بمناسبة مرور عشرة سنوات على الثورة في تونس: الثورة مستمرة وهي بحاجة ماسة إلى التاطير و تصحيح المسارات و لن تعيقها المناورات و الترقيعات و الحوارات...!


عمران مختار حاضري
2020 / 12 / 17 - 21:28     

بمناسبة مرور عشرة سنوات على الثورة في تونس :
* الثورة مستمرة رغم التعثرات و هي بحاجة ماسة إلى التاطير و تصحيح المسارات و لن تعيقها المناورات و الترقيعات و الحوارات... !

* الثورة لا يمكن أن تنتصر عفويا... و لا يمكن أن تحقق نجاحا يذكر إذا لم يكن هناك من يعرف كيفية و آليات تاطيرها و تطويرها و تحديد أهدافها و هو ما يستدعي صياغة التكتيك المناسب لادراك التغيير الذي يحقق مطالب الشعب الحيوية التي ثار من أجلها... ! فالثورة كانت و لا تزال بحاجة ماسة إلى قيادة تدرك نقاط الضعف و مواطن الخلل التي راكمت المسار الثوري و تنطلق من استراتيجية واضحة تهدف الوصول إلى السلطة على قاعدة بدائل سياسية، اقتصادية، اجتماعية تقطع مع الخيارات القديمة المازومة و تفتح آفاقا رحبة أمام استحقاقات الشعب المنتفض و انتظاراته في الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية المنشودة...
* الشعب لما يحتج و ينتفض ليس في نزهة و لا يملك ترف النزول إلى الشارع بل تحركه أوضاعه المعيشية والاقتصادية والاجتماعية أساساً و الأزمة الحادة التي لم يعد يحتمل قبولها و التعايش معها...! و هذا هو محركه الأساس من أجل تحسين اوضاعه و شروط عيشه ، في التعليم و الدواء و الغذاء... نتيجة الخيارات الكبرى خاصةً الاقتصادية والاجتماعية المتازمة و هي ذات الخيارات القديمة المتجددة التي ثار ضدها الشعب وانتهت برحيل رأس النظام التبعي الرث و مع استفحال ألازمة في ظل المنظومة الحاكمة الفاشلة حيث الإقتصاد في حالة إفلاس غير معلن... ! هذا الاقتصاد المشلول يعاني عجزا مزدوجاً ، عجز في ميزانية الدولة و عجز في الميزان التجاري ... و رغم الطابع الاجتماعي للاحتجاجات المطالبة بالتشغيل و التنمية منذ اندلاع الثورة ، و مع ذلك تراجعت ميزانية التنمية من 48% في سبعينات القرن الماضي إلى أقل من 14% في ميزانية2020/2021 و بلغ عجز الميزان التجاري بقيمة 31.2 مليار دينار و بلغت المديونية حدود 90%من الناتج الداخلي الخام و قاربت البطالة نسبة 20% و فقد أكثر من 200 ألف وظائفهم و بعدما أفرغت الخزينة العامة للدولة تجد الحكومة الفاشلة نفسها في مأزق حقيقي يجبرها على الاقتراض من البنك المركزي بما قيمته 8.5 مليار دينار لتسديد دفوعات شهري نوفمبر/ديسمبر الجاري و بهكذا أوضاع تتجه تونس نحو سيناريو دراماتيكي شبيه بالذي حصل في اليونان ...!!!
و مع ذلك تصر المنظومة الحاكمة في إعتماد نفس الخيارات اللاشعبية و اللاوطنية القديمة المتازمة و تطبيق املاءات صندوق النقد الدولي الكارثية و ما تعنيه من سياسات تقشفية عدوانية ، و نمط تنموي رث تبعي ريعي خدمي بنكي يعتمد على قطاعات هشة غير منتجة للثروة... ! خدمة لمصالحها و مصالح أقلية كمبرادورية ( حسب دراسة حديثة لمنظمة "اوكسفام" 10% من الأثرياء يحوزون على أكثر من 40% من الدخل الوطني و أكثر من نصف التونسيين يحوزون فقط على18% )...
* هذه المنظومة الحاكمة من رواد الإسلام السياسي كما حلفائها من أدعياء الحداثة الزائفة في مأزق حقيقي و لا تملك الحلول لمطالب الشعب المنتفض منذ اندلاع الثورة إلى الآن لذلك إعتادت سياسة التسويف و الهروب الى الأمام متخفية وراء شعارات تظليلية من نوع التعويل على "الحلول" المفخخة لصندوق النقد الدولي مثل: "استقلالية البنك المركزي و تفعيل مجلة الاستثمار و الشراكة بين القطاعين العام والخاص"... !!! و لم تدرك هذه المنظومة الغبية أن الثورة بركان و ليست نزهة لم تنته بل بدأت للتو... !!!
و لا يمكن أن يبتلعها الصندوق الانتخابي الملوث بالمال السياسي الفاسد و المنصات الالكترونية ( انظر تقرير دائرة المحاسبات الأخير حول العملية الانتخابية ل2019 )... و لن يكون هناك استقرار و لن يهدأ الشعب و "يرجع إلى بيته فرحا مسروراً" إلا بتحقيق مطالبه الاقتصادية والاجتماعية أساساً مهما تعثر المسار الثوري ، و مهما تعددت مناورات الداخل والخارج... ! فالثورات يتم الالتفاف عليها و تسرق بحسب سوسيولوجيا الثورات ، لكن أبدا لن تموت و سرعان ما تستعيد عنفوانها طالما أن أسباب اندلاعها قائمة بل ازدادت ترسخا و تفاقما...! و في ظل هكذا أوضاع مزرية لا تطاق كما أشرنا قبلا ، لا يوجد من خيار أمام الشعب غير مواصلة المشوار النضالي بكافة الأشكال النضالية و في مقدمتها النزول إلى الشوارع و لا خيار أمام الأطياف الوطنية التقدمية الناهضة و الديموقراطية الثورية المنتصرة للثورة و مطالبها و للشعب و انتظاراته و الوطن و سيادته غير تجهيز نفسها و توحيد طاقاتها الذاتية حول برامج بديلة و التنظم و العمل صلب الجماهير و تجاوز العفوية و الانتظارية و الاستعداد الفكري و السياسي و التنظيمي لتوجيه طاقة الاحتجاجات الشعبية صوب التغيير الجذري المنشود شعبيا ، الذي يطال كلية المنظومة الحاكمة الفاقدة لكافة أسباب البقاء سياسيا و أخلاقيا... ! و رسم التكتيك المناسب واستراتيجية واضحة غير ملتبسة على قاعدة أهداف الثورة لأن الثورة تمثل الأمل في إعادة صياغة المجتمع على أساس العدالة و المساواة و التكافؤ... الثورة هي الخيار الوحيد الذي يتجاوز الأزمة العميقة و يفضي إلى مجتمع مدني حداثي ديموقراطي حقيقي ...! يوفر الحرية و شرطها الاجتماعي الشعبي...
*الثورة أعلى مراحل الديموقراطية و هي بالمحصلة من صنع الجماهير ، ولذلك فهي ليست حلما رومنسيا نتعلق به، بل هي عمل متواصل بين الجماهير و معها أساساً و التمرس على تحريضها و توجيهها و الارتقاء بوعيها و التعلم منها كذلك ...! الثورة كي تنجح بحاجة ماسة إلى قيادة منظمة قادرة على قيادة الجماهير المنتفضة و دفعها لخوض معمعان النضال، وليس بالتحدث عن الثورة دون إدراك مكنونها و اسسها و طبيعتها و طريقها و التغني بالجماهير دون أن تشعر بآلامها و معاناتها... ! و حمايتها من التفتت و النعرات الجهوية الخبيثة و التصدي لتمشي المساومات و الحوارات والتسويات و الحلول الترقيعية الهشة و محاولات امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد و تدجين الحراك الاحتجاجي في السقوف المنخفضة الدائرة في فضاء الرقعة السياسية للمنظومة الرثة الحاكمة و انعاشها تحت عناوين و مبررات واهية من قبيل "تجنب الفوضى و التظاهر السلمي المتحضر و الحفاظ على السلم الاجتماعي و الحفاظ على الدولة و هيبتها و حماية الإنتقال الديموقراطي" و غيرها من المغالطات و محاولات الإرباك ...! بهدف إفراغ الصراع الاجتماعي الطبقي و تمييعه و حرف الاحتجاجات الشعبية عن وجهتها الأساسية، في التغيير الجذري المنشود شعبيا... !!! إذن من يؤمن فعلا بالثورة هو من يفكر في تطوير الصراع الاجتماعي وليس اخماده ... !
فالوضع أخطر من أن يترك لهذه المنظومة الفاشلة و الأطياف الدائرة في فلكها , لأن بقائها في الحكم لا يعني سوى إضافة سنوات جديدة إلى عمر الحيف و القهر و الإستغلال و التفقير و التهميش... !

*كل ثورة تفرض منتهاها و منتهاها في الفوز بالحكم*
عمران حاض
17/12/2020