هل يُنهي النظام الجديد لتصاريح العمل ظاهرة السمسرة والسماسرة؟


جهاد عقل
2020 / 12 / 19 - 02:19     


بناءً على بيان صادر عن "سلطة السكان والهجرة" و"الإدارة المدنية - قسم تشغيل العمال الفلسطينيين" من المناطق الفلسطينية المحتلة، بدأ العمل بالنظام الجديد لتصاريح العمل للعاملين في فرع البناء، وذلك منذ يوم 6/12/2020، ووفق هذا النظام، يُمنح التصريح للعامل مباشرة وليس للمُشَغّل كما كان مُتَبعا حتى الآن.

حدث هذا التغيير في نظام التصاريح على أثر تقارير صدرت عن مراقب الدولة وبنك إسرائيل وبدعم من محكمة العدل العليا بعد توجه جمعية "خط العامل"، وضغوطات من منظمات وجهات دولية، منها منظمة العمل والاتحاد الدولي للنقابات، حيث وجهت الانتقادات للحكومة لتشبثها بالنظام الذي يمنح التصريح لصاحب العمل وليس للعامل، مما أدى إلى بروز ظاهرة السماسرة والسمسرة بتصاريح العمل، وتعرض العمال الفلسطينيين للاستغلال من قبل هؤلاء السماسرة.



وفق مختلف المراجع بخصوص ظاهرة السماسرة، جرى التأكيد على أنّ العامل الفلسطيني يتعرض للاستغلال لدرجة اضطراره إلى دفع 50% من أجره للسمسار، ووفق دراسة أجراها خبراء بنك إسرائيل صدرت في تاريخ 25/9/2019، تحت عنوان "التجارة غير القانونية بتصاريح العمل للعمال الفلسطينيين: الوضع الحالي والإصلاح المخطط له"، اتضح أن سماسرة التصاريح يحصلون على مبلغ 480 مليون شيكل في السنة على حساب العمال، وبالإمكان القول وبثقة أن هذا الأسلوب هو نوع من أساليب العبودية.

كما كان لتقرير مراقب الدولة الصادر في شهر آب 2020 تأثيرا كبيرا، خاصة عند تطرقه وانتقاده للحكومة التي لم تنفذ قرارها رقم 2174 الصادر في تاريخ 18/12/2016، بخصوص زيادة عدد العمال الفلسطينيين وتنجيع طريقة تحديد تصاريح العمال وضمان شروط عمل عادلة لهم، الأمر الذي لم تقم الحكومة الإسرائيلية في تنفيذه على مدار أربع سنوات من اتخاذها القرار المذكور، بالرغم من أنه قد تم تحديد موعد للتنفيذ حتى العام 2018، بحجة أن العملية تحتاج إلى وقت من أجل التنفيذ، مما أدى الى مواصلة عملية الاستغلال والتجارة بتصاريح العمل تحت العين الساهرة للحكومة الإسرائيلية، ودون توجيه أي عقاب لهؤلاء السماسرة، مما يحملها مسؤولية هذا الاستغلال.



* إصدار تعليمات للنظام الجديد

أدت الحملة الاحتجاجية إلى قيام كل من "سلطة السكان والهجرة" و"الإدارة المدنية - قسم تشغيل العمال الفلسطينيين" من المناطق الفلسطينية المحتلة بإصدار تعليمات جديدة للنظام الجديد، وأن "تدخل هذه التعليمات إلى حيز التنفيذ يوم 06.12.2020" كما جاء في البيان الصادر عنهما، في تاريخ 22.10.2020، وأن "هدف هذه التعليمات: تهدف هذه التعليمات إلى تنظيم التشغيل القانوني في إسرائيل للعمال الفلسطينيين في مجال البناء، وفقًا لنظام التخصيص الجديد الوارد في القرار الحكومي رقم 2174 من يوم 18.12.2016".

الشيء المهم في هذا النظام أن تصريح العمل يصدر باسم العامل شخصيا، وليس كما كان متبعا في السابق، حيث كان يقوم المُشَغّل بالحصول على عدد أو حصة من التصاريح للعمل لديه، وبذلك يحدد من يقوم بتشغيليه وبالأجر الذي يحدده، وبسبب هذا الأسلوب، تنامت ظاهرة سماسرة العمل، وفي كثير من الحالات بل معظمها، تم إصدار تشغيل عمال لهؤلاء السماسرة الذين قاموا بفرض شروطهم على العمال، وفي مقدمتها اقتطاع 50% من أجورهم وربما أكثر من ذلك. وكما جاء في بيان سلطة السكان والهجرة والإدارة المدنية يوم 3.12.2020: "حسب الطريقة الجديدة، فإن عدد التصاريح التي سيتم إصدارها سيُحدَد بناءً على حصة شخصية خاصة بالعمال، والتي تندرج ضمن الحصة العامة الخاصة بفرع البناء، وليس بناءً على الحصة العددية لصاحب العمل". أي أن العامل يحصل على تصريح عمل في فرع البناء خاص به، وليس المقاول. لكن يبقى السؤال هل يعني هذا النظام تحرير العامل فعلا من سلطة صاحب العمل؟



* المقاول يطلب تصريحا لتشغيل العامل

يظهر من النظام الجديد لإصدار تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في فرع البناء أنه يجري تحديد العدد الكلي للعمال لفرع البناء أو الحصة وفقا للقرار الحكومي، وتكون هذه الحصة لعدد تصاريح العمل التي تعود للعمال، أي الحصول على تصريح عمل شخصي للعامل، لكن ما هي آلية التشغيل لدى صاحب العمل؟

يتضح من البند ب.9 أنه يُصدر لصاحب العمل، أي المُشَغّل، تصريح بتشغيل عمال فلسطينيين دون تحديد عدد العمال، ويحصل عليه من "دائرة خدمة المُشَغّلين"، ووفق ذلك، يكون مخوّلا لتشغيل عمال بناء فلسطينيين من المناطق المحتلة أصحاب تصاريح العمل في فرع البناء. عندما يتوجه إليه العامل مع تصريحه الخاص الذي لا يحدد فيه اسم المُشَغّل كما كان في السابق، بل اسم فرع البناء فقط، يقوم المُشَغّل بإرسال تفاصيل العامل وفق تصريح العمل إلى "دائرة خدمة المُشَغّلين" من أجل الحصول على مصادقة بتشغيله بعد قيامه بتعبئة استمارة خاصة بذلك.



في ظل هذا التغيير، طلبت "دائرة خدمة المُشَغّلين" من أصحاب العمل التوجه إليها للحصول على تصريح تشغيل عمال لديهم وفق النظام الجديد. وفي البند ب.10 يجري التأكيد على: "هكذا تعتبر الحصة المحددة لمجال البناء "تابعة" للعامل وليس للمشغل، حيث يمكن للعامل الانتقال بين مشغلين مختلفين في مجال البناء حسب اختياره، كما لا يذكر اسم المشغل على تصاريح العمل الصادرة لهم بل اسم المجال فقط -البناء- طالما كان تشغيلهم موافقا عليه على النحو المطلوب لدى دائرة خدمة المشغلين (الاسم الجديد لشعبة المدفوعات في سلطة السكان والهجرة) والإدارة المدنية".

ضمن الشروط الجديدة على صاحب العمل تشغيل العامل بوظيفة كاملة وأن يجري ذلك بوضوح ضمن تقارير المدفوعات الشهرية التي يقدمها لدائرة خدمة المُشَغّلين.



* كيفية الانتقال من مكان عمل لآخر

عملية ضمان تصريح العمل للعامل شخصيا مهمة جدا، وربما تساعد في تقليص ظاهرة السمسرة القائمة، لكن من الصعب تحديد ما سيحدث في المستقبل، وبرأيي ستواجه العامل عقبات في هذا النمط الجديد، خاصة وأن صاحب العمل يستطيع تبليغ "دائرة خدمة المشغلين" بأن العامل أنهى عمله عنده، مما يفقد العامل تصريح العمل، إلا إذا استطاع إيجاد صاحب عمل لديه تصريح بتشغيل عمال فلسطينيين. وعن هذا الموضوع جاء في البند ب.11 "وفقا لهذا المبدأ، فإن أي عامل ينهي عمله عند مُشَغّله لأي سبب كان، لن يشطب تصريح العمل الخاص به من حصة مجال البناء لمدة 60 يوما (مما يعني أن مكانه ضمن حصة مجال البناء سيحفظ لمدة 60 يوما)، والتي يسمح له خلالها بدخول دولة إسرائيل بواسطة تصريح البحث عن عمل فقط، والذي يتم إصداره من قبل الإدارة المدنية بموجب التعليمات الخاصة بها. مع ذلك لا يجوز له العمل خلال ال 60 يوما هذه إلا إذا تم تسجيل تشغيله لدى مشغل آخر وفقا للتوجيهات الواردة في هذه التعليمات، وذلك في قسم خدمة المشغلين والادارة المدنية، وفي حالة عدم ترتيب تشغيل العامل لدى مشغل جديد في مجال البناء خلال 60 يوما من يوم انتهاء تشغيله، سيشطب تصريح العمل الخاص به". علينا الإشارة هنا إلى أن تصريح البحث عن عمل يعطى للعامل لمدة أسبوع فقط ويمنع عليه العمل في فرع البناء. ووفق بيان صدر يوم 3.12.2020، جاء فيه بالنسبة لإمكانية الحصول على تصريح بحث عن عمل للحالة اعلاه، أن "خلال فترة ال 60 يوما حتى تجديد التصريح، لا يجوز للشخص الدخول إلى إسرائيل، إلا في حال تقديمه طلب خاص للحصول على تصريح "البحث عن عمل"، والذي لم يعد متاحًا هذه الأيام بصورة مؤقتة نظرًا لتفشي فيروس الكورونا في المنطقة". وفق هذا البيان فإن عملية الحصول على تصريح بحث عن عمل غير متوفرة الآن.



* تأخير لأسباب تكنولوجية لعدة أشهر

إصدار التعليمات للعمل بالنظام الجيد ما زالت تتعثر، وفي توجه قمت به إلى الجهات المسؤولة، تم التأكيد على أنه حاليا تبقى التصاريح القائمة سارية المفعول كما هي، وأن عقبات تكنولوجية أدت إلى التأخير في تفعيل النظام الجديد، وهذا ما أكده نائب رئيس الإدارة المدنية شاي كرمونه لأعضاء لجنة شؤون مراقب الدولة البرلمانية يوم 7 كانون أول الحالي بهذا الخصوص، في الجلسة التي عقدتها اللجنة.

نتمنى أن يجري تغيير حقيقي على نظام إصدار تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين، وأن يؤدي إلى حمايتهم من استغلال السماسرة، وعلينا التأكيد هنا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تقوم بعملية استغلال فاحش للعمال الفلسطينيين، خاصة وأن ظاهرة السماسرة ترعرعت تحت ناظريها دون أن تتخذ خطوات عقابية ضدهم. قضية أخرى لا بد من التأكيد عليها أن هذه الحكومة تنصلت من مسؤوليتها بخصوص إيجاد فرص عمل للعمال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقامت باستغلال ظاهرة البطالة المستفحلة لمصالحها الاحتلالية فقط لا غير. وحسب معطيات النظام الجديد، قد يقع العامل الفلسطيني ما بين مطرقة صاحب العمل الذي له الحق فقط بقبول العامل للعمل لديه أو فصله من العمل، وبين سندان الإدارة المدنية وصلاحياتها لإلغاء تصريح العمل للعامل متى تشاء.