هل نحن محايدون إزاء الصراعات الأميركية؟


مشعل يسار
2020 / 12 / 13 - 02:24     

الصراع في الولايات المتحدة بين ترامب الجمهوري والديمقراطيين هو في جوهره صراع لا بين الجمهوريين والديمقراطيين - تنافسي محض كعادته، ولا يمكننا الآن أن نسترشد تماما ما قاله عن حق في زمن مضى الرفيق الكبير فيديل كاسترو الذي عانت بلاده من حصار كلا الحزبين في حينه لجزيرة الحرية ولا تزال، فنقول إن الترامبيين والديمقراطيين هم سواء. إنه صراع ظاهره بين حزبين برجوازيين طالما حكما الولايات المتحدة وأيدا شن الحروب في شتى أصقاع الأرض. لكن ترامب "الجمهوري" الذي ورث شيئا عن حزبه، استنبط في سياق أزمة الرأسمالية وتأثيرها خاصة على معيشة الناس في الولايات المتحدة أشياء جديدة في سياسته فغرد أحيانا كثيرة خارج سربه!
في ظل تحول الصراع الرئيسي عالميا من صراع بين البروليتاريا والبرجوازية إلى صراع بين البرجوازية المعولمة والبرجوازيات الوطنية المشتغلة خصوصا في الإنتاج والتنمية الاقتصادية، يمكن إدراج صراع ترامب الملياردير الصغير قياسا إلى رأس المال الكبير العائد للمشتغلين في البورصات والمعلوماتية خصوصاً، المياردير الحريص على عودة الإنتاج الرأسمالي إلى الولايات المتحدة بعد أن انتقل بحكم قانون رأس المال الجشع إلى حيث الربح أكبر وأكبر في جهات الأرض الأربع، ضمن هذا الصراع الأشمل. فهو مع إعادة تشكيل البرجوازية المنتجة المناهضة لتلك الطفيلية 100% والتي لا يهمها أين المنتج بل فقط اقتناص الزبدة المعروفة باسم الربا.
فنظام الاحتياطي الفدرالي الذي يملكه آل روكفلر وروتشيلد ومورغان ومن لف لفهم ويتقاضى من الخزينة الأميركية مقابل إصدار الدولار وبيعه لها مئات المليارات منذ زمن بعيد، منذ بدايات القرن الماضي وتحديدا منذ عام 1913، عام إنشاء هذا النظام وآلة طبع الدولارات مثلما أنشأوا في ماضي الزمان بنك بريطانيا الذي كانوا يسلفون منه المملكة المتحدة لتشن حروبها الاستعمارية.
إن حرب ترامب هي اليوم مع هذا الأخطبوط المالي العالمي الذي لا تهمه أميركا إلا كمطية يركبها ويدفعها إلى الثراء على حساب الشعوب الأخرى ليثري على حسابها.
ترامب جاء على أجنحة الطير بأصوات الأميركيين العاديين البرجوازيين الصغار والمتوسطين ومدعوما بقوى برجوازية كبيرة نافذة لا يستهان بها في المجتمع الأميركي من بينها حتى البنتاغون الذي أصبح مثابة الفقير بالمقارنة مع أساطين المعلوماتية من فيسبوك وغوغل وأمازون وتويتر وكذلك شركات الأدوية التي يمولها غيتس وسوروس وغيرهما.
حرب ترامب حرب لا على الديمقراطيين بالذات بل على المنضوين تحت لواء هذه القلة البطرة الصهيونية، الماسونية، الدولة العميقة، الحكومة العالمية - سمّها ما شئت - والتي باتت تفرض فرضا على حكام شتى البلدان وعلى البشرية جمعاء تطلعاتها الفاشية بحجة الحفاظ على نقاء الهواء والماء وعلى الموارد التي بدأت تنضب برأيهم ولم تعد تكفي، ويجب أن تبقى لهم دون غيرهم. وقد أسفر جوهرهم الفاشي أخيرا لا آخرا عن إطلاق وباء الكورونا لإنقاص تعداد البشرية بنسبة هائلة، هذا الوباء الشبيه بالأوبئة الموسمية لا أكثر، والذي ما كان ليؤذي أكثر من أي أنفلونزا لولا تضخيمه ببوستر booster الدعاية المغرضة والتضليل على مستوى البشر جميعا بواسطة أدواتها الإعلامية الضخمة، والبرطيل بما تملك من مليارات هائلة، وابتزاز العصاة بثورات ملونة بما تملكه من خبرة.

إن كفاح ترامب الذي يبقى حتى الآن ضمن الأطر الشرعية والحقوقية والسلمية – وهي لا شك من بين أوهام البرجوازي في التغيير – ليس برأيي يخص ترامب وحده بل يخصنا جميعا الآن في كل أصقاع الأرض. فلو انتصر ترامب لانتصر معه التوجه نحو إنهاء مهزلة الكورونا المأساة، هذه الحرب الهجينة التي تشنها القلة المذكورة على الشعوب لتفليسها، ولا سيما على كل من لا يزال يملك ولو حانوتاً خاصا به، من خلال الإغلاقات المتكررة للاقتصادات والبلدان وإرفاقها بكم الأفواه وبفرض التباعد بين الناس وبفرض التعليم عن بعد للغاية نفسها ألا وهي "فرق تسد!" إن لم نذكر الغايات الأخرى وعلى رأسها التجهيل بدلا من التعليم.
وكل هذا يجري تحقيقاً لنبوءة ماركس العلمية حول تطور الرأسمالية نحو استئثار قلة ضئيلة بكل الثروة وتحول الباقين جميعا إلى بروليتاريا لا تملك شروى نقير.
من هنا أنا لست مع الرأي القائل بأن صراعهما لا يهمني ولا يهم أهلي وأصحابي وشعبي وشعوب العالم، بل هو في المحصلة صراع بين الخير والشر، بين الإنسان والطبيعة الغاشمة للقلوب السوداء، بين أن تصبح أرضنا جنة لمن يعيش عليها من كل الأقوام والشعوب وبلا طبقات كما نحلم بها نحن الشيوعيين، وبين أن تصبح مقبرة جماعية لمعظم البشر بسلاح رخيص جداً هو سلاح التطعيم المزعوم "ضد" الكورونا المتهمة زورا بأنها طاعون العصر، علما أن الطاعون لم يستحق الإجراءات المرعبة التي استحقتها الكورونا لأنها "بنت الست" الخارجة من رحم الفاشست الجدد.
ترامب لم يرتد الكمامة ولم يرتدها أنصاره، وأعلن على لسان ابنه أنه سينهيها حال عودته إلى البيت الأبيض. وهذا ما حدا أصحاب المشروع الجهنمي أن يعملوا كل جهدهم ولو بالتزوير لمنعه من العودة إلى السلطة لأربع سنوات أخرى. فهم الآن سيكملون تنفيذ مشروعهم ولو بزج الجيوش في عملية إجبار الناس جميعا على تلقي "الطعم" القاتل. هذه هي التوتاليتارية التي طالما اتهموا بها الاتحاد السوفياتي والاشتراكية، وهي عندهم توتاليتارية قاتلة للشعوب الكادحة التي تشكل أغلبية البشرية، لا للقلة البرجوازية المجرمة.