النضال من اجل أفق جديد يبزغ منه النهار


خليل اندراوس
2021 / 1 / 1 - 13:30     


في عام 1955 اصدر الفيلسوف الكبير برتراند راسل والعالم الكبير ألبرت اينشتاين نداء استثنائيا الى شعوب العالم طالبين منها ان "تضع جانبا" المشاعر القومية التي تتملكها حيال الكثير من القضايا، وان تعتبر نفسها "فقط افرادا من نوع بيولوجي له تاريخ رائع، مما لا يرغب احد منا في اختفائه"، والخيار الذي يواجه العالم (على حد قولهما)، خيار "صارخ مروع ومحتوم: هل نعمل على وضع نهاية للجنس البشري، ام نغمد البشرية الى نبذ الحرب".

برأيي الشخصي، هذا الطرح يتميز بالمثالية ولا يدخل الى صلب المشكلة، حيث لا يتطرق هذا الطرح الى ان من يسعى ويعمل من اجل زيادة تراكم رأس المال والهيمنة والسيطرة الامبريالية على العالم، على البشرية، هي طبقة رأس المال العالمي والصهيوني وشركات صناعة السلاح والتي تعمل بكل الوسائل الايديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية واستغلال وتشويه الدين، من اجل خلق الصراعات والحروب المحلية وفي مناطق مختلفة في شتى انحاء العالم خاصة في منطقة الشرق الاوسط، حيث تجري التجارة بدم الشعوب من اجل النفط وتزداد في العقود الاخيرة استعراض غطرسة القوة وخطر الدمار المتزايد بفعل السياسات الارهابية للولايات المتحدة واسرائيل خاصة في منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا، حيث تمارس الامبريالية العالمية والصهيونية وبالتعاون مع انظمة الاستبداد الرجعي لدول الخليج العربي بل الامريكي سياسات تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي وحقوق الانسان، ونهب نفط سوريا واحتلال جزء من الاراضي السورية من قبل الولايات المتحدة وتركيا، والاعتداءات العسكرية المتكررة على سوريا الشعب والوطن من قبل اسرائيل لأكبر مثل على هذه السياسات الارهابية الاجرامية التي يمارسها هذا الثالوث الدنس أي الولايات المتحدة واسرائيل وانظمة التطبيع، لا بل الخيانة في الخليج "الامريكي" والولايات المتحدة واسرائيل في العقود الاخيرة تمارسان كل اشكال الارهاب الايديولوجي والسياسي والثقافي والعسكري بادعاء انهم يمارسون سياسات الدفاع التحسبي عن النفس.



الولايات المتحدة واسرائيل تمارسان سياسات هناك من يطلق عليها مصطلح "المعايير المزدوجة" (او الكيل بمكيالين) وبرأيي هذا المصطلح غير دقيق، لأنه من الأدق وصف هذه السياسات بسياسات المعيار الاوحد الصريح والواضح والمتغطرس والعدواني والذي اسماه آدم سميث: "المبدأ الخسيس الذي يحكم سلوكيات اسياد البشرية.. كل شيء لأنفسنا، ولا شيء لغيرنا"، اشياء واحداث كثيرة جرت وتغيرت منذ ايام آدم سميث، الا ان المبدأ الخسيس اياه ما انفك يشهد ازدهارا ويحمل صور وممارسات اكثر بربرية وهمجية واحتلال العراق، والمؤامرة على سوريا والحرب الهمجية التي يشنها التحالف السعودي الاماراتي المدعوم امريكيا ومن قبل اسرائيل لأكبر امثلة على هذا المبدأ الخسيس الامبريالي الصهيوني في عصرنا الحالي.

فالولايات المتحدة خاصة في فترة حكم ريغين وبوش الابن والمأفون ترامب مارست وتمارس سياسات هدفها فرض الهيمنة المطلقة على شعوب العالم، خاصة في غرب آسيا وامريكا اللاتينية وهنا اذكر عندما قامت واشنطن وشنت حربها العدوانية على نيكاراغوا في ثمانينيات القرن العشرين وفي ذلك الوقت ادان مجلس الامن للامم المتحدة التدخل، بل الحرب العدوانية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد نيكاراغوا حيث قام الجيش الامريكي بمهاجمة نيكاراغوا من قواعد امريكية موجود في هندوراس، وقد اعطيت تفويضا بمهاجمة "اهداف رخوة" أي اهداف مدنية لا دفاعات لها. وهذا الامر استدعى احتجاج منظمة "امريكان ووتش" مما دفع رئيس تحرير مجلة نيوريبابليك المدعو مايكل كينزلي، الذي دافع عن هذه الهجمات الارهابية على الاهداف المدنية وقال بانه يجب ان ينظر اليها من زاوية براغماتية: "فالسياسة المعقولة هي التي ينبغي ان تجتاز اختبار تحليل النفقة – المنفعة"، أي كمية الدمار والشقاء التي ستقع من جهة وامكانية بروز "الدمقراطية" من جهة اخرى" –الدمقراطية التي تعرّفها طبقة رأس المال العسكري والنفطي والمالي الامريكي هذه الطبقة التي تعمل بكل الوسائل من اجل فرض الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة على دول وشعوب العالم، ولهذا اعتبرت الادارة الامريكية في عام 1937، الفاشية متوافقة مع المصالح الاقتصادية الامريكية بما يعني – ايضا – توافقها مع المفهوم الامريكي "للدمقراطية" لا بل الهيمنة المطلقة.



ولهذا اصبح الانفاق العسكري الامريكي يناهز ما تصرفه دول العالم مجتمعة، واسرائيل ربيبة وحليفة وصنيعة الولايات المتحدة تعتبر من الدول الاكثر انفاقا وتسلحا نسبيا في العالم، والوحيدة التي تمتلك السلاح الذري في منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا، وفي ثمانينيات القرن الماضي كادت اسرائيل ان تكون مسببة لسيناريو حرب عالمية ثالثة كما كتب اوليغ غرينينسكي في كتابه (مؤلف الكتاب كان في ذلك الوقت مدير قسم الشرق الاوسط وعضوا زميلا في وزارة الخارجية السوفييتية، وعلى اساس مهماته الوظيفية عمل مؤلف الكتاب المذكور اعلاه على اعداد الوثائق والخطابات للزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف، ويوري اندروبوف وللوزير اندريه غروميكو ولغيرهم من اعضاء القيادة السوفييتية في ذلك الوقت). المحلل العسكري الاسرائيلي ريئوفن بدهتزور كتب في صحيفة هآرتس بتاريخ 26/5/2005: "في زمن القوة العظمى الوحيدة التي لا تعرف الرحمة سبيلا الى قلبها والتي تبغي قيادتها قولبة العالم على مثال رؤيتها الخاصة للعالم، اضحت الاسلحة النووية اداة جذابة لشن الحرب، حتى على اعداء لا يملكون اسلحة نووية".



ففي عصرنا الحالي خطر المواجهة النووية ليس بأي حال خطرا تجريديا، ولكن وجود محور لدول تسعى من اجل السلام وحل الازمات عن طريق الحوار والسلام كما تفعل الصين وروسيا، وكذلك كما تفعل الصين حيث اتبعت حتى الآن النمط الأشد كبحا للانتشار العسكري، وزد على ذلك ان الصين قد قادت ولا تزال المساعي في الامم المتحدة الرامية الى صون الفضاء الخارجي وحفظه للاغراض السلمية بعكس الولايات المتحدة التي اعاقت ومعها اسرائيل جميع الخطوات الآيلة الى منع سباق التسلح النووي وسباق التسلح في الفضاء. ففي العقود الاخيرة تمارس الولايات المتحدة دورها الرئيسي والمغامر في تسريع وتيرة السباق الى الدمار بفعل هيمنتها العسكرية خاصة في دول الخليج العربي لا بل الامريكي والسعودية وبدعم كامل من قبل القاعدة الامامية للامبريالية العالمية في منطقة الشرق الاوسط اسرائيل.

في هذا الوضع مهم جدا بل ضرورة ملحة ان تتوحد قوى التقدم والسلام قوى اليسار الحقيقي والاحزاب الشيوعية من اجل النضال ضد سباق التسلح النووي والنضال من اجل تجريد اسرائيل من السلاح النووي وتحويل منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا الى مناطق خالية من السلاح النووي، وليس فقط مطالبة ايران بعدم امتلاك السلاح النووي، بل ايضا تحويل غرب آسيا، المنطقة الاستراتيجية والغنية بالنفط الى منطقة خالية من كل انواع سلاح الدمار الشامل النووي وغير النووي، فعلى قوى اليسار والاحزاب الشيوعية العمل في كل قطر من الاقطار مع كل قوى السلام والدمقراطية ورفع رسالة نزع السلاح الذري خاصة الاسرائيلي وممارسة العمل السياسي الثوري التقدمي القومي الاممي الحقيقي ضد النظام الاجتماعي والسياسي الامبريالي الامريكي والصهيوني اليميني العنصري الشوفيني، وخلق جبهة بين كل الاحزاب الدمقراطية التي ترفض هيمنة طبقة رأس المال من اجل البحث سويا عن افق جديد يمكن ان يبزغ منه النهار، وحيث يكون من بين ابسط البديهيات السياسية والاخلاقية مبدأ الشمولية الانسانية العادلة.

ولكي تتحرر من العبودية الفكرية لطبقة رأس المال المسيطرة في النظام الرأسمالي الامبريالي علينا ان ندرس وننشر ونعمق ادراك جماهير الشعب الواسعة بمادية ماركس الجدلية الفلسفية هذه النظرية التي توضح للطبقة العاملة الطريق للتخلص من عبودية رأس المال.



فكما جاء في البيان الشيوعي: "وأخيرا يعمل الشيوعيون على الاتحاد والتفاهم بين الاحزاب الدمقراطية في جميع الاقطار"، لكي نربح "العالم بأسره" ونبني مجتمع حرية الانسان والانسانية مكتمل المستقبل مملكة الحرية على الارض.