-حبة مطر-


اخلاص موسى فرنسيس
2020 / 12 / 11 - 11:40     

حين أصبح حبّة مطر أين أخفيك عن اشتعالي؟ يا من عرفتك منذ كنتَ جنيناً في رحم غيمة مسافرة . سأصير يوماً حبّة مطر، هل أحلم؟ بل كلّ هذا واقعي كما حبّات المطر المعلّقة في زجاج الفضاء الأبيض. حين أصير حبّة مطر لن يردعني شيء، سوف أعبر المكان والزمان، وأمضي، أتفقّد أناي في مكان ما، ربما على ورقة سنديان في الغابة الخضراء التي احترق ترابها، تشربني بنهم، تتلقّفني لأصير منها وهي منّي دمعة خضراء، وأرحل نحو الوادي أتفقّد الكروم، أتكوّر في عناقيدها، يحملني الكرّامون إلى المعاصر، فأعصر بين حجارتها الصماء، أملأ رئة الأحزان خمرة، أعبث بالزمن يلثم شفة الأقداح، يرفع الأنخاب، يرشفني على مهل لأحمله في غياهب الحلم، ونهطل معاً في جرح آخر . حين أصير حبّة مطر سوف أزور زجاج النوافذ، أسامر خدّ طفلة تجلس خلفها، ترسم بأنفاسها شتول الزعتر، وتمدّ يدها تقطف الليلك. نغسل بتلاتها معاً، ونرتّبها في زورق من ورق،، نلقيها في مصبّ النهر. حين أصير حبّة مطر سأعدّ من نفناف الغيم فستاناً مكشوف الكتفين، أتسكّع في شوارع الليل، أهرب من فم الريح، وأختبئ في الأزقة، أهرول مع أوراق الخريف، أقفز من نافذة شاعر لأخرى، أنسكب على الورق غيبوبة من حنين ماطر. حين أصير حبّة مطر سأزور قبر أبي، أروي وريدي من صوته، ومن دمعه الرقراق أصادق التراب الجافّ، أختلط به، نحفر صلصالنا أخاديد لصغار الأقحوان على ضفاف الجبل. حين أصير حبّة مطر سوف أتّحد مع نايات الرعيان في الحقول، نصوغ الفرح والحياة، أعتزل المبكى، أحطّم جدران السراب بحثاً عن فكرة تنام في موال. حين أصير حبّة مطر، أنهمر على رؤوس العشّاق، لأشهد ولادة الحبّ من بين الشفاه، وأطفئ مجاعة القلوب. سأسافر نحو الشرق، أسرق قبلة من الشمس، أخلع عنّي صيفي، وأكون ربيع الأرض، أستيقظ مع صغار العصافير، وأتموّج مع الجداول، أملؤها بالأغاني، وأستنشق عطر النسيم، أتدحرج على الصخور السمراء، وأتبادل معها قبلات السعادة. حين أصير حبّة مطر، سأزور الأكواخ في السهول، أحمل إليها أنس الأزهار، أنشف دمع الشيوخ، وأهدهد نعاسهم ببخور الأحلام ، أحمل تأوه العواصف، وأنين الشجر، وألتفّ حول المواقد أخبر الأطفال عن طفولتي، وأساطير من مرّوا من هنا، أنقذهم من عوسج البشر، أضمّهم إلى صدر النور، وأكون نهاراً جميلاً، ورفيقة ودودة في بحيرة الليل، أشعل سراج المحبّة، أرشف من خمرة السنين حكايات الأولين. حين أصير حبة مطر سأنسكب بسكينة البنفسج وحزنه، وأناجي شحارير الوديان، أكون نايها، وتكون العواطف التي
تسيل على الورق.