(أوروبة) أوروبا


حسن مدن
2020 / 11 / 30 - 11:37     

ليس لدى أمريكا ما تتعلمه أوروبا، وعلى أوروبا أن تستعيد نفسها وترد الإعتبار لتاريخها وثقافتها ومنجزاتها التنويرية والتقدمية.
في المحاورة التي أجراها المخرج أوليفر ستون مع الروائي والمفكر البريطاني، من أصل باكستاني، طارق علي ، لاحظ هذا الأخير أن الولايات المتحدة هي أول إمبراطورية في التاريخ لا تنافسها إمبراطورية أخرى. كان الرومان يعتقدون أنهم يشكلون الإمبراطورية الوحيدة في زمنهم ولكن ذلك كان نتيجة جهلهم بقوة الفرس والصينيين، لأن العالم كان ينتهي عند حدود البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لهم.
من أجل كسر هذه الأحادية، يرى مفكر كبير بوزن الدكتور سمير أمين أن على أوروبا، إن أرادت المضي قدماً إلى الأمام، التحرر من الوصاية الأمريكية، بل إنه يرى أن الأجدى لأوروبا وللعالم كله أن يُبنى تحالف سياسي واستراتيجي تكون نواته باريس برلين وموسكو، وأن يمتد إذا أمكن إلى بكين.
تحالف مثل هذا يمكن أن يؤسس لتعددية دولية جديدة ويمنح الأمم المتحدة كل وظائفها، واستراتيجياً يمكن أن يحد من دور الشرطي العالمي الذي تريد الولايات المتحدة الانفراد به مرغمة بقية الدول على أن تكون تابعة ثانوية لها، وهو دور أخفقت في أدائه حتى الساعة في أفغانستان والعراق وربما في غيرهما من الدول.
أما استثناء بريطانيا من مثل هذا الحلف المفترض فعائد ألى أن بريطانيا قررت أن تتحوّل بإرادتها إلى تابع للسياسة الأمريكية، وتخلت طوعاً عن هامشها الخاص الذي تحرص دول أوروبية أخرى عليه، وهي جديرة بأن تكون في الحلف المقترح لو تحررت من الهيمنة الأمريكية.
لا يرى سمير أمين أن الظروف الراهنة تسمح بقيام سلطة فوق قومية أوروبية، فمثل هذه السلطة ضمن التوازن الدولي الراهن لن تكون إلا امتداداً لسلطة الولايات المتحدة، وأي تقدم نحو بناء سياسي أوروبي سيدعم سيطرة واشنطن على حلفائها بدلاً من تدعيم استقلالية أوروبا.
هناك عدة عقبات بوجه ما يدعو إليه سمير أمين، بينها «أمركة» الأفكار التي تجتاح أوروبا، ما يتعين التغلب عليها ، خاصة بعد أن تقدمت كثيراً خلال نصف القرن الماضي، أدت إلى تشوه أوروبا ودفعها إلى الوراء والتخلي عن الكثير من المكتسبات التقدمية التي ساهمت بها في مراحل نهضتها وتطورها.
ليس لدى أمريكا ما تتعلم منه أوروبا، لذا فإن أحد منطلقات تصحيح الخلل في الوضع الدولي الراهن الخاضع للمركز الأمريكي هو «أوروبة» أوروبا، أي إعادة الاعتبار لتاريخها وثقافتها ومنجزاتها التنويرية والتقدمية، وتراثها الديمقراطي الذي بلغته نتيجة مخاض طويل قدمت فيه شعوبها ومفكروها تضحيات جليلة.