سوف تتكشف عن سراب الآمال المعلقة على بايدن


سعيد مضيه
2020 / 12 / 3 - 11:16     

"أبهجنا فشل ترمب ولم يسرنا نجاح بايدن" ، هكذا اختزل الرئيس الفنزويلي ، مادورو، نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية، وهو بذلك عبر عن مشاعر الملايين من شعوب العالم وقواه التقدمية. ليس غير الأنظمة الفاشية والعنصرية مثل إسرائيل والبرازيل ودول التطبيع الخليجية، من أصيبوا بالخيبة لفشل ترمب. غير أن القيادة الفلسطينية ركبت الشطط في تفاؤلها بنجاح بايدن ، وعادت الى أوهام انتظار نزاهة الدبلوماسية الأميركية. الحقيقة أن الدبلوماسية الأميركية المعتادة حيال الصراع على فلسطين لم تنحرف في عهد ترمب، ولن يعدلها بايدن؛ ترمب عبر بفجاجة عن مضمون السياسات الأميركية، وخاصة في الموضوع الفلسطيني؛ إذ أفصح بجلافة خالية من الدبلوماسية عما كانت تمارسه الدبلوماسية الأميركية، وبالذات أثناء التصويت بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وفي اليونيسكو ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المـتحدة .
في السياسة الأميركية بوجه عام يتناوب الحزبان الرئيسان الفشل في إدارة أزمة الرأسمالية، فيتم إخراج الفشل في مسرحية انتخابية كل أربع سنوات، يتستر فشل الحزب الحاكم على أزمة النظام المستعصية. حقا لا تعدو الانتخابات مجرد لعبة سياسية تمولها الشركات الكبرى، حيث قدرت كلفتها في الانتخابات الأخيرة بخمسة عشر مليار دولار ، معظمها انصبت في حسابات منابر الميديا الرئيسة. ففي الانتخابات تبدع الدعاية في وسائل خداع الناخبين، حيث لا برامج سياسية يطرحا المرشحون. الحزبان الرئيسان بالولايات المتحدة خاضعان لسيطرة الاحتكارات، وقيادة كل حزب مطالبة بأن تفرز من بين الأعضاء أو من مناصريها من تؤهله، نائبا أو رئيس دولة، لخدمة مصالح الاحتكارات. أو بعبارة أخرى من يصل الهيئات المنتخبة بأموال الاحتكارات.هكذا أصرت قيادة حزب الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة على إفشال بيرني ساندرز لضمان ترشيح بايدن عن الحزب، وهو مجرب خلال قرابة الأربعين عاما داخل مجلس الشيوخ ترزي القوانين حسب طلب الاحتكارات. أما ترمب فهو صاحب بلايين وبرهن على الولاء المطلق لطبقته؛ فكان أشدهم حرصا على مصالح الاحتكارات الأميركية لدرجة الجور حتى على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. في هذه السياق انتهج سياسات فاشية في الداخل والخارج تحمل كراهية للسود ولكل الشعوب الملونة. كان من شأن نهج ترمب ، لو استمر ، ان يشدد من عزلة الولايات المتحدة ، ويشيع داخلها نظاما فاشيا شموليا. ولذلك هبت عناصر الدولة العميقة لنصرة منافسه جو بايدن، رغم انه لا يملك مؤهلات القيادة.
الانتخابات والدولة في عالم الرأسمال ليست وظيفتها الرئيسة تمثيل الناخبين او حماية الحقوق والقيم الديمقراطية؛ الدولة أداة تسهل وتُشرْعن مركزة الثروة والسلطة بأيدي نخب تقل بالتدريج. هذا ما عبر عنه جوناثان كوك ، صحفي التقصي في إسرائيل. وفي مناسبة اخرى كتب :غير عقلاني هذا النظام الإيديولوجي، الذي ولدنا فيه وأرضعنا القيم والمعتقدات، تماما مثلما أرضعتنا الأمهات حليبهن.
وغير كوك، كتب المؤرخ فيجاي براشاد"ابتسامة بايدن الفضية سوف تغطي على شراسة أهدافه؛ في السياسة الخارجية سوف يبدو بايدن مختلفا عن ترمب، غير أن الخطوط العريضة لسياستهما ستكون متماثلة".
و نظرة اخرى حملت نفس الرؤية: "حرية التعبير تظل جيدة، ما لم تنتقد البقرات المقدسة التي تبرعت للحملة الانتخابية ، وانهمرت بسخاء من حسابات اللوبي الموالي لإسرائيل""، كتب الأكاديمي الأميركي والمؤرخ روبرت فانتينا، ومضى الى القول "... سوف يعيد بايدن نظام التحالف القديم ، حيث الولايات المتحد ة ( مع الحلفاء في كندا والاتحاد الأوروبي) يبذلون محاولاتهم للهيمنة على النظام العالمي باستخدام القوة المسلحة ودبلوماسية وقوة الاقتصاد".

لفت فانتينا الأنظار الى مصادر تمويل الحزب الديمقراطي ، فتساءل: "كيف آمكن لمجموعة بايدن ومن يدفع التجهيزات التي ساندتهم سنوات حكم ترمب؟ واجاب: " لم يبق الأمر سرا: اثنان من أبرز بنوك المعلومات تخص الحزب الديمقراطي- المركز من اجل أمن اميركي جديد ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهما يحتلان على التتابع المركزين الثاني والسادس من حيث تلقي أموال الحكومة الأميركية ومقاولي وزارة الدفاع. أكبر الدفعات يتلقاها المركز من اجل امن أميركي جديد من شركات نورثروب غرومان، بوينغ ووزارة الدفاع؛ واعظم المتبرعين لمركز الأبحاث الاستراتيجية والدولية هم شركات نورثروب غرومان ولوكهيد مارتين وبوينغ ورايثيون".

أما صحفي التقصي كريس هيدجز، ذو الخبرة الصحفية الطويلة والاطلاع الواسع، فقد نفذت بصيرته الى أعماق السياسات الأميركية: "إن الدمج المكثف لأموال الشركات الكبرى لدعم بايدن لم يستهدف حماية الديمقراطية ، بل انطلاقا من معرفة هذه الشركات وأصحاب المليارات ان إدارة بايدن سوف تخدم مصالحهم". في مقالة نشرها بمجلة كونسورتيوم نيوز الإليكترونية في 23 نوفمبر، مضى الى القول: "ان إيغال نخب الحكم في الابتعاد عن الواقع يستهدف تقنيع تواطئهم في الإمساك بالسلطة من خلال البليونيريين والشركات الكبرى العولمية النهابة. ويستطرد، "المليارديرية في وادي السيلكون [الصناعات الإليكترونية] بمن فيهم داستين موسكوفيتش، الشريك المؤسس لشركة فيسبوك، و إيريك سميث، المدير السابق لغوغل ، تبرعوا بأزيد من مائة مليون دولار لمؤسسة سوبر باك التابعة للحزب الديمقراطي والتي ابتكرت برنامجا مضادا لدعاية ترمب التلفزيونية في الأسابيع الأخيرة من الحملة لانتخاب بايدن".
ان دبلوماسية تتصرف انطلاقا من مصالح أصحاب المليارات لا ينتظر منها ان تعدل او ان تتحرى الحقيقة. وبايدن ترأس لجنة الشئون الخارجية لمجلس الشيوخ ودعم سياسات الإدارات المتعاقبة عبر نصف القرن الأخير تقريبا، وهو شارك في الضغط مع اللوبي الإسرائيلي من اجل غزو العراق ، وهو صاحب المقولة " لا حاجة لأن يكون المرء يهوديا كي يكون صهيونيا". بصدد سياساته المقبلة في الشرق الأ وسط تنبأ فيجاي براشاد في مقالة نشرت بتاريخ 19 نوفمبر أن قضايا الشرق الأوسط ستكون أخر اهتمامات بايدن. لاحظ فيجاي براشاد أن القيادة الفلسطينية قدمت سلفة حسن نية للرئيس الأميركي الجديد ، جو بايدن، بإعلان وزير الشئون المدنية العودة للتنسيق من جديد مع إسرائيل. بصدد الاتفاقلاالنووي مع إيران ، فقد "دخل أوباما الصفقة لأن الأوربيين كانوا في أمس الحاجة اللى مصدر طاقة بعد أن دمرت الولايات المتحدة وفرنسا مصادر النفط الليبيةفي الحرب التي شنها حلف الأطلسي عام 2011... سوف يقدم بايدن تلك الهدية للأوروبيين، التي سيرحب بها شعب إيران ؛ لكي يعزز التحالف الغربي . بينما يواصل بايدن كلامه عن خنق الشعب الإيراني[ تأكيد كلمة كلام من الكاتب] ، مع تقديم المزيد من التسهيلات لجرائم الحرب ضد اليمن.." .
ورأى روبرت فانتينا أن إدارة بايدن حريصة على " دعم إسرائيل بما يتيح لها اضطهاد الشعب الفلسطيني وإثارة السخط في الشرق الأوسط الكبير". ينقل هذا المؤرخ و مؤلف كتاب " الامبراطورية - العنصرية وإبادة الجنس: تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة" عن توني بلينكين، المرشح لحقيبة الخارجية ، توقعاته أن جو بايدين ، كرئيس، "سوف لن يربط المعونة العسكرية لإسرائيل بأشياء مثل الضم ( جميع الضفة المحتلة أو القسم الأعظم منها لإسرائيل) ، او بقرارات أخرى تصدر عن حكومة إسرائيل ربما لا نوافق عليها". يمضي فانتانا الى القول، "يعيش الشعب الفلسطيني تحت كابوس مستدام، ويتحمل الوزر الأعظم في ذلك دعم الحكومات الأميركية وتمويلها عمليات اضطهادهم. ساءت الأوضاع لحد كبير في عهد إدارة دونالد ترمب، ومن الصعب الظن أن تتحسن مع إدارة بايدن". نوه في مقالة نشرها في 27 نوفمبر 2020، بان جميع المرشحين للمناصب الوزارية ولقيادة الهيئات الرسمية هم مرتبطون بالاحتكارات وقدموا الى وظائفهم من مراكز الأبحاث او الشركات الكبرى. مثال ذلك ميشيل فلورنوي[ مرشحة لمنصب وزير دفاع]، "علاوة على العلاقلات المهنية التي تقيمها مع دولة الإمارات، فإن ملَكيات الخليج تتبرع بسخاء لنفس بنوك المعلومات[ مراكز الأبحاث] التي عمل فيها من يتوقع أ ن يشغلوا مراكز في إدارة بايدن؛ العربية السعودية، على سبيل المثال تقدم تبرعات سنوية لمركز الأبحاث بروكينغز وراند كوربوريشين، وكذلك دولة الإمارات تقدم مليون دولار لتشييد مبنى جديد للمركز من أجل امن اميركي جديد، وقطر تقدم 14.8 مليون دولار لمركز بروكينغز...
تطرق فانتينا الى دول الخليج المطبعة: " لنتذكر ان الرئيس المنتخب، الذي اكد للمتبرعين الأغنياء لحملته ‘ ان لا شيء سوف يتغير بصورة جذرية’ إذا ما انتخب. سوف يقدم الدعم بلا تحفظ لدول الخليج ذات الحكم الأوتوقراطي، طالما هي تتحالف مع إسرائيل". ويضيف، "المسئولون الأميركيون، بمن فيهم بلينكين ، يتجاهلون حقيقة أن إسرائيل، بكل مستوطنة جديدة غير شرعية تقيمها، لا تهدد الوجود الفلسطيني وحسب ، بل تدمره بالفعل". هذا الكاتب ندب حظ الشعب الفلسطيني ، إذ ليس له لوبي غني وقوي يدعمه." ليست العدالة مهمة في نظر المسئولين الأميركيين، حتى ولا القانون الدولي ولا حقوق الإنسان. وفي قاعات الكونغرس الجوفاء المال هو الذي يتكلم. وفي عرفهم ليس غير العداء لليهود يقبع خلف كل من ينتقد المستوطنات غير الشرعية، والاعتقالات الكيفية بدون توجيه التهم ، وسن تشريعات تمنع المزارعين الفلسطينيين من خدمة أراضيهم ، ونسف المدارس ومراكز الأمم المتحدة للاجئين والجوامع والمشافي والضواحي السكنية، وكذلك اعتقال الأطفال وزجهم بالمعتقلات، والتفريق في القوانين النافذة بين اليهود و الفلسطينيين ، وشق طرق خاصة باليهود الخ".
"يكفي التأمل في اتضاح انتهازية الحوار في دول العرب - وانقطاعه عن الواقع- حول دور إسرائيل والشرق الأوسط، حين رأينا اضطراد القلق من سوريا الأسد ومقارنته باللامبالاة العارضة حيال الحكام قطاع الرؤوس بالسعودية، الذين يمولون عبر عقود متتالية جماعات الإرهاب في أرجاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الجهاديين في سوريا.
"في هذه الأثناء تحالفت إسرائيل سرا مع العربية السعودية ودول الخليج النفطية؛ فالجميع مشتبكون مع آلة الحرب الأميركية. والآن، وقد استُبعِد الفلسطينيون دبلوماسيا بصورة تامة ، وحيث يصمت التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني مروعا بتهم اللاسامية، فإن إسرائيل والسعودية تشهران بالتدريج تحالفهما ، مثل زوج من المحبين الخجولين".

ما هي وظيفة الدولة في الغرب الامبريالي؟ يجيب جوناثان كوك : "الحروب هي دم الحياة لامبراطورية الشركات الكبرى التي توجد قيادتها العامة بالولايات المتحدة. ومهمة الإدارة الأمير كية إطالة امد الحروب وليس إنهاءها. كانت اهم قيم الرئيس أوباما تجميل الحروب وتسويقها."
يؤيده هيدجز : "جدر التنويه بإسرائيل ، مسمار آخر يمسك عجلة امبراطورية الولايات المتحدة، ودولة تقدم خدمات مختبر تجارب الأسلحة التي ينتجها التجمع الصناعي – العسكري بالولايات المتحدة، وقد لعبت دورا حيويا في عقلنة هذه الحروب". ثم مضى الى القول: "حق العم سام وواجبه في إرسال قواته العسكرية في كل مكان على سطح كوكبنا ، وتنفيذ اغتيالات الناس من الجو وفرض عقوبات التجويع من طرف واحد، لم يناقش احد مطلقا تلك الهياكل المنهجية التي تطبق وتحفز سلوك دولة مارقة؛ خاصة وجود تجمع صناعي –عسكري متنام باضطراد نجح في التغلغل في جميع نواحي الحياة العامة، بينما يسرق الأموال التي كان بإمكانها تحسين البنى التحتية او حياة الناس بالولايات المتحدة. فقد حقنت نفسها على حساب دافع الضرائب، بينما هي تقايض، على طريقة بائع جوال، الدم الأميركي بالمال في مغامرات سخيفة بالخارج وعلى حلفاء ديكتاتوريين، حتى وهي تفسد تقريبا جميع السياسيين البارزين .

ذكّر فانتينا القراء أن قرار المحكمة العليا الأميركية تجاه مقاطعة نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا ، مقارنا "كونها مشروعة بموجب التعديل الأول طالما انها –المقاطعة- تؤثر على القرار السياسي ولا تلحق الأضرار بالاقتصاد"، بينما الضرر الاقتصادي الذي تلحقه حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس) وتواصل إلحاقه ليس هو الهدف؛ إنما هو ببساطة الوسيلة لإجبار إسرائيل على الإقرار بالقانون الدولي واحترامه وكذلك احترام حقوق شعب فلسطين. يواصل "نظرا لاحتمال ان معظم هؤلاء المسئولين، المعينين او المنتخبين، ليسوا اغبياء، فالاستنتاج المعقول أنهم لا مصلحة لهم في الحقيقة، إذا كانت محجوبة عن الأنظار من خلال التبرع للحملات والرحلات الى المنتجعات الإسرائيلية الفخمة تحت قناع ‘البحث عن الحقيقة’.

كرس فانتينا مقالته للدفاع عن رشيدة طليب، عضو مجلس النواب الأميركي التي تعرضت لحملة متجنية من أنصار إٍسرائيل بالولايات المتحدة. صرحت بصدد ترشيح اليهودي نصير الصهيونية، انتوني بلينكين، لمنصب وزير خارجية في إدارة بايدن، انها لا تعارض في ذلك " إذا لم يقمع حقي في حرية التعبير، الذي يكفله التعديل الأول على الدستور الأميركي، في الحديث عن سياسات نتنياهو العنصرية واللاإنسانية. ان شعب فلسطين يستحق المساواة والعدالة". وبصدور التصريح شنت ضد طليب حملة شرسة، بالطبع مثل كل حملات الصهيونية وأنصارها، تمت فبركة عبارات لم تنطق بها طليب. الدعاية الصهيونية لا تناقش الآراء، حتى ولا تهاجمها بصيغتها الأصلية؛ إنما تحرف، حفاظا على خداع جمهورها بنزاهة موقفها ومقصدها؛ وهي بالطبع نزاهة زائفة. حمّلت الدعاية الصهيونية تصريح طليب عبارات مثل "العداء لدولة إسرائيل " وأحيانا "كراهية اليهود" و"القضاء على إسٍرائيل". وختم مقالته بالتمني" أن لا يتم إسكات طليب، يجب أن تستمر في إسماع صوتها ، جنبا لجنب المسئولين الآخرين ممن يحترمون حقوق الإنسان والقانون الدولي فوق الانتهازية السياسية".