أزمة الفوق الفاسد وحدها لا تصنع التغيير الجذري


بشير الحامدي
2020 / 11 / 27 - 20:04     

معركة السيادة على الموارد والثروات ليست معركة من أجل إجراء اتفاق مع الحكومة لتشغيل مئات من الشباب المعطل اتفاق قد لا يرى النور بذهاب الحكومة التي أجرته أو بتراجعها عن تنفيذه ولا أعتقد أن حكومة المشيشي يمكن أن تخالف الحكومات السابقة التي لم تنجز شيئا من وعودها لابل زادت كل مرة في تعميق الأزمة على كل المستويات. معركة السيادة على الثروات هي الطور الثاني من معارك السيادة التي افتتحها 17 ديسمبر وتوقف عن الاستمرار فيها. ولئن تمكنت الطبقة المهيمنة في 2011 من "المقاومة" للمحافظة على الدولة والنظام وتوسيع دائرة المستفيدين منهما بإرساء ما يسمى بالانتقال الديمقراطي وهو المنظومة التي تسابق إليها اليمين بشقيه الحداثي والرجعي وأصبحا على رأسها كما اندفع إليها أيضا بأوهامه اليساراللبرالي بكل اتجاهاته وكذلك بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وبعض الديمقراطيين اللبراليين ليحتكر هذا اللفيف السياسي الجديد القديم الحداثي الرجعي كل المشهد السياسي ويوجد لنفسه شرعية زائفة عبر الانتخابات [ 2011 – 2014 – 2019 ] وعبر التحالفات المعلنة وغير المعلنة والتموقعات و الأدوار المشبوهة وأصبح بواسطتها يشرع لنفسه الحديث عن الثورة وعن تنفيذ مهامها في الوقت الذي بينت فيه تجربة عشر سنوات من حكم هذا اللفيف فشل كل الحكومات التي جاء بها وفشل كل الساسات التي انخرط في تنفيذها. وها أن التجربة تكشف أن حراس هذه المنظومة (منظومة الانتقال الديمقراطي ) وبرغم توسيع دائرة المستفيدين منها انتهت إلى إفلاس تام ولم تجن الأغلبية منها غير مزيد التفقير والاستغلال لا بل إن وضعها أصبح كارثيا على كل المستويات وأعسر بكثير مما كان عليه سنوات 2010 / 2011 . ولكن الكارثة التي عليها أوضاع الجماهير لا تصنع وحدها الثورة ولا تقود للتغيير الجذري المنشود. فقد تدفع الكارثية التي يصبح عليها الوضع و أوضاع الجماهير إلى ما هو أسوأ إن لم تتسلح هذه الجماهير بدروس تجربتها وتستقل تنظيميا وسياسيا عن كل هذا الفوق الفاسد عبر مشروع للمقاومة يوحد جميع مطالبها في مطلبين هما السيادة القرار والسيادة على الموارد والثروات ووسائل الإنتاج. مشروع يعي أصحابه أن معركتهم ليست مع أشباح بل هي معركة في مواجهة المنظومة القائمة وكل ممثليها السياسيين مشروع يطرح دون مواربة إسقاط هذه المنظومة وكل رموزها. مشروع يعتبر معركة السيادة على الموارد والثروات هي معركة الجماهير المنهوبة منذ عهد الأمان إلى اليوم. مشروع يعتبر معركة السيادة على الثروات والموارد هي معركة المحاسبة محاسبة المجرمين والنهابة والسراق ومن استباحوا الثروات عقودا وعقودا.
معركة بهذه الجذرية تتطلب حركة جذرية وانخراطا جذريا من أصحاب الحق بشكل مستقل عن كل العملاء.
الذين سكتوا عن المحاسبة السياسية يجب أن لا نصدقهم لما يتشدقون بالسيادة على الموارد والثروات..
الذي كان أخرسا وهو في قصر قرطاج سوف لن نصدقه ولن نصدق أتباعه حين يتحدث ويتحدثون عن السيادة عن الموارد والثروات.
الحزب الذي باع واشترى كما شاء سوف لن نصدقه ولن نصدّق أتباعه حين يتحدث ويتحدثون عن السيادة عن الموارد والثروات.
السيادة على الموارد والثروات عنوان بعيد عن سياسات الارتباط والعمالة كلها. السيادة على الموارد عنوان لأسئلة أبعد من مجرد تنمية متوازنة أو تمييز إيجابي أو اتفاق تشغيل بعض المئات من الشباب.
السيادة على الموارد أسئلة حارقة لا تقبل التمويه :
من يستغل ثرواتنا ومواردنا ؟
ثرواتنا ومواردنا بيد من ومنذ متى ؟
من ينهب خيراتنا منذ عقود ومن تواطأ في كل ذلك ؟
سؤال الثروات والموارد هو سؤال المحاسبة .
سؤال الثروات والموارد هو من سيستفيد من هذه الثروات والموارد؟
التنسيقيات التي بدأت تظهر هنا وهناك يجب أن تكون هذه هي أسئلتها.
يجب أن لا تلتفت للاتفاقات يجب أن تحسم مع المناطقية وهذه ثروة تطاوين وهاذي ثروة الرديف وهذه ثروة قابس وهذه ثروة الكاف وهذه ثروة باجة.
القائمون بالتنسيقيات والمحتجون والذين يطالبون بالثروات يجب أن يكون هاجسهم الأول والأخير هو توحيد هذه التنسيقيات على مشروع موحد والتحرك بشكل موحد.
بهذا فقط سيبدأ طور جديد لـ 17 ديسمبر أكثر وعيا وأكثر مثابرة وأكثر نضجا في وعي أهدافه وأشكال تحقيقها.
الثروات والموارد كما التخطيط كما العمل كما الانتاج هذه مهام تتطلب أن تضع الأغلبية عليها يديها أي أن تصبح تحت سيادتها وقبل ذلك لابد من السيادة على القرار لذاك ففرض السيادة على الموارد والثروة يتطلب الاستقلال السياسي والتنظيمي للأغلبية التي لا تملك والاقتحام الحازم لرأس المال المحلي ومحاسبة فئة الكمبرادور الفاسدة وخوض صراع "وجه لوجه" مع الشركات المستثمرة وليس مجرد الدفع في اتجاه تعبئات أقصى ما يمكن أن تحققه هو أن تحول المهمة إلى ورقة ضغط من أجل إتفاق تشغيل أو تصفية حسابات سياسية واقتصادية لصالح كتلة ضد كتلة أخرى من نفس الطغمة المتنفذة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ومخابراتيا.
لذلك فالمعركة ليست في تطاوين أو في الرديف أو في باجة فقط إنها يجب أن تكون في كل جهة من تونس من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها ... معارك السيادة على القرار وعلى الثروات والموارد والتخطيط والعمل ووو تنتظرنا في كل المجالات وفي كل الأنشطة وتمتد من المعمل إلى الضيعة إلى المدرسة إلى الكلية فقط لنخضها على قاعدة مستقلة قاعدة مصالح الأغلبية التي لا تساوم وقد نفشل اليوم ولكن المؤكد أن الحركة ستتقدم برغم هذا الفشل لأنها ستقرأ دروس فشلها ولن تكررها.
ـــــــــــــــــــــ
27 نوفمبر 2020