ليس دفاعا عن البخاري


محمد الصادق
2020 / 12 / 7 - 22:30     

لاحظت ان البعض يستحقر بجرأة ما يعظمه كثير منا
مثل كتب الصحاح لا سيما البخاري ومسلم،
فهم يعتقدون انهما لا يساويان شيئا،
وارجو ان يتسع صدر هؤلاء لمناقشتهم قليلا في رأيهم،
فهم يدخلون انفسهم في كثير من المتناقضات،
فمن المعروف ان ما يقوله النبي هو وحي من الله،
ونحن لا ننكر ان كتب السنة النبوية لا ترقي ابدا الي مرتبة القرآن الكريم،
فلا يستطيع احد ان يجزم بنسبة حديث الي النبي مائة بالمائة
كما هو الحال بالنسبة للقرآن،
وقد بدأ نقد الاحاديث منذ عهد الصحابة،
فقد كانوا يستدركون علي بعضهم البعض،
من خلال مقابلة النصوص بالنصوص،
ومنذ زمن مبكر انتبه التابعون الي تغير الذمم فقد ذكر ابن سيرين:
"لم يكونوا يسألون عن الاسناد فلما وقعت الفتنة قالوا:
سموا لنا رجالكم فينظر الي اهل السنة فيؤخذ حديثهم،
وينظر الي اهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"

وبعد ذلك جاءت الانقسامات الفكرية والسياسية،
وظهرت الفرق والطوائف والجماعات والمذاهب،
وكان هناك تنازعات وعصبيات،
وتحمل النص النبوي ما لم يقله النبي (ص)،
وكثر الوضاعون والأفاكون،
وقد انبري نفر من امة محمد للحفاظ علي ارث النبي وتخليصه من الشوائب التي شابته،
ومن امثال هؤلاء البخاري ومسلم وغيرهما،
فقد بذل هؤلاء جهود مضنية لذلك الهدف الذي افنوا من اجله كل حياتهم،
ولكن ما يؤسف له ان الفقه لم يستفد كثيرا من جهود اولئك الائمة،
فعندما ظهر مجهودهم كان الفقه قد بُحثت معظم مسائله،
فقد افتي من قبلهم ابوحنيفة ومالك والشافعي في كل مسائل الفقه تقريبا،
ثم تعصب الناس لارائهم واصبح من الصعب تعديل فتاواهم او حتي انتقادها،
ونحن لا نقول ان صحيحي البخاري ومسلم اعمال كاملة مقدسة لا ينتابها الخطأ،
فهذا في النهاية جهد بشر،
ولكن ينبغي الا ننكر انهما اصح ما لدينا،
فماذا يبقي لنا اذا اعتبرناهما من اساطير الاولين كما يزعم البعض،
ولو سلم الناس بهذا فسيأتي الدور علي القرآن نفسه،
ولا تستغربوا من ذلك،
فقد وجدت عند الشيعة روايات في بعض مصادرهم تشير الي تحريف القرآن نفسه،
وذلك حتي تبقي الامامة المزعومة اساسا للدين!!

ولنأخذ مثلا استدلال احدهم علي خطأ رواية البخاري
وذلك بانكار رواية تزوج النبي بعائشة (رض) وهي بنت ست،
لقد ردّ ما ورد في الصحيح بشئ مما كتبه المؤروخون،
وكتب التاريخ لا تعدو ان تكون اقاصيص نسبة الحقائق بها قليلة
وهي تُوصل مع بعضها بكثير من الاوهام والخيالات،
نحن لا نعيب استخدام العقل فهو شيء مطلوب
ولكن يجب التروي فهناك وجهات نظر متعددة،
وربما نعرض وجهة نظرنا في الموضوع قريبا
ولا نقول ان ما نري هو الحق الذي لا شئ بعده.

نحن نوافق من يقول ان السلف لم يهتموا بالمتون اهتمامهم بالاسانيد،
ومع ان البعض يضيقون بما قاله احمد امين مثلا في كتابه فجر الاسلام،
ولكننا لا نرد الحق لاننا نكره من قاله،
يقول احمد امين:
"وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد
ليس هنا محل ذكرها
ولكنهم والحق يقال
عنوا بنقد الاسناد اكثر مما عنوا بنقد المتن
فقل ان نظفر منهم بنقد
من ناحية ان ما نسب الي النبي ص لا يتفق والظروف التي قيلت فيه
او ان الحوادث التاريخية الثابتة متناقضة
او ان عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النبي ص
او ان الحديث اشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه وهكذا..
ولم نظفر منهم في هذا الباب بعشر ما عنوا به من جرح الرجال و تعديلهم
حتي نري البخاري نفسه علي جليل قدره ودقيق بحثه
يثبت احاديث دلت الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية علي انها غير صحيحة
لاقتصاره علي نقد الرجال"
انتهي كلام احمد امين.

فلو أُخضع ما انتجه البخاري ومسلم لشيء من دراسة المتن لكُفينا شرورا كثيرة،
ولكن خلف قوم تعصبوا لاقوال ائمة الفقه
مع ان ائمة الفقه انفسهم حذروا من الاكتفاء بما قالوه،
والخلاصة اننا يجب ان نأخذ بالعقل والنقل معا،
وهذا يحتاج لمدارسات عميقة ومستمرة،
وينبغي ان يسمع بعضنا الي اراء البعض الاخر،
من غير تعصب ولا تشدد،
علنا نصل الي الحقائق،
فنرجع بديننا كما تركنا عليه الرسول الكريم (ص)
ينبغي للكل ان يساهم في هذا،
ولهذا يدعونا القران الي التفكر والتعقل والتدبر،
وبينت السنة فرضية طلب العلم علي كل مسلم و مسلمة،
ولا يقتصر ذلك علي جماعة معينة او زمن معين،
ينبغي فعلا ان نرمي وراءنا مسميات المذاهب والفرق والجماعات،
والا ننتسب الا الي الاسلام فقط،
واحب هنا ان اورد كلاما لابن القيم،
وارجو الا يتهمني احد بالتطرف لمجرد ذكري لهذا الاسم!
يقول الرجل في كتابه (اجتماع الجيوش الاسلامية):

"فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام،
ولكن نور يميز به صحيح الاقوال من سقيمها،
وحقها من باطلها،
وما هو من مشكاة النبوة مما هو من أراء الرجال"