل تراب فلسطين وتهويدها وإعلانها أرض إسرائيل "اريتس إسرائيل"، وقامت على أثرها حركات استيطانية متعددة لقيت من قبل حكام إسرائيل تفهما ودعما كاملا.
تتفق الحركات الدينية المتطرفة مع اليمين السياسي الاسرائيلي بأن أرض فلسطين،
" اريتس إسرائيل" هي أرض يهودية غير قابلة للنقاش وأنه يجب الاسراع في استيطان أراضيها وتطبيق سياسة الأمر الواقع عليها، كما تتفق على أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية ومن الواجب الديني والقومي إعادة بناء الهيكل في أرض الحرم الشريف و كلا من الطرفين لا يخفي رغبته في إزالة هذا الصرح الاسلامي بحجة أن الهيكل موجود تحته. ويدور النقاش بين صفوف مختلف التيارات حول حدود أرض إسرائيل، التي يحددها جناح من اليمين الاسرائيلي بأرض فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني أما الجناح اليميني المتطرف إلى جانب الحركات الدينية المتطرفة فتعتبر أرض إسرائيل هي الأرض الواقعة بين الفرات والنيل، وفي أسوء الأحوال وبسبب الظروف الدولية الحالية المعقدة يمكن الاقتناع مؤقتا بسوريا ولبنان والأردن إلى جانب أرض فلسطين الحالية . كما يجري النقاش حول مصير العرب الفلسطينيين ، سكان البلاد الأصليين؟ البعض يقول أنه يجب على الحكومة الاسرائيلية أن تقوم بترحيل الفلسطينيين إلى خارج أرض إسرائيل وإلى البلدان المجاورة، وإن لم تسمح الظروف على الحكومة والحركات الدينية القومية المتطرفة أن تقوم بكل الاجراءات التعسفية الممكنة كي تضيق الخناق على حياة الفلسطينيين وتجعل من إقامتهم مستحيلة و بذلك تجبرهم على الرحيل. البعض الآخر يقول أنه لا مانع من بقاء الفلسطينيين في أرض إسرائيل بشرط أن يعترفوا ويقبلوا بحقيقة أن هذه الأرض يهودية و هي ملك خالص لليهود، وأن يجري تهويد كافة القوانين وكافة الجوانب الحياتية في إسرائيل حسب الشريعة اليهودية المنقورة في الهالاخاه.
مع مرور الأيام أخذت الفروقات بين اليمين الصهيوني وبين القومية الدينية المتطرفة تضيق إلى درجة أصبح تحديد هذه الفروق بينهما بالنسبة للمراقب أمرا في غاية الصعوبة. كما أصبح من الصعب اليوم تحديد من يتبع من في موزايكا التنظيمات الاسرائيلية لكثرة الانتقال والتحرك بين أعضاء التنظيمات إلى جانب تغير التحالفات المستمر بينها. و قد يلاحظ المراقب نقاشات حادة واتهامات متبادلة على صفحات الجرائد بين كافة رموز الحركات اليمينية والدينية المتطرفة ولكن في نهاية المطاف فإنهم في الكنيست يقفون في معظم الحالات كجبهة واحدة.
أمرا واحدا مهما يلاحظه المراقب هو استمرار ضعف تأثير الصهيونية العلمانية المتمثلة في حزب العمل في الوسط اليهودي وزيادة الانعطاف وخاصة عند الشباب نحو اليمين الصهيوني و نحو الديني القومي المتطرف. لقد أصبح المثل الأعلى لكثير من الشباب الاسرائيلي صورة اليهودي الملتحي وفي يده الرشاش يسير متحديا أمام الموطنين العرب . وأصبح مطلب هودنة الدولة والعودة إلى أصول الشريعة اليهودية يتصاعد.
المباحثات بين حكومة اليمين الاسرائيلية برئاسة مناحيم بيغن وبين مصر عام 1979 والتي أدت إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتنازل عن سيناء أحدثت هزة في التحالف اليميني الليكودي واليميني القومي المتطرف. على أثر هذا الحدث اجتمعت مجموعة من الرموز الرافضة لسياسة الليكود الجديدة من داخل الليكود ومن خارجه وشكلت حزبا راديكاليا جديدا باسم " تيخيا" وتعني" البعث "، وكان هدف هذا التنظيم الجديد هو الوقوف في وجه أي مفاوضات سلمية مع العرب والكشف عن سياسة الخيانة التي اتبعتها حكومة بيغن بتنازلها عن الارض اليهودية للعرب. لقد أصبح أبطال الأمس من بيغن وشركاه خونة في عيون اليمين المتطرف والديني القومي المتطرف. من بين زعماء هذا الحزب الذين برزوا على المسرح السياسي وجذبوا انتباه المجتمع الاسرائيلي بتصريحاتهم وآرائهم الواضحة هم الجنرال رفائيل ايتان ،رئيس الأركان السابق للجيش الاسرائيلي والذي أسس حزبا خاصا به باسم "كوميت " وانضم لاحقا مع حزبه إلى "تيخيا" وكذلك الجنرال جوفال نيمان و العضو السابق في المنظمة الارهابية شتيرن و غيولا كوهين المنحدرة من أصل يمني. لقد أعلن الثلاثة بشكل واضح وصريح أن اتفاقية السلام مع مصر هي خيانة لليهودية لأنها تنازلت عن قطعة من الأرض الاسرائيلية الموعودة من الله، وبصقة في وجه الأسس التي تقوم عليها الرسالة اليهودية للعالم أجمع ، كما أعلنوا : " أن أرض إسرائيل هي أرضنا نحن اليهود ، وأن العرب في هذه الأرض ضيوف ليس إلا، وإذا أرادوا العيش بيننا فإننا نسمح لهم بذلك على شرط أن تكون حقوقهم ذات صفة فردية"، كما أكدوا أنه لا يحق للعرب في أرض اليهود أن يدعوا هذه الأرض وطنا ولا أن يدعوا أنفسهم شعبا.
دعى حزب " تيخيا " جميع الأحزاب والمنظمات اليهودية في إسرائيل أن تفيق قبل أن يفوت الأوان وأن تترك خلافاتها جانبا وأن تقف ضد أي اتفاق سلام مع العرب والتنازل لهم عن أي قطعة من أرض إسرائيل، كما دعا إلى وحدة كل القوى المعارضة للسلام مع العرب. وأيد هذا النداء الحاخام العجوز تسفي يهودا كوك وعدد من حاخامات المركز الحاخامي. هذا الخطاب تسبب في تسرب العضوية من كل من حزب حيروت اليميني ومن الائتلاف اليميني في الليكود في اتجاه "تيخيا" و المنظمات الدينية المتطرفة التي أخذت تتكاثر تباعا. فإلى جانب حزب" كاخ" الذي تأسس عام 1971 على يد ماير كاهان، و غوش أمونيم( عصبة المخلصين) الذي تشكل من مجموعة من شباب المفدال ،برز إلى الوجود حزب " موروشا" وتعني ( الإرث) الذي تأسس عام 1981 بزعامة العضو السابق في المفدال الحاخام خايم دروكمان، وحزب مولديت ( الوطن ) الذي تأسس عام 1988 على يد ضابط الجيش الاسرائيلي ريخيم زيفي الذي قاد الدعوة لترحيل المواطنين العرب من فلسطين، وغيرها من التنظيمات . ورغم الخلافات التي تظهر بين هذه التنظيمات والمجادلات السياسية بين زعماءها، إلا أنها في نهاية المطاف سواء خارج الكنيست أو داخله تقف كجبهة واحدة ضد أي اتفاق سلام مع العرب ينتج عنه التنازل عن شبر واحد من أرض "اريتس إسرائيل" أو يمس بوحدة أراضيه أو من وحدة أراضي القدس" العاصمة الأبدية لدولة اليهود" ، كما تقوم بمراقبة دقيقة لتحركات الليكود وحكومته لمنعه من الرضوخ للولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدول و منعه من التنازل أو المساس بما تسميه الثوابت اليهودية. كما تدعم بكل الوسائل، سياسة استيطان الأراضي المحتلة وتهويدها. ويرجع الفضل الأول لحزب " تيخيا" وبناء على اقتراحه في إعلان مدينة القدس عام 1980 عاصمة موحدة أبدية لدولة إسرائيل و بعد عام من هذا الاعلان نجح في أن يحصل على الموافقة على الاقتراح الذي قدمه بضم الجولان إلى دولة إسرائيل. باختصار شديد يلاحظ المراقب أن تحركا ملحوظا يجري في المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين المتطرف ونحو الديني الأصولي المتطرف وخاصة لدى الجيل الصاعد كما يلاحظ رغبة لدى الشباب الجديد في تهويد كافة الأوجه الاجتماعية والسياسية في إسرائيل، وعلى الجانب الاخر ضعف تأثير الصهيونية العلمانية المتمثلة في حزب العمل الاسرائيلي.