بغداد تغرق في الظلام


قاسم علي فنجان
2020 / 12 / 29 - 17:39     

بغداد اليوم تمر بأحلك واظلم لياليها، تسير في شوارعها فلا تلحظ أي شكل من اشكال الحياة؛ الخوف والقلق والتوتر والترقب هم السائد، مدينة تنتشر فيها الجيوش في كل مكان، وبمختلف تسمياتهم واصنافهم: ميليشيات، عسكر، شرطة، عصابات، مافيات، ومواكب قادة الميليشيات، و"ربع الله" يسيّرون دورياتهم، حاملين "التواثي"، لضرب أي "مخل" بالآداب.
بغداد مدينة انقلابات عسكرية وميلشياتيه، وانت تسير هادئا في شوارعها، وفي لحظة ما، وإذا بالجيش والشرطة تنتشر في كل مكان، وتنصب سيطراتها، وإذا بسيارات الميليشيات المسلحة تمر بقربك، تخطف روحك؛ وانت تجلس في بيتك او في النادي او المقهى وإذا بك ترتعد من صوت صواريخ "المقاومة" ومضاداتها، وتسمع ان الصواريخ سقطت على منازل الناس الأمنيين، وتشاهد الأطفال وقد تحولوا الى أشلاء، وتقرأ تصريحا للسفير او الوزير يهدد بالرد القاسي، ويتشنج ويتوتر الوضع، وبعد ذلك يحل، ويرجع كل الى قواعده.
بغداد ليست "قلعة الأسود" كما كانت تتغنى بها السيدة، أضحت قلعة لعصابات النهب والسلب الاسلامية، قلعة المعطلين عن العمل، الذين يفترشون الساحات والمقاهي، قلعة المواخير وصالات القمار والمخدرات والاتجار بالنساء، قلعة الأطفال المشردين، الذين تراهم في تقاطعات الطرق، قلعة الجيوش الملثمة والمقنعة.
بغداد اليوم لا توجد فيها معامل او مصانع تعمل، كلها توقفت، هيكلتها سلطة الإسلام السياسي وباعتها "خردة"، بغداد اليوم تزدهر فيها اعمال جديدة "بطايق نفط، كلنس، كارت موبايل، نفاخ، خبز يابس، طحين اسمر، عتيك للبيع، تصليح طباخات، عالوچه بربع" فضلا عن الاف المشردين والمشردات و "المجاديه".
بغداد اليوم تخلو من المسارح والسينما والنوادي الثقافية، بديل الناس اضحى "حملة دار" ل "شريفة بنت الحسن" او "سيد حمد الله" او "للشيخ الگيلاني، او "للكاظم"، او "لابو حنيفة"، او الى "المقابر"، فهم يرددون الجملة الشهيرة "إذا ضاقت النفوس فعليكم بزيارة القبور"، بالتالي فهي مدينة موتى.
بغداد اليوم معطلة ومشلولة تماما، لياليها موحشة، يغيب الفرح عنها، لا ابتسامة على وجوه الناس، الجوع والعوز والجهل والتخلف والبطالة والمرض، كلها سمات هذه المدينة؛ مدينة تفتقد للأمل، أقصى طموح للذين يعيشون فيها "بلكي نعيش لباچر" ناسها خائفة من المجهول القادم، انها مدينة "مذلولة" مطأطأة الرأس، منحنية، منكسرة، منذ سبعة عشر عاما وهي تنال المركز الأول "كأسوأ مدينة للعيش في العالم".
رحل عن بغداد سندباد، كما رحلت ليالي ألف ليلة وليلة، شهرزاد سكتت عن الكلام، وشهريار بقي وحيدا؛ الاربعون حرامي تكاثروا في بغداد، ولم يصب أحدا عليهم الزيت ويحرقهم، رأس المنصور ينظر ما يجري مندهشا، وأبو نؤاس قطعت اصابعه بسبب اشعاره ورفعه الكأس، المتنبي القى سيفه وترجل عن حصانه، والجواهري استمر ينشد، متعلقا بأمل ما "سينهض من صميم اليأس جيل مريد البأس جبار عنيد"، وبقي الحزن يخيم على جواد سليم ونصب الحرية، وحمامات فائق حسن اتشحن بالسواد مرة اخرى، لما رأين من مجازر ترتكب بحق شبيبة بغداد، واستمر حنين فلفل گرجي على الأيام التي مضت " انا من اگولن اه واتذكر ايامي"، نعم لقد رحلت بغداد من ذاكرة محبيها، فقد تحولت الى مدينة اشباح، وغرقت في ظلام إسلامي دامس.