الهند، احتداد الصّراع الطبقي


الطاهر المعز
2020 / 11 / 29 - 23:37     

الهند، احتداد الصّراع الطّبقي

تحولت الهند من دعم حركات التحرر الوطني، إلى نظام رجعي "مُحافظ"، وإلى حليف استراتيجي للإمبريالية الأمريكية، وللكيان الصّهيوني، بالتّوازي مع سياسات مُغرقة في الرّجعية والعُنْصُرِية والمَيْز، وهي سياسات وممارسات لم تختفِ قَطُّ من الهند، ولكن حكومة حزب "باهارتيا جاناتا" بزعامة "نانيندرا مودي"، جعلت منها برنامجًا يَزْعم تفوُّقَ "الهندوس" على المواطنين الآخرين، ويدعو إلى حصر المُواطنة بفئة "الهندوسيين"، وفتحت هذه الحكومة الباب واسعًا أمام الشركات الأجنبية، في مجالات كانت تُعتَبَرُ من "المُحَرَّمات"، مثل الزراعة وتجارة التّجزئة، وتَخَلّت حكومة "نانيندرا مودي"، خاصة منذ 2014، عن حماية بعض القطاعات الإقتصادية، وعن البرامج الإجتماعية، ما أدّى إلى اتّساع الفَجْوة الطبقية، وزيادة التفاوت في الثروات، وما أدّى أيضًا إلى حُدُوث اعتراضات، بأشكال مختلفة، واحتاجاجات، تمثلت في مظاهرات وإضرابات، وآخرها (عند تحرير هذه الوَرَقَة) إضراب أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وكان مكتب الإحصاءات الحكومي، قد نشر يوم الثلاثاء السابع من كانون الثاني/يناير 2020، توقعات بتراجع النمو السنوي، لسنة 2020، إلى أقل مستوى منذ إحدى عشر سنة، كما أكد صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2019، أن "على الحكومة التحرّك سريعًا لتعزيز الاقتصاد، وتفادي الرّكود والإنكماش"، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب 08/01/2020)، لكن الحكومة تمادت في سياساتها المُعادية للعاملين وللفُقراء، وللقطاع العام، ما أدى إلى نشاط غير مسبوق للحركة النقابية التي تَكتّلت وَوَحّدت قواها لمجابهة سياسات الحكومة اليمينية المتطرّفة...
رغم القمع ، أدى إضراب عام مشترك للعمال والمزارعين، بمبادرة من ائتلاف نقابي، يوم الخميس 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بمشاركة أكثر من 250 مليون عمال، إلى توقف الحركة بالهند، احتجاجًا على سياسات الحزب الحاكم، وزعيمه رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، التي تَدْعَم الرأسماليين والشركات الأجنبية، وإقرار قوانين ضد حقوق ومصالح العمال والمُزارعين والمواطنين الهنديين.
طالبت النقابات بسحب هذه القوانين التي تتعارض مع حقوق العمال والمزارعين، ووقف خصخصة القطاع العام والذي شمل القطاع المالي وخطوط السكك الحديدية والموانئ، وهي قوانين تَتَنَزّل ضمن خطة "مودي" والحزب الحاكم لإعادة هيكلة الاقتصاد والسماح بهيمنة المستثمرين الرأسماليين على مختلف المجالات الإقتصاد والتجارة والزراعة والخَدَمات.
تضمّنت الإحتجاجات، مسيرة شارك بها الآلاف من صغار المُزارعين الذين تمكّنوا من الوصول إلى العاصمة الهندية "نيودلهي"، بعد اشتباكات مع قوات الشرطة التي قامت بإغلاق الطرق والمداخل المؤدية للعاصمة، واستخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لمنع وصول المزارعين المُحْتَجِّين إلى العاصمة، للتعبير عن رفضهم لهذه القوانين الجديدة التي تُلغي بعض مُكتسبات المزارعين، ومنها بيع محاصيلهم من خلال أسواق الجملة التي تُديرها الحكومة، والتي تُحَدّدُ سِعْرًا أدْنى لا يمكن النزول تحته، خلافًا ل"قانون السّوق" الليبرالي، الذي يدّعي وجود "يد خفية" تُعدّل السوق والأسعار، دون حاجة لتدخّل الحكومة، وتمهد قوانين السوق الحرة التي تم تمريرها في أيلول/سبتمبر 2020 الطريق للشركات الخاصة باستغلال المزارعين، الذين يواجهون ظروف اقتصادية صعبة، ويعاني أغلبهم من ارتفاع الديون.
للحركة العُمالية بالهند تاريخٌ طويلٌ من الإحتجاجات والإضرابات، ضد الأوضاع الاقتصادية السيئة وضد تزايد حِدّة الإستغلال الفاحش لجهود العمال، لصالح المستثمرين والطبقة الحاكمة، ويتصدّرُ مطلب زيادة الحد الأدنى للأجور قائمة مطالب العمال في كل الإضرابات التي تعدّدت، حيث شارك نحو مائتي مليون عامل في إضراب تاريخي، بداية العام 2019، كما شارك ما يقارب 180 مليون عامل في إضراب 2016، الذي كان تاريخيًّا آنذاك، بعد إضراب سنة 2012، بمشاركة نحو مائة مليون عامل، وساهمت احتجاجات الحركة العُمّالية في تجاوز كافة الانقسامات العرقية والدينية، التي أسهب حزب "باهارتيا جاناتا" وحُكُومته في تضخيمها...
أوْرَدتْ وكالات الأنباء، ومنها وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب.) و "رويترز"، أخبارً عن التعبئة وعن وحدة صفوف عُمّال قطاعات الصناعة والزراعة، والفلاحين في جميع أنحاء البلاد، وأخبارً عن القمعٍ الشديد والإعتقالات، واستغلال الشرطة والقضاء أزمة وباء "كوفيد 21" وفقدان الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، لتكثيف القمع والإعتقالات والأحكام بالسجن، ضد المناضلين السياسيين والنقابيين، واستخدمت الشرطة وسائل عنيفة أثناء مسيرة مئات الآلاف من العمال والفلاحين الذين يتجهون إلى دلهي للتظاهر سلميا، وأدانت النقابات الهندية اعتقال قادة العمال والمُزارعين في جميع أنحاء البلاد، أثناء احتجاجهم معًا في واحد من أكبر الإضرابات العامة بالبلاد، من أجل إلغاء تحويرات قانون العمل التي أقرتها الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، والمُتَّسِمَة بمناهضة مصالح العمالن وكذلك القوانين الزراعية المناهضة لمصالح صغار الفلاحين، الذين أسّسُوا لجنة أشرفت على تنظيم مسيرة الفلاحين نحو العاصمة "دلهي" (26 و 27 تشرين الأول/نوفمبر 2020)، من أجل عدم إلغاء الحد الأدنى لسعر الدعم الحكومي للمنتجات الزراعية الذي يُؤمّن جزءًا من معيشة صغار الفلاحين. تحاول الحكومة فَرْضَ السياسات الاقتصادية المعادية للشعب ودفع ملايين الناس إلى الفقر، من خلال التغييرات الأخيرة في قانون العمل، والقوانين الجديدة للضمان الاجتماعي والأجور وعلاقات العمل، وهي تتعارض مع مبدأ حماية العاملين وضمان حُقُوقهم الأساسية.
أقر تحالف عَشرة اتحادات النقابية للعُمّال والموظّفين والمُزارعين، ميثاقًا نقابيّا مُشتَرَكًا، تَضَمَّنَ مطالب اجتماعية، تخص جميع المواطنين، من ذوي الدّخل الضّعيف، ومن بين هذه المطالب: توزيع الدّولة مبلغًا نقديًّا لا يقل عن 101 دولارا (7500 روبية) لجميع العائلات التي يقل دخلها عن الحد الأدنى الذي أقرّه قانون الضرائب، وتوزيع حصص غذائية مجانية شهرية، لا يقل حجمها عن عشرة كيلوغرامات من المواد الأساسية، لكل شخص محتاج، ووضع حد لخصخصة مؤسسات القطاع العام، ووقْف اللجوء إلى شركات المُناوَلة (التعاقد من الباطن) لتشغيل عُمّال مؤقتين وبرواتب منخفضة، وبعقود هَشّة، أو بدون عُقُود، خاصة في مجالات التصنيع والقطاع العام، كالسكك الحديدية والإمدادات العسكرية والبنية التحتية للموانئ وغيرها من المجالات المماثلة، وسحب قانون التقاعد المبكر القسري لموظفي الحكومة والقطاع العام، وتطالب النقابات، بدلا من ذلك، تعميم المعاش التقاعدي للجميع ، وتحسين أحكام نظام التقاعد.

خلفية تاريخية:
بدات مسيرة الليبرالية الجديدة التي تسببت في تردي حياة العمال عبر أرجاء البلاد، قبل أكثر من رُبُع قَرْن، أو منذ العقد الأخير من القرن العشرين، لكن إثر أزمة 2008/2009، وبعد احتجاجات وإضرابات عمالية في الصين، وانتحار العديد من العاملين، وخاصة من العاملات، غيّرت الصين بعض الجوانب من سياستها الإقتصادية، لتفادي الركود الناتج عن أزمة 2008/2009، فرفعت الرواتب وقدّمت حوافز للمُستهلكين، بهدف دعم الإقتصاد المَحَلِّي، ودفْع الأجَراء نحو استهلاك الإنتاج المحلي، وخفض اعتماد الدّولة في سياساتها الإقتصادية على التصدير...
أدّت هذه الإجراءات إلى انتقال الصناعات المُلَوِّثَة، والتي تستخدم عددًا كبيرًا من العاملات والعمال، من ذوي الإختصاصات والكفاءات الدُّنيا (مثل النسيج وتركيب قطع الغيار، وبعض صناعات الإلكترونيك...) إلى بلدان أخرى، لا تهتم حكوماتها بسلامة العمال ولا بالرواتب، مثل بنغلادش وفيتنام والفلبين وتايلند والهند، ففي الهند لا يتجاوز الأجر اليومي لعاملات النسيج والملابس، للعلامات التجارية الكبرى، أربعة دولارات ونصف يوميا (مقابل أجر لا يقل عن 7,25 دولارا في الساعة الواحدة بالولايات المتحدة )، ولا تحترم شركات احتكارية كبيرة، مثل ( - H&M- C&A- Marks & Spencer- Gap - Adidas - Bestseller- ) وغيرها الحقوق العمال الأساسية، الواردة بالقوانين المحلّية السيئة أصْلاً، ولا تكسب عاملات النسيج، التي تُشغلها الشركة المحلية ،وكيلة هذه الشركات العابرة للقارات، 4,5 دولارات، يوميا، مقابل حوالي عشرة أو 12 ساعة عمل، ولذلك قررت نقابات النسيج، في التاسع من حزيران/يونيو 2020، احتجاجًا على تسريح إحدى الشركات "الوَكِيلة" (يوم الثامن من حزيران/يونيو 2020)، التي تمتلك عشرين مصنعًا، أكثر من 1200 عاملة، منهن نقابيات، ولم تحترم الإجراءات القانونية بالبلاد، رغم سوءاتها، مثل الحصول على إذن مسبق من السلطات قبل الشروع في تسريح العمال، من أي مصنع يُشغّل أكثر من مائة عامل وعاملة، مما يجعل عملية التسريح غير قانونية، وضغطت إدارة المصنع على العاملات والعُمال لكي يستقيلوا، وأدّت هذه الحادثة إلى إضراب بقطاع النسيج...
سبق أن نفذ العُمّال إضرابًا شاملاً، كان الأكبر بتاريخ البلاد آنذاك، يوم28 شباط/فبراير 2012، اعتُبِرَ أحد أضخم الإضرابات العامة في تاريخ البشرية، حيث وصل عدد العمال المشاركين في الإضراب العام في ذلك اليوم إلى ما يقرب من 100 مليون عامل، متجاوزين كافة الانقسامات العرقية والدينية، للمطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور، وشهدت البلاد أربعة إضرابات عامة، بين سنتي 2009 و 2016، ونفذ عمال وموظفو القطاع العام، يوم الجمعة الثاني من أيلول/سبتمبر 2016، إضرابًا عامًّا ضخمًا، بمشاركة حوالي 180 مليون من العاملين بالقطاع العام في الهند (أكثر من عُشر التعداد السكاني)، وقُدّرت خسارة الإقتصاد، جراء الإضراب بنحو 180 مليار روبية (2,7 مليار دولار)، بحسب الحكومة، التي ترفض تحقيق 12 مطلبًا رفعتها النقابات العمالية، أبرزها تعميم التأمين الاجتماعي، وحظر الاستثمار الأجنبي في القطاعات الإستراتيجية، مثل السكك الحديدية، وزيادة الحد الأدنى للأجر اليومي إلى 692 روبية (9,35 دولارًا)، وأغلقت المصارف والمصالح الحكومية والمدارس والجامعات أبوابها خلال الإضراب، باستثناء الخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والماء والحالات المُستعجلة بالمستشفيات، ووَرَد في وثيقة اقتصادية، صادرة عن جامعة "جوهرلال نهرو" أن أقل من 4% من العاملين بالهند يتمتعون بحماية قانون العمل، وما انفكت الحكومات المتعاقبة، منذ سنة 1990، تستهدف العُمّال والفُقراء، وتُلغي البنود القانونية التي تحفظ حقوق العمال، واعتبرت نقابات عاملي القطاع العام أن الحكومة الحالية مُعادية للعُمّال ومُعادية لأغلبية فئات الشعب، وهي تستهدف الفُقراء، بذريعة استهداف الفقر...
أعلنت الحكومة الهندية (حكومة نانيدرا مودي) خلال شهر آب/أغسطس 2019 اعتزامها تحرير قطاع الفحم، والسّماح للشركات الأجنبية باامتلاك نسبة 100% من شركات ومؤسسات تعدين الفحم، وللتّذكير فإن الهند ثالث أكبر منتج عالمي للفحم، بعد الصين والولايات المتحدة، لإنتاج أكثر من نصف احتياجات البلاد من الطاقة، وبعد حوالي الشّهر من إعلان الحكومة، نظمت نقابات عمال المناجم يوم الثلاثاء 24 أيلول/سبتمبر 2019، إضرابًا شارك به نحو نصف مليون من عُمّال مناجم شركة "كوول إنتديا ليميتد" (قطاع عام)، التي تُسيطر على حوالي 80% من إنتاج الفحم بالبلاد، احتجاجا على قرار الحكومة بالسماح بالاستثمار الأجنبي المباشر في استخراج الفحم، وورد في بيان النقابات العُمّالية: "نطالب بالسحب الفوري لهذا القرار الخطير الرامي إلى تسليم صناعة الفحم لشركات أجنبية، لأنه قرار يُخَرّبُ الاقتصاد والمصالح الوطنية للبلاد..."
يتميز قطاع المناجم بارتفاع عدد حوادث العمل القاتلة، في العالم، وأدّى عدم احترام شروط سلامة العاملين والعاملات، وتهالك الآلات وإرهاق العاملين والعاملات، إلى ارتفاع عدد حوادث العمل، في القطاع الصّناعي بالهند، وأحصت منظمة العمل الدولية وقوع أكثر من 30 حادثًا صناعيًا في الهند، ما بين شهرَيْ أيار/مايو وبداية شهر تموز/يوليو 2020، مما أدى إلى مقتل 75 عاملاً على الأقل وإصابة أكثر من مائة آخرين، ولكن هذه الأرقام تستند إلى الحوادث التي تمَّ التّبليغ عنها، ما يجعل العدد الفعلي للحوادث وللضّحايا والمُصابين، أعلى من ذلك بكثير، وقدّرت الإحصاءات وقوع حادث صناعي واحد بالهند، كل يومين على الأقل، وأسفرت هذه الحوادث عن مقتل وتشويه العمال، وتلويث البيئة، وما تُسبّبه من مساوئ للصحة والمُحيط، وفي السابع من أيار/مايو 2020، تسرّبت غازات سامّة من مصنع "إل جي بوليمرز" بولاية "أندرا براديش" أدت إلى انفجار مرْجَل، وقتل ما لا يقل عن ثمانية عُمّال، وإصابة أربعين آخرين، وقع التبليغ عنهم، وفي أول تموز/يوليو قُتِل ما لا يقل عن عشرين شخص، نتيجة انفجار "الغَلاّيات بمحطة الطاقة الحرارية ( Neyveli Lignite Corpration ) بتاميل نادو، واستمرت مثل هذه الحوادث في تموز/يوليو 2020، في مصانع الكيماويات ومناجم الفحم ومصانع الصلب ومحطات الطاقة، وهي قطاعات تستخدم، بشكل واسع، العمال المتعاقدين (غير المُثبتين)، ولا تعير اهتمامًا كبيرًا لظروف سلامة العاملين ومُحيط العمل، وتهمل عمليات الصيانة، بسبب غياب الرقابة وندْرَة العقوبات، لأن القوانين لا تفرض التدبير وبرتوكولات السّلامة المناسبة، أما جهاز القضاء وأجهزة الدّولة، فهي "متسامحة" مع المُتلاعبين بحياة العُمّال، ما قد يُؤَدِّي إلى حصول كوارث محتملة بحجم كارثة "بوبال"، وللتذكير فإن الحكومات المتعاقبة بالهند لم تتخذ إجراءات لتفادي ما حدث في كانون الأول/ديسمبر 1984، حيث تسببت مأساة بوبال ، وهي واحدة من أكثر الكوارث الصناعية فتكًا في العالم ، في تسرب غاز في كانون الأول/ديسمبر 1984 بمصنع "بوبال" للمبيدات (ميثيل أيزوسيانات ) التابع لشركة "يونيون كاربايد"، الموجود في مقاطعة "ماديا براديش" الهندية، وأدّى الإنفجار إلى مَقْتَلِ أكثر من خمسة عشر ألف شخص، وإصابة أكثر من نصف مليون شخص، كانوا يعيشون غير بعيد من المصنع...

وحدة العمل النقابي، في مواجهة الحكومة:
لم تُغيّر الحكومة من سياساتها، بل سَرّعت الإجراءات النيوليبرالية، وبدَل العمل على تفادي الحوادث الصناعية، عبر القوانين وردْع المُخالفين، ومراقبة ظروف العمل في المصانع، اتفقت الحكومات المتعاقبة، من حزب المؤتمر، الحزب التاريخي الذي التصق إسمه بالنضال من أجل استقلال الهند، إلى حزب "بهارتيا جاناتا" اليميني المتطرف، الحاكم منذ سنة 2014 إلى الآن (سنة 2020 )، على قَضْمِ حقوق ومكتسبات العاملين، وعدم احترام المعايير الدّولية، والحقوق الأساسية للأُجَراء، مثل الحق في تأسيس النقابات، والحق في الإضراب، وغيرها، ووَردَ في بيان نقابي، بتاريخ 28 تشرين الأول/اكتوبر 2020، أن الحكومة وأرباب العمل استغلوا فرصة انتشار وباء "كوفيد 19"، وإغلاق المصانع، لتسريح مئات الآلاف من العمّال، وعندما استأنفت المصانع عملها، لم تتم صيانة ومراقبة التجهيزات والآلات، التي تسبب انفجارها، وتعطلها في سلسلة من الحوادث الصناعية، أدّت إلى مقتل أكثر من مائة عامل، في ظرف وجيز لا يتجاوز ثمانية أسابيع، بحسب "المؤتمر الوطني الهندي لنقابات العمال"، الذي أعلن، يوم 28 تشرين الأول/اكتوبر 2020 اتفاق النقابات على تأسيس منَصّة مُوحَّدَة لمجابهة سياسة حكومة اليمين المتطرف، ولإنجاح إضراب يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والنضال ضد حكومة "مودِي" التي تعمل ضد مصالح العمال، وتخدم مصالح الشركات المحلّية والأجنبية، مُستغلّة الإنقسامات العديدة التي تشق المجتمع والقُوى السياسية والنقابية...
تعدّدت الإحتجاجات ضد تردّي الوضع المادي، وضُعْف الرواتب وسوء ظروف العمل، وارتفاع عدد حوادث العمل القاتلة، ودعم الحكومة للرأسماليين، المَحَلِّيّين والأجانب، مقابل قمع وملاحقة وتسريح العمال، وبدأت النقابات تنسيق نشاطها، وتمكنت، خلال عشرة أشهر من سنة 2020، من تنفيذ ما لا يقل عن ثلاث إضرابات وطنية، ومنذ بداية السنة، وشارك، يوم الإربعاء الثامن من كانون الثاني/يناير 2020، أكثر من 250 مليون عامل في الإضراب الوطني الذي شمل كافة الولايات، ضد سياسات حكومة "نانيدرا مودي"، التي تتعارض مع مصالحهم، وتسبب الإضراب في تعطيل حركة النّقل والمصارف الحكومية ومصانع السيارات، وشركة النفط الوطنية وشركات الفحم، وغيرها، وبالمناسبة، نَظَّمَ عمال الشركات الصناعية مظاهرات احتجاجية مشتركة، في عشْرِ ولايات، احتجاجًا على السياسات الإقتصادية المُعادية لمصالح العُمّال، وأطلقت الشرطة الهندية الرصاص الحي، في ولاية "غرب البنغال"، كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واستخدمت الهراوات وخراطيم المياه، ضد المتظاهرين في عدد من الولايات، وأعلنت الشرطة توقيف اكثر من 150 شخصا، في ولاية واحدة، بحسب وكالة فرانس برس.
يطالب المحتجون برفع الحد الأدنى للمعاشات والرواتب التقاعدية والتوقف عن خصخصة الشركات الرسمية والموارد الطبيعية، وانضم مزارعون وطلاب الى بعض الاحتجاجات التي دعت إليها النقابات التي تريد تكثيف الضغوط على الحكومة التي تواجه معارضة واسعة في أنحاء البلاد وقتلت الشرطة ما لا يقل عن 25 مُتظاهر ضد قانون الجنسية المعادي للمسلمين، الذي وقع إقراره في 11 كانون الأول/ديسمبر 2019، بحسب "مركز النقابات الهندية".
دَعَت النقابات المركزية، في في بيان صادر عنها، يوم الثاني والعشرين من تموز/يوليو 2020، إلى التّحرّك، بشكل مُوحّد، وتكثيف إجراءات الاحتجاج، يوم التاسع من آب/أغسطس 2020، ضد السياسات المناهضة للعمال التي أقَرّتْها حكومة "مودي"، وتكمن دلالة تاريخ التاسع من آب/أغسطس الذي اختارته النقابات، في إطلاق حركة العصيان المدني، يوم التاسع من آب/أغسطس 1942، لأنهاء حالة الإستعمار، وكانت النقابات قد أصدرت بيانا مُشترَكًا بشأن كثرة الإعتداءات على حقوق العمال أثناء إجراءات مكافحة وباء "كوفيد -19 "، وما نتج عن ذلك من تفاقم الوضع المالي والبؤس للناس العاديين، في ظل انهيار منظومة الرعاية الصّحّية، وَواجَهَ العمال قرارات التّسريح، وتخفيض الرّواتب، في حين عجزت نسبة 35% من الشركات والمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم عن استئناف نشاطها، وبدلاً من التركيز على مُعالجة هذه القضايا الحرجة، دفعت الحكومة إلى خصخصة شركات القطاع العام، مثل شركة السكك الحديدية وشركة الطيران، وقطاعات مثل الفحم وعلوم الفضاء، والطاقة الذرية، والمؤسسات المالية، كالمصارف والتأمينات، وكانت هذه العوامل، دافعًا لتحالف النقابات المركزية، وتنظيم إضراب ضخم لمدة ثلاثة أيام من 2 إلى 4 تموز/يوليو 2020، احتجاجًا على الخصخصة، وفي 18 آب/أغسطس، لمعارضة بيع الفحم في المزاد لشركات خاصة، لاستغلاله تجاريًا، والتحضير لإضرابات مشتركة في منتصف أيلول/سبتمبر 2020 للعاملين في المجال الاجتماعي، ومقدمي الرعاية للفائات الهَشّة، وإضرابات أخرى قطاعية، وإقليمية، وفي 22 و 23 أيلول/سبتمبر 2020، قاطعت أحزاب المعارضة جلسات البرلمان واحتجت على ثلاثة مشاريع قوانين معادية لمصالح المزارعين، وبالتوازي مع موقف أحزاب المعارضة، اتفقت اتحادات النقابات على تنظيم احتجاجات مُوَحّدة يوم 23 أيلول/سبتمبر للاحتجاج على سلسلة من السياسات المناهضة للعمال التي اعتمدتها حكومة مودي، من بينها تحوير قانون العمل، وقانون العلاقات الاجتماعية وقانون الضمان الاجتماعي وقانون السلامة والصحة وظروف العمل، وتيْسير عمليات التوظيف (دون احترام الإجراءات) وتمديد عدد ساعات العمل وتسهيل عملية تسريح العاملين، دون حماية ودون ضمان أية حقوق للعمال...
في هذا المناخ المُعادي للديمقراطية، ولمصالح العاملين، اضطرت النقابات إلى الحوار والتّشاور فيما بينها، وإنشاء ائتلاف من عشر نقابات، للرّد على عنْجَهِيّة الحكومة اليمينية المتطرّفة، وكان إضراب السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تتويجًا للحوار النقابي، وردًّا على اعتداءات حكومة "ناريندرا مودي" على حقوق العمال، وإهمال الرّعاية الصّحّية للعاملين وللمواطنين الفُقراء وحتى متوسّطي الدّخل، وتضمنت مطالب النقابات تدابير لصالح المواطنين (عمال ونقابيين ومزارعين ومواطنين عاديين)، مثل المدفوعات النقدية الشهرية للأسر الفقيرة، وحصص الغذاء المجانية، وإلغاء القوانين المعادية للمزارعين والقوانين المعادية للعمال، إلى وقف خصخصة القطاع العام، كالبنية التحتية والسكك الحديدية والموانئ...

خاتمة:
تحتل الهند مكانة هامة بسبب التعداد الضخم والتعدد الذي يتميز به سكانها، وبسبب تاريخها في دعم حركات التحرر الوطني، ونشاطها داخل حركة عدم الإنحياز...
تحولت الهند خلال العقود الثلاثة الماضية إلى دولة حليفة للإمبريالية الأمريكية، وللكيان الصهيوني، وإلى دولة مُعادية لأجزاء من المجتمع الهندي، بالإضافة إلى الإنحياز الطّبقي الواضح لفائدة الشركات الأجنبية الإحتكارية، ورأس المال المحلي، في دولة ارتفعت بها نسبة الفقر، وتعمقت داخلها الفَجْوة الطّبَقية، بينما تعمل الحكومة اليمينية المتطرفة على تمثيل مصالح الإمبريالية الأمريكية، ولعب دور القوة الإقليمية في آسيا، في مواجهة الصّين وباكستان، ما يُضعِف صف قُوى التّحرّر والإنعتاق...
لهذه الأسباب مجتمعة، وغيرها من الأسباب الأخرى، كمعاداة مصالح الفُقراء والعُمال والشعوب المُضْطَهَدة، مثل الشعب الفلسطيني، وشعب أفغانستان الواقع تحت الإحتلال الأمريكي والأطلسي، نعتبر حكومة الهند في صف أعدائنا وأعداء الشعوب المُضْطَهَدَة، ووَجَبَ دعم نضالات العُمّال والشعب داخلها.