جوتفريد فيلهلم لايبنتز ( 1646م.  – 1716م. )


غازي الصوراني
2020 / 11 / 28 - 17:43     



" ولد جوتفريد لايبنتز في لايبزيغ، بولاية سكسونيا، كان والده أستاذاً للفلسفة الأخلاقية في جامعة ليبزيج، ورث الصبي فيما بعد مكتبة والده الشخصية، وقد سبق أن تم منحه حرية الوصول إلى الكتب وهو في السابعة من عمره، وبعد تخرجه من الجامعة، شَغَلَ "لايبنتز" موقعاً هاماً في تاريخ الرياضيات وتاريخ الفلسفة، كما أسس علم التفاضل والتكامل الرياضياتي بشكل مستقل عن إسحاق نيوتن، كما أن رموزه الرياضياتية ما زالت تستخدم منذ أن تم نشرها والتعريف بها".
أهم مؤلفاته:
كتاب "العدالة الإلهية"، وفيه حاول أن يبرهن فيه على أن عالمنا الذي خلقه الله هو بالرغم مما فيه من شرور، أحسن العوالم الممكنة، فما نراه من شرور، هو شرط ضروري في رأيه للتناسق في العالم ككل في رأينا إن جوهر هذه الفلسفة هو الاستسلام للأمر الواقع، وهو يقترب من فلسفة " ليس في الإمكان أبدع مما كان.
في كتابه "المونادولوجيا" قدم لايبينتز –كما يقول يوسف حسين- "نظرية "المونادات" أو نظرية أصل الوجود من منطلق ميتافيزيقي، حيث رفض فلسفة ديكارت واسبينوزا، وقال ان المادة والحركة تعود إلى القوة والطاقة، وهذه القوة عبارة عن جواهر فردية أو "مونادات" والتي منها يتشكل الوجود لا تتوالد ولا تستحدث، وهذه المونادات هي عبارة عن ذرات أو جواهر روحية حية لا تقبل القسمة ولا التجزئة ولا تتكاثر أو تموت، كما أشار لايبنتز إلى ان هذه المونادات لا تشبه بعضها رغم انها من طبيعة واحدة، ولذلك هي متحده مثل اوراق الشجر متفرقة وموحدة من خلال دورها وحركتها في الكون والفضاء، واذا تعرفنا إلى هذه المونادات فاننا –كما يقول لايبنتز- سنتعرف على تفاصيل الكون، وهناك "مونادات" تشكل النفس في عالم الحيوان، اما الإنسان فيتشكل من "مونادات" عاقله كما يقول"([1]).
أما اعظم المونادات وأرقاها عند لايبنتز، فهو "موناد" الله الصانع لكل شيء، فقد برمج الله كل هذه المونادات أو الجواهر لكي تقوم بأدوارها في هذا الكون حسب برنامج وتعليمات الخالق، وهذا هو جوهر النظام القائم في الكون .
أما الجسد والمادة أو العقل والمادة (المشكلان من مجموعة مونادات) فانهما يعملان بمقتضى قانون التناسق الأزلي في إطار التزامن المشترك بين العقل والمادة دون أي انفصام بينهما، بحيث ان كل من العقل والمادة يعملان معاً، وبكل دقة، في الحركة والزمان ضمن التدبير الإلهي أو الرؤية الميتافيزيقية الخالصة التي قدمها لايبنتز اعتماداً على نظريته الخيالية حول "المونادات".
كان "لايبنتز" مثالياً موضوعياً حاول الجمع بين العلم والدين، أو بين المادية والمثالية، فقد رفض الكثير مما ورد في كتاب "جون لوك" "محاولة في الفهم الإنساني" الذي كان أداة لنشر أفكار المادية والتجريبية المادية، ودافع عن نظريته التي "تدافع عن المثالية والقَبليِة في نظرية المعرفة" بتأكيده على أن الحقائق الكلية ذات منشأ قَبْليApriori”" يعود إلى العقل ذاته، وحسب تعبيره "أن الدماغ الإنساني لا يشبه لوحاً مصقولاً بقدر ما يشبه قطعة من الرخام عليها عروق ترسم ملامح التمثال الذي سينحته الفنان فيها".. وهذا يتناقض مع الفهم العلمي المادي للمعرفة التي تشترط انعكاس المعرفة في الذهن عبر الحواس والتجربة والممارسة.
أدلة وجود الله، وخلق العالم ومسألة البشر عند لايبنتز، تتحدد –كما يضيف يوسف حسين- "انطلاقاً من ايمانه بالمسيحية ، فقد قام بتأليف كتابه حول "تبرير الله" ليثبت أن هذا العالم لا يتناقض مع وجود الله ومع وجود الشر، مؤكداً على صفة الكمال للخالق، وبالتالي فإن هذا العالم الذي خلقه الله هو أحسن عالم ممكن عند لايبنتز، على الرغم من كل الشرور الموجودة فيه، فالشرور لابد منها – كما يقول- لكي يوجد الخير، لأن بعض الخير الكبير هو انعكاس للشر الكبير، لكن هذا التوصيف الذي قدمه لايبنتز –كما يستطرد يوسف حسين- "لا يبرر ابداً خلق إله رحيم وعادل للشر، فالشرور وجدت كنتيجة طبيعية لضرورات المخلوقات البشرية وما تتعرض له من معاناة وظلم وعدوان..إلخ" ما يؤكد على بهتان رؤيته وافتقادها للمنطق، وهي رؤية سخر منها فولتير كما وجه لها هيجل نقداً سلبياً ، لكن علماء اللاهوت المسيحيين تمسكوا بها، ووجدوا في طروحاتها فرصة للدفاع عن مصالحهم وتبرير شرور وخطايا الملوك والأمراء في ذلك العصر"([2]).
إضافة إلى ما تقدم، كان لايبينتز طموحاً في تأكيد سيطرة الأوروبيين عموماً وفرنسا خصوصاً على الشرق، تجسيداً لأفكاره العنصرية اللاهوتية الرجعية المعادية للمسلمين والديانة الإسلامية "ففي عام 1672 وضع لايبينتز مشروعاً مفصلا، وخطة متكاملة لغزو مصر، حاول من خلالها إقناع ملك فرنسا القوي آنذاك لويس الرابع عشر (الذي كان يعرف بالملك الشمس) بتحويل اهتمامه من غزو أوروبا إلى غزو الشرق. وفي معرض تبريره لاختيار مصر هدفا للغزو، يشير ليبينتز إلى أن مصر (لها قدر الصين أو إن الصين لها قدر مصر، إنها أم العلوم وفواكه الأرض ومعجزات الطبيعة والفن). ويؤكد ليبينتز بإصرار "أنه بسبب مصر فَقَدَ المسيحيون الأراضي المقدسة (نهاية الحروب الصليبية) ذلك أنها كانت المنقذ للمسلمين الذين يجب أن يختفوا من الأرض"!! ياله من تعصب ديني عنصري أعمى عند ليبينتز.
قام ليبينتز بدعوة ملك فرنسا لاجتياح مصر، وتجنب غزو أوروبا قائلا بأن (الحملة على مصر وسيلة للتحكم في المصالح الدولية العليا، وجُل آمال الملك يمكن أن يضعها في مصر، كما أن غزو مصر هو حق لفرنسا؛ لأن الادعاء بإقامة مملكة عالمية هنا لهو محض وهم، بل محض إثم، وسيكون من العبث محاولة إقامتها في أوروبا بثمن باهظ من العنف والدم والقتل، أما هناك سيكون لفرنسا شرف التحكم في الأقدار وقيادة العالم)"([3]).
 


([1]) يوسف حسين – محاضرة باليوتيوب – الانترنت.
([2]) المرجع نفسه .
([3]) فؤاد جابر الزرفي – هيجل والشرق: نقد المنهج واللغة في فلسفة التاريخ – موقع: مقالات في التاريخ – 29/11/2012