مشروع قانون الموازنة 2021


فهمي الكتوت
2020 / 12 / 10 - 16:11     

الاردن- عُدّ مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2021 على فرضية تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بمعدل 2.5% خلال السنة القادمة... بعد انكماش اقتصادي قدرته الحكومة 3% سالب خلال العام الحالي… وبعد سنوات من مرواحة النمو بين 1.9 - 2 % قبل دخول جائحة كورونا… من المعروف ان هناك علاقة مباشرة بين معدلات النمو الاقتصادي وايرادات الخزينة، فهي معادلة محورية تستحق التوقف عندها قبل الدخول بتفاصيل الموازنة، حيث تتوقف نتائج مشروع قانون الموازنة على معدلات النمو الحقيقي.
فمن المستبعد تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف، وفق الرؤية المستقبلية القاتمة للاقتصاد العالمي الذي يعاني من ازمة فاقمتها جائحة كورونا، اضافة الى المعيقات التي تواجه الاستثمار في الأردن، بتراجع القدرة التنافسية للمنتج المحلي، بسبب زيادة الأعباء الضريبية على مدخلات الإنتاج، فإن ضريبة المبيعات ضريبة انكماشية، أسهمت بارتفاع التكلفة، إضافة إلى ارتفاع تعرفة الكهرباء، والضرائب على المشتقات النفطية وهي سلع ارتكازية اضافة الى ارتفاع تكلفة التمويل، مما أسهم بإرتفاع تكلفة السلع والخدمات، واضعف القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل اتساع مساحات الفقر والبطالة.
وبدلا من إعطاء الأولوية لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل، كانت تنصب الجهود الرسمية نحو زيادة الجباية الضريبية، ومن غير الممكن توفير بيئة استثمارية في البلاد في ظل زيادة العبء الضريبي. ففي الوقت الذي يجري الحديث عن الاعتماد على الذات والاهتمام بالصناعة والزراعة، وترويج الصادرات وجذب الاستثمار، اقدمت الحكومة على فرض ضرائب إضافيّة على الصناعة وتوحيد العبء الضريبي بين القطاعين الصناعي والتجاري، وألغت الإعفاءات الضريبية على الصادرات. في حين تزعم أنها تسعى لخلق بيئة استثمارية، اما ارتفاع حجم البطالة بات يشكل أحد اهم معوقات الطلب على السلع واستمرار حالة الركود، التي أصبحت تهدد الاستقرار الاجتماعي، وقد بلغت نسبة العاطلين عن العمل نحو 24% وفق الارقام الرسمية، ويعاني سوق العمل من الفوضى، إذ يقدّر عدد العمال الأجانب ضعف عدد العمال الاردنيين العاطلين عن العمل.
وبالعودة الى ارقام الموازنة؛ بلغت قيمة النفقات العامة في مشروع قانون الموازنة 9.930 مليار دينار بزيادة قدرها 565 مليون دينار عن موازنة 2020 اعادة تقدير، كما بلغت قيمة الايرادات المحلية 7.298 مليار دينار بزيادة قدرها 948 مليون دينار عن موارنة 2020 اعادة تقدير، وبلغت قيمة المنح 577 مليون دينار، ورغم التعهد الرسمي بإصدار موازنة موحدة للحكومة المركزية والهيئات المستقلة، الا انها واصلت الجهات المعنية بإصدار موازنتين لاخفاء نسبة الانفاق والعجز الحقيقي للموازنة، حيث بلغت نفقات الهيئات المستقلة 1.503 مليار دينار وبعجز قدره 586 مليون دينار وبذلك يرتفع الانفاق الحقيقي المقدر الى 11.433 مليار دينار ، كما يرتفع العجز قبل المنح الى 3.218 مليار دينار وبعد المنح الى2.641 مليار دينار، هذا في حال الالتزام في الايرادات والنفقات الواردة في الموازنة التقديرية وهي تقديرات غير قابلة للتحقيق في ضوء المعطيات الاقتصادية والمؤشرات المالية، واهمها: عدم اليقين في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بنسبة 2.5 %، في ظل استمرار الجائحة وتدهور الاوضاع الاقتصادية في البلاد. اضافة الى ان ايرادات ضرييبة الدخل التي تحققت خلال العام الحالي جاءت استنادا للمعطيات الاقتصادية لعام 2019 ما قبل الكرونا في حين تفاقمت الازمة الاقتصادية خلال العام الحالي وتوقفت قطاعات واسعة وتراجعت دخول الموظفين والمستخدمين مما يؤثر بشكل مباشر على تراجع ايرادات ضريبة الدخل خلال العام القادم.
ومن باب المقاربة لتجربة العام الحالي 2020، فقد تراجعت الايرادات المحلية من 7.754 مقدر الى 6.350 مليار دينار اعادة تقدير رغم زيادة ايرادات ضريبية الدخل والبيعات 776 مليون دينار بشكل استثنائي من الفروقات الضريبية والغرامات التي حصلتها الدائرة منذ بداية العام الحالي ولغاية نهاية تشرين الثاني، والتي اسهمت في تقليص الفجوة في الايرادات المحلية بين الموازنة المقدرة واعادة تقدير من 2.180 الى 1.404 مليار دينار.
ان تفاقم العجز المزمن في الموازنة العامة اسهم في ارتفاع نسبة الدين العام المعلن إلى أكثر من 106% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إصرار الجهات المعنية على عدم الإفصاح عن نفقات ما يسمى بالالتزامات السابقة في الموازنة وعدم ضمها إلى قيمة الدين العام والتي تقدر بنحو ثلاث مليارات دينار خشية من الافصاح عن نسبة الدين الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي امام المؤسسات الدولية، لكي لا تعرقل الحصول على مزيد من القروض، كما لجأت الى عدم احتساب قيمة سندات قروض صندوق استثمار الضمان الاجتماعي والبالغ قيمتها 6.674 مليار دينار في آب الماضي، بداعي ان الدولة لا تقترض من نفسها وهي مقولة مغلوطة فأموال الضمان الاجتماعي ملك للعمال وليست صناديق سيادية. وهي سياسات تثير القلق لدى المواطنين على مستقبل مدخراتهم.
وبات الدين العام المعلن رسميا يشكل تحديا حقيقيا للاقتصاد الوطني، حيث بلغ في آب 2020 نحو 33.192 مليار دينار بزيادة قدرها 3.089 مليار دينار خلال الشهور الثمانية الاولى من العام الحالي، واضحت تكلفته تستنزف موازنة الدولة، وعلى حساب الخدمات العامة والاستثمار حيث بلغت الفوائد في مشروع قانون الموازنة 1.452 مليار دينار اضافة الى 149 مليون دينار فائدة قروض الهيئات المستقلة لتصل الى 1.601 مليار دينار اقتطعت من جيوب دافعي الضرائب، وهي تلامس نفقات وزارتي التربية والصحة، كما انها اقل بكثير من قيمة النفقات الرأسمالية التي يفترض ان تسهم في تحفييز النمو الاقتصادي والتي بلغت 1.181مليار دينار في حال تحققها حيث درجت العادة تخفيض قيمة النفقات الرأسمالية المقدرة في السنوات الماضية الى ما دون المليار دينار , وهي من اسباب تراجع النمو الاقتصادي، حيث تراجعت النفقات الرأسمالية من نحو 18% الى 10% من النفقات العامة خلال العقد الاخير، ان تدهور الاوضاع الاقتصادية هي ثمرة السياسات المالية والاقتصادية للنهج السائد في البلاد بسبب غياب برنامج وطني تنموي شامل والخضوع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.