البحث فى جذور التخلف - لماذا نحن متخلفون


سامى لبيب
2020 / 12 / 16 - 16:47     

لماذا نحن متخلفون (75) .

كتبت 74 مقالا فى سلسلة "لماذا نحن متخلفون" ومع نهاية كل مقال أجد أن هناك أسباب عديدة للتخلف لم أتطرق إليها فأسباب تخلفنا عديدة ووفيرة مُتجذرة في واقعنا الحياتي .
أعزي كل أسباب التخلف التى عرضتها وسأعرضها إلى ثقافة متجذرة تبث وتبعث على التخلف , والثقافة هنا ليست كم معرفي كما يتبادر فى ذهن البعض إنما هو منهج تفكير وسلوك يتعامل مع الأمور ويعالجها بمنظور معين ليكون المُسبب الوحيد للتخلف والإنحطاط .. دعونا نقدم بعض صور التخلف التي أنتجتها ثقافتنا المنحطة التي تغلغلت فى تلافيف الدماغ لتخلق قطيعة مع التحضر والتقدم .

- تغييب العلم وإستحضار التراث .
. كتب الشيخ مصطفى راشد مقالاً بالحوار المتمدن بعنوان : يجوز شرعا حرق جثة الميت المصاب بمرض معدي . متصديا للأصوات الهائجة على حرق جثث مسلمي مصابي كورونا في سيريلانكا بعد وفاتهم بالرغم أن الحرق تم سواء أكانوا هندوس أو مسلمين , ليرى شيخنا الرافع لرايات الإعتدال وتصالح الإسلام مع العصر أنه يجوز شرعاً حرق جثة المسلم فى هذه الحالة .
هناك نقطة خطيرة فى معالجتنا للقضايا المطروحة تتمثل في إستحضار التراث وأهله فى الفتوى والمعالجة , فيكون الكلام للشيوخ سواء متطرفين أو معتدلين هو الحاضر والحاسم , بينما يتم تغييب العلم والعلماء بالرغم أنهم أهل الحل لتلك القضايا .
. في مجتمع مدني متحضر يتم إستحضار رأي ورؤى العلم والعلماء , فقضية كهذه تحتاج رأى علماء الطب والصحة العامة وعلماء الإجتماع والقانون ولكن للأسف يتم تغييبهم ليحضر شيوخ التراث .
. شاهدت برامج حوارية عديدة حول نقل الأعضاء والتناسخ لأجد أن رأى الشيخ هو الحاضر والمهيمن بينما رأى العلماء غائب وديكوري وكالتلاميذ أمام فتاوى الشيخ !
. لن ينصلح حال أى شعب يعالج قضاياه برؤي شيوخ يستمدون فكرهم من 1400 سنه وفى المقابل يتم تهمييش وتغييب العلم والعلماء أصحاب الحل الحقيقي .

- الرضاعة الفكرية .
. مازلنا فى مرحلة الرضاعة الفكرية ولم نصل بعد لمرحلة الفطام لنجد الفرد لا يستطيع أن يتعامل مع الأمور إلا بعد إستشارة وفتوى من شيخ أو قسيس في أمور شديدة التفاهة في غالبها , فهناك حالة من الإفلاس و الجمود يسبقها حالة من العجز وفقدان الثقة بالنفس .

- الإستبداد الفكري والقهر كمنهجية حياة وغياب تام للحرية.
. نحن نعيش أجواء ثقافة غيبت حرية وكرامة الإنسان ومنهجت وأدلجت القهر والإستبداد .. فمن الخطأ تصور أن القهر والإستبداد إنتاج الحكام والنخب فهي في جين الإنسان العربي ومكونات نسيجه وهويته الفكرية , فعلى سبيل المثال يحتفي المسلمون بإسلام أحد المسيحيين ويشيدون بالإسلام العظيم وحرية الفكر والإعتقاد , بينما لو تنصر أحد المسلمين فلتذهب حرية الإعتقاد للجحيم ولنقهر هذا المتنصر ونضطهده ونجبره على العودة للإسلام وإلا رقبته فداء حريته , وهذا يسري أيضا على الخلاف المذهبي .
. هذا السلوك والنهج ليس من إنتاج الحكام والنخب بل هو شعور وموقف المسلم العادي في التعاطي , فماذا تتوقع من مستقبل الحرية كسبيل وحيد للتقدم ؟
. يمتد النهج الإستبدادي عندما يثور المسلمون ويغضبون من حرية الفكر والتعبير في بلاد غير بلادهم , فترى ثورة هائجة على رسومات يرونها مسيئة للنبي محمد فى إحدى المجلات الفرنسية ليطالبوا بحذفها ومصادرتها لتقف مندهشا من هذا الموقف , فما شأنهم بحرية الآخرين ؟!
. الحرية مرادفة فى ذهن مجتمعاتنا بالحرية الجنسية فعندما تطالب بالحرية فسرعان ما يتبادر في ذهنية المجتمع المتخلف أنك تطالب بالحرية الجنسية والشذوذ فهكذا هو مفهوم الحرية فى ثقافتنا .

- نفسية العبيد .
. يستحيل أن يتطور شعب قابع فى مجتمع العبودية فكيف تأمل تطوره وهو مازال يتمرغ في نهج ومنظومة العبودية الفكرية والنفسية مهملاً وحارقاً كل مراحل التطور الإجتماعي , فمثلا ترضخ المرأة لكل التشريعات المُجحفة التي تنال من كرامتها وتستسلم لها فهكذا شرع الله , ولنجد مظهر آخر من التخلف عندما نجد نساء لا تكتفين بالإستسلام لتلك الشرائع بل تتحمسن لهذا الإجحاف وتشدن به .. لن يجدي تحمس بعض الرجال لحقوق وحرية المرأة ما لم تثور النساء محطمة سلاسل العبودية .

- سطوة السيف .
. شعوبنا ترضخ وتنبطح أمام سطوة القوة والسيف ولا تكتفى الأمور بالرضوخ خوفاً بل تتحول الأمور إلى الإفتنان بصاحب السيف والسطوة , فلتنظر إلى تاريخ شعوبنا فقد دخل الإسلام غازياً فارضاً الإيمان بالإسلام قهراً وإلا القتل أو دفع الجزية لتمر الأيام والسنون وتتأقلم وتتعايش الشعوب مع هذا الإنتهاك والإغتصاب , ثم يتحول تاريخ الغازى المستعمر القاهر إلى مَدعاة للفخر والإعتزاز والتمجيد ليتم الإفتخار بهذا الغزو أو الفتح المبين .
. لا تندهش ولا تسأل لماذا تتمرغ شعوبنا أمام نعال كل طاغية ولماذا تحتفى بوجوده وتقيم الإحتفالات بعيد ميلاده فثقافة السيف أدت فعلها ومفهولها , كما يمكنك تفسير الحنين لأيام جمال عبد الناصر وصدام والقذافي فثقافة السيف والسطوة أدت مفعولها فى نفسية العبيد .

- الإيهام والإستسلام وإجترار الوهم .
. يستغل أصحاب السيف قوتهم في إيهام الشعوب بهويات مزيفة , فتارة نحن أصحاب هوية عربية وتارة نحن أصحاب هوية إسلامية , فشعب كمصر تم إيهامه بأنه صاحب هوية عربية إسلامية بالرغم أن العروبة والإسلام دخلت مصر من 1400 سنه قهراً , وللأسف يتم مسخ ومحو ذاكرة الشعوب من تاريخها القديم بل تصل الأمور فى بشاعتها وقبحها إلى إزدراء تاريخهم القديم بإعتباره وثنى .
. عندما يتم تزييف التاريخ وفرض وقبول تاريخ وثقافة المحتل فلا تأمل في تطور .. فأمة بلا تاريخ هى أمة بلا حاضر ولا مستقبل .

- الفكر والهوية القبلية .
. فكر الإنتماء للقبيلة يعلو على أى إنتماء مبتعداً عن الإنتماء لهوية عامة جامعة لتحقيق حالة من التشرنق والتمايز .
. قد يقول قائل أن القبيلة لم يعد لها تأثير كبير على المجتمعات وهذا القول يخالف الواقع فمازالت كثير من المجتمعات العربية ذات إلتصاق شديد بالقبيلة .
. أنا لا أعني القبيلة بمفهومها الكلاسيكي المتعارف عليه بالرغم من حضورها ولكن أعني الإلتصاق الشديد بهوية وطائفة دينية أو عرقية , بل تصل الأمور إلى التشرنق فى قبيلة تشجيع ومؤازرة نادى معين .
. أرى أن سبب التشرنق فى القبيلة يرجع أساسا لثقافة ترسخ هذا الفهم , كما تعبر عن رفض جمعي باطني لهوية مفروضة لا تجد حلاً سوى التشبث والتشرنق فى هوية وإنتماء حتى لو كان فريق كرة .

- ثقافة الإعتماد والتوكل والإذعان للمشيئة.
. الشائع فى ثقافتنا هو الإعتماد والتوكل والإذعان للمشيئة الإلهية لدرجة الإفراط الشديد فدوما تجد مقولات إن شاء الله , وتوكلنا عليك يارب , وإن شاء الله , وما قدر الله فعل , والله ينتقم منك ألخ .
. لن يخلو أي حديث دون ذكر إن شاء الله وليتم تكرارها كثيرا , وللطرافة تجد أى حديث للاعب كرة لا يخلو من ذكر إن شاء الله عشرات المرات وكأن الله يتدخل فى ركل الكرة !
. قد تعتبر أن الإعتماد على الإله والتسليم بالمشيئة عمل إيماني , ولكنك لن تجد شعوب تكرر إن شاء الله بإفراط فى كل خطوة بحياتها بالرغم أنها شعوب مؤمنة بمشيئة ورعاية الإله , ولكن ليس هذا هو المهم , فالمهم ماذا تركت هذه المقولات فى الذهنية لنجد إهمال تام للتحليل والبحث في الظروف الموضوعية , فهكذا هي مشيئة الإله وقدره وترتيبه حتى فى الإخفاق عند إحراز أهداف كرة القدم .

دمتم بخير وأرحب بنقدكم وإضافاتكم فى جذور التخلف .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .