اليهود بيننا


عبدالله محمد ابو شحاتة
2020 / 12 / 31 - 15:41     

عندما يحدثنا كارل ماركس عن القضية اليهودية في أوروبا يأخذنا كعادته في تحليل عميق ينفذ إلى أعماق تلك القضية التي لا طالما شغلت العديد من فلاسفة و كُتاب عصره وأيضاً من سبقوهم ومن لحقوهم ، لكن كارل ماركس قد نفذ بتحليله إلى أعماق القضية اليهودية مستنداً على تصوره عن البناء التحتي والبناء الفوقي ، قد كان يرى أن البناء التحتي وهي علاقات العمل والإنتاج والطبقات هي التي تحدد شكل البناء الفوقي كالثقافة والدين ، ومن هذا المنطلق بدأ ماركس تحليله للقضية اليهودية في أوروبا وألمانيا تحديداً ، وعلى العكس من كُتاب عصره الذين تصوروا أن مشكلة اليهود هي مشكلة دينية وعرقية وثقافية في المقام الأول رأى ماركس أنها مشكلة ذات أساس أقتصادي ،
أن انعزال اليهود واغترابهم عن المجتمع الأوروبي في تلك الفترة لم يكن وفقاً لماركس إلا نتيجة لعلاقات الأنتاج الرأسمالية ، فاليهودي عند ماركس هو ذاك الرأسمالي المُرابي الذي يقدس المال ، وليس اليهودي هو ذاك الذي يتوقف عن العمل يوم السبت ، ولعل والد كارل ماركس حينما تحول من اليهودية للمسيحية لكي يحافظ على مصالحه الاقتصادية أصبح أكثر يهودية في نظر ماركس ،
أن عزلة اليهود وأغترابهم في المجتمع الأوروبي وظاهرة احياء الجيتو اليهودية ما هي إلا أغتراب طبقة رأسمالية عن طبقة عاملة ، لم يكن ذلك النبذ المتبادل بين اليهود و المجتمع إلا نبذ مبني على أساس أقتصادي لا على أساس ديني لاهوتي ، فالنظام الرأسمالي يخلق الأغتراب في كلا الطبقتين طبقة العمال وطبقة رأس المال ، فالعامل يغترب عن إنتاجه وعن ناتج عمله وعن مجتمعه ويحمل في نفسه حقداً دفيناً أتجاه طبقة الرأسماليين التي تستغله لتحقيق مكاسبها الخاصه، والرأسمالي يغترب عن المجتمع لأنه يراه نداً ومعادياً له، فيرى في الطبقة العاملة التي تشكل القاعدة الكبرى في المجتمع مجموعة من الحاقدين الذين يريدون أن يسلبوه حقوقه أو أن ينالو منه مكاسب ليست من حقهم ، ويغترب أيضاً عن ذاته ومجتمعه حين لا يرى أي شئ في الحياة سوى المال، فنهمه المستمر لتكديس الثروة وتحقيق فائض القيمة يجعله لا يرى في كل علاقة داخل حياته إلا الجانب المالي ولا يرى في كافة الأشياء إلا مجرد سلع ، ومن هنا يحدث الأغتراب والصراع.
إن اليهود في نظر ماركس موجودون في كل مكان وكل مجتمع، أنهم هؤلاء الذين يقدسون المال، نراهم الأن في كل مكان قد أغتربو عن المجتمع وانفصلو عنه ، أراهم انا الأن بكل وضوح في مصر وهم يشيدون المدن المغلقة و الجيتوهات ذات الأسوار والتي تحميها شركات الأمن الخاصة والتي يزخر التيليفيزيون بأعلانتها الترويجية ، ليحققو لأنفسهم بذلك القطيعة الكاملة مع المجتمع الذي ننبذوه ونبذهم .