المتطفّل


بديع الآلوسي
2020 / 12 / 12 - 04:40     

كثفت السماء ولم تمطر ، مشى على العشب والثلج ، عاد متذمرا ً ، فالوليمة التي ذهب اليها دون دعوة ، جعلته يتساءل : الى متى ادس انفي فيما لا يعنيني ؟ ، يجلس وحيدا ً ورجله اليسرى ضمدت على اثر جرح بليغ ، محدقا ً في طفلته التي ما عادت تغني كي تطربه ، يفكر بحياته المهلهة التي تبعثرت ، بعد كل الذي جرى لم يقوَ على البكاء ، المتطفل المستغرق في سرد ذكرياته واحساء الويسكي بعد انحسار الضياء ، صار يعد موجات الزمن التي رسمت على وجهه علامات الشيخوخة ، احيانا يجد ظلال العدم على مرآة الحمام ، لم يعد يعرف ماذا يفعل في نهاره الطويل ، قال : لأتطفّل على صديقتي الفرنسية ، لكنها لم تعد تمتص مواجعه ، بل صارت تتألم من فراغه الروحي ، ذكرياته لم تيقظ فيها سوى الامبالاة ، لكنها تلفنت له لتسأله : اين عاطفة الأمس ؟
المتطفل كمن في غيبوبة مخدرة يراقب شال حرير زوجته ، التي صارت تعيش تفاصيل يومها وغدها من دون التفكير بحياتهما المشتركة ، قال : ساحيا الى ان يهطل المطر او الى الربيع المنتظر ، كانت رائحة النرجس تعكر مزاجه ، و حين يدق الموت على بابه ، يخشى الفوضى لأنها تداهمه وتعتصر قلبه ، روحه تخاف سماع الالحان الجنائزية . هكذا صار يرى لون العبث يتناسل ويتحول الى لغة مرئية ، وحين يخلو الى نفسه يجد قلبه قد تصحر كمن اصيب بوعكة مدمرة ، وحاصرته العزلة وخنقه الروتين . على الرغم من صفاء السماء هذا المساء ، لكنه لا يحب الذهاب الى المنتزه ، كان يواصل رحلته مع الموت وهو مبتسم ومتمتع بتطفله على جزئيات الحياة الحالمة ، يريد خلوداً ً ويحاول الفكاهة حين يرى ضيفا ًمن خلال النافذة ، يفرح معتقدا ً انه سيلد من جديد ما ان يبدأ بسرد مغامرته القديمة التي تسرف بالخيالات والخسارات، ما بوسعه ان يفعل في زمنه الرديء أكثر من ان يتساءل : هل انا رجل احمق ؟