لا محيد عن النضال الجاد و الصامد في مواجهة سياسة التفقير الممنهجة


محمد بودواهي
2020 / 12 / 4 - 22:28     

حسب لجنة المتابعة الوطنية للجبهة الاجتماعية المغربية فان رقعة الفقر في المغرب اتسعت الى حد لا يطاق بحيث اصبح يمس حوالي ثلثي السكان و ما يترتب عنه من ماسي تدمي القلب و من امتهان للكرامة الانسانية و من جحيم اجتماعي يعاني منه اكثر من 20 مليون مغربي و مغربية حيث تستحودكمشة صغيرة من البرجوازيين و الاقطاعيين على خيرات البلاد و ثرواتها .
انه فقر ناتج عن سيطرة الامبريالية الفرنسية على الخصوص و عميلتها المحلية الطبقة الساءدة بقيادة النظام المخزني و الدي يقوم على التبعية و الاستغلال و الاحتكار و الريع و الاستبداد حيث الاستغلال المكثف للطبقة العاملة و حرمانها من ابسط الحقوق كتطبيق الحد الادني للاجر و الاستفادة من الضمان الاجتماعي بالاضافة الى عزمها على تجريدها من حق الاضراب كسلاح كفاحي لتحقيق المطالب المشروعة على قلتها و بساطتها و حيث تهريب عشرات الملايير من الدراهم او اكثر بكثير للخارج و حيث تفشي الرشوى و التهرب الضريبي و حيث تبدير المال العام في المهرجانات البادخة كمهرجان موازين و في الحفلات و الطقوس البالية وفي الكماليات و الصفقات الفاقدة لكل جدوى كصفقة القطار فاءق السرعة و حيث الخوصصة الواسعة لكل القطاعات الاستراتيجية و تسليمها للقطاع الخاص و الباطرونا الجشعة كما وقع لشركة النفط " سامير" و مايجري التخطيط له لقطاعي التعليم و الصحة و حيث تهميش البادية و تعرض بعض المناطق منها لعقاب جماعي على اثر احداث سنوات الرصاص و الجمر و رفض القيام باي جبر للضرر و حيث القمع المفرط لكل القوى المناضلة و كل الفءات المتضررة و لكل المناطق المهمشة كما جرى في الريف و الاطلس و جرادة وزاكورة و سيدي ايفني و غيرها و حيث محاصرة كل الاطارات الجادة السياسية منها و النقابية و الحقوقية و الثقافية و حيث تهميش اللغة و الثقافة الامازيغيتين رغم تحقيق المطالب الجزءية التي لا تسمن و لا تغني من جوع و حيث الاستنزاف الواسع و التبديد الكامل لكل الثروات الوطنية الطبيعية من غابات و مقالع وفرشة ماءية و رمال و كل ثروات البحر و المناجم و توجيه معظم الخيرات الفلاحية نحو التصدير بدل تحقيق الاكتفاء الداتي الغداءي لكل مواطنينا ...
ولعل الفقر و لا شيء غير الفقر هو ما يدفع عشرات الالاف من العاملات الموسميات المغربيات للعمل في حقول الفرولة في جنوب اسبانيا في ظروف قاسية و رهيبة و لا انسانية في اطار ما يسمونه الشراكة الاوربية و التعاون مع دول الجنوب هدا دون الكلام عن الاعداد الضخمة من الشباب الدين الدين لا يجدون مفرا من مواجهة امواج البحر المتوسط املا في الوصول الى الضفة الاخرى في الشمال و هو الامر الدي ينتج عنه غرق و وفاة الالاف منهم كل سنة .
و لمواجهة هدا الواقع المزري الفضيع الدي لم ينتج غير افات الفقر و البطالة و المرض و التسول و كثرة الحاجة و الهشاشة انبرت الى واجهة النضال قطاعات واسعة من الشباب و النساء و العمال و سكان الكثير من البوادي و المدن بتنسيق او مؤازرة اوقيادة نقابات و احزاب و جمعيات و منظمات مناضلة حيث لا يكاد يخلو يوم واحد من ايام السنة من حركة نضالية معينة في منطقة معينة من البلاد وهو الامر الدي ادي الى ملء سجون العار ظلما وعدوانا بالكثير من المناضلين الاحرار من شباب و طلبة و سياسيين و حقوقيين و صحفيين فقط لانهم ناضلوا ضد الفقر و البطالة او من اجل المطالبة بتشييد بنى تحتية معينة كالطريق و المدرسة و المستشفى ...
ان تاريخ الشعوب حافل بالتجارب النضالية و الثورية و كثيرا ما كانت هده الثورات و الانتفاضات تنطلق بصورة عفوية ودلك بسبب غياب عنصر التنظيم و لعل الثورات الاخيرة التي عرفتها منطقة الشمال الافريقي و الشرق الاوسط قد سقطت في هده الاخطاء مما جعل التغيير فيها لم يعرف تلك الصبغة الثورية الجدرية بل اخد فقط طابع الاصلاح وهو الامر الدي لا يمكن ان ينفد الى جوهر المشكل بل سيتم تدبيره فقط على مستوى الشكل و تغيير بعض الاوجه باوجه مماثلة مع در الرماد في الاعين باعطاء بعض الفتات في ملفات اقتصادية اجتماعية مطروحة ...الا ان هناك العديد من الثورات الشعبية التي انتهت بالتغيير الجدري للنظام و الانتقال من نمودج اقتصادي اجتماعي راسمالي الى اخر اشتراكي كما حصل في روسيا و الصين و كوبا و غيرها وهي الثورات التي كانت منظمة و قادتها احزاب و اطارات سياسية اشتراكية و شيوعية اعتمدت في دلك على الحزب و اللتنظيم الثثوريين .
غير انني اريد هنا ان اتعرج قلبلا الى هامش دو صلة لاتطرق الى تجربة تنظيمية جد مميزة و لها خصوصيات فريدة و نتاءج جد قيمة و التي عرفت تطبيقها و ممارستها في المكسيك .ان الامر يتعلق بالحركة الساباتية في منطقة تشيابس في جنوب المكسيك وهي الحركة التي من الضروري ان نتلمس بعض الملامح السياسية و الفكرية لتجربتها نظرا لاهميتها في ارتباط مع الموضوع . فالكوادر الطلاءعية لهده الحركة التزمت في عملها السياسي و التنظيمي و الجماهيري و باسلوب متميزبالاستماع للجماهير و التعلم منها ثم تحديد الاهداف السياسية و اسلوب تحقيقها حيث استلهموها من فلسفة و قيم و ثقافة شعوب المايا الهندية و التي هي منبثقة من و متناسقة مع نمط حياة و تقاليد هدا الشعب العريقة .
فالحركة الساباتية تختلف عن تجارب العديد من الثورات و حركات التحرر الوطني حيث القيادة تاتي نتيجة السير المتزامن مع حركة الجماهير و التنامي معها من الاسفل لتقود نضالها و لم تاتي من الاعلى لتكون الطليعة الثورية او قيادة لحزب الثورة . كما ان ادبيات الحركة تعبر عن التعددية الاصيلة السياسية منها و الاثنية من خلال التعايش المشترك لوجهات النظر المختلفة و انماط الحياة المتنوعة . و لعل اهم عنصر في الثقافة الساباتية هو الالتحام بالارض حيث هي الام و هي الاصل و هي غاية النضال و يشكل هدا العنصر اول الثوابث في النضال الساباتي بالاضافة الى الاكتفاء الداتي حيث استطاعت الحركة ان يؤمنوا معظم حاجياتهم الحياتية و اليومية رغم الحصار القاسي الدي يفرضه الجيش و النظام المكسيكي عليها و دلك من خلال التنمية المستدامة و الانتاج المحلي و الجماعي الدي لا مكان فيه للملكية الخاصة حيث تقوم به كل القوى العاملة و الجماهير مهما كلف الامر من تضحيات و حرمان ليبقى الصمود و المقاومة في انتظار التحرر الوظني هو العنصر الحاسم و الثابث في عقيدة الشعب الساباتي و الدي لا رجعة عنه رغم قساوة و فضاعة النظام في تعاطيه مع الامر .
لا شك في ان الفقر ليس قدرا محتوما و للتخلص منه ومن الشكل المحزني للدولة التي انشاته لابد من العمل الجاد لبناء نظام ديموقراطي شعبي يلبي كل الحاجيات الاساسية للشعب و ينقله الى مصاف الامم المتحضرة و المتقدمة .وهنا تبقى المقولة التاريخية للقاءد الثوري ماو تسي تونغ النضال ثم الفشل ثم النضال ثم الفشل ثم النضال الى ان تنتصر ارادة الشعب هي المقولة دات الراهنية القصوى لمشهدنا الحالي و لفهم التغيير الدي ياتي عن طريق التجارب و الممارسة الخلاقة.