الكرسمس


بديع الآلوسي
2020 / 12 / 28 - 23:19     

ثلاث ايام والثلج يتساقط ، كنت العب مع اخي الصغير قرب الموقد ، اشعلت امي شمعة وقالت : هذه للعذراء .. وصارت ترتل اغنية حزينة ، كان القِدرُ فارغا ً من الحليب ، في حين كان الصغير يردد كلمات لا تفهما سوى امي ، استمر الطفل بهز رأسه وهو يغمغم : (حل ، حلي ، جو ، جوع .. )
لم ننم تلك الليلة ، في ساعة متأخرة ، بينما كنا ننظر من خلف زجاج الشباك ، اتى ذو اللحية الفضية حاملا ً كيسا ً من الهدايا ، التي بثت في ارواحنا النشاط و المسرات ، تسارعت دقات قلبي وتراقصت على اطراف اصابعي ..
قالت امي : اسمعا ، سنخرج من المنزل بعد ان يختفي بابا نويل ، صرت اقفز وانا اصرخ : ماذا جلب لنا … ماذا .. ؟
ـ كفوا عن الصراخ بهذه الطريقة ..
فتحنا الباب ، كانت ريحا ً زمهريرا ً ، ونظرنا في الليل الدامس والى الاضواء البعيدة والنجوم المتغامزة ، صارت امي تغني : ليلة عيد ، ليلة عيد ، الليلة ليلة عيد ، زينة وناس ، صوت اجراس عم بترن بعيد .
لم يخيب نويل ظن أمي ، فقد جلب لها علبه االحليب المجفف ، وغمرنا بهدايا صغيرة جعلتني أنط كالأرنب متجاهلا ً برودة الثلج ..
لم نقل للجيران شيئا ً عن مصدر الهدايا ، كنا نخاف من ان تكون اسرار رجل الثلج عرضة للأكتشاف .. وقالت امي كلاما ً كثير بهذا الشأن ، فهمت منه فكرة واحدة ، هي ان بابا نويل يعيش في الحقل المجاور .
لكنا حافظنا على السر سنين طويلة ولم نكشف امره الى الاخرين . لذلك إذا ما سألنا الجيران او اطفال الاغنياء : من اعطاكم كل هذه اللعب الملونة ؟
نكتفي بالصمت ، نضحك وننصرف بسرعة ، بعد ذلك بزمن طويل ، كنت اردد بيني وبين نفسي : هل يحمل ملامح رجل اسباني او انجليزي او عربي مثل كثير من البشر، لكن ما اذكره ان أمي كانت كل 25 ديسمبر تناديني والابتسامة تملا ُ وجهها قائلةً : سياتي من خلف تلال الثلج الشيوعي الكريم .
لذلك نكتفي بالصمت مخافة ان يقتل الأشرار ذلك الإنسان الرئع ، و الذي يوزع على الفقراء الفرح .. ربما لذلك نحبه اكثر مما تتصورون ...