الحكم الانتقالي يواصل تسهيل إحكام سيطرة مصر على السودان


محمود محمد ياسين
2020 / 12 / 31 - 10:35     

رغم ان السودان له شاطئ على البحر الأحمر بطول 780 كيلو متر تمتد من الحدود مع مصر حتى الحدود مع دولة أريتريا جنوبا الا ان الحكم الانتقالي السوداني حَوَّل، حتى اشعار آخر، البلاد لدولة حبيسة مثله مثل البلدان الداخلية الأخرى (land-locked countries)!! فالحكم الانتقالي أغلق ميناء بورتسودان، درة البحر الأحمر، التي تمثل اهمية استراتيجية واقتصادية قصوى للسودان.

ظل التعتيم المتعمد يتواصل حثيثا من المسؤولين حول ما يجرى في البحر الأحمر والميناء من تدخلات خارجية حول وضع بورتسودان؛ ومن المعلومات المتوفرة، فان بين أصحاب هذه التدخلات مؔن لا يخفى مطامعه في السيطرة على الميناء كما في حالة الامارات، ونية روسيا، باعتراف رئيسها بوتين، على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان على البحر الأحمر قادرة على إرساء سفن تعمل بالطاقة النووية. لكن بدأ يتضح مؤخرا ان الحكم الانتقالي قد قطع شوطا كبيرا في تمكين الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على ميناء بورتسودان. والاتفاق مع أمريكا حول هذا الموضوع لم يظهر للعلن الا بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ وهنا يثار السؤال ما إذا كان السماح لأمريكا التواجد في الميناء جزءا من الصفقة التي تمت بين البلدين حول رفع اسم السودان من تلك القائمة.

ظهر فجأة هاشم بن عوف، الوزير بوزارة البنى التحتية والنقل، في نهاية ديسمبر (28/12) يعلن في تصريح ركيك عن زيارة وفد يقوده الملحق العسكري الأمريكي الى ميناء بورتسودان، قائلا ان المسؤول الأمريكي جاء في إطار الاستعدادات والترتيبات لاستقبال السفن الأمريكية المتوقع وصولها إلى البلاد في شهر مارس من العام المقبل التي تحمل اغاثات ومعينات للسفارة الأمريكية بالخرطوم! كما أكد أن الزيارة تعزيز لقرار رفع السودان من قائمة الإرهاب!! ولكن الأسباب التي ذكرها ابن عوف لا معنى لها وغير مقنعة إزاء القفل الذي تعرضت له الميناء وتحويل عبء الخدمات التي تقوم بها الى الموانئ المصرية. لكن يبدو مما ذكره الوزير نفسه في تصريحه ان مهمة الوفد الأمريكي ذات اهداف واسعة؛ فالوزير قد أشار الى أن إنهم طالبوا البحرية الأمريكية مدهم بنسخة من مخرجات التحقق حول سلامة وأمن الميناء بغرض تطبيق معايير السلامة التي يرونها مناسبة في الميناء. فالسؤال هو ما هي هذه المعايير المناسبة لإعادة تصميم الميناء؟ ان الذي يؤكد ان أمريكا تستهدف البحر الأحمر لأغراض عسكرية هو أن الزيارة الأمريكية للمنطقة شملت ممثلين للبنتاغون الذين زاروا كذلك قاعدة فلامنجو البحرية في البحر الأحمر؛ وحقيقة زيارة البنتاغون عمد ابن عوف على اخفائها في تصريحاته قبل أن تنشرها الوسائط الإعلامية.

وكذلك نفاجأ بالأخبار وهي تنقل لنا تزامنا مع زيارة الوفد الأمريكي لبورتسودان (28/12) وتصريح لهاشم بن عوف أن مصر تسمح للسودان باستخدام موانئها في التصدير والاستيراد لمساعدته لمواجهة الأزمة الحادثة في أهم موانئه. وتنقل الاخبار المفاجئة أنه لتحقيق انسياب حركة التجارة السودانية، فقد صرح وزير المالية المصري بانه قد تم التوافق مع ممثلين للسودان (أشار اليهم بالجانب السوداني) على الإجراءات اللوجستية اللازمة لتصدير90% من المنتجات السودانية عبر الموانئ المصرية خاصة مينائي العين السخنة والسويس.
و
هكذا يتم في توقيت واحد اغلاق ميناء بورتسودان استجابة لرغبة أمريكا وتحويل صادرات تجارة السودان مع دول العالم عبر مصر.

قابل الاعلام المصري الحدث بالتهليل بادعاء ان الخطوة لمساعدة الأشقاء تأتى في اتجاه تعزيز الشراكة التاريخية بين شعبي وادي النيل!!! وعلى نحو يتسق مع الشراكة التاريخية المزعومة بين شعبي وادي النيل أوضح المسؤولون في مصر ان الإجراءات الجمركية على البضائع السودانية العابرة لمصر تحت نظام الترانزيت عبر الأراضي المصرية تتضمن:

- التحقق من الفحص الظاهري للحاويات.
- استيفاء قواعد الرقابة المحجرية للبضائع التي قد تحتاج إلى عرض بعض الأصناف على الجهات الرقابية.
- سداد الجهة المعنية للضرائب والرسوم الجمركية على البضائع المنقولة بصفة أمانة لحين وصولها إلى الوجهة النهائية.
- ولمزيد من تحقيق ضمانات اوفر لمصر يطلب فتح اعتماد مستندي معزز (confirmed letter of credit) للبضائع المنقولة بنظام الترانزيت.

تلك الإجراءات تدل على سيطرة كاملة على الصادرات والواردات السودانية من قبل مصر، التي تتيح لها إجراءات الفحص التي تشمل عرض بعض البضائع على الجهات الرقابية الالمام الكامل بطبيعة التجارة السودانية ومصادرها وهذا بالطبع يقلل من حرية السودان في تعامله التجاري الخارجي. كما أن الجمارك والضرائب والرسوم البنكية التي يفرضها تحويل التجارة سوف تقلل من القدرة التنافسية للصادرات السودانية وتؤدى لارتفاع أسعار الواردات.

ان تحويل انسياب الصادرات الواردات السودانية عبر الموانئ المصرية في ضوء الظروف التي يتم فيها تجئ خدمة للقوى العالمية التي ترمى للسيطرة الكاملة على الشواطئ السودانية في البحر الأحمر. والاجراء هدية من الحكم الانتقالي لمصر التي عملت على تجيره لصالحها على حساب السودان وهو توجه دأبت عليه الأنظمة الحاكمة المصرية لعقود طويلة. فالاتفاق الذي تم مع مصر غير واضحة طبيعته ومداه والكيفية التي أتخذ بها القرار لوضعه موضع التنفيذ ومن اين استمد الجانب السوداني (يشمل رجال أعمال) التفويض للتفاوض مع المصريين.

ان اتفاق تحويل التجارة السودانية عبر مصر يعتبر إضافة جديدة للامتيازات (concessions) التي ظل يسبغها الحكم الانتقالي على مصر بسخاء غير معهود كما في حالة الاتفاقات المبرمة بين منظومة الصناعات السودانية ومصر في أغسطس 2020 على دراسة استغلال اراضي زراعية متاحة بالسودان لزراعتها بعباد الشمس وفول الصويا والذرة لصالح الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين المصرية مما يمكنها ليس فقط توفير الزيوت للسوق المصرية بل للتصدير كذلك، بالإضافة لمواصلة التعاون بين البلدين في مجال تصدير اللحوم الحية لمصر (24 - 45الف طن سنويا) من جانب شركة الاتجاهات السودانية لصالح الشركة القابضة للصناعات الغذائية.