الحرية تبدأ بالتحرر من التعاليم المحمدية


كوسلا ابشن
2020 / 11 / 30 - 22:43     

مشروع "محمد" الجمعي هدف منذ إنطلاقته الى تأسيس دولة العروبة, ف"محمد" الجمعي كان يدرك أن الدولة عند الأعراب لا تقوم الا بالوحدة العمودية والوحدة الأفقية, فوحدة القبائل, هي عملية صعبة لا تتحقق الا بوحدة الآلهة في رب واحد, وهذا العمل الكبير إستغرق 23 سنة لجمع ونقل المعتقدات الدينية السابقة , بالإضافة الى الإستعانة بالموروث المحكي المحلي و بهذا العمل تم إصدار مؤلف "التعاليم المحمدية" التي نشرت بالقوة والعنف والإجبار لبناء دولة العروبة, وقد تحقق حلم "محمد" الجمعي أن ينقل القبائل الى نظام سياسي جديد (الدولة), لكن بدون موارد إقتصادية, العنصر الأساسي لوجود الدولة وإستمراريتها وهذا ما فطن إليه "محمد" الجمعي وأضفى على تعاليمه صفة العالمية, العالمية دشنها أتباعه بغزو العالم المتحضر ونقل البدو من الخيام الى القصور وإستعباد الشعوب, مع تراجع ثقافة التحضر لصالح ثقافة البداوة والتخلف.
غزو بلاد إيمازيغن وما رافقه من مذابح دموية ونهب و سبي, إستكمله الغزو الثقافي واللغوي بحمولته الموروثية البيئوية وطبيعة وظيفته الإيديولوجية الذي إستطاع بواسطة القوة الحربية إقزام المكونات الثقافية المبنية على فلسفة العقل والتسامح والتعدد الفكري, الى حد الهيمنة وسيادة ثقافة الإستبداد وتجلياتها العقائدية القدسية التي لا يطالها التغيير والحركة أو التجاوز.
الاستلاب الثقافي الذي صاحب الحدث و تراكمه من جيل الى آخر, نتيجة انعدام الموانع السياسية وصعوبة حركية ثقافة المقاومة المضادة للتعاليم الألوهية (الآلوهية لا تقاوم الا بإلوهية أكثر تأثيرا على العقول), وضعف هذا المشروع الثقافي المقاوم بسبب غياب قوة سياسية مساندة, غياب دولة مركزية قوية تتبنى مشروع ثقافي أمازيغي تتصدى به لعمليات الاستلاب والاغتراب. الفشل الذي مني به المشروع المقاوم, سمح لهيمنة ثقافة الهرطقات والخرافات المشرقية (التراث الديني) في المجتمع الامازيغي, وساد خطاب الكراهية والطابوهات والمحرمات المجسد لثقافة ما وراء الطبيعة المترجمة في سلوكيات التفاعل الاجتماعي والثقافي, فهذا الأسلوب السوكلاتي في التعاطي والتفاعل من المكونات الثقافية والاجتماعية للأخر, الخارج عن النسق الثقافي للمحتل, يحدد من خلال الثوابت العرقية و المنظومة الروحية في نقد و إلغاء خصوصية الاخر وخصوصا عندما يكون هذا الآخر تحت سلطة الإستبداد السياسي (النموذج الكولونيالي:العروبة-إسلام), وهي البنية الايديولوجية السائدة المحافظة على طبيعة النظام العرقي الاستغلالي الاستبدادي, في هذا السياق يتمحور خطاب الكراهية والانعزالية والتحريم والتكفير, فهجوم البربر( المرتزقة)- العروبيون-الاسلامويون على الثقافة واللغة الامازيغيتين وتحريمها وتكفيرها هو تعبير عن رواسب الموروث اللاهوتي الممجد لعرقية العرب واللغة العربية والثقافة البدوية المنغلقة في نسقها المفاهيمي الممانع للاختراق والرافض للتعايش والاختلاف والمعبر عن الوظيفة الإيديولوجية القمعية, وهذا ما يلاحظ في تكفير الاسلاميون في المروك للخطاب العلماني التحرري الامازيغي, مثل هرطقات المدعو الكتاني في تحريم الحديث بالامازيغية وتحريم النقوش والاوشام الامازيغية وترحيم الاسماء الامازيغية, ببساطة تحريم كل ما هو مرتبط بالثقافة واللغة الامازيغيتين, لأنهما غير منتميين لثقافة وللغة العرق المميز و الممجد عند الله العربي. التحريم والتكفير والرفض هم نتيجة لعدم التكافئ بين ثقافة ولغة من إنتاج البشر (الامازيغ) و بين ثقافة ولغة من إنتاج الله.
الله, الذي إبتكره العرب لا يخدم إلا العرب, والإيديولوجيات العروبية لا تخدم إلا العرب , أمميتها المزعومة لا تتعدى حدود العروبة الكولونيالية. الله العربي لا يحترم خصوصيات الشعوب, لأن وجوده اللحظي إرتبط بهدف وحدة الكائن المحدد (العرب) وفي خدمته وإستمراريته, رب شوفيني يحمي و يحب الثقافة واللغة العربيتين ويحارب ويكره الثقافات واللغات الآخرى, رب يأمر عباده بإتخاذ لغة العرب لغتهم ( لا يقرأ القرآن الا بالعربية), رب يأمر العباد بإتخاذ الاسماء العربية أسماءهم, رب يأمر الشعوب بالتخلي عن ثقافتهم ولغتهم وتاريخهم ومحو ذاكرتهم, الله كما صوره "محمد" الجمعي هو شوفيني يميز بين البشر, يفضل العرب عن الشعوب الآخرى, رب لا يحترم خصوصيات الشعوب الغير العربية و يكرها لذا أمر العرب بتعريب الشعوب (من تكلم بالعربية, فهو عربي), (من أحب العرب, فقد أحب الله ورسوله, ومن كره العرب فقد كره الله ورسوله), فمثل هذا الرب لا يمكن أن يكون رب البشرية, ولا يمكن أن يكون أصلا آلاها.
حقيقة الاسلام تكمن في الظروف المادية التي أوجدته والتي تتمثل في توحيد القبائل وبناء دولة العروبة, و ما إحتاج اليه "محمد" الجمعي لتوحيد القبائل العربية هو معتقد ديني جديد بالنبوة قادر على توحدها, يقول ابن خلدون :" ان العرب لا يحصل لهم الملك الا بصيغة دينية من نبوة او ولاية ...". بعد التوحيد العمودي والافقي, إحتاج النظامها السياسي الجديد لعناصر البقاء والتي هي منعدمة في دولة الصحاري والقفار ( بلاد العرب), كان الحل الوحيد لإستمرارية دولة العروبة يكمن في التوسع الخارجي, كما أشرت اليه سابقا, وهذا الفعل الاجرام حققه الاعراب بالسيف, إلا أن شساعة أوطان الشعوب المحتلة, وبسبب المحدودية العددية للقبائل العربية, أدرك "محمد"الجمعي أن تبعية هذه البلدان للعروبة سيحصل فقط بالتعريب, بتغيير هويات شعوب الاوطان المحتلة ( حب الله والرسول من حب العرب والعربية), "محمد" الجمعي كان يتخوف من آنقراض العرب ولغتهم, ولهذا فرض على شعوب المستعمرات اللغة العربية, عن ابن تيمية قال:"اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب"(اقتضاء الصراط المستقيم, ص.207) , وهذا الفرض الديني, سواء للتعريب اللساني لشعوب الاوطان المحتلة أو للحفاظ على العروبة, فرض قدسية العربية نتائجه من جهة ما تتمظهر عليه حاليا أوطان الشعوب المحتلة, ومن جهة ثانية ما ينسب للعرب من الحضارة بسبب الإعتقاد الخاطئ عند الكثير بأن التدوين بالعربية لهذه الحضارة يدل عن كونها إنتاج قوم عربي, وخصوصا جهل الاوروبيين بتاريخ المنطقة.
من حق الامازيغي الايمان بمعتقد ديني, فهذا حق خاص, لكن المشكلة في الايديولوجية الاسلامية التي لا تحترم أمازيغيته, تفضل هوية العربي عن هويته, وتفضل لغة العرب عن لغته ومن منظور هذه الايديولوجية لا يصلح أيمان الامازيغي الا بالتخلي عن هويته الثقافية واللغوية, فمثل هذه الايديولوجية الشوفينية الغير المعترفة بخصوصيات الشعوب, لا يمكن أن تكون مقدسة (القرآن ليس كتاب إلهي). على الامازيغ التخلي عن الاندفاع العاطفي فليس جريمة البحث في المعتقدات الدينية الاخرى السلمية والمحترمة لخصوصيته الهوياتية, ومقارنها بالإيديولوجية الإسلامية الارهابية الشوفينية. الاسلام الممجد لقوم العرب و المفضل للغة والثقافة العربيتين, لا يصلح للأمازيغ, فأرثه التاريخي المظلم في بلاد الامازيغ (آبادة, سبي, ونهب وعبودية وآحتقار) دليل على همجيته وشوفينيته.
رفض للخرافات الاسلامية تجسيد لوعي مضاد, تجسيد لثقافة نفي النفي بالقطيعة مع الموروث البدوي العرقي, الاستبدادي, الاجرامي, الممجد للثقافة واللغة العربيتين, والمحتقر للثقافة واللغة "العجميتين", الاسلام المتناقض مع القيم الحضارية في التسامح والتعدد والاختلاف والتنوع.

كوسلا إبشن