بماذا تُفسر ؟


سامى لبيب
2020 / 12 / 22 - 20:48     

لماذا نحن متخلفون (76) .

هذا المقال يأتى فى سياق سلسلة مقالات " لماذا نحن متخلفون " راصداً لمظاهر التخلف الكامنة فى مجتمعاتنا العربية والتى صارت فى نسيجها الفكري والسلوكي .
أنثر هذه التأملات والتوقفات طالباً من الجميع أن يجتهد في البحث عن جذور وأسباب تخلفنا أو على أقل تقدير إستنتاج الأسباب , لذا أستهل تأملاتي بسؤال : بماذا تفسر ؟ وذلك كأداء جديد في الكتابة يأمل من القارئ أن يكون مشاركاً فاعلاً بدلا من أن يتحول لجهاز إستقبال .
فى الحقيقة لديّ رؤية تُفسر مظاهر وأسباب التخلف والتي أعزيها للثقافة الدينية السائدة كمنهج تفكير وسلوك ومنهجية لمعالجة الأمور , ولكن لن أفرض رؤيتي تلك ولن أعلنها مباشرة , كما أن هناك بعض مظاهر التخلف التي يُحيرني حضورها , لذا هي دعوة عامة للجميع أن نغوص في جذور التخلف مُفسرين أسبابها وكيفية تخلصنا من هذا التخلف العتيد .

- بماذا تُفسر أن شوارع ومدن الغرب نظيفة وجميلة بينما شوارعنا ومدننا العربية قذرة وسيئة .. هل هي ثقافة ومنهجية سلوك ولكن هناك من يقول أن النظافة من الإيمان .
أتصور من أسباب القذارة والإهمال أن مفهومنا عن النظافة سطحي وذاتي فالوضوء مثلا حالة من التعامل السطحي الضيق مع النظافة .

- بماذا تُفسر أن إنتاج الغرب من المصنوعات يتم بدقة متناهية بينما أعمالنا وإنتاجنا تتم بكروتة وعدم دقة .. هل هذا يرجع لثقافة ومنهجية حياة وسلوك , ولكن قد يقول قائل : إن الله يحب من يعمل عملاً أن يتقنه , فمن أين جاء الإهمال وعدم الدقة والإتقان في العمل ببلداننا الإسلامية بينما الأمور دقيقة ورائعة فيما يقال عنها بلاد الكفار .

- بماذا تُفسر عدم وجود مراجعات من اليساريين العرب تُفسر فشل المنظومة الإشتراكية , فالإنهيار كان عظيماً هائلاً مزلزلاً ولم يتحرك أحد لنقد المنظومة , فيرون العيب فى التطبيق وليس فى النظرية .. حسنا فما مفهومكم عن التطبيق الصحيح وكيف نتفادى التطبيق الخاطئ .. وألا تحتاج النظرية لبعض التعديل بحكم جدلية التطور .
مازال الشيوعيين العرب يجترون أقوال لينين وستالين , فهل هذا نتاج إستمرار لثقافة قديمة مُتجذرة تُقدس وتُمجد القديم وتضع النقل قبل العقل .

- بماذا تُفسر أن تقليدنا للممارسة الديمقراطية فى الغرب بائس ومراوغ ومزيف , فلدينا حزب حاكم وأحزاب معارضة كرتونية تمارس دور الديكور لتتطلع الصورة حلوة , فلا هى ذات حضور فى الشارع ولا هي كيان يمثل بديلاً للنظام الحاكم .
الخيبة أن هناك شعوب تعيش فى القرن الواحد والعشرين بلا حزب حاكم ولا حتى أحزاب معارضة كرتونية !

- بماذا تُفسر فشلنا فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة , هل ثقافتنا ومنهجنا في الحياة يحول دون ذلك ليقول قائل ديننا يطالب بالشورى , ولكن فليلاحظ أن الشورى بين جماعة الولاء المؤمنة نفسها كما أن الشورى ليست مُلزمة للحاكم ومن هنا نعرف السبب , فدعهم ينبحون وتستفحل الخيبة فى النفور من النباح .

- بماذا تُفسر تراجع مواقف الشعوب والدول العربية , فماضيها يشهد بزخم هائل من العداء واللعنات لإسرائيل والتغني بنصرة القضية الفلسطينية , أما حاضرها فيشهد خفوت هذا العداء المُتجذر القديم وزواله , بل الهرولة نحو السلام والتطبيع مع إسرائيل, فهل كانت الشعارات القديمة جوفاء تم إطلاقها من أنظمة على شعوب ببغائية مغيبة ؟

- بماذا تفسر أن شعوبنا عاشت سِلم إجتماعي فى ظل حكم الإستعمار والأنظمة المستبدة الديكتاتورية وعندما تنسمت بعض الحرية حل الصراع والتناحر الطائفي ولنا فى العراق نموذجاً , فلم نكن نعلم أن مكونات الشعب العراقى هى من سنه وشيعة ليظهر التناحر والصراع الطائفي بعد زوال حكم صدام .. هل نحن أمام ثقافة ترسخ التنافر والتناحر على الهوية والطائفة والمذهب أم هناك أمر آخر .

- بماذا تفسر تراجع الدولة المدنية العلمانية في كل الدول العربية التي نهجت خطوات في هذا الطريق خاصة تونس وتركيا , فبعد نضال كبير لتونس بورقيبة نجد تصاعد للإسلام السياسي وتطرف وإرهاب من شباب تونسي داعشي يشكلون زخماً لداعش , كذا الحال فى تركيا أتاتورك فبعد تأسيس الدولة العلمانية التركية وإسقاط الخلافة الإسلامية نجد من يريد إحياء تلك الخلافة ويدعم دعاة الدولة الدينية .
هل نحن أمام تأثير وحضور وتخريب من الإسلام السياسي ولكن الشعوب هي من صعدت حضورهم , فهل شعوبنا لا تميل للدولة المدنية ؟

- بماذا تُفسر نفور الكثيرين خاصة الإسلاميين من شعار حرية وكرامة المرأة , فيصورون الأمور أنها مطالبة بالحرية الجنسية للنساء , فهل الحرية في ثقافتهم تعنى الإنفلات الجنسي أم أن الأمور تعني سحب السجادة من ذكوريتهم المهيمنة ؟

- بماذا تفسر حنين الشعوب للمستبدين القدامى كعبد الناصر وصدام والقذافي والترحم على أيامهم وعصرهم , فهل هو ميول نفسية مازوخية نحو الرضوخ للمستبد , ولكن المازوخية هنا نتاج منهج فكرى ثقافي ينحاز ويرضخ للقوى المستبدة من نتاج تاريخ طويل من الممارسات التعسفية المستبدة أم أن الأمور تعنى عشق المستبد العادل والتمرغ تحت نعاله ؟ أم أن هناك أمور أخرى .

- بماذا تُفسر أن هناك إحتفالية بالغزو الإسلامي لبلادنا بينما هناك لعنات للإستعمار الغربي , فلماذا لا نقيم إحتفالية فى ذكرى الغزو الأمريكي للعراق أو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين والدول العربية ؟ فعلى الأقل هذا الإحتلال وَلى ولم يمسخ حضارة هذه الشعوب .. فبماذا تُفسر هذا التناقض وتلك الإزدواجية ؟

- بماذا تُفسر أن إقتصاديات الشعوب الإسلامية هى إقتصاديات ريعية لم تتغير عن الحياة الإقتصادية من 1400 سنه , فإذا كان الإقتصاد في هذا الماضي يعتمد على الريع من الإشراف على الرعي , ففي حاضرنا يعتمد على الريع القادم من الإشراف على آبار النفط والغاز والمرور من قناة السويس , كذا كان هناك ريع من السياحة الدينية فظل كما هو مع إضافة ريع السياحة الترفيهية .
عندما تتجمد علاقات الإنتاج فلا يعتريها التطور فلا تسأل لماذا نحن متخلفون , وستفهم هنا لماذا مازالت الثقافة القديمة حاضرة وقوية .. طوروا إنتاجكم وعلاقاته وستزول الثقافة القديمة والتخلف .

- بماذا تُفسر حال المجتمعات العربية الإسلامية الشغوفة والمهووسة بالجنس فعندما إخترع الغرب الفيديو كان سبيلنا لمشاهدة وإدمان الأفلام الإباحية وعندما إخترع الغرب الستالايت كان سبيلنا لمشاهدة الأفلام الجنسية على الفضائيات الأوربية وعندما إخترع الغرب النت كان سبيلنا الرائع لمشاهدة كم هائل من الأفلام الإباحية .. فهل السر فى الكبت ولماذا نحول كل إختراع لمشاهدة الجنس فى مجتمعاتنا الدينية صاحبة الفضيلة وخير أمة أخرجت للناس ؟

- بماذا تُفسر الريادة للشعوب العربية الإسلامية فى إرتيادها للمواقع الجنسية , فقد إحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الاولى في تقرير نشرته مؤسسات مختصة في الإحصاء الإلكتروني حول أكثر الدول مشاهدة للمواقع الإباحية على الانترنت متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالرغم من حجب تلك المواقع بالسعودية ، إلا أن الإحصائيات أكدت قدرة متابعي المواقع الإباحية من داخل المملكة على تجاوز الحجب من أجل مشاهدة الأفلام الإباحية والإدمان عليها وجاء الترتيب على النحو التالي :
1 – المملكة العربية السعودية
2- مصر
3- لم يتم تحديده
4- الولايات المحدة الأمريكية
5- الإمارات
6- الكويت
7- عمان
8- الأردن
9- اليابان
10-العراق
11- اليمن
12- السودان
13- قطر
14- الجزائر
15- ليبيا
16- بريطانيا
17- البحرين
18 – المغرب

- بماذا تُفسر أن الإنتماء لفريق كروي في بلادنا يفوق الإنتماء للوطن والمثال من الإنتماء للأهلي والزمالك فى مصر , فهل هى الرغبة فى حرية التعبير والتفكير بديلاً عن الإنتماءات المفروضة أم أن هناك أمور أخرى .

- بماذا تُفسر أن حلم الملايين في الماضي كان الإلتحاق بكليات الفنون الجميلة بينما الآن فهناك عزوف تام عن الإلتحاق بها وخاصة فى قسم النحت , فهل هذا نتاج ضمور المواهب الفنية أم ثقافة لديها عداء أصيل للفن وصار لها حضور وطغيان .

- بماذا تُفسر أن الفن كان كلاسيكياً رومانسياً ناعماً كغناء أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وتمثيل فاتن حمامة والآن صار فجاً سوقياً جنسياً بغناء حمو وأورتيجا ..ما يجب التفكير فيه ليس نقداً للمطربين والممثلين الحاليين , ولكن لماذا صار ذوق الجمهور هكذا ؟

- بماذا تُفسر ظاهرة أننا الشعوب الوحيدة التي تطلق لفظ الحاج والمقدس لتعريف شخص ما ,فالحاج فلان لتجارة العطارة ألخ فما علاقة ممارسة طقس ديني بتعريف أحد ؟ ولماذا لا نطلق لفظ المصلي فلان والصائم علان ؟ .. هل هو نوع من التمييز الطبقي لشرائح لا تملك أي مقومات للتمايز لترتدي لباس ديني ؟

دمتم بخير وأرحب بنقدكم وإضافاتكم وتفسيراتكم لمظاهر التخلف .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.