ماذا لو أهمل بايدن كل تلك الأوراق؟


عديد نصار
2020 / 12 / 31 - 11:47     

تتسارع أحداث المنطقة العربية وتتداخل في ما يشبه السباق المحموم بين القوى الإقليمية المتناتشة على السيطرة والهيمنة وملء الفراغات الناشئة عن ترهل وتحلل أنظمة السيطرة المحلية من العراق الى سوريا الى ليبيا.. ولبنان.
ومن يتمعنْ في حركة تلك القوى يرَ أنّ كلاً منها يحاول ما استطاع أن يجمع بين يديه أكبرَ عددٍ من أوراق التفاوض خلالَ الأيام القليلة المتبقية قبل العشرين من يناير 2021 ليستقبل بها ولاية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
فهذا وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يتوجه الى العاصمة الليبية طرابلس ليطلق من هناك التهديدات بعد أن شهدت الساحة الليبية فترة قصيرة من الهدوء ومحاولات حثيثة لوقف الحرب، وهذا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني يتحرك بين طهران وبغداد بعد جولة من القصف الصاروخي الذي قامت به المليشيات الولائية التابع للحرس الثوري في العراق على المنطقة الخضراء في بغداد، وهذه الطائرات الحربية الاسرائيلية تحلق طيلة نهار الإثنين في الأجواء اللبنانية بعد يومين على شنِّ هجمات صاروخية من الأجواء اللبنانية على مواقع عسكرية يبدو أنها ايرانية في منطقة مصياف السورية، وتلك تحركات عسكرية روسية في منطقة البوكمال شرق سوريا تحاول إزاحة المليشيات الإيرانية والسيطرة على بعض مناطق سيطرتها، وما شهدته مدينة عين عيسى في الشمال السوري من تحركات عسكرية للتضييق على قوات قسد والمليشيات الكردية من قبل الأتراك وتربص القوات الروسية بها ما انتهى الى تسليم المدينة لقوات النظام السوري من قبل قوات قسد.. وهذه المليشيات الحوثية توسع من ارتكاباتها الإجرامية في اليمن وتكرر اعتداءاتها البحرية على السفن التجارية في البحر الأحمر..
في نفس الوقت يقف حزب الله اللبناني وراء رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون والتيار الوطني الحر بزعامة صهره جبران باسيل في منع تشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد أن سلّم الرئيس المكلف سعد الحريري الرئيس ميشال عون تشكيلته التي وافق عليه البطريرك بشارة الراعي الذي قام بمساع لم تلقَ آذانا صاغية في قصر الرئاسة في بعبدا. وواضح تماما أن عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية يراد منها إضافة ورقة جديدة بيد النظام الإيراني للتبادل بها مع بايدن. هذا في وقت يرزح اللبنانيون تحت وطأة ضائقة مالية ومعيشية خانقة لا تجد من يعمل على معالجتها أو التخفيف من وطأتها، ليقع لبنان والشعب اللبناني كله في عز اختناقه، في قبضة النظام الإيراني ورقةَ ابتزاز وتفاوض مع أمريكا.
الكل ينتظر ولاية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والكل يحاول جمع ما أمكن من أوراق بيديه منتظرا أن يستخدمها في وجه الرئيس الأمريكي الجديد للحصول على مكاسب اقليمية أو سياسية أو اقتصادية. وكأن الرئيس الأمريكي الجديد خالي الوفاض من أي برنامج أو مشروع ويجلس منتظرا مشاريع الآخرين واشتراطاتهم. بل كأن الرئيس الأمريكي يحمل في جيبه مفاتيح المنطقة ليوزع عطاءاته على تلك القوى الإقليمية في بلادنا وعلى حساب شعوبنا في غياب حكومات وقوى سياسية قادرة على فرض سيادة بلداننا ومصالحها الحيوية في وجه الجميع.
صحيح أن حكوماتنا والقوى المسيطرة في بلداننا رهينة التبعيات المتعددة والمختلفة بمن فيهم اؤلئك الذين تصدروا المعارضة السورية والفصائل الفلسطينية والأحزاب الطائفية في العراق وفي لبنان خصوصا وبعض المليشيات المسلحة والقوى العشائرية في ليبيا، صحيح أن هؤلاء جميعا فشلوا جميعا في تمثيل مصالح شعوبهم وبلدانهم، بل لم يحاولوا ذلك في أغلب الأحيان، وصحيح أن الانتفاضات الشعبية العربية لم تتمكن حتى الآن وخلال عشر سنوات من الصراعات والتدخلات الخارجية المباشرة أو من خلال التنظيمات الإرهابية، من بناء منظمات وأحزاب تُعبّر بالتنظيم والبرامج والممارسة عن مصالح الشعوب، وصحيح أيضا أن القوى الإقليمية تمكنت من فرض احتلالات متعددة، عسكرية وغير عسكرية في بلداننا، إلا أن ذلك لن يُمكّن هذه القوى الإقليمية من أن تكرر التجربة الصهيونية وأن تحصل من جو بايدن على وعود شبيهة بوعد بلفور الذي أعطى فيه من لا يملك أرضَ فلسطين لمن لا يستحق.
فالانتفاضات الشعبية العربية لم تتوقف ولن تتوقف طالما أن أسبابها الملموسة مستمرة، وهي مستمرة بالتفاقم أيضا بحيث باتت أضعاف ما كانت عليه قبل الموجة الأولى من التردي والانسحاق والإفقار والإذلال.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإدارة الأمريكية الجديدة، وقد اختار بايدن مرشحه لوزارة الخارجية و اختار ايضا اغلب فريقه الامني و المخابراتي و الديبلوماسي و الاقتصادي (بإنتظار موافقة الكونغرس على بعض المراكز). كل الاسماء موجودة في اغلب الصحف العالمية مع سيرتهم الذاتية و السياسية بحيث يستطيع الجميع أن يأخذ فكرة "مبدئية "عن التوجه السياسي لإدارة بايدن التي لن تبادر الى الخروج من المنطقة، وهي، وإن كانت الصين أبرز من تنازعها على السيطرة العالمية اقتصاديا وسياسيا، وإن كان حصار الصين هدفا استراتيجيا لها، فإن واقع المنطقة العربية يبقى على جدول أعمالها كونُه أيضا من مستلزمات هذه الاستراتيجية وبالتالي لن تترك المنطقة للذئاب الإقليميين إلا بما يخدم هذه الاستراتيجية. وعليه، فإن أوراق التفاوض الذي يجري السباق المحموم للحصول عليها من قبل الأفرقاء الإقليميين (يبلوها ويشربوا زُومها) على جَريِ القول العامّي اللبناني المأثور، لأنها لن تُقدّم لتلك القوى سوى مزيدٍ من الأسباب التي تشعل الشارع وتؤجّجه في سَعْيه المحموم للخلاص من سيطرتها ومن إجرامها.