رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (85) القانون العام للتراكم الرأسمالي


كارل ماركس
2020 / 12 / 23 - 10:00     


3) الإنتاج المطرد لفيض السكان النسبي، أو الجيش الصناعي الاحتياطي

رغم أن تراكم رأس المال يبدو، في الأصل، بمثابة اتساع كمّي فحسب، إلا أنه يجري، كما سبق أن رأينا، في ظل تغير نوعي مطرد في تركيبه، وفي ظل نمو مستمر لجزئه الثابت على حساب جزئه المتغير (1).
إن النمط الخاص للإنتاج الرأسمالي، وتطور قدرة إنتاجية العمل المطابق له، والتغير في التركيب العضوي لرأس المال الذي ينجم عن ذلك، أمور لا تقتصر على السير بخطى موازية لتقدم التراكم، أو لنمو الثروة الاجتماعية، بل إنها تنمو بوتيرة أسرع بما لا يقاس، لأن التراكم المحض، أو الاتساع المطلق في رأس المال الكلي، يقترن بتمركز عناصره الفردية، ولأن انقلاب التركيب التكنیكي لرأس المال الإضافي يرافقه انقلاب مماثل في التركيب التكنیكي لرأس المال الأصلي. إذن، بمضي التراكم قدماً، يتغير تناسب الجزء الثابت إلى الجزء المتغير من رأس المال. فلو كان هذا التناسب في الأصل، 1 إلى 1 مثلا، فإنه يصبح على التوالي 2 إلى 1، 3 إلى 1، 4 إلى 1، 5 إلى 1، 7 إلى 1، وهلمجرا، بحيث أن زيادة رأس المال لا تؤدي إلى تحويل 2/1 قيمته الإجمالية بل 3/1 أو 4/1، أو 5/1 أو 6/1 أو 8/1، إلخ، إلى قوة عمل، وتحويل 2/3 أو 3/4، أو 5/4 أو 6/5 أو 8/7، إلخ، إلى وسائل إنتاج. وبما أن الطلب على العمل لا يتحدد بمقدار رأس المال كله، بل بمقدار الجزء المتغير وحده، فإن هذا الطلب يهبط هبوطاً متزايداً بموازاة الزيادة في رأس المال الكلي، بدلا من أن يرتفع بنسبة ارتفاعه، كما كان يعتقد سابقا. إنه يهبط نسبياً بالقياس إلى مقدار رأس المال الكلي، ويهبط بوتيرة متسارعة كلما ارتفع مقدار رأس المال الكلي. صحيح أنه بنمو رأس المال الكلي يزداد جزؤه المتغير، أو قوة العمل المندمجة فيه، ولكن نسبة هذه الزيادة تتضاءل على الدوام. وتتقلص الفترات الفاصلة التي يبرز فيها التراكم كمجرد توسيع للإنتاج على أساس تکنیکی معین. ولا يقتصر الأمر على كون التراكم المتسارع باطراد لرأس المال الكلي، شيئاً ضرورياً، لاستيعاب عدد جديد من العمال، أو مجرد الإبقاء على العمال الأصليين في أعمالهم، بسبب من الاستحالة (Metamorphose) الدائمة الجارية في رأس المال القديم. وهذا التراكم والتمركز المتزايدان يغدوان، بدورهما، مصدر تغيرات جديدة في تركيب رأس المال، أو مصدر تناقص متسارع جديد لجزئه المتغير قياسا إلى جزئه الثابت. وهذا التناقص النسبي المتسارع للجزء المتغير، الذي يتوافق مع تزايد رأس المال الكلي، والذي يمضي بسرعة أكبر من نمو هذا الأخير، يتخذ شكلا مقلوباً في الجانب الآخر، فيبدو في مظهر زيادة مطلقة في السكان العاملين، زيادة تنمو بسرعة أكبر من نمو رأس المال المتغير أو وسائل استخدام هؤلاء السكان. وعلى العكس، فإن التراكم الرأسمالي نفسه هو الذي يولد، على الدوام، وبتناسب طردي مع طاقته وحجمه، فيضاً نسبياً في السكان العاملين، أي عدداً فائضاً من السكان يفوق حاجات راس المال الوسطية إلى النمو الذاتي للقيمة، وبالتالي يولد فائضاً في السكان العاملين.
وإذا نظرنا إلى رأس المال الاجتماعي الكلي نرى أن عملية تراكمه تسبب، تارة، تغيّرات دورية؛ كما نرى، تارة أخرى، أن مختلف أوجه هذه العملية تتوزع، في آن واحد، على مختلف ميادين الإنتاج. ففي بعض الميادين يطرأ تغير على تركيب رأس المال من دون حدوث نمو في مقداره المطلق نتيجة التركز (Konzentration)(*) وحده؛ وفي ميادين أخرى يقترن النمو المطلق لرأس المال بانخفاض مطلق في جزئه المتغير، أو في قوة العمل التي يستوعبها؛ وفي ميادين غيرها، يواصل رأس المال النمو لبعض الوقت على قاعدة تكنیكية محددة، فيجتذب قوة عمل إضافية بنسبة نموه، بينما يتعرض رأس المال في فترات أخرى إلى تغير عضوي يخفض جزءه المتغير؛ إلا أن نمو الجزء المتغير من رأس المال، وبالتالي نمو عدد العمال الذين يستخدمهم، إنما يقترن دوماً، وفي جميع ميادين الإنتاج، بتقلبات عنيفة، وبنشوء فائض سكاني مؤقت، سواء اتخذ هذا الفائض شكلا صارخاً بهيئة طرد العمال الموجودين قيد الاستخدام، أم شكلا أقل بروزاً، وإن كان لا يقل تأثيراً عن ذلك، بهيئة تنامي الصعوبة في استيعاب السكان العاملين الإضافيين عبر قنوات التصريف المعتادة. وإلى جانب زيادة رأس المال الاجتماعي العامل أصلا ودرجة نموه، وإلى جانب اتساع نطاق الإنتاج وكتلة العمال الذين يستخدمهم، وإلى جانب تطور إنتاجية عملهم، وتعاظم سعة وعطاء جميع مصادر الثروة، إلى جانب ذلك كله يتسع نطاق ظاهرة تتجلى في اقتران زيادة قدرة رأس المال على اجتذاب العمال بتشديد طردهم؛ وتزايد سرعة التغير في التركيب العضوي لرأس المال وفي شكله التكنیكي؛ واتساع دائرة ميادين الإنتاج التي يشملها هذا التغير والتي تتغير بصورة متزامنة تارة، وبصورة متعاقبة تارة أخرى. لذا فإن السكان العاملين، بإنتاجهم لتراكم رأس المال، إنما ينتجون وسائل تحويلهم إلى فائض نسبي من السكان، وهم يقومون بذلك على نطاق متنام ابداً(2). وهذا قانون سکاني خاص بنمط الإنتاج الرأسمالي، علما أن لكل نمط إنتاج تاریخي متميز، قانونا خاصاً للسكان، ولا يسري تاريخياً إلا في نطاقه وحده. وليس هناك من قانون تجريدي للسكان إلا بالنسبة إلى عالم النبات والحيوان، ولكن بمقدار ما يكون هذا العالم بعيداً عن التدخل التاريخي للإنسان.

ولكن، إذا كان التراكم، أو نمو الثروة على أساس رأسمالي، يولد بالضرورة فائضا من السكان العاملين، فإن هذا الفائض يغدو، بدوره، رافعة للتراكم الرأسمالي، بل شرطاً من شروط وجود نمط الإنتاج الرأسمالي. فهو يؤلف جيشاً صناعياً احتياطياً يستطيع رأس المال أن يتصرف به، وهو ملك مطلق لرأس المال، وكأنه قد رباه على نفقته الخاصة. وبصرف النظر عن حدود التزايد الفعلي للسكان، يزود هذا الجيش رأس المال بالمادة البشرية الجاهزة دومة للاستثمار وفق الحاجات المتقلبة للنمو الذاتي لرأس المال. فباطراد التراكم وما يرافقه من نمو قدرة إنتاجية العمل تنمو أيضا قدرة رأس المال على الاتساع الفجائي، لا بسبب تزايد مرونة رأس المال الناشط أصلا فقط، ولا بسبب اتساع الثروة المطلقة، التي لا يشكل رأس المال سوى أحد أجزائها المرنة فحسب، ولا بسبب أن الائتمان، مدفوعاً بشتى الحوافز الخاصة، يضع في غمضة عين جزءا هائلا من هذه الثروة تحت تصرف الإنتاج في هيئة رأسمال إضافي؛ ليس ذلك وحسب، بل إن رأس المال ينمو أيضا لأن الشروط التكنيكية لعملية الإنتاج ذاتها – الآلات ووسائل النقل، وإلخ – تسمح الآن بتحويل المنتوج الفائض، على أسرع ما يكون وبأبعاد على أضخم ما يمكن، إلى وسائل إنتاج إضافية. إن كتلة الثروة الاجتماعية التي تنمو مع تقدم التراكم، والقابلة للتحول إلى رأسمال إضافي، تقتحم، في اندفاع مسعور، فروع الإنتاج القديمة التي تتوسع أسواقها فجأة، أو فروع الإنتاج المتشكلة حديثاً، مثل سكك الحديد، وما شاكلها، التي تتنامى الحاجة إليها بسبب تطور فروع الإنتاج القديمة. وفي كل هذه الأحوال، لا بد من توافر جمهرة غفيرة من البشر يمكن زجها، دفعة واحدة، في المواضع الحاسمة دون الإضرار بمستوى الإنتاج في ميادين أخرى. وإن فيض السكان هو الذي يقدم هذه الجمهرة الغفيرة. ولكن مسار الحياة المميز للصناعة الحديثة، التي تتخذ شکل دورات تستغرق كل منها عشر سنوات من مراحل الانتعاش الوسطي، فالإنتاج العاصف، فالأزمة، فالركود، إن هذا المسار، المقطوع بتقلبات أصغر، يتوقف على التكوين الدائم للجيش الصناعي الاحتياطي، أي السكان الفائضين، واستيعابه بهذا القدر أو ذاك، وتكوينه مجدداً. كما أن الأحوال المتقلبة من الدورة الصناعية الكبرى تزيد من عدد السكان الفائضين، وتغدو أشد العناصر فاعلية في تجديد إنتاج هؤلاء.

إن مسار الحياة المتميزة للصناعة الحديثة والتي لم تشهد مثيلها في أي عهد سابق من عهود التاريخ البشري، كانت مستحيلة أيضا في عهد طفولة الإنتاج الرأسمالي. فتركيب

رأس المال كان يتغير ببطء شديد. وكان تراكمه بالتالي يتناسب، على العموم، مع الازدياد المطرد للطلب على العمل. ومهما كان تقدم التراكم بطيئاً بالمقارنة مع الفترة المعاصرة، فقد كان مع ذلك يصطدم بالحدود الطبيعية للسكان العاملين، القابلين للاستغلال، وهي حدود لا يمكن التخلص منها إلا بوسائل قسرية، سنتطرق إليها فيما بعد. إن توسع نطاق الإنتاج على نحو فجائي، وعلى شكل قفزات، هو المقدمة لتقلص هذا النطاق على نحو مباغت بالمثل؛ وهذا التقلص يحفز، بدوره، التوسع، لكن التوسع مستحيل بدون توافر مادة بشرية جاهزة وقابلة للاستغلال، أي من دون زيادة في عدد العمال، بصرف النظر عن النمو المطلق للسكان. وتتحقق هذه الزيادة بعملية بسيطة تحرره باستمرار جزءا من العمال، وذلك باستخدام طرائق تقلص عدد العمال المستخدمين قياسا إلى زيادة الإنتاج. ولهذا فإن شكل الحركة الملازم للصناعة الحديثة يعتمد كلياً على تحويل جزء من السكان العاملين، باستمرار، إلى عمال عاطلين، أو شبه عاطلين. وتتجلى سطحية الاقتصاد السياسي، من بين أمور أخرى، في أنه ينظر إلى توسّع الائتمان وانكماشه، وهما من علائم التغيرات المرحلية في الدورة الصناعية ليس إلا، على أنهما سبب هذه التغيرات. وكما أن الأجرام السماوية تكرر حركتها منذ أن تنطلق في مدار معين، كذلك يكرر الإنتاج الاجتماعي حركة التوسع والتقلص المتعاقبين، ما أن ينطلق في مساره. فالنتائج، تتحول بدورها إلى أسباب، وحالات التغير في العملية كلها، التي تعيد دوما إنتاج شروطها بالذات، تتخذ شكلا دورياً منتظماً (**).. وما إن يترسخ هذا الشكل الدوري المنتظم، حتى يضطر الاقتصاد السياسي نفسه إلى أن يرى في إنتاج فيض السكان النسبي – نسبي قياسا إلى الحاجات الوسطية للنمو الذاتي لقيمة رأس المال – شرطاً ضرورياً لحياة الصناعة الحديثة.

يقول هـ. مريفال، الذي شغل كرسي الاقتصاد السياسي في جامعة أوكسفورد، ثم عين فيما بعد موظفاً في وزارة المستعمرات الإنكليزية: “لنفرض أن الأمة، عند وقوع إحدى هذه الأزمات، تبذل جهدها للتخلص من بضع مئات من آلاف الأيدي العاملة الفائضة عن طريق الهجرة، فماذا ستكون العاقبة؟ ستكون نقص في اليد العاملة عند أول عودة للطلب على العمل. ومهما يكن التكاثر سريعاً، فإنه يحتاج في كل الأحوال، مدة جيل للتعويض عن خسارة العمال الراشدين. ولكن أرباح صناعيينا مرهونة بقدرتهم على استغلال فترة الازدهار التي ينشط خلالها الطلب، لكي يعوضوا أنفسهم على هذا النحو عن أوقات فتوره. وهذه القدرة لا تتوافر عندهم إلا بالتحكم في الآلات واليد العاملة. ولا بد من أن تكون تحت تصرفهم يد عاملة حرة، ولا بد من أن يكونوا قادرين على زيادة نشاط أعمالهم عند الحاجة، وإبطائها ثانية، وفقا للوضع في السوق، وإلا تعذر عليهم، في سياق المنافسة المسعورة، الحفاظ على ذلك التفوق الذي ترتكز عليه ثروة البلاد”(3). ونجد حتى مالتوس يعترف بفيض السكان باعتباره ضرورة للصناعة الحديثة، رغم أنه يفسر هذا الفيض، بأسلوبه الضيق، قائلا إنه ينجم عن فيض نمو مطلق في السكان العاملين، ولا ينجم عن كون العاملين قد غدوا فائضين نسبياً عن الحاجة. يقول مالتوس:

“إذا ما استشرت عادات الاحتراس والحذر تجاه الزواج إلى حد معين وسط الطبقة العاملة في بلد يعتمد أساسا على الصناعة والتجارة، فقد تنزل الضرر بذلك البلد… فبسبب طبيعة السكان لا يمكن تزويد السوق بالمزيد من العمال عند نشوء طلب خاص على العمل، إلا بعد انصرام 16 أو 18 سنة، أما تحويل الإيراد إلى رأسمال، عن طريق الادخار، فيمكن له أن يتحقق بسرعة أكبر. فالبلد قادر دوما على زيادة كمية الأرصدة المعدة لإعالة العمال بسرعة أكبر من ازدياد السكان”(4).
وبعد أن يوضح الاقتصاد السياسي، على هذا النحو، أن الإنتاج المستمر لفيض السكان النسبي من العمال شرط ضروري للتراكم الرأسمالي، فإنه يتنكر في إهاب عانس، ويضع في فم الرأسمالي «مثله الأعلى في الجمال» (beau ideal) بهذه الكلمات الموجهة إلى العمال “الفائضين” الذين ألقى بهم رأس المال الإضافي ذاك الذي خلقته أياديهم على قارعة الطريق.

“نحن الصناعيين نبذل ما في وسعنا لأجلكم، فنحن نزيد رأس المال الذي تعتاشون عليه، أما أنتم، فعليكم تدبير الباقي بأن تكيفوا عددكم مع وسائل العيش” (5). إن الإنتاج الرأسمالي لا يكتفي أبدأ بالكمية المتيسرة من قوة العمل التي يقدمها النمو الطبيعي للسكان. فلعبه الحر يقتضي جيشاً صناعياً احتياطياً، مستقلا عن هذه القيود الطبيعية.

لقد افترضنا، حتى الآن، أن ارتفاع أو انخفاض رأس المال المتغير يتطابق تطابقاً صارماً مع ارتفاع أو انخفاض عدد العمال المستخدمين.

لكن عدد العمال الذين يتحكم بهم رأس المال قد يظل ثابتاً أو يهبط عند تزايد رأس المال المتغير، إذا أدّى العامل الفردي عملا أكثر وتقاضى أجوراً أكبر، رغم أن سعر العمل يبقى على حاله أو قد يهبط، ولكن بوتيرة أبطأ من وتيرة ازدياد كتلة العمل. إن ازدياد رأس المال المتغير يصبح، في هذه الحالة، مؤشرا على أداء عمل أكثر، لا على استخدام عدد أكبر من العمال. وتقتضي المصلحة المطلقة لكل رأسمالي، أن يعتصر كمّية العمل المعينة من أصغر عدد لا من أكبر عدد من العمال حتى لو كان سعر هذا العدد الأكبر مماثلاً أو أرخص. ففي الحالة الثانية يزداد إنفاق رأس المال الثابت زیادة طردية مع كتلة العمل التي يجري تحريكها؛ أما في الحالة الأولى فإن هذه الزيادة أبطأ بكثير. وكلما اتسع نطاق الإنتاج، اشتدت أهمية هذا الدافع. وتتنامی شدته مع تراكم رأس المال.

لقد رأينا أن تطور نمط الإنتاج الرأسمالي وتطور قدرة إنتاجية العمل – وهذان سبب ونتيجة للتراكم في آن واحد – يتيحان للرأسمالي، بإنفاق المقدار نفسه من رأس المال المتغير، أن يحرك كمية أكبر من العمل بزيادة استغلال قوى العمل الفردية سواء من حيث الشدة أو من حيث السعة. كما رأينا أيضا أن الرأسمالي يشتري بقيمة رأس المال الواحدة ذاتها المزيد من قوى العمل، حينما يستعيض باطراد عن العمال الماهرين بعمال أقل مهارة، وعن قوة عمل ناضجة بقوة عمل غير ناضجة، وعن الذكور بالإناث، وعن الراشدين باليافعين والأطفال.

إذن، فبمضي التراكم قدما، يأخذ رأس المال المتغير الأكبر، بتحريك مقدار أكبر من العمل من دون أن يجند مزيدا من العمال، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن رأسمالا متغيراً ذا مقدار واحد بالذات يحرك مقداراً أكبر من العمل مع بقاء كتلة قوة العمل على حالها، وأخيراً يزج عددا أكبر من قوى عمل متدنية محل قوى عمل عالية.

إن إنتاج فيض السكان النسبي، أو تحرير العمال يسير، لذلك، سيراً أسرع من الانقلاب التكنیكي في عملية الإنتاج المتسارعة أصلا بفعل تقدم التراكم، وأسرع من التناقص النسبي في الجزء المتغير من رأس المال بالمقارنة مع جزئه الثابت، المقترن بهذا الانقلاب. ولئن كانت وسائل الإنتاج، وهي تزداد سعة نطاق وفاعلية، تتضاءل کوسائل الاستخدام العمال، فإن هذه العلاقة نفسها تتمحور بواقع أن رأس المال يخلق عرض العمل بسرعة أكبر من زيادة طلبه على العمال، وذلك بمقدار ما تتنامى قدرة إنتاجية العمل. وإن التشغيل المفرط للقسم المستخدم من الطبقة العاملة يضخم صفوف قسمها الاحتياطي، في حين أن تعاظم ضغط الاحتياطي على الجزء المستخدم، من جراء المنافسة، برغم هؤلاء الأخيرين، بالمقابل، على الإذعان للتشغيل المفرط، والخضوع لما يمليه رأس المال. إن الحكم على شطر من الطبقة العاملة بالعطالة القسرية، بإرغام الشطر الآخر على العمل المفرط، والعكس بالعكس، يغدو وسيلة لإثراء الرأسماليين الفرادى (6)، ويعجل في الوقت نفسه إنتاج الجيش الصناعي الاحتياطي على نطاق يوازي تقدم التراكم الاجتماعي. وتتضح أهمية هذا العنصر في تكوين فيض السكان النسبي من مثال إنكلترا. إن وسائلها التكنيكية ل توفير العمل هائلة. مع ذلك، لو قلص العمل صباح الغد، في كل مكان، إلى مقدار عقلاني، ووزع على مختلف فئات الطبقة العاملة بمراعاة السن والجنس، فإن السكان العاملين المتیسرین حالياً لن يكونوا كافين إطلاقا لمواصلة الإنتاج الوطني في نطاقه الراهن. فالغالبية العظمى من العمال “غير المنتجين” حاليا ينبغي أن يحولوا إلى عمال “منتجين”.

إن الحركات العامة للأجور، مأخوذة في مجموعها الكلي، تنتظم حصراً بفعل توسع وتقلص الجيش الصناعي الاحتياطي، وهذان بدورهما يتطابقان مع التغيرات المرحلية في الدورة الصناعية. فالأجور إذن، لا تتحدد بفعل حركة تغير العدد المطلق للسكان العاملين، بل بالنسب المتغيرة التي تنقسم الطبقة العاملة بموجبها إلى جيش عامل وجيش احتياطي، بارتفاع أو انخفاض المقدار النسبي للسكان الفائضين، وبمدى امتصاص هذا الفائض تارة أو نبذه تارة أخرى. وبالنسبة إلى الصناعة الحديثة، بدوراتها العشرية الكبرى ذات الأطوار المرحلية، التي تتقطع، مع اطراد التراكم، نتيجة للتقلبات غير المنتظمة التي تتعاقب بسرعة متزايدة، بالنسبة إلى صناعة كهذه فإن أفضل قانون هو ذاك الذي لا يضبط الطلب على العمل وعرضه عن طريق توسيع رأس المال وتقليصه على التعاقب أي حسب حاجات راس المال في إنماء قيمته في اللحظة المعينة، بحيث يظهر سوق العمل مرة فارغاً نسبياً، بسبب توسع رأس المال، وتارة متخمة بسبب تقلص رأس المال هذا، بل على العكس، يضبط ذلك عن طريق جعل حركة رأس المال مرهوناً بالحركة المطلقة للسكان. مع ذلك فإن هذا القانون هو دوغما الاقتصاد السياسي. فوفقا له، ترتفع الأجور نتيجة لتراكم رأس المال. وتؤدي الأجور المرتفعة إلى حفز السكان العاملين على التكاثر بوتيرة أسرع، ويمضي ذلك حتى تطفح سوق العمل، وهكذا يغدو رأس المال غير کاف نسبيا، لملاقاة عرض العمل، وتهبط الأجور، وتنعكس الآية. فيتقلص السكان العاملون، شيئا فشيئا، نتيجة هبوط الأجور، بحيث يصبح رأس المال، ثانية، فائضاً بالقياس إلى العمال، أو، كما يشرح آخرون، أن هبوط الأجور، وما يرافق ذلك من تزايد في استغلال العامل، يؤديان من جديد إلى التعجيل في التراكم، في حين أن الأجور المنخفضة تعمل، في الوقت نفسه، على كبح زيادة عدد الطبقة العاملة. ومن جديد ينشأ وضع يغدو فيه عرض العمل أقل من الطلب، تترتفع الأجور، وهكذا دواليك. إنه لنمط جميل من الحركة بالنسبة إلى إنتاج رأسمالي متطور! فقبل أن يؤدي ارتفاع الأجور إلى ظهور أي زيادة إيجابية في عدد السكان القادرين على العمل حقا، تكون الفرصة قد ضاعت مرارة، في مثل هذه الظروف، لشن الحملة الصناعية، وخوض المعركة وإحراز النصر.

لقد ارتفعت الأجور في الأقاليم الزراعية الإنكليزية ارتفاعاً إسمياً صرفاً في الواقع بين عام 1849 وعام 1859 رغم ما رافقه من هبوط في أسعار الحبوب. ففي ويلتشاير، على سبيل المثال، ارتفعت الأجور الأسبوعية من 7 إلى 8 شلنات، وفي دورسيتشاير من 7 أو 8 إلى 9 شلنات، إلخ. وكان ذلك نتيجة هجرة استثنائية لفائض السكان الزراعيين بسبب متطلبات الحرب(***)، والتوسع الهائل في مد سكك الحديد وتشييد المصانع، والمناجم، وما شاكل. وكلما تدنت الأجور، ارتفعت النسبة المئوية التي تعبر عن أي ازدياد في الأجور مهما كان تافها. فلو كانت الأجور الأسبوعية 20 شلنا، على سبيل المثال، وارتفعت إلى 22 شلنا، فنسبة الارتفاع تكون 10 في المائة، أما إذا كانت الأجور 7 شلنات، وارتفعت إلى 9 شلنات، فنسبة الارتفاع تبلغ 4/7، 28 في المائة، ويبدو وقعها حسناً تماما. وعلى كل حال راح المزارعون يزعقون، بينما أخذت صحيفة إيكونوميست اللندنية، تهذي عن أجور المجاعة هذه، بجدية كبيرة قائلة إنها ارتفعت “ارتفاعاً عاماً وجوهرياً” (a general and substantial advance)(7). ولكن ماذا فعل المزارعون بعدها؟ هل انتظروا أن يعمد العمال الزراعيون، بعد هذه المكافأة السخية، إلى التكاثر بحيث تنخفض أجورهم ثانية، كما يعتقد العقل الاقتصادي الدوغماتي؟ لقد ادخلوا مزيدا من الآلات، فغدا العمال في رمشة عين «فائضين» عن الحاجة من جديد بنسبة ترضي حتى المزارعين. لقد ازداد رأس المال الموظف في الزراعة أكثر من ذي قبل، وفي شكل أكثر إنتاجية. وبهذا هبط الطلب على العمل، لا من الناحية النسبية فحسب، بل من الناحية المطلقة أيضا.

الخرافة الاقتصادية المذكورة آنفاً تخلط القوانين الناظمة لحركة الأجور العامة – أي القوانين الناظمة للتناسب بين الطبقة العاملة، أي إجمالي قوة العمل، وبين رأس المال الاجتماعي الكلي – بالقوانين الناظمة لتوزيع السكان العاملين على مختلف میادین الإنتاج. فلو أن التراكم، مثلا، تعاظم في فرع إنتاجي معين، نتيجة لظروف مواتية، وبات الربح في هذا الفرع أكبر من متوسط الأرباح، وانجذب إليه لذلك رأسمال إضافي، فإن الطلب على العمل يرتفع طبعاً، كما ترتفع الأجور أيضا. وتجتذب الأجور الأعلى شطراً أكبر من السكان العاملين إلى هذا الميدان المواتي، إلى أن يتشبع بقوة العمل، فتنخفض الأجور من جديد إلى مستواها الوسطي السابق، أو حتى دونه، إذا كان تدفق العمال أكبر من اللازم. وعندها، لن يتوقف نزوح العمال إلى الفرع الصناعي المعني فحسب، بل سيفتح ذلك الباب الهجرة العمال منه. وهنا يتخيل الاقتصادي أنه يرى «كيف ولماذا» تجري الزيادة المطلقة في عدد العمال التي تصاحب ارتفاع الأجور، وانخفاض الأجور الذي يصاحب الزيادة المطلقة في عدد العمال. ولكن ما يراه حقا لا يعدو عن کونه تقلبات محلية في سوق العمل ضمن میدان خاص من الإنتاج – فهو لا يرى سوى ظاهرات توزيع السكان العاملين على مختلف میادین توظيف رأس المال حسب حاجاته المتغيرة.

إن الجيش الصناعي الاحتياطي، أي السكان الفائضين، يثقل جیش العمل قيد الخدمة خلال فترات الركود وفترات الانتعاش الوسطي، أما خلال فترات فيض الإنتاج واشتداد حماته، فإنه يلجم طموحات هذا الأخير. وعلى هذا فإن فيض السكان النسبي هو الأرضية التي يتحرك عليها قانون الطلب على العمل وعرضه. فهذا الفيض يحصر مجال سريان مفعول هذا القانون في حدود معينة ملائمة ملاءمة مطلقة لنهم رأس المال إلى الاستغلال وكلفه بالهيمنة. ولا بد هنا من العودة إلى واحدة من المآثر العظمى للتبريرية الاقتصادية. ونعيد إلى الأذهان أن ادخال آلات جديدة، أو زيادة القديم منها، يفضیان إلى تحويل شطر من رأس المال المتغير إلى رأسمال ثابت، ولكن الاقتصادي التبريري پؤول هذه العملية التي تقيد، رأس المال، و “تحرر” العمال، تأويلا معاكسة، فيزعم أنها تحرر رأس المال لأجل العمال. والآن فقط، يسع المرء أن يقدر صلف هؤلاء التبريريين حق قدره. فما يتحرر في الواقع، ليس فقط العمال الذين تزيحهم الآلات مباشرة، بل أيضا بدائلهم المقبلة من الجيل الصاعد، ومن فوج الطوارئ الاحتياطي الذي يجند بانتظام عند كل اتساع عادي للصناعة على الأساس القديم. فهؤلاء جميعا قد تحرروا الآن، ما يتيح لأي رأسمال جديد طامح إلى النشاط أن ينصرف بهم. وسواء اجتذبهم رأس المال الجديد أم اجتذب غيرهم، فإن أثر ذلك في الطلب العام على العمل سيساوي صفراً، ما دام رأس المال الجديد هذا يكفي فقط لأن يسحب من السوق عددا من العمال يساوي العدد الذي ألقته الآلات في السوق. فإذا استخدم رأس المال هذا عدداً أقل من ذلك، فإن عدد العمال الفائضين يزداد، وإذا استخدم عددا أكثر من ذلك، فإن الطلب العام على العمل لن يزداد إلا بمقدار الفرق بين عدد العمال الذين يستخدمهم وعدد العمال “المحررين”. وهكذا فإن ارتفاع الطلب على العمل الذي كان يمكن أن تقدمه، عموما، رؤوس الأموال الإضافية الباحثة عن مجال للنشاط، يبطل مفعوله بقدر ما يجد من عمال تلقي بهم الآلات على قارعة الطريق. نقصد بذلك، أن آلية الإنتاج الرأسمالي تعمل على نحو معين بحيث تمنع الزيادة المطلقة في رأس المال من الاقتران بارتفاع مماثل في الطلب العام على العمل. وهذا ما يسميه التبريري بالتعويض عن البؤس والعذابات والهلاك المحتمل للعمال المطرودين خلال الفترة الانتقالية التي تلقي بهم في صفوف الجيش الصناعي الاحتياطي! فالطلب على العمل لا يتطابق مع نمو رأس المال، ولا عرض العمل مع نمو الطبقة العاملة. فلا وجود هنا للتأثير المتبادل بين قوتين مستقلتين عن بعضهما بعضا. إن زهر النرد مغشوش (Les des sont pipes). فرأس المال يفعل فعله من الجهتين في آن واحد. فإذا كان تراكمه يزيد الطلب على العمل من جهة، فإنه يزيد عرض العمال، من الجهة الأخرى، بـ «تحریر» هم، بينما يفضي ضغط العاطلين عن العمل إلى ارغام العاملين على أداء عمل أكثر، ما يجعل عرض العمل، في حدود معينة، مستقلا عن عرض العمال. وسريان مفعول قانون عرض العمل والطلب عليه يستكمل، على هذا الأساس، استبداد رأس المال. ولذلك حالما يدرك العمال السر، وحالما يفهمون كيف أنهم كلما بذلوا عملا أكثر، وأنتجوا ثروة أعظم للآخرين، وتنامت قدرة إنتاجية عملهم، غدت وظيفتهم نفسها كوسيلة للنمو الذاتي لرأس المال، محفوفة بالمزيد من الأخطار؛ وحالما يكتشفون أن حدة المنافسة بينهم مرهونة كلياً بضغط نبض السكان النسبي؛ ثم حالما يسعون، عن طريق النقابات العمالية، إلخ، إلى التنسيق والتعاون المنتظم بين العاملين والعاطلين عن العمل لإزالة أو إضعاف الآثار المهلكة التي يتركها القانون الطبيعي للإنتاج الرأسمالي على طبقتهم، حتى يشرع رأس المال، ومداحه، رجل الاقتصاد السياسي، في الزعيق عن انتهاك القانون «الأزلي»، “القانون والمقدس”، إن جاز التعبير، للعرض والطلب. وكل ترابط بين العاملين والعاطلين عن العمل إنما يشوش “صفاء” فعل هذا القانون. ولكن، من جهة أخرى، حالما تبدأ الأوضاع غير المواتية بعرقلة خلق جيش صناعي احتياطي، كما في المستعمرات مثلا، مانعة بذلك انبثاق تبعية الطبقة العاملة تبعية مطلقة للطبقة الرأسمالية، فإن رأس المال، وتابعه العامي سانتشو بانزا(****)، يتمردان على القانون «المقدس» للعرض والطلب، ويسعيان إلى عرقلة سريان مفعوله بوسائل قسرية.

______________

(1) [حاشية للطبعة الثالثة: في هذا الموضع من نسخة مارکس، توجد الملاحظة الهامشية التالية: “ندرج هنا ملاحظة لبحثها لاحقا: إذا كان التوسع كمياً فحسب، فإن أرباح رؤوس الأموال العاملة في فرع واحد، الكبير منها والصغير، تتناسب تناسب مقادير رؤوس الأموال المسلفة. أما إذا أدى التوسع الكمي إلى تغير نوعي، فإن معدل ربح رأس المال الأكبر يرتفع في آن واحد”. ف. إنجلز].
(*) في الطبعة الثالثة: التمرکز Zentralization. [ن. برلین].
(2) “لقد حدس بعض الاقتصاديين البارزين من المدرسة الكلاسيكية حدساً من دون أن يدركوا تماما مفعول قانون التناقص المطرد في المقدار النسبي لراس المال المتغير وتأثيراته على طبقة العمال المأجورين. ويرجع الفضل الأكبر في هذا المجال إلى جون بارتون، رغم أنه، شأن الباقين جميعاً، بخلط رأس المال الثابت براس المال الأساسي، ورأس المال المتغير برأس المال الدائر. ويقول في ذلك: إن الطلب على العمل يتوقف على ازدياد رأس المال الدائر وليس على رأس المال الأساسي. ولو كان صحيحا أن التناسب بين هذين النوعين من رأس المال هو نفسه في كل زمان وظرف، لترتب على ذلك أن عدد العمال المستخدمين يتناسب مع ثروة البلاد. ولكن ليس لهذا الافتراض أدنى احتمال. فعلى قدر تحسن الإنتاج، وانتشار الحضارة، تنامى رأس المال الأساسي بنسبة متعاظمة قياساً إلى رأس المال الدائر. وإن مقدار رأس المال الأساسي المستخدم في إنتاج قطعة من الموسلين البريطاني هو، في الأقل، مئة مرة، ولربما ألف مرة أكبر من نظيره المستخدم في إنتاج قطعة مماثلة من المرسلين الهندي. كما أن نسبة رأس المال الدائر هي أصغر بمائة أو بألف مرة … فلو أن مجمل الادخارات السنوية تضاف إلى رأس المال الأساسي، لما كان لها أي مفعول في زيادة الطلب على العمل. (جون بارتون، ملاحظات حول الظروف المؤثرة في وضع الطبقات العاملة في المجتمع. إن ذلك السبب الذي قد يؤدي إلى زيادة الدخل الصافي للبلاد، قد يؤدي، في الوقت نفسه، إلى جعل السكان فائضين عن اللزوم، وإلى تدهور وضع العمال”. ریکاردو، مبادىء الاقتصاد السياسي، ص 469. ويضيف ریکاردو إلى ذلك أن الطلب (على العمل) سيتناقص نسبياً، مع ازدياد رأس المال (المرجع نفسه، ص 480، الحاشية). ويقول ريتشارد جونز: «إن مجموع رأس المال المخصص لإعالة العامل قد يتغير بصورة مستقلة عن أية تغيرات في مجموع رأس المال الكلى… فالتقلبات الكبرى في أبعاد العمالة، والمعاناة المريرة، قد تتكاثر عندما يصبح رأس المال نفسه أكثر وفرة» (ريتشارد جونز، محاضرة تمهيدية في الاقتصاد السياسي).
ويقول رامزي: “الطلب (على العمل) لا يرتفع… بنسبة تراكم رأس المال الكلي… وعليه فإن كل زيادة في رأس المال الوطني الموجه إلى تجديد الإنتاج تصبح، مع تقدم المجتمع، أقل فاقل تأثيراً على وضع العمال، (رامزي Ramsay، المرجع المذكور، ص 90-91).
(**) أدرج ماركس في الطبعة الفرنسية التي أجازها عند هذا الموضع الفقرة التالية: “ولكن الصناعة الآلية لا تمارس تأثيرا طاغياً على كامل الإنتاج الوطني إلا بعد أن ترسخ جذورها عميقاً، وبعد أن تطغى التجارة الخارجية على التجارة الداخلية؛ وبعد أن ينجح السوق العالمي في إلحاق اصقاع واسعة من العالم الجديد وآسيا واستراليا، وأخيراً إلا بعد أن يدخل عدد كاف من الأمم الصناعية هذه الحلبة – وحين يحصل ذلك يمكن للمرء أن يشرع بتسجيل تواريخ الدورات المتكررة، المخلدة ذاتياً، والتي تمتد أطوارها المتعاقبة سنوات وتتكلل دوماً بأزمة عامة، تكون خاتمة دورة، ونقطة انطلاق دورة أخرى. لقد اقتصرت إحدى هذه الدورات حتى الآن، على عشر سنين. أو إحدى عشرة سنة، ولكن ليس ثمة ما يدعو إلى اعتبار هذا الأمد ثابتاً. على العكس، ينبغي أن نستنتج بالاعتماد على قوانين الإنتاج الرأسمالي كما أوضحناها تواً، أن أمد الدورة متغير، وأن طول الدورة سيتقلص بالتدريج. [ن. برلین].
(3) ه. مريفال، محاضرات في الاستعمار والمستعمرات، المجلد 1، ص 146.
(H. Merivale, Lectures on Colonization and Colonies, London, 1841 and 1842, V. I, p. 146).
(Prudential habits with regard to marriage, carried to a considerable extent among the labouring class of a country mainly depending upon manufactures and commerce, might injure it… From the nature of a population, an increase of labourers cannot be brought into market, in consequence of a particular demand, till after the lapse of 16 to 18 years and the conversion of revennue into capital, by saving, may take place much more rapidly; a country is always liable to increase in the quantity of the funds for the maintenance of labour faster than the increase of population)

(4) مالتوس، مباديء الاقتصاد السياسي. -319 ,215. ويكتشف مالتوس في هذا المؤلف أخيراً، بمعونة سیسموندي، الوحدة الثلاثية البديعة للإنتاج الرأسمالي: نبض الإنتاج، فيض السكان، نبض الاستهلاك. هذه ثلاثة وحوش رقيقة الحاشية حقا! (!three very delicate monsters indeed). قارن: ف. إنجلز. خطوط أولية في نقد الاقتصاد السياسي، [في مجلة الحولية الألمانية – الفرنسية ((Deutsch – Franzosische Jahrbicher باريس، 1844]، ص 107 وما يليها.
(5) هارييت مارتينو، اضراب مانشستر، لندن، 1832، ص 101.
(Harriet Martineau, The Manchester Strike, London, 1832, p. 101).
(6) حتى في أثناء المجاعة القطنية لعام 1863، نقرأ في کراس لعمال مصانع غزول القطن في بلاكبورن، شکاوی حادة من العمل المفرط، الذي لم يمس بالطبع سوى العمال الذكور الراشدين وذلك بفعل قوانين المصانع. “لقد طولب العمال الراشدون في هذا المصنع بأن يعملوا من 12 إلى 13 ساعة يومياً، بينما هناك مئات مرغمون على الخمول ويتوقون إلى العمل، ولو لجزء من الوقت، بغية اطعام أسرهم وإنقاذ أشقائهم من الذهاب إلى القبر قبل الأوان بسبب العمل المفرط”. ويمضي الكراس إلى القول إننا لنتساءل إن كانت هذه الممارسة، أي فرض ساعات عمل إضافية على عدد من العمال، من شأنه أن يشيع المشاعر الطيبة بين السادة والخدم. فأولئك الذين يرغمون على العمل وقتا إضافياً يشعرون بالحيف، أسوة بالذين تمضي عليهم بالخمول القسري (condemned to forced idleness). ويوجد في المنطقة ما يكفي من العمل تقريبا لمنح الجميع عملا لوقت جزئي، إن كان توزيعه عادة: نحن لا ننشد غير الحق في مطالبة أرباب العمل عموما باتباع نظام يوم عمل غير كامل، إلى أن يطل علينا وضع أفضل، بدلا من تشغيل جزء من العمال وقتا إضافياً، بينما يضطر آخرون، بسبب فقدان العمل، إلى العيش على
صدقات الإحسان. (تقارير مفتشي المصانع، 31 تشرين الأول/ أكتوبر، 1863، ص 8). ويلتقط مؤلف: بحث في الصناعة والتجارة عاقبة فيض السكان النسبي على العمال المستخدمين بغريزته البورجوازية، المعتادة، التي لا تخطئ، فيقول ثمة سبب آخر للكسل (iddleness) في هذه المملكة، وهو الافتقار إلى عدد كاف من الأيدي العاملة. فحيثما تتنامى قيمة الأيدي العاملة، من جراء طلب استثنائي على مصنوعات معينة، يحس العمال بأهميتهم الخاصة، ويأخذون بإشعار سادتهم بها أيضا – إنه لأمر مذهل حقا، ولكن عقول هؤلاء الناس فاسدة بحيث أن جماعات من العمال تتفق في حالات كهذه على ازعاج اسيادهم بالامتناع عن العمل طوال يوم بأكمله. لقد كان هؤلاء في الواقع، يطالبون بزيادة في الأجور.
(***) خاضت إنكلترا عدة حروب بين عام 1849 وعام 1859، منها حرب القرم (1853 – 1856)، وحرب ضد الصين (1856 – 1858 و1859 – 1860) وحرب في بلاد فارس (1856 – 1857)، كما قضت على تمردات في الهند، ثم ارسلت قواتها لقمع الحركة التحررية في الهند خلال 1857 – 1859. [ن. برلین].
(7) إيكونومیست، 21 كانون الثاني / يناير 1860.
(****) تابع دون كيخوته [دون كيشوت] الشهير في رواية ثربانتس التي تحمل الاسم نفسه. [ن. ع].