في الردّ على تهافت أطروحة/سرديّة مناهضة الإمبريالية (معارضة الامبريالية سياسيا في الظاهر والتحالف معها إقتصاديا لمزيد تسهيل النهب وتطبيق سياسات التوحش الاقتصادي)


عبد الناصر جلاصي
2020 / 12 / 31 - 15:42     

حظي مفهوم الإمبريالية ومناهضتها ولازال يحظى بإهتمام وتركيز كبيرين من قبل كل القوى اليسارية و التحررية تنظيمات كانت او أنظمة حاكمة حتى تحوّل لسردية كبرى ويعتبر لينين في كراسه الشهير "الإمبريالية أعلى مراحل الر|أسمالية" (1917) و الذي كتبه في معمعان الحرب العالمية الأولى معتمدا أساسا على تحليل ماركس للقانون العام للتراكم الرأسمالي (المجلد الأول لكتاب رأس مال ) وعلى بنات أفكار بوخارين الذي تحدث عن الموضوع منذ بدأت الحرب تقرع طبولها وكان ملخص الكراس ان الامبريالية هي ثمرة الرأسمالية الإحتكارية و انها في سعي محموم لمركزة رأس المال في اقل عدد من الأيدي في بلد واحد مما يقود لاحقا لصراع الامبرياليات بهدف الهيمنة على الاسواق و على فائض قيمة العمل حيث الاجور اقل و الموارد الطبيعية اكثر وفرة واقل قيمة على اهميته الا انه و خاصة بعد ال80نات و التغييرات التي شهدتها المنظومة الرأسمالية أصبح هذا التحليل قاصرا خاصة مع ظهور اقتصادات ناشئة تصدر رأس المال للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي حد ذاتهم كما ان المرحلة التي تعيشها الرأسمالية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي الى جانب التنامي الاكسبوننسيالي للعولمة لم تعد الإمبريالية ذات جدوى بالنسبة للرأسمالية بإعتبار كل شيئ استقر في يد الشركات المتعددة الجنسيات القائمة على المنافسة و الانتاجية و التي تعرقلها الامبريالية القائمة على العسكرة .... دون الاطالة في مختلف النظريات التي تناولت الامبريالية باعتبار الموضوع يتعلق بسردية مناهضة الامبريالية وجب في البداية التأكيد أن الإمبريالية ليست تهمة أو شتيمة بل هي مفهوم علمي يعبر عن كل تدخل سياسي وأحيانا عسكري في بلد آخر بهدف إقامة نظام أو تمكين نظام يعمل أكثر لصالح المصالح الامبريالية ولعل اول عهد لهذه السردية او الكذبة الكبرى قد بدأت مع الاتحاد السوفييتي بعد ان حوّل ستالين الثورة الشعبية الى ثورة بيروقراطية كسيحة و الدولة الاشتراكية الى رأسمالية الدولة المستبدة وما صاحبها من هجوم على القوميات الغير روسية وفرض أنظمة موالية في اوروبا الشرقية بقوة الدبابات بإتفاق مع بقية الدول الامبريالية في مؤتمر يالطا كله تحت مبرر الحفاظ على الثورة داخل الدولة الواحدة و تحت شعار مناهضة الامبريالية (لاحقا حصل شبه اجماع من قبل كل الطيف اليساري ان الاتحاد السوفييتي تحول لدولة امبريالية بعد ان كان يعتبر في المرحلة الشيوعية العليا فترة ستالين لكم ان تتخيلوا كمّ عبادة الشخص و الضحك على الذقون ان يتحول مجتمع من الشيوعية العليا للامبريالية بمجرد ان يلفظ شخص انفاسه الاخيرة ) في إيران كذلك يقوم نظام تيوقراطي (ثاني اثنين في العالم بعد دويلة الفاتيكان) همجي مستندا على هذيان و كذبة مناهضة الامبريالية (معلوم للجميع التنسيق الثنائي بين نظام الملالي منذ الحرب الكونترا الي حربي الخليج مرورا بحرب افغنستان ووصولا للحرب ضد داعش) الى جانب تخريب النسيج المجتمعي في الدول العربية لمزيد تمكين اتباعها من السيطرة على الحكم كما هو الحال في لبنان و سوريا و العراق و اليمن إلى جانب حرمان الشعب الايراني من حقه في حياة حرة وكريمة وحرمانه من حقه في التنظم و التعبير عن رايه و حقه في اعلام حر ... في المنطقة العربية كذلك لم تشذ عن هذه الظاهرة وقامت عديد الانظمة على هذه الاكذوبة في المقابل المدقق في ممارساتها يجدها متماهية مع توجهات الامبريالية خاصة فيم يخص الخيارات الاقتصادية التي تنهب كل المجتمع وتسمح بالثراء اللامحدود للكليبتوقراطية الحاكمة (عموما ذات رابط ما قبل حداثي طائفي او قبلي بالرغم ان هذه الانظمة تقدم نفسها حارسة للتقدمية و العلمانية في المنطقة) فمثلا النظامين الليبي و السوري من اهم النماذج التي قامت على هذه الاكذوبة بالرغم انهما لم يتركا الية انبطاح للغرب ولم يمارساها خاصة في العقد الاخير الذي سبق الثورات العربية فكل سياساتهم الخارجية و خاصة الاقتصادية والاستثمارية قامت على التماس كل الطرق لنيل رضا الغرب دون التذكير بمشاركة النظام السوري تحت راية امريكية صهيونية في تدمير العراق سنة 91 . المشترك بين هذه الانظمة و من ورائها النخب و الاحزاب و التيارات اليسارية عموما بمختلف تفريعاتها ان معاداتها للامبريالية يعني معاداة الولايات المتحدة الامريكية فقط ويتم غض النظر تماما عن الامبريالية الروسية التي تجتمع فيها كل المقومات العلمية و السياسية لدولة امبريالية من إئتلاف رأسمالية احتكارية وريثة نوموكلاتورا بيروقراطية وتخوض كل اشكال الحروب و التدخل العسكري حفاظا على مصالحها مثلها مثل الامريكان (و ان كان من الطاف الله انها ليست القوة الاولى والا لتمت ابادة ثلثي البشرية ) ورجوعا للقوى اليسارية التي الداعمة لهذه الانظمة بتعلة مناهضتها للامبريالية اي للامريكان و الذي اصبح بالوقت المحرك الاساسي لليسار والقيمة الاولى و الاخيرة لليسار عوض ان يكون معاداة كل الامبرياليات نابعا من الدفاع عن الشعوب وحقها في التحرر وتقرير مصيرها و الاصل في الاشياء ان بالنسبة لاي يساري ان حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحررها من الاستغلال الاقتصادي و القمع السياسي اسبق من واولى من كذبة مناهضة الامبريالية التي لا تصلح الا لمزيد توطيد انظمة فاشية كاذبة في ادعائها مناهضة الامبريالية و التي لا يمكن مناهضتها والتصدي لها الا بشعوب حرة ومتقدمة ومتنورة كما ان المأزق الابستيمي الثاني الذي يقع فيه اليسار الذي يعتبر مناهضة الامبريالية هي مناهضة امريكا (بإعتبار دعمها اللامشروط للكيان الصهيوني لكن لا نعرف ان كانوا يغضون الطرف ام لا يعلمون ان العلاقات الروسية الاسرائلية لا تقل اهمية عن نظيرتها الامريكية سوى تعلق الامر بالمجال الاقتصادي او العسكري او الامني الاستخباراتي او تسهيل وتشجيع المستوطنين من روسيا مثلا نفس الاسطول البحري الذي يدعم نظام مناهضة الامبريالية في سوريا ويرسو في طرطوس يواصل عمله جنوبا لحماية حقول الغاز المغتصبة من قبل الصهاينة لحمايتها من عمليات تخريب قد تطالها من المقاومة) هل بامكان احدهم المزايدة على الملاّ عمر او بن لادن او الزرقاوي او البغدادي او الظواهري وغيرهم من مجرمي الفاشيات التكفيرية في معاداة الامريكان ومقاومتهم قولا وفعلا حيث لاحقوها ولاحقتهم في كل بقعة من الارض ؟
فتحرير مفهوم مناهضة الامبريالية من سطوة مقاولي الممانعة ولحاسي بوط العسكر (المستقوين بالامبريالية الروسية) و الذي اصبح سيفا يتم رفعه في وجه المخالفين من خلال التهمة السخيفة و المضحكة سخافة تفكيرهم المثير للشفقة "عميل الامبريالية" (قد يرفعها شخص في وجه شخص اخر اخر او طرف سياسي مكروسكوبي في وجه شخص او طرف اخر بسبب خلاف صغير وممكن حتى في وجه عميد او كاتب عام كلية اذا لم يتم الموافقة على تمديد فترة المراجعة او قبول ترسيم رابع هذا دون من يبني كل برنامجه على مقاومة الامبريالية "رأسا" وينتهي به الامر لاهثا وراء مقعد في برلمان بورجوازي في دولة تابعة حسب ادبياته و لا ينجح في الحصول عليه ) ضرورة قصوى اليوم لكي يؤدي دوره الطبيعي في توعية الناشئة و الشبيبة على مناهضة كل الامبرياليات و ان يقترن بالتضامن الاممي على اسس اجتماعية وديمقراطية لا ان يقترن بأنظمة عسكرية وفاشية تخنق المجتمع وتمتص كل ثرواته و تستنزف كل طاقاته مع ضرورة قرنها بنقد ثوري للمنظومة الرأسمالية العالمية وما تنتجه من اغتراب يكرس التمييز العنصري و التمييز الجندري وكراهية النساء و الهوموفوبيا وتلويث البيئة و ان لا تقتصر مناهضة الامبريالية على الولايات المتحدة بل على الامبريالية باعتبارها وليدة الراسمالية و ان يرتبط هذا النضال من أجل الديمقراطية ثم الديمقراطية و مزيد تقصي الحقيقة في بناء المواقف و تبني انسنة السياسة و ربطها بالاخلاق و المبادئ الانسانية الكونية.