جورج بركلي (1685 – 1753)


غازي الصوراني
2020 / 12 / 1 - 12:21     


فيلسوف ولاهوتي (كاهن) وعالم رياضيات انجليزي، إشْتُهِرَ بفلسفته المثالية الذاتية التي نفى من خلالها وجود المادة في العالم، مؤكداً أن العالم المادي غير موجود، محاولاً البرهنة على ان الانسان يدرك الصفات الثانوية للاشياء وليس الصفات المادية.

عُرف بايمانه العميق بالمسيحية / المذهب البروتسنتني ، نشر كتابه "رسالة في مبادئ المعرفة البشرية" وكتابه" ثلاث محاورات" عارض فيه افكار جون لوك، كما عارض افكار نيوتن.

تنقل في انحاء أوروبا لنشر مذهبه الفلسفي وأفكاره الدينية، وكان حريصاً على نشر المسيحية في أوساط الهنود الحمر في أمريكا الشمالية.

في كتابه "الفيلسوف الصغير" دافع بيركلي عن العقيدة المسيحية والمذهب البروتستانتي ، اما أشهر كتبه على الاطلاق الذي يحتوي على فلسفته هو كتاب "نظرية جديدة في الإبصار" ناقش بيركلي فيه حدود الرؤيا أو الإبصار البشري، وقدم النظرية التي تقول "ان الاشياء المرئية ليست أشياء مادية وإنما هي صور وهمية".

فلسفته: في كتابه الرئيسي "مبحث خاص بمبادئ المعرفة الانسانية" (1710)، انطلق "بركلي" من مقدمة تقول أن الإنسان لا يدرك شيئاً بطريقة مباشرة سوى "افكاره" (احساساته)، فقد استنتج أن الاشياء لا توجد الا في المدى الذي يمكن فيها ان تُدْرَك (أن يوجد الشيء يعني أن يُدْرَك)، والأفكار في رأي بركلي سالبة، فهي تُدرَك بجوهر غير متجسد هو النفس التي هي فعالة، ويمكن أيضاً ان تنتج الأفكار.

في محاولته لتجنب الأنانة (الذاتية) يُقِر بركلي بوجود تَكَثُّر للجواهر الروحية، وكذلك وجود "عقل كوني" هو الله، ويقول ان الأفكار توجد بالقوة في عقل الله، لكنها لا توجد بالفعل الا في العقل الانساني، وبعد هذا اتخذ بركلي مواقف مثالية قريبة من الافلاطونية الجديدة وأقر بوجود خالد للأفكار في عقل الله"([1]).

أما محاولة بركلي لدحض الإلحاد والمادية، فقد هاجم مفهوم المادة باعتباره مُحَمّلاً بتناقضات باطنية، كما أن مفهوم المادة ليس له أي قيمة أو جدوى في البحث عن المعرفة، وذلك انطلاقاً من رؤيته المثالية الذاتية.

وفي هذا الجانب، "رفض بركلي نظرية لوك عن الصفات الأولية والثانوية وأعلن ان جميع الصفات ذاتية، وبهذا الرفض أنكر بركلي قدرة العلم على تصور العالم ككل، كما دحض نظرية نيوتن عن المكان المطلق، وهاجم نظريته في الجاذبية كمذهب في العلة الطبيعية لحركة الاجسام المادية باعتبار أن الجوهر الروحي -عند بركلي- وحده هو النشاط"([2]).

في ضوء فلسفته المثالية الذاتية، نفى بيركلي وجود المادة في العالم ، ونفى ان يكون للعالم المادي وجود مستقل، فهو موجود (العالم) في الذهن فقط، وهو مجرد افكار تدركه حواسنا (اننا ندرك الطاولة حينما نراها ونلمسها فقط، ولكن بعد ابتعادنا عنها لا ندركها سوى في الذهن) وهنا يؤكد بيركلي – بصورة مثالية غريبة غير مقبولة- عدم وجود المادة أو العالم المادي .

إن المعرفة البشرية –عند بيركلي- -كما يقول يوسف حسين - هي "إما افكار جاءتنا من الحواس أو هي افكار أدركناها بالتأمل أو من خلال الذاكرة ، وبالمحصلة كل معرفتنا هي مجرد أفكار ادركتها الذات العاقلة أو العقل أو الروح، وكل شيء في هذا العالم الخارجي متوقف على العقل المدرك الذي لولاه لما وجد عالم خارجي أبداً، فبدون الحواس (البصر أو السمع.. إلخ) لا يمكن ان ندرك العالم من حولنا.. وكل ما نراه أو نعرفه هو عبارة عن مجموعة من الاحساسات عبارة عن صورة رؤية أو رائحة أو طعم.. إلخ! فكل شيء في هذا العالم غير مادي وغير موجود إلا في احاسيسنا وعقلنا واذا لم تتوفر احاسيسنا وإدراكنا فهذا يعني – كما يقول بيركلي- ان العالم المادي غير موجود".

هكذا يتوصل بيركلي إلى رفض أو محو المادة من الوجود، مدعياً أن الاشياء في حقيقتها ما هي إلا أفكار يتحقق وجودها عندما يدركها عقل ما، ويبدو أن هذه الافكار الفلسفية مغرقه في الصوفيه العدمية لا تصلح إلا للزهاد أو المتصوفين اللاعقليين، علاوة على اسهامها في تأكيد الافكار الرجعية النقيضة للحركة والتطور المادي سواء في المجتمع أو الطبيعة، باختصار انها فلسفة ذاتية فعلاً ، مثالية عدمية فعلاً، غير نافعة للانسان ابداً.

كان ديفيد هيوم –كما يضيف يوسف حسين- "من أهم الفلاسفة الذين رفضوا نظرية بيركلي ووجه له سؤالاً هاماً: إنك تَدَّعي أن كل ما لا يُدْرَكْ هو غير موجود، اذن الله والروح أيضاً غير موجودين، لكن بيركلي رد قائلاً ان "وجود الله هو أوضح من وجود البشر، ولسنا بحاجة إلى معجزات فارقة لإثبات وجود الله لان ثبات قوانين الطبيعة بدل على وجود الله الذي ينشر الافكار في عقول عبادة هي نماذج من افكاره الخالدة وهي دليل على وجود الله".

على أي حال قدم بيركلي فلسفة استهدفت كما يقول التصدي للتيار المادي التنويري والعقلاني والملحد وبالتالي القضاء على الفلسفة المادية في العالم.. لكن التطور البشري المادي والفلسفي وجه ضربة قاصمه لافكار بيركلي المثالية الذاتية التي تفتقر لأي منطق او معقوليه سوى في عقول القوى اللاهوتية المتعصبة في أوروبا عموماً وفي أوساط البروتستانت خصوصاً "([3]).




([1]) م. روزنتال و ب. يودين -الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – – ص 79

([2]) المرجع نفسه – ص79

([3]) يوسف حسين – محاضرة في اليوتيوب – الانترنت.