الامبريالية والصراع الطبقي (1)


عبد السلام أديب
2020 / 12 / 24 - 19:29     

1 - في مقال سابق تمت محاولة رصد التحولات الجديدة في المشهد الامبريالي العالمي ومظاهر ظهور كائنات امبريالية جديدة تتطابق مع المعايير التي حدد ها لينين في كتابه الامبريالية اعلى مراحل الامبريالية، في هذا المقال سيتم التركيز على مظاهر الصراع الطبقي الناجم عن الهجوم الامبريالي العالمي ان على صعيد الدول أو على صعيد الأفراد. منطلقين من الطبيعة الافتراسية الأساسية لنمط الإنتاج الرأسمالي الباحثة دائما عن التحكم المطلق في عملية العمل سواء في الزراعة أو الصناعة أو التجارة والخدمات، من اجل تأويج فوائض القيمة المنتزعة قسرا من قوة العمل.

2 – ومعلوم أن البعد الامبريالي للرأسمالية انطلق منذ ظهورها ولا زال ماكبا لتطورها حتى اليوم. فالقرصنة والنهب والغزو الاستعماري لعب دورًا حاسمًا في صعود الرأسمالية. وعلى الرغم من أن الرأسمالية ترسخت لأول مرة في إنجلترا ودول أوروبية أخرى، إلا أنها نشأت وتطورت أكثر نتيجة للنهب الأوروبي العالمي أكثر مما كانت نتيجة تطورها الذاتي المحلي. وهذا ما أكد عليه كارل ماركس في فقرة شهيرة في رأس المال:
" إن العبودية المموهة للعمال الماجورين في أوروبا كانت بحاجة إلى العبودية الصريحة في العالم الجديد، كقاعدة ارتكاز [...]إن اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أميركا، واقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم واستعبادهم ودفنهم أحياء في المناجم، وبدايات غزو الهند الشرقية ونهبها، وتحويل أفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوي البشرة السوداء، إن ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالي [...]الكنوز المنتزعة من خارج أوروبا، بالسطو السافر واستعباد السكان المحليين والفتك بهم، سرعان ما تدفقت على البلد الأم وتحولت فيه إلى رأسمال" (كارل ماركس، المجلد الأول، الصفحات: 924-928).

3 - ويسخر كارل ماركس من القائلين بأن الرأسمالية جاءت وليدة قوانين طبيعية أزلية كما يلي "كبير هو الجهد الذي اقتضته ولادة "القوانين الطبيعية الأزلية" لنمط الإنتاج الرأسمالي، وتنفيذ عملية فصل العمال عن شروط عملهم، وتحويل وسائل الإنتاج ووسائل العيش الاجتماعية إلى رأسمال في هذا القطب، وتحويل جماهير الشعب في القطب المعاكس إلى عمال مأجورين، إلى «فقراء عاملين أحرار - هذا النتاج العجيب الذي أصطنعه التاريخ الحديث. "كارل ماركس، رأس المال، المجلد 1. الصفحة: 935

4 – ان كتاب لينين الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية جاء مكملا للبيان الشيوعي لتأكيد البعد الامبريالي للرأسمالية مع بداية القرن العشرين، وحيث صاغ أهم ملامح تطورها، خاصة فيما يتعلق بهيمنة الرأسمال المالي على البعد الكوني للرأسمالية، ويطرح في نفس الوقت أفاق الصراع الطبقي الذي بدأ يأخذ منذ ذلك الحين بعدا عالميا ويكرس بنفس المناسبة البعد العالمي للبروليتاريا. ويشير لينين في هذا الصدد:
"وما دامت الرأسمالية رأسمالية، لا يوجه فيض رأسمال إلى رفع مستوى معيشة الجماهير في بلاد معينة، لأن ذلك يسفر عن تخفيض أرباح الرأسماليين، بل يوجه إلى رفع الأرباح عن طريق تصدير الرأسمال إلى الخارج، إلى البلدان المتأخرة ". (لينين، "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص: 492 .)

5 – وحول طبيعة الرأسمالية الامبريالية وسلوكها الرجعي يضيف لينين في مكان آخر: "الإمبريالية هي عهد الرأسمال المالي والاحتكارات التي تحمل في كل مكان النزعة إلى السيطرة، لا إلى الحرية. ونتائج هذه النزعة هي الرجعية على طول الخط في ظل جميع النظم السياسية وتفاقم التناقضات لأقصى حد كذلك في هذا الحقل. (لينين "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ص: 564).

6 – من جهة أخرى شدد لينين على الدور الرجعي القمعي للدولة الرأسمالية لفائدة الرأسمال المالي المهيمن في كتابه الدولة والثورة كما يلي: " في الوقت الحاضر تكتسب مسألة الدولة أهمية خاصة سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية السياسية. فالحرب الإمبريالية قد عجلت وشددت لأقصى حد سير تحول الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية. والظلم الفظيع الذي تقاسيه جماهير الشغيلة من قبل الدولة التي تلتحم أوثق فأوثق باتحادات الرأسماليين ذات الحول والطول يغدو أفظع فأفظع. والبلدان المتقدمة – ونقصد «مؤخراتـ»ها – تتحول بالنسبة للعمال إلى سجون عسكرية للأشغال الشاقة. (لينين، مقدمة "الدولة والثورة ص 11).

7 – من خلال هذه المقدمة العامة التي تحدد الاطار النظري لتفكيك طبيعة الصراع الطبقي في ظل الامبريالية، سأحاول فيما يلي التطرق أولا الى صعود الصين كقوة امبريالية جديدة ثم ثانيا، الى الهيمنة المطلقة لرأس المال المالي على الصعيد العالمي وهو ما يبخس من مقولات انهيار الولايات المتحدة مقابل صعود الصين، ثم ثالثا، مظاهر استغلال الرأسمال المالي العالمي للبروليتاريا العالمية خاصة في دول الجنوب من خلال اللجوء ما أمكن الى الأرقام والاحصائيات المؤكدة لهذا الاتجاه.

أولا: صعود الصين كقوة امبريالية جديدة:

1 - بعد وفاة ماوتسي تونغ عام 1976 أعاد التحريفيون المعاصرون تحت حكم دنغ شياو بينج بناء الرأسمالية في جمهورية الصين الشعبية. فتطور البلد بسرعة إلى نوع جديد من رأسمالية الدولة الاحتكارية البيروقراطية. ومنذ ذلك الحين، سعت الصين تحت هذا النظام إلى توسيع نفوذها الإمبريالي الاجتماعي تحت ستار الاشتراكية.

2 - تطورت البرجوازية الاحتكارية الجديدة في الصين من البيروقراطية البرجوازية الصغيرة المنحلة داخل الحزب والدولة والأجهزة الاقتصادية. ولتحقيق تسلقها السريع نحو صفوف رأس المال المالي الدولي المهيمن بدون شريك، مستعينة بجهاز الدولة المنظم بشكل مركزي، والذي كان اشتراكيا في الماضي. فعملت على إخضاعه وتحويله إلى أداة بيروقراطية شديدة المركزية من أجل ممارسة سلطتها بدون شريك على الشعب الصيني.

3 - استقبلت الإمبرياليات في جميع أنحاء العالم بفارغ الصبر، انفتاح السوق الصيني، الذي يمثل في الوقت نفسه عددًا من السكان يبلغ 1,4 مليار شخص. تم تسريع بناء رأس المال الاحتكاري الخاص والاحتكارات الدولية في الصين، لا سيما من خلال "شركات المحاصة Joint-venture" . ثمن التحريفيون الصينيون هذا الاتجاه بأسلوب منافق على أنه "إضافة مفيدة للاقتصاد الاشتراكي" . لكن الهدف الحقيقي كان هو: رغبة الرأسماليون الاحتكاريون البيروقراطيون في الصين جذب المستثمرين الأجانب بدون فقدان السيطرة الاجتماعية.

4 - أول شركة محاصة بين شركة أجنبية وأخرى صينية تأسست عام 1984 بين شركتي السيارات فولكس فاجن (VW) الألمانية وSAIC الصينية. وقد فرضت الصين شرطين: يمكن للاحتكارات الأجنبية الوصول إلى السوق الصينية فقط من خلال شركة المحاصة مع شركات صينية حكومية. وبمرور الوقت أصبح للصينيين اليد العليا على هذه الشركات.

5 - وبذكاء قام حكام الصين الجدد بتبني وتطوير إمكانيات هيكلية جديدة للإنتاج مثلا في مجال التكنولوجيا الحديثة أو الأشكال الجديدة من تنظيم الإنتاج أو استخدام معرفة شركائهم الأجانب. في عام 2003 بلغت مشاركة رأس المال الصيني 50 % في 16 شركة محاصة كبيرة من الشركات الصينية والأجنبية لصناعة السيارات . هذه العملية كانت مصحوبة بانتشار الإنتاج الصناعي بقفزة كبيرة في البلد. تملك الصين اليوم بين 400ـ 500 مليون عامل أجير.

6 - بين عامي 2001 و 2015 ارتفع الناتج الداخلي الإجمالي للصين الى أكثر من 7 أضعاف، من 1,5 إلى 11,4 مليار دولار أمريكي. ارتفعت حصة الصين من الناتج الداخلي الإجمالي على المستوى العالمي في هذا الوقت من 4,5 إلى 15,4 %. في نفس الوقت ازدادت بقفزة كبيرة عدد شركاتها التي تنتمي إلى الاحتكارات العظمى الخمسمائة المهيمنة المتفردة من 12 إلى103.

7 - خلال الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية في 2008-2014، أصبح الإمبرياليون الاجتماعيون الصينيون أكبر المستثمرين في مشاريع البنية التحتية في إفريقيا . حيث طالبوا بمعدلات ربح أقل من المستثمرين الغربيين وقدموا قروضًا بأسعار فائدة أكثر جاذبية للاستثمار في البنية التحتية ، مثل الموانئ والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والطرق أو الاتصالات. أطلقوا عليها بشكل مضلل "مساعدة التنمية" - وبهذه الطريقة فقط حصلوا على امكانية استغلال المواد الخام في إفريقيا بشكل مربح. في الغالب كانت تستخدم القوى العاملة الماهرة الصينية في انجاز هذه المشاريع. وفي الوقت نفسه ازدادت البطالة والفقر بين العمال الأفارقة ودمرت الآلاف من المزارع الصغيرة.

8 - وتحت يافطة برنامجها "صنع في الصين 2025" شرعت الصين في تغيير استراتيجيتها المعتمدة على توسيع النفوذ في الصراع من أجل إعادة توزيع جديد للسوق العالمية. وينصب تركيزها الآن لتصبح القوة الاقتصادية العالمية الرائدة على الإطلاق وتتفوق على منافستها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية. تحقيقاً لهذه الغاية فإن الصين توسع استثماراتها في الشركات الاحتكارية الأجنبية بمعرفة تكنولوجيا عظيمة. زادت الاستثمارات الصينية في الاتحاد الأوروبي بنسبة 77% من عام 2015 إلى عام 2016 وبلغت أكثر من 35 مليار يورو عام 2017 وأصبح الاحتكار الصيني أتش أن أيه جروب (HNA) بنسبة 10% أكبر صاحب الأسهم في البنك الألماني(Deutsch Bank)، وأقوى البنوك الاحتكارية في ألمانيا. في عام 2016 استحوذ احتكار ميديا (Midea) الصين لصناعة الأجهزة الإلكترونية على الشركة الألمانية الرائدة في صناعة الروبوتات الصناعية كوكا (Kuka) .

9 - بنت الصين أكبر جيش في العالم كتأمين عسكري لسعيها لتصبح قوة عظمى عالميا: هناك حوالي 2,3 مليون جندي صيني وأكثر ب 600.000 جندي من الجيش الأمريكي . لديها أكثر من 160 صاروخ عابر للقارات ولكل منها 10-12 رأس حربي نووي وتصل إلى مدى 14.000 كيلو متر، أي يمكنها أن تصل إلى كل ركن من أركان العالم. القوات الجوية الصينية لديها نحو 20 قاذفة القنابل الاستراتيجية من طراز H-6 لاستخدام القنابل النووية وبالإضافة إلى ذلك لديها حاملة طائرات.

10 - يهدف التحالف العسكري "منظمة شنغهاي للتعاون" بقيادة الصين وروسيا، القوى النووية، قبل كل شيء إلى موازنة تأثير الناتو. انضمت الهند وباكستان أيضًا في 2017 بسبب سلوكها العسكري العدواني للهيمنة في بحر الصين الجنوبي، أثارت الصين نزاعًا مسلحًا مع اليابان في 2014 ومع الولايات المتحدة في 2016 اليوم، وقد اعتبرت حكومة ترامب في الولايات المتحدة أن الصين منافستها الرئيسية في الصراع من أجل الهيمنة العالمية.



ثانيا: المفاضلة بين الامبرياليتين الامريكية والصينية

1 - بعد نصف قرن من بدء الشركات الأمريكية في عولمة أنشطتها في الستينيات، لم تعد الحسابات القومية بما في ذلك إحصاءات التجارة الثنائية توفر معيارا مناسبًا لقياس القوة الاقتصادية في النظام العالمي. وبالتالي، علينا تحليل طبيعة شركاتها الكبرى في العالم من أجل فهم التغييرات الكبيرة التي حدثت في عملياتها وهياكل ملكيتها على مدى العقود الماضية، والنظر في الآثار المترتبة على ذلك على القوة الاقتصادية الوطنية.

2 - يتفق معظم المحللين على أن القوة الاقتصادية الأمريكية في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة كانت "مهيمنة"، وكان هناك إجماع على أن الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا بالنسبة للعالم يتراوح ما بين 40٪ إلى 50 %. فهل يعني ذلك أن أي نسبة تقل عن 40٪ يجب اعتبارها نسبة غير مسيطرة؟ ومن المهم أيضا مقارنة الحصة الأمريكية بأقرب منافسيها والنظر في مدى تقدمها. فإذا انخفضت الحصة الأمريكية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (أو أي مؤشر آخر) من 40٪ إلى 30٪ مثلا وانخفضت الدولة التي تحتل المرتبة الثانية من 20٪ إلى 10٪، فهل نعتبر ذلك حقًا تراجعا في الهيمنة الاقتصادية الأمريكية؟ في الحالة الأولى، تكون الحصة الأمريكية ضعف أقرب منافس لها، وثلاثية في الحالة الثانية. وبالمثل، إذا انخفضت الحصة الأمريكية بسبب وجود عدد أكبر من المنافسين ولكن الفجوة بين الولايات المتحدة والمركز الثاني متشابهة، فهل هذا يعتبر تراجع أمريكيا حقًا؟ باختصار، فإن اختيار معيار "للهيمنة" يظل تعسفيا على المنطق السليم.

3 – عموما انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بالنسبة للعالم بالفعل على مدى نصف القرن الماضي، من أقل من 40٪ بقليل في عام 1960 متقلبا بين الثلث والربع من سبعينيات القرن الماضي الى بداية الألفية، ثم انخفض إلى ما دون 25٪ في عام 2008 لأول مرة في فترة ما بعد الحرب. لذلك، إذا تجاهلنا تداعيات العولمة وافترضنا أننا ما زلنا نعيش في عصر احتواء رأس المال على المستوى الوطني، فربما نتوقع أن تنخفض هيمنة الشركات الأمريكية بالمثل إلى الربع أو أقل من عام 2008 عبر مختلف المؤشرات بالنسبة إلى العالمية.

4 – بالرجوع الى جداول فوربس كلوبال 2000، وتوزيع حجم الأرباح على 25 قطاعًا واسعًا لأفضل 2000 شركة في العالم، باستخدام تركيبي من أربعة مؤشرات: الأصول والقيمة السوقية والأرباح والمبيعات. وقارنا حصيلة هذه الأرباح خلال ستة سنوات بين عام 2006 وعام 2012. يمكننا ملاحظة التغيير خلال هذه السنوات الست الحاسمة، بين آخر سنة كاملة قبل أزمة الرهن العقاري لعام 2007، وثلاث إلى أربع سنوات عقب ذلك. وبعد تخطي ذروة الأزمة المالية العالمية 2008-2009، نأخذ بيانات عام 2012 وهو وقت كافيً لاستقرار اللاحق للأزمة المالية لمعظم بلدان العالم (مع استثناء محتمل في أوروبا)، مما يسمح لنا بالتعرف على الشركات عبر الوطنية التي تقدمت والبلدان التي عانت منها.

5 - وتوضح سنة 2006 أن الشركات الأمريكية تمثل إلى حد بعيد أكثر حصص الأرباح المهيمنة عبر القطاعات الأكبر من الشركات من أي دولة أخرى، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا. في الواقع، نجدها متقدمة في ستة قطاعات (الفضاء والدفاع؛ الكازينوهات والفنادق والمطاعم؛ أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات؛ الخدمات المالية؛ وسائل الإعلام؛ النقل) وقد زادت قيادة الامريكيين على مدار السنوات الستة اللاحقة واكتسبت مكانة في أربعة قطاعات أخرى هي: السيارات والشاحنات والدراجات النارية؛ الآلات الثقيلة؛ البيع بالتجزئة؛ المرافق. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنه بعد ثلاث سنوات من انهيار وول ستريت في خريف عام 2008، زادت شركات الخدمات المالية الأمريكية من هيمنتها العالمية إلى 53٪ من إجمالي أرباح قطاع الخدمات المالية (أنظر فوربس جلوبال 2000 لسنة 2012) . ولاحظ التفوق الذي لا مثيل له للشركات الأمريكية في قطاع أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات، وهو ثالث أكثر القطاعات ربحية في العالم بعد النفط والغاز والبنوك. كل هذا مذهل منذ أن تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر سوق لأجهزة الكمبيوتر الشخصية في العالم في عام 2011 . مرة أخرى، في عصر رأس المال المحتوي على المستوى الوطني، كنا نتوقع أن يكون لأكبر سوق محلي في العالم في قطاع معين هو وجود مهم للشركات المحلية في هذا القطاع (إن لم يكن لها الحصة المهيمنة). ولكن في عصر رأس المال العابر للحدود، لم تعد هذه العلاقة بديهية، وقد يكون الأمر كذلك إذا كانت الشركات الأجنبية تهيمن على السوق المحلية لبلد ما. هذا هو الحال بالتأكيد بالنسبة للشركات الأمريكية في مجال أجهزة وبرامج الكمبيوتر .

6 - بشكل عام، حتى لو ظهرت الشركات الصينية في ثمانية قطاعات أخرى على مدى السنوات الست وفي عدد من القطاعات التي تتقدم بشكل ملحوظ، وهي الخدمات المصرفية؛ اعمال بناء؛ الغابات والمعادن والتعدين؛ تأمين؛ العقارات؛ وسائل النقل، لاحظ الندرة العامة للشركات الصينية في المستويات العليا من غالبية القطاعات. فهذا غريب بالنظر إلى أن الصين تجاوزت اليابان في عام 2010 ما يقرب من أربعة عقود مع امتلاكها ثاني أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم. لا أحد يشك في أن الصين آخذة في الصعود، لكن الصين آخذة في الصعود في عصر العولمة، وطبيعة اندماج الصين في شبكات الإنتاج المعيارية عبر الوطنية هي التي تشكل طبيعة صعودها. على سبيل المثال، التواجد الصيني في الإلكترونيات ضئيل بنسبة 4٪ على الرغم من أن الصين كانت أكبر مصدر للإلكترونيات في العالم لما يقرب من عقد من الزمان. في الواقع، هناك أكثر من 90٪ من صادرات الصين عالية التقنية تمتلكها في الواقع شركات أجنبية - وليست صينية. فعلى سبيل المثال، تعد شركة Hon Hai Precision Industry التايوانية أكبر مصدر للصين ولا تجمع فقط في الصين لشركة آبل Apple، ولكن أيضًا لشركة Dell و HP و Nokia و Microsoft و Motorola و Nintendo و Sony. وبالتالي، فمن غير المؤكد ما إذا كانت شركات الإلكترونيات الصينية تستطيع اللحاق بالشركات التايوانية التي تتخصص فقط في التجميع، ناهيك عن بناء علامات تجارية عالمية لتحدي الشركات الأمريكية وجهاً لوجه.

7 - النقطة الأوسع هي أن اندماج الصين في شبكات الإنتاج المعيارية عبر الوطنية للشركات الأمريكية وغيرها من الشركات عبر الوطنية هو في الغالب قيد التجميع (حتى لو أصبح هذا التجميع أكثر تعقيدًا من الناحية التكنولوجية) وليس الابتكار. وبالنظر إلى أنه من غير المؤكد ما إذا كانت الصين قادرة على اللحاق بتايوان ثم كوريا الجنوبية ثم اليابان، فإن التكهنات بشأن قدرة الصين على تحدي الولايات المتحدة على الحدود التكنولوجية في المستقبل المنظور ليست ذات مصداقية. على سبيل المثال، في مجال الإلكترونيات، يتعين على الشركات الصينية زيادة حصتها في الأرباح بنسبة 1000٪ لتلائم الولايات المتحدة (وفقط إذا توقفت الشركات الأمريكية عن النمو في غضون ذلك). أو في معدات وخدمات الرعاية الصحية، لا يوجد في الصين شركة واحدة في أكبر 2000 شركة في العالم، وحصة الأرباح الأمريكية تبلغ 84٪. حتى في مجال الفضاء والدفاع، حيث زادت الصين من إنفاقها العسكري بشكل كبير منذ التسعينيات، لا يوجد حتى الآن وجود صيني في فوربس كلوبال 2000، وحصة الأرباح الأمريكية تقع بشكل مريح في ثلثي العالم . وبالنظر إلى الواقع الفعلي للشركات الصينية في معظم (وليس كل) القطاعات، فمن غير الواضح لماذا يتكهن العديد من المعلقين بأن الشركات الصينية ستكون قادرة على تحدي اتساع الهيمنة التكنولوجية الأمريكية . مرة أخرى، في عصر العولمة، لا يمكننا أن نبني تحليلنا للقوة الاقتصادية على الناتج المحلي الإجمالي المتزايد وحده؛ يجب علينا تحليل مؤشرات الشركات عبر الوطنية نفسها.

8 – كما أن الشركات عبر الوطنية الأجنبية (وخاصة الأمريكية) تهيمن بالفعل على السوق المحلية في الصين في عدد كبير من السلع والخدمات، مما يزيد من إعاقة الجهود الصينية لتطوير المنافسين الأصليين. فهناك بالفعل شركات بوينغ وديل وجنرال موتورز، وأيضا في كوكاكولا وبيبسي، على سبيل المثال، بحصة سوقية تبلغ 55٪ و 32٪، على التوالي، في المشروبات الغازية الصينية. على نطاق أوسع، على الرغم من الاضطرار إلى إطعام وإرواء عطش ما يقرب من خُمس سكان العالم، فإن نصيب الصين من الأرباح في الأغذية والمشروبات والتبغ لا يتجاوز 3٪ (حصة الربح الأمريكية تبلغ 43٪). أو، على الرغم من امتلاكها أكبر سوق استهلاكي في العالم من حيث عدد السكان، فإن الشركات الصينية تمثل 1٪ فقط في تجارة التجزئة (والشركات الأمريكية 55٪)، بينما حصة وول مارت في السوق في الصين نفسها (سوق محلي يضم أكثر من نصف مليون شركة ) هي الأكبر بنسبة 8٪، وتصل إلى 27٪ من الأسر الصينية. للتكرار، في عصر رأس المال عبر الوطني، لا يمكننا أن نفترض أن الارتفاع السريع في الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما و / أو السوق المحلية يشير إلى الارتفاع السريع في القوة الاقتصادية لذلك البلد. تعمل أكبر الشركات عبر الوطنية في العالم - التي يقع مقرها بعيدًا وبعيدًا في الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي تستفيد من الأنشطة في جميع أنحاء العالم وتشكلها في كثير من الأحيان، بما في ذلك في الأسواق الناشئة وبالتأكيد في الصين.

9 - ومع ذلك، بينما زاد الأداء الأمريكي في عشرة قطاعات منذ عام 2006، حدث تراجعً نسبي في أحد عشر قطاعًا هي البنوك؛ الخدمات التجارية والشخصية؛ الكيماويات؛ التكتلات؛ البناء؛ الإلكترونيات؛ الغابات والمعادن والتعدين؛ معدات وخدمات الرعاية الصحية التأمين، النفط والغاز، الاتصالات السلكية واللاسلكية. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، ما إذا كانت أمريكا قد تراجعت في قطاعات معينة أكثر غموضًا مما قد يبدو للوهلة الأولى. والأكثر وضوحا هو معدات وخدمات الرعاية الصحية، حيث انخفض التراجع الأمريكي من 89٪ إلى 84٪: هذا بالكاد ينذر بالهلاك. والأكثر دلالة، أنه إذا قسمنا إلى مستوى الشركات الكبرى، في بعض القطاعات التي تميزت بالتراجع الأمريكي المفترض، نجد أن هناك بالفعل توسع أمريكي(راجع حسابات فوربس كلوبال لسنة 2012). وفي قطاع التأمين، على سبيل المثال، في حين أن إجمالي الحصة الأمريكية انخفضت من 53٪ إلى 41٪، إلا أن الشركة رقم 1 و2 هما: المجموعة الدولية الأمريكية (MG) ومت لايف MetLife، اللتين زادت حصتهما الفعلية من أرباحها في قطاع التأمين من 13٪ و 5٪ في عام 2006 إلى 17٪ و 7٪ في عام 2012، على التوالي. أما في النفط والغاز، ففي حين أن إجمالي الحصة الأمريكية من عام 2006 إلى عام 2012 قد انخفضت من 38٪ إلى 28٪، فإن الشركة الأولى تظل هي إكسون موبيل وفي عام 2012 والتي تفوقت أرباحها على غازبروم، أقرب منافس لها، بأكثر من 10 مليارات دولار، ورفعت شيفرون مكانتها من المرتبة الخامسة إلى الرابعة على مدار 6 سنوات. وبالمثل في مجال الإلكترونيات، في حين أن إجمالي الحصة الأمريكية قد انخفض من 48٪ إلى 39٪، فإن الشركة الأولى والثانية تظل أمريكية، وفي عام 2012، دخلت شركة أمريكية أخرى في المراكز الخمسة الأولى. علاوة على ذلك، حتى في مجال الغابات والمعادن والتعدين حيث تم تفكيك القيادة الأمريكية الإجمالية منذ عام 2006، فإن هذا يخفي مدى استمرار هيمنة بعض الشركات عبر الوطنية الأمريكية على الحدود التكنولوجية. منتج الألمنيوم Alcoa، على سبيل المثال، لديه "براءة اختراع 95٪ من جميع سبائك الفضاء التي تم إنشاؤها على الإطلاق"، ولا يزال مصنع دافنبورت أيوا التصنيعي هو المرفق الوحيد في العالم الذي يمكنه تصنيع أجنحة الطائرات كهيكل مترابط .. واليوم يتم تصنيع أجنحة مؤيدة للدوكس لجميع الطائرات تقريبًا من طرف إيرباص وبوينج وبومباردييه وإمبراير.

10 - ومع ذلك، حدث تراجع أمريكي واضح في ثلاثة قطاعات (البنوك، البناء، الاتصالات السلكية واللاسلكية)، وفي جميع القطاعات الثلاثة، تقدمت الصين بسرعة. إنها في هذه القطاعات حيث يمنحها الناتج المحلي الإجمالي الهائل للصين والطبيعة الخاصة لاقتصادها السياسي ميزة تنافسية. وقد صعدت أربعة بنوك صينية بسرعة إلى صفوف أكبر 100 شركة في العالم منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهذه البنوك حسب فوربس كلوبال 2000 لسنة 2012 بالترتيب التنازلي كل من: ICBC (5) ؛ بنك التعمير الصيني (13)؛ البنك الزراعي الصيني (19)؛ بنك الصين (21). لكن من غير المؤكد ما إذا كان هذا الصعود الكبير طويل المدى من الناحية الهيكلية أو بسبب عوامل متوسطة المدى التي من المحتمل أن تتغير. كان النمو السريع للصين خلال الخمسة عشر عامًا الماضية مدفوعًا بشدة بالاستثمار ويعتمد على المدخرات العالية، مما أدى إلى أرباح عالية للبنوك العملاقة المملوكة للدولة. واستجابة للأزمة المالية العالمية 2008-2009، نفذت الدولة الصينية ثاني أكبر حافز اقتصادي في العالم، إلى حد كبير عن طريق توجيه مزيد من الاستثمار عبر بنوكها، مما أدى إلى زيادة أرباح الأخيرة نحو آفاق جديدة. ولكن بينما تحاول الصين التحرك نحو اقتصاد يحركه الاستهلاك، ستتم إعادة تنظيم العديد من اللوائح التنظيمية التي تسمح للبنوك بتحقيق أرباح هائلة، مثل تخفيف السقف على معدلات الودائع المصرفية .

11 – لكن من المحتمل خلال السنوات المقبلة أن نشهد انخفاضًا كبيرًا في حصة أرباح البنوك الصينية (من خلال استقراء جداول فوربي كلوبال 2000). ومع ذلك، فإن الظهور الكبير للبنوك الصينية على رأس القائمة لا يشير بالضرورة إلى أن هذه البنوك تتفوق حاليًا على نظيراتها الأمريكية والأوروبية واليابانية على المستوى الدولي. فقط البنك الصناعي والتجاري الصيني وبنك الصين قاما بتوسعات ملحوظة في الخارج، وهما إلى حد كبير يتابعان ويمولان عمليات عملائهم الصينيين في الخارج لا سيما في مجال الصناعة الإضافية، مثل كنووك CNOOC وبيترو شاينا PetroChina. على النقيض من ذلك، فإن البنوك مثل سيتي كروب Citigroup و HSBC اليوم عالمية حقًا في نطاقها عبر مجموعة كاملة من الأنشطة المصرفية والاستثمارية. بعبارة أخرى، تنخرط البنوك الصينية في أنشطة يغلب عليها الطابع المحلي ويتم احتوائها إلى حد كبير على الصعيد الوطني، لذا فإن أرباحها الهائلة ليست بالضرورة على حساب البنوك الغربية (أي خارج الصين) وليست مؤشرًا على تراجع الرأسمالية الغربية.

12 - هناك قطاعان آخران يتم احتوائهما في الغالب على المستوى الوطني في الصين وهما قطاع البناء والاتصالات، وقد أدى النمو السريع للناتج المحلي الإجمالي للصين إلى النمو السريع لشركاتها في هذه القطاعات المرتبطة بالعالم. ففيما يتعلق بالبناء، مثل البنوك، يستفيد هذا القطاع بشكل كبير من النموذج القائم على الاستثمار والتحفيز الاقتصادي لعام 2009. لكن مرة أخرى، كلا هذين الشرطين ليسا طويلا الأمد من الناحية الهيكلية. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد انهار قطاع الإنشاءات فيها مع أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر وما زال يعاني من الركود العظيم. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المشاكل ذات مدى أطول. إن ما هو مؤكد للبقاء على المدى الطويل، مع ذلك، هو الصعود السريع للصين في مجال الاتصالات، حيث ارتفعت شركة تشاينا موبايل (المدرجة في هونج كونج ولكن مع عملياتها الرئيسية في الصين) من المركز الخامس بنسبة 5٪ في عام 2006 إلى المركز الأول بنسبة 15٪ في عام 2012، مع وجود أكثر من مليار مشترك في الهاتف المحمول في الصين (Flannery 2012)، ومع احتمال استمرار الدولة الصينية في حماية سوقها المحلي من المنافسة الأجنبية، فإن الصين ستقود خدمات الاتصالات في المستقبل المنظور. ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في حين أن تشاينا موبايل تتفوق بشكل كبير على منافسيها في خدمات الاتصالات، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تهيمن على القطاع الفرعي لمعدات الاتصالات (في عام 2012، حققت الشركات الأمريكية 64٪ من الأرباح مقابل الصين بـ 2 ٪) في قطاع الإلكترونيات. وهكذا، في حين أن توفير خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية لا يزال يشكل أحد القطاعات الأكثر تنظيمًا وحماية على المستوى الوطني في العديد من دول العالم، فإن معدات التكنولوجيا المتقدمة والإلكترونيات المستخدمة في الاتصالات، تهيمن عليها الشركات الأمريكية.

13 - على أي حال، تقود الولايات المتحدة ثمانية عشر من أصل خمسة وعشرين قطاعاً عريضاً من أكبر 2000 شركة في العالم، وهي صفوة الرأسمالية العالمية. وإذا حافظنا على معيار "الهيمنة" دون تغيير منذ عام 1950 (40٪ أو أكثر)، ففي عام 2012، سيطرت الولايات المتحدة على اثني عشر من أصل خمسة وعشرين قطاعاً (مع قطاعين إضافيين في حدود ثلاث نقاط مئوية بنسبة 40٪). الدولة الأخرى الوحيدة التي تهيمن على قطاع واحد آخر هي اليابان في الشركات التجارية. وهذا يعني أنه على الرغم من الانتعاش الاقتصادي أو صعود عشرات البلدان خلال نصف القرن الماضي، لا توجد دولة أخرى باستثناء اليابان تهيمن على قطاع واحد، بينما تهيمن الولايات المتحدة على اثني عشر قطاعًا (واليابان واحدة فقط). علاوة على ذلك، فقد قدمت حتى الآن بيانات تقلل من أهمية الهيمنة الأمريكية مع افتراض أن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون شركات أمريكية فقط، وليس الشركات الموجودة في بلدان أخرى أيضا. فالمستثمرون الأمريكيون يمتلكون أيضًا حصصًا كبيرة من الشركات عبر الوطنية الموجودة في بلدان أخرى.

14 - فحكومة الولايات المتحدة نجحت عبر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وأزمة المديونية في التأثير على العديد من الحكومات الأخرى لتحرير أسواقها المالية بحلول نهاية القرن العشرين، وتوضح جداول فوربس كلوبال 2000 لسنة 2012 ثمار هذا العمل. حيث تعتبر حصة الشركات الأمريكية في عمليات الاندماج والاستحواذ M&As عبر الحدود في الدول المستهدفة الرئيسية للاقتصاد السياسي العالمي هي الأكبر إلى حد بعيد، وفي عدد من البلدان، كانت تتزايد على مدى العقود الثلاثة الماضية (كما هو الحال في الصين، فرنسا، ألمانيا، كوريا الجنوبية). مع ملاحظة عدم التماثل: في حين أن الحصة الأمريكية وحدها في العديد من البلدان تزيد عن 20٪، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الحصة الأجنبية المجمعة (ناهيك عن دولة واحدة) من جميع عمليات الاندماج والاستحواذ M&As في الولايات المتحدة 16 فقط ٪. لذلك، تستحوذ الشركات الأمريكية على حصة أكبر بكثير من الشركات الأجنبية في الأسواق الرئيسية .

15 - نتيجة لعمليات الاستحواذ المستمرة من قبل شركات أمريكية في الأسواق الرئيسية حول العالم على مدار العقدين الماضيين، فليس مستغربا أنه بحلول عام 2012، امتلكت الشركات الأمريكية مجتمعة 46 ٪ من جميع الأسهم المدرجة في البورصة لأكبر 500 شركة في العالم، (نفس المرجع). هذه الملكية الأمريكية المهيمنة لأكبر 500 شركة على الرغم من أن 167 شركة "فقط" يوجد مقرها في الولايات المتحدة، أي 33٪ من الإجمالي - ناهيك عن أن الولايات المتحدة تمثل 22٪ "فقط" من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذا يدل على كيف أصبحت القوة الاقتصادية الرأسمالية الأمريكية المعولمة. على النقيض من ذلك، يتم احتواء رأس المال الصيني بالكامل تقريبًا على المستوى الوطني، حيث تنخرط 29 شركة صينية صناعية ضمن أعلى 500 شركة، أو 5,8٪، وتمتلك الشركات الصينية 5,9٪ من أكبر 500 شركة. وهذا لا يشير فقط إلى أن الملكية الصينية للشركات الصينية تقترب من 100٪ ( الغالبية العظمى - بما في ذلك عشرين من أفضل 200 شركة - مملوكة للدولة)، لكن ملكية الصين للشركات غير المقيمة في الصين في أكبر 500 شركة لا تذكر.

16- بالنسبة لتصنيف أعلى أربع حصص ملكية وطنية لأكبر 20 شركة في أربع مناطق: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وهونغ كونغ / الصين. تبرز جداول فوربس كلوبال 2000 أن المساهمين الأمريكيين هم بشكل لا لبس فيه المالكين المهيمنين لأكبر الشركات الأمريكية، بمتوسط 86٪ من ملكية جميع الأسهم القائمة. في حين أن هذه النقطة قد تبدو تافهة، حيث أن الأمر مختلف تمامًا مع الشركات الأوروبية. المالك الوطني الأول لأكبر عشرين شركة أوروبية ليس أوروبيًا، بل أمريكيًا. ويمثل المساهمون الأجانب مجتمعين حوالي 15٪ من ملكية أكبر عشرين شركة أمريكية، ومع ذلك فإن المساهمين الأمريكيين غالبًا ما يمثلون أكثر من 20٪ ملكية في كل من أكبر عشرين شركة أوروبية. ومع ذلك، لا تزال الشركات اليابانية عبر الوطنية الكبرى مملوكة في الغالب لمساهمين يابانيين، وإن كان ذلك بدرجة أقل من المساهمين الأمريكيين في الشركات عبر الوطنية الأمريكية.

17- وليس من المستغرب بالنظر إلى العلاقة العميقة التي أعقبت الحرب بين اليابان والولايات المتحدة والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، أن المساهمين الأمريكيين يمثلون الحصة الأجنبية الأكبر. الملكية الأمريكية لأفضل عشرين من بقية العالم باستثناء الصين عبارة عن حزمة مختلطة، تتراوح من المالك الوطني المهيمن لشركة BHP Billiton التي يقع مقرها في أستراليا بحصة 68٪ (مقابل 12٪) مالك المحفظة الأسترالية) إلى أقل من واحد في المائة من شركة روسنفت الروسية (مع ملكية روسية بنسبة 99٪). فيما بينهما، ملكية أمريكية لـكازبروم Gazprom تبلغ 36٪ (مقابل 64٪ روسي) و 28٪ ملكية أمريكية لسامسونج للإلكترونيات (مقابل 63٪ كورية). وعلى الرغم من عدم توفر الملكية الوطنية الإجمالية لمعظم الشركات البرازيلية، فإن الشركات الأمريكية غالبًا ما تكون من أكبر المالكين الأفراد في عام 2012، مثل كابيتال جروب بحصة 6٪ في بانكو برادسكو وبلاكروك بنسبة 3٪ و 7٪ و 11٪. (نفس المرجع)

18 - لكن الحالة الصينية أكثر تعقيدًا. فمعظم الشركات الصينية في فوربس كلوبال 2000 مدرجة في بورصتي شنغهاي وهونج كونج بهياكل ملكية مختلفة. في شنغهاي، توجد ضوابط صارمة على رأس المال الأجنبي حيث يمثل المالكون الأجانب فقط 3٪ أو أقل من الغالبية العظمى من الشركات المدرجة في شنغهاي، وغالبًا ما تمتلك الحكومة الصينية النصف على الأقل. الأسهم المستخدمة لحساب الملكية الصينية لأكبر 500 شركة في الشكل 2 مأخوذة من قوائمها في شنغهاي. يقود المساهمون الأمريكيون وبالتالي، يمكن للمستثمرين الامريكيين جني أكبر حصة من أرباح الأسهم المدفوعة للمساهمين الأجانب. أيضًا، إذا قامت شنغهاي بتحرير سوقها المالي تدريجيًا، فستكون الشركات الأمريكية في وضع قوي للاستفادة منها بسبب صلاتها القوية بالفعل مع كبرى الشركات الصينية المدرجة في هونغ كونغ.

19- ومع ذلك، هناك تحذير واحد مهم للبيانات المقدمة بشأن الملكية الوطنية الإجمالية. ففي حين أنه من الواضح أن الشركات الأمريكية تهيمن على ملكية أكبر 500 شركة في العالم، فإن الأمر ليس كذلك بأن هذه الملكية تساوي ملكية المواطنين الأمريكيين بنسبة واحد إلى واحد. في حين أن سرية العميل لشركات الاستثمار محمية قانونًا، فمن الآمن افتراض أن شركات الاستثمار الأمريكية (وكذلك البريطانية والسويسرية وما إلى ذلك) تدير ثروة بعض العملاء الأجانب على الأقل. وبالتالي، للتغلب على هذه المشكلة، يمكن عبر جداول فوربس استعراض بيانات عن أغنى مواطني العالم كوكلاء عن أهم المستثمرين في العالم. فهناك 76٪ من أصول أصحاب الملايين في أمريكا الشمالية مستثمرة في أمريكا الشمالية، وهي أعلى نسبة من أي منطقة أخرى، ويمكن تعريف أصحاب الملايين بأنهم أصحاب أصول قابلة للاستثمار تبلغ مليون دولار أمريكي أو أكثر، باستثناء السكن الرئيسي والمقتنيات والمواد الاستهلاكية والسلع الاستهلاكية المعمرة. ويشير ذلك إلى أن غالبية الأصول التي تديرها الشركات الأمريكية مملوكة في النهاية لمواطنين أمريكيين (وإن كان الرقم الدقيق من المستحيل تحديده).

20- ونظرًا لأن الشركات الأمريكية تمتلك 46٪ من أكبر 500 شركة في العالم ويمتلك المواطنون الأمريكيون الحصة الأكبر من الشركات الأمريكية في نهاية المطاف، فليس من المستغرب أن 42٪ من أصحاب الملايين في العالم هم مواطنون أمريكيون كما تؤكدها جداول فوربس. في الواقع، يكشف الشكل 6 أن 41٪ من جميع الأصول المنزلية العالمية (وليس أصحاب الملايين فقط) تتركز في أمريكا الشمالية، على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية متساوية تقريبًا في ربع كل منها. يمثل الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 22٪ "فقط" من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين أن نسبة مليون شخص أمريكي وإجمالي ثروة الأسرة هي 42٪ و 41٪، على التوالي، وهو ما يوضح مرة أخرى كيف أن رأس المال الأمريكي المعولم والملكية الأمريكية والأمريكيين أصبحت قوة اقتصادية، فلا يمكن الاعتماد فقط على الحسابات القومية إذا أردنا تقييم القوة في الاقتصاد السياسي العالمي بشكل هادف.

21 – نستخلص مما سبق أن الشركات الرأسمالية التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة تمتلك أكبر حصة في الأرباح في ثمانية عشرة من أصل خمسة وعشرين قسمًا من أكبر 2000 شركة في العالم، وتهيمن عبر اثني عشر قطاعًا غير عادي. من عام 2006 إلى عام 2012، وقد زادت هذه القيادة في ستة قطاعات، بما في ذلك أجهزة وبرامج الكمبيوتر، والخدمات المالية، ووسائل الإعلام. وتمتلك الشركات الأمريكية أيضًا تواجدًا في المراكز الثلاثة الأولى في ثلاثة قطاعات أخرى، وبالتالي يكون لها تواجد أعلى ثلاثة في واحد وعشرين من الخمسة وعشرين ثانية. أقرب منافس للولايات المتحدة الأمريكية هي اليابان، التي تمثلك شركاتها الحصة المهيمنة في قطاع واحد (وهي الجنسية الأخرى الوحيدة التي تهيمن على قطاع واحد)، وثاني أكبر منافس في ثلاثة قطاعات، وثالث أكبر في خمسة - وجود أعلى 3 في تسعة قطاعات، وتتوفر بريطانيا على وجود في تسعة قطاعات، ولكن لا أحد منها في الصدارة.. من الواضح أنه لم تبدأ أي دولة أخرى في الاقتراب من هيمنة الشركات الأمريكية عبر هذا النطاق الواسع من القطاعات. بالفعل ارتفعت الصين بالتأكيد بسرعة ولديها حصة رائدة (وليست مسيطرة) في قطاعين، ولكن عند الفحص الدقيق، فإن حصصها النسبية ليست كبيرة كما قد يتوقع المرء من الحصة العالمية لحساباتها الوطنية. ففي عصر رأس المال المحتوي على المستوى الوطني، كان ظهور ألمانيا الغربية والناتج المحلي الإجمالي الياباني يعني بالمقابل صعود ألمانيا الغربية والشركات اليابانية عبر مجموعة كبيرة من القطاعات. وفي الواقع، في تلك القطاعات التي تحميها الدولة الصينية وتنظمها بشدة - والتي يتم احتوائها في معظمها من دول الحليف - حققت الشركات الصينية حضورًا مهمًا في الأبناك(نفس المرجع): اعمال بناء؛ الغابات والمعادن والتعدين؛ تأمين؛ العقارات؛ الاتصالات عن بعد. ومع ذلك، فإن العديد من هذه الشركات الصينية لا تتنافس عبر الحدود الوطنية، وبالتالي لا ينبغي بالضرورة أن يُنظر إلى صعودها على أنه على حساب الشركات المقيمة في أماكن أخرى وعابرة للحدود. في الواقع، غالبًا ما يفيد التوسع السريع في السوق المحلية الصينية نفسها وتعميقها الشركات عبر الوطنية الأجنبية على حساب الشركات الصينية، كما هو الحال في الطائرات، وعربات السيارات، والمشروبات، ومعدات الاتصالات، وتجارة التجزئة، وأشباه الموصلات، من بين أشياء أخرى كثيرة.

22- علاوة على ذلك، فإن عمق حصص الأرباح الأمريكية عبر امتداد الرأسمالية العالمية يقلل في الواقع من الهيمنة الاقتصادية الأمريكية لأن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون أيضًا حصصًا كبيرة من الشركات المقيمة خارج الولايات المتحدة - وأحيانًا حتى الحصة المهيمنة. تمتلك الشركات الأمريكية مجتمعة 68٪ من شركة BHP Billiton التي يقع مقرها في أستراليا، على سبيل المثال، والتي حققت في عام 2012 حصة أرباح مذهلة بلغت 14٪ في قطاع الغابات والمعادن والتعدين الذي تبلغ قيمته 172 مليار دولار. وعلى نطاق أوسع، تمتلك الشركات الأمريكية 46٪ من أكبر 500 شركة في العالم (على الرغم من 33٪ "فقط" من أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة)، وهو ما يقرب من ستة أضعاف أقرب منافس لها، اليابان. في حين أن الحصة الأمريكية في العديد من الشركات غير الأمريكية تصل إلى 20٪ أو أكثر، فإن إجمالي الحصة الأجنبية المجمعة للشركات الأمريكية الكبرى لا تزيد عادة عن 15٪. يمتلك الأمريكيون الكثير من الرأسمال المالي العالمي أكثر مما يمتلكه بقية العالم، وهذا الاعتماد المتبادل غير المتكافئ يؤدي إلى قوة غير متكافئة. ربما يكون أحد أوضح مظاهر ذلك هو أن المواطنين الأمريكيين يستمرون في امتلاك الحصة المهيمنة من الثروة العالمية بنسبة 40٪ أو أكثر، على الرغم من انخفاض الحصة العالمية من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بشكل مطرد خلال نصف القرن الماضي إلى أقل من ربع منذ عام 2008.

23- ما هي المضامين النظرية التي يمكن استخلاصها من هذه البيانات؟ ولعل الأكثر وضوحًا هو مواجهة أولئك الذين يعتقدون أن العولمة جعلت العالم "مسطحًا" أو أن جنسية رأس المال لم تعد مهمة أو أولائك الذين يعتقدون بخرافة انقراض الرأسمالية. في حين أن العولمة بحكم تعريفها هي توسيع وتعميق تدفقات رؤوس الأموال والسلع عبر الحدود ومن الاتصالات العالمية إلى السفر العالمي؛ ومن رأس المال العالمي إلى التبادل الثقافي العالمي، فإن القدرة على الاستفادة من هذه التدفقات تظل عمودية للغاية مع الولايات المتحدة في القمة. وبشكل أكثر تحديدًا، تعمل أكبر الشركات عبر الوطنية في العالم الآن في جميع أنحاء العالم، لكنها لا تزال قائمة في الغالب في مجموعة صغيرة من الدول - الولايات المتحدة أكثر بكثير من أي دولة أخرى - ولا تزال هياكل ملكيتها مركزة على المستوى الوطني. ونتيجة لذلك، فإن الثروة - رغم أنها مشتتة جغرافياً ربما أكثر من أي وقت مضى - لا تزال مركزة بشكل كبير على المستوى الوطني. يربح المستثمرون الأمريكيون أكثر من أي جنسية أخرى عندما تربح الشركات عبر الوطنية، بغض النظر عن جنسية الأخيرة أو موقعها الجغرافي. في الواقع، بدلاً من "عولمة رأس المال"، ربما يكون الأمر الأكثر ملاءمة هو "أمركة رأس المال العالمي"، حيث ازدادت الملكية الأمريكية في مناطق رئيسية أخرى من العالم منذ أوائل التسعينيات.
يتبع