كمين الكتابة من حوارنا مع الصحفي والأديب جمال المظفر- الحلقة الأولى – من المثقف العضوي؛ منظومة متكاملة -في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 12 / 26 - 16:11     

جمال المظفر الممتد بين أحراش نخيل البصرة وعشارها وأثلها والموسوم على نوافذها..نهر الكتابة القابع خلف رحلة الحياة المهاجرة في سِفرها الأول والأخير من كتاب الحروب الذي مرقت على كل تفاصيل حياته.. معنا الصحفي و الأديب والكاتب لكل الأجناس الأدبية والمثقف العضوي – والمنظومة المتكاملة،حيث يرسمنا تناغم أدبي مميز في كل أشكال الكتابة- الباحث عن الحرية الواعية؛ لا الحرية المسيئة حتى في أدق تفاصيلها في كل المجالات ..والمتناسي لآلامه رغم تزاحمها على أجنحة الأمل الذي يثبطه أحيانًا ..فتراه يُشرع ابتسامته على مصراعيها ويشعل ابتسامة أخرى ليخلق منها حياة جديدة هذا مالمسته من خلال حواري معه وأنا أقرأ ردوده على أسئلتي
- إنه من مواليد البصرة ( 1958)
- عضو عامل في نقابة الصحفيين العراقيين
- عضو اتحاد الصحفيين العرب
- عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
- عضو جمعية الخطاطين العراقيين
- عمل رئيسا لتحرير جريدة صوت التأميم قبل سقوط النظام واعتقل وسجن من قبل النظام بسبب كتاباته ومنع من مزاولة العمل الصحفي ...
- تبوأ مناصب مسؤول قسم الاخبار والمراسلين وسكرتير تحرير قبل ان يصبح رئيسا للتحرير
- يكتب حاليا في الصحف العراقية
- يعمل منذ فترة في اعداد البرامج التلفزيونية للقنوات الفضائية
- نشر العديد من القصص القصيرة والقصائد والمقالات والدراسات النقدية في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونيه..
- فازت احدى قصصه بجائزه محليه

1. هل يومًا فشلت بإكمال نصًا ما، حين زالت عنك انفعالات اللحظة ومؤثراتها، فأحجمت عن الكتابة لتتقن صلاة البوح ؟ هل فتشت يومًا في مخزن الأفراح الكامن في ميدان الكتابة عن شيء كان ينقصك ؟

يجيبنا الصحفي والأديب جمال المظفر قائلًا:
حدث أن تركت الكثير من النصوص حين اشعر اني غير قادر على مواصلة الكتابة ومزقت ذات مرة رواية وصلت فيها الى مراحل متقدمة في لحظة انفعال وكأني دخلت في مرحلة خصام حاد مع شخوصي ، تمردوا على خط سيري ولم اندم ابدا على تمزيقها ، اعدها تمرينا على الكتابة .. المهم اني عوضت ماكان ينقصني في تلك اللحظة ان اكون بطل النص احدد ما اشاء لا ان اكون اسير شخوصي التي تحاول ان تجرني الى منطقة الصراع الداخلي ..احيانا التخلي عن نصوص او كتابات تعد بمثابة تمرين على الكتابة الجيدة الاكثر تطورا ونضجا وتجاوز كل اخفاقات المرحلة الاولية من المشروع الكتابي .. ليس كل مايركن او يمزق يعد سلبيا وانما التوجه نحو الرصانة والمتانة اللغوية والصورية ..

حين يقف النص عندي لااجبر نفسي على الكتابة ، فالمزاج العام والخاص يتدخل بقوة في الاستمرارية او التوقف .. قد تشحذ لحظات الحزن المخيلة وتجعلها تدون بأسهاب بينما لحظات الفرح قد لاتمنح الكاتب فسحة للكتابة ..

الكتابة مزاج لاموعد له ولاتهيئة مسبقة .. ربما الكتابة القصصية والروائية تكون فيها الحالة مختلفه عن كتابة الشعر ... فالقص يمر مثل شريط سينمائي امام الكاتب قد لايستطيع ان يواكب سرعة الاحداث وحركة الشخوص ...

لحظات الحزن تدفعني للكتابة اكثر من لحظات الفرح .. ربما هي محاولات للتنفيس عن الكبت والالم وتدوينهما يعني تفريغ تلك الشحنات السلبية لاراحة الذات .. الكتابة ليست نزهة او سياحة بين الحروف .. اعدها نزفا لاترفا .. فالكاتب الذي لاينزف اثناء الكتابة اشعر انه يكتب بتعالي وتحت يافطة الاسم الذي ضخمته وسائل الاعلام ..

في قصيدتي ( مدن تفض بكارة الجدران ) لم اجهد نفسي كثيرا كما في باقي القصائد ، بل انسابت كشلال ماء .. لم أهيء أي شئ سوى مخيلتي وادون مايهبط علي من صور شعرية .. كأنها لحظة درامية بفعل شعري نثري :

مدنٌ تفضُّ بكارة َالجدران

جمال المظفر

الشناشيلُ تهذي

والطرقاتُ تكتمُها الرغباتُ

واطفالٌ يلمّونَ القمرَ

من داخل ِالنهر

أرغفة ً

والشبابيكُ خاوية ٌمن شدّة ِالجوع

وهناك...ألفُ غانيةٍ

تشدُ وسطـَها

واميرٌ جائعٌ يخلعُ نعلـَهُ

كي يراقصَ السريرَ

هذي الشناشيلُ تمارسُ العهرَ

منذ أن كانت المدنُ

تصبُ منيَها في ارحام ِالقردةِ

والابوابُ تولدُ النساءَ في المساءِ

وينحني الرخامُ من شدة ِالمحيضِ

هناك الاعمدةُ لاتجيدُ التبولَ

او مراقصة َظلال ِالآرائكِ

والستائرُ تعاني الشبقَ الجنسيَ

جسرٌ كان هناك في شهادة ِالميلادِ

وزوارقُ بلا ماء ٍدافقٍ

وكهنة ٌيطاردونَ الخطايا

في الشُرفاتِ

وهناك كانت الشمسُ رغيفَ الشعراءِ

كان الخريفُ / امرأةٌ ومدفأةٌ

ورغبةٌ هائمةٌ

وبيجامةٌ تهزُ ارجلـَها مزهوة ً

بفتحٍ طال َجميعَ الزوايا ..

أدِرْ ظهرَك ..كي أخلعَ ماطالَهُ الزبائنُ

من أثداءٍ وشفاهٍ

كان مثلثُ برمودا محظوراً

إذ كان الطوفانُ

لأنه يُرعبُ تلك َالخيول َالثائرةَ

ويفيضُ عندما تلامسُهُ اصابع ُالشيطان

كانت الخرافةُ : إن الشيطانَ تلبّسَ في جسد ِامراةٍ

عندما طاردَهُ اللهُ في السماءِ

كنتَ أنت ..مثلَ الآلهةِ

تمضغُ ضوء َالقمرِ

وتحتسي ادمغة َالفلاسفةِ

عكازكُ لايجيدُ الكلامَ

ولا الغناءَ

ولامداعبة َالخيولِ

عكازكُ هذا الامير

كان يرقصُ يوماً في المرايا

أغراني مذ كنتُ طفلة ًأداعبُ السريرَ

وأشتهي لعبة ًتكسر ُطوق َالياسمين

تثيرني..توقظ ُهذا النائمَ السكران

تعيدُ ثورة َالعبيد ِمن جديد

أما آن أن تستعيدَ لعب َالصبايا

وتضمَ وسادتـَك التي أنجبت تلكَ الدمى العارية َ

هذي الشوارعُ مارست أهواءَها

منذ كانت السماءُ لاتوزعُ الهدايا

ومؤخراتُ الجند ِاوعية ٌللطهي

وخيولٌ لاتؤجرُ ظهورَها للملوك ِاو الجبابرةِ

والعرباتُ كانت خجلى بملابسِ النومِ

العجلاتُ كانت تجرُ الرغبةَ من غرفةٍ مستهترةٍ

تفتحُ المدنَ حتى الشفرين

وتأخذُ نشوتـَها

هي هكذا

كانت المدنُ تتصيدُ النزلاءَ

تنغمسُ في لذةِ انفراج ِساقي لبوةٍ

روّضَها الخريفُ

هي هكذا

مدنٌ لاتشتهي العفةَ الجائرةَ

والضميرُ معبأٌ في سوقِ المتعةِ

كالخمرةِ تشربُ الثمالى

وتحتسي نهاياتِ الحروفِ

هي هكذا

كانت المدنُ تفضُ بكارة َالجدرانِ

وتعدُ عشاءَها الاخيرَ

مذ كان الرجالُ بلا أنوثةٍ

ويومَ لم تكنْ هناك النساءُ

يطوونَ أرجلـَهم كي تكونَ لحمة ً

للبحثِ عن أنثى

وعن مكانٍ

هنالك كان الزمانُ يرقصُ

يلاعبُ الكلماتِ

يمشي على عكازِهِ الاسيرِ

وكان الظلامُ يُخبئُ النساءَ

ويحتفي باللّذة ِالثائرةِ

الليلُ فستانُ العرايا

ودواوينُ الشعراء ِالمرميةُ على اسرة ِالخطيئةِ

هي هكذا

كانت المدنُ تؤجرُ الليلَ..تستلُ جرأتـَها
وترتمي في أحضان ِالقمرِ