المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها – دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية


شادي الشماوي
2020 / 11 / 26 - 10:49     

الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 36 / فيفري 2020
تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة :
" كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها "
تأليف بوب أفاكيان

مقدّمة الكتاب 36

ما من ظلّ للشكّ في أنّ التاريخ الاجتماعي عامة و تاريخ الحركة الشيوعيّة العالمية خاصة كان و لا يزال محور صراع طبقي و صراع بين الخطّين صلب الشيوعيين و الشيوعيّات . و الدلائل على ذلك لا حصر لها و لا عدّ .
و فضلا عن ما يدلّل عليه واقع الصراع الطبقي و الصراع الإيديولوجي و السياسي يوميّا و عبر العالم ، على سبيل المثال لا الحصر ، أثبتت هذه الحقيقة قراءة ماركس لكمونة باريس ، أوّل دكتاتورية بروليتاريا حسب إنجلس ، و الدروس المستخلصة منها و الفائقة الدلالة بالنسبة للثورة البروليتاريّة العالميّة . و أكّد لينين صحّة إستنتاجات ماركس و ثوريّتها في مقابل إستنتاجات آخرين تصبّ في خانة خدمة البرجوازية ، كما أكّد في مقدّمة كتابه الذى لن يكفّ ، في عصرنا هذا ، عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، عن أن يكون منارة من أعظم المنارات المناهضة للتحريفيّة ، و نقصد كتاب " الدولة و الثورة " ، أنّ تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و رموزها موضوع صراع طبقي لا هوادة فيه . و مثلما كانت كمونة باريس موضوعا خلافيّا كذلك كانت الثورة الروسيّة لسنة 1905 فبينما أدان بليخانوف و أمثاله رفع الجماهير للسلاح ما جعلهم يقفون موقفا برجوازيّا حيال نضالات الجماهير الشعبيّة ، كان لينين و أنصارالبلاشفة يستخلصون الدروس الحيويّة من ما إعتبروه تميرنا جيّدا جدّا على الثورة القادمة ...( و " الباقي تاريخ "... ).
و إثر وفاة ستالين ، جدّ صراع طبقي كبير بحجم أعظم الجبال في العالم ، و صراع خطّين لا يقلّ عنه عظمة صلب الحركة الشيوعية العالمية بشأن تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة في ظلّ قيادة لينين و ستالين و العبر المستشفّة منها . و في الوقت الذى كانت فيه التحريفيّة السوفياتيّة على رأس التحريفيّة المعاصرة الفرنسيّة منها و الإيطاليّة ... تهشّم تهشيما رمز تلك التجربة الإشتراكية ، ستالين ، و من ورائه الماركسيّة – اللينينيّة ، إنبرى ماو تسى تونغ على رأس الحزب الشيوعي الصيني ينافح بما أوتي من جهد نظري و عملي عن هذه التجربة الرائدة و رموزها البروليتاريّة ، و يطبّق عليها المنهج المادي الجدلي و النظرة الشيوعيّة الحقيقيّة لتقييمها تقييما علميّا نقديّا فرزا للصحيح عن الخاطئ فيها و إحقاقا للحقّ و إستشفافا لما أمكن من الدروس لتطوير النظريّة و الممارسة الشيوعيّة الثوريّة و المضيّ قدر الإمكان قدما على الطريق المؤدّية إلى المجتمع الشيوعي العالمي ، كهدف أسمى للشيوعيين و الشيوعيّات . فهزّ هذا الصراع المبدئي من طرف الشيوعيين الثوريّين بقيادة ماو تسى تونغ ضد التحريفيّة المعاصرة العالم قاطبة من شرقه إلى غربه و من شماله إلى جنوبه و صار معروفا بالجدال العظيم الصيني – السوفياتي و وثائقه غاية في الأهمّية التاريخية إذ هي دافعت عن المبادئ الثوريّة للشيوعيّة و نقدت الأخطاء و قدّمت سبلا لتجاوزها ما فتح المجال لمزيد تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية . و بطبيعة الحال ، خلال ستّينات القرن الماضى و سبعيناته و ، بعد ذلك أيضا ، كانت تلك الوثائق بدورها محور صراع طبقي و صراع خطّين محتدمين عالميّا و داخل الحركة الشيوعية و خارجها ما أفرز من ضمن ما أفرز إنشقاقا بين التحريفيين المعاصرين و على رأسهم السوفيات من جهة و الشيوعيين الثوريّين و على رأسهم الماويّون الصينيّون ليشكّل الشيوعيّون الثوريّون المدافعون عن الإرث الثوري للتجربة السوفياتيّة – وهو جانبها الرئيسي- و الخطّ العام الذى رسمه الماويّون للحركة الشيوعية العالميّة ما أطلق عليه حينها الحركة الماركسيّة – اللينينيّة في مقابل التحريفيّة .
و عقب وفاة ماو تسى تونغ و الإنقلاب التحريفي في الصين سنة 1976 و إعادة تركيز الرأسماليّة هناك على أنقاض الصين الإشتراكية الماويّة ، وجد الشيوعيّون الثوريّون لا سيما أولئك صلب الحركة الماركسية – اللينينيّة أنفسهم مجبرين على خوض معارك صراع طبقي و صراع خطّين ، دارسين و محلّلين و ناقدين و مقيّمين تقييما علميّا و نقديّا التجربة الإشتراكية الصينيّة و ما طوّره ماو تسى تونغ في خضمّها و بناء على الدروس المستقاة من التجربة السوفياتيّة ، من مساهمات عظيمة تنكّر لها التحريفيّون الصينيّون بزعامة دنك سياو بينغ و كذلك حزب العمل الألباني بزعامة أنور خوجا الذى صاغ خطّا دغمائيّا – تحريفيّا من أبرز ميزاته أنّه ينسف نسفا التجربة الإشتراكية الماويّة في الصين و من أساسها و يدافع دفاعا أعمى عن ستالين ، و صار هذا الخطّ معروفا عالميّا بالخوجيّة ؛ فيما أضحى أنصار التجربة الإشتراكية الماويّة في الصين و مساهمات ماو تسى تونغ في تطوير علم الشيوعية يعرفون بالماويين الذين تجمّع معظم أحزابهم و منظّماتهم ضمن الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة من 1984 إلى 2006 لتنهار بفعل خيانة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) للشيوعيّة و الثورة الديمقراطية الجديدة و حرب الشعب في النيبال و الخلافات المنجرّة عن ذلك . و مرّة أخرى ، كان تقييم تلك التجربة التاريخيّة موضوع صراع طبقي و صراع خطّين و تطوّرت الجدالات النظريّة في صفوف الماويّين أنفسهم بشأن عدّة مسائل ما أفرز إنقساما للماويّة أمسى جليّا على النطاق العالمي منذ أكثر من عقد الآن ، بين أصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، أحزابا و منظّمات و أشخاصا من جهة ، و أحزاب و منظّمات و أشخاص يناصرون في الأساس مضمون مقال " ضد الأفاكيانيّة "...
كلّ هذا ، و غيره كثير ، أوردناه بصورة شديدة الإقتضاب لنشدّد بدورنا على أنّ التجارب التاريخيّة للصراع الطبقي و لصراع الخطّين تشكّل لا محالة محور صراع طبقي و محور صراع خطّين أيضا .
و ننصح من ترنو / يرنو إلى التعمّق في مدى إنسحاب هذه الحقيقة على كمونة باريس و الثورتين الروسيّتين بالعودة إلى ماركس فلينين و أمّا من ترنو/ يرنو إلى تفحّص ما بعد ذلك ممّا ألمحنا له بعجالة ، فعلها / عليه بكتبنا السابقة المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن . ففي الكتاب الأوّل من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " تلفون بيان الحركة الأمميّة الثوريّة لسنة 1984 وهو يتضمن ملخّصا لتقييم شيوعي ماوي لتاريخ الحركة الشيوعية العالميّة . و في الكتاب 4 ، و عنوانه " الثورة الماوية في الصين : حقائق و مكاسب و دروس " ، بوسعكم العثور على نصوص تقييميّة قصيرة و طويلة تسلّط الضوء على عدّة أوجه من تلك التجربة الإشتراكية . و في الكتاب 20 ، تعثرون على نصوص من الجدال الكبير الصيني – السوفياتي في منتهى الأهمّية . و في الكتاب 22 ، " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، ( فصول من كتاب لبوب أفاكيان يحمل العنوان نفسه ) ، تجدون عرضا نقديّا لمساهمات ماو تسى تونغ في الفلسفة و الاقتصاد السياسي و الإشتراكية بما هي المكوّنات و الأقسام الثلاثة للماركسيّة . و في الكتاب 23 ، الحامل لعنوان " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " ، يقدّم ريموند لوتا تلخيصا اما نقديّا لتاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة إلى حدّ اليوم ، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة. و في كتاب بوب أفاكيان " ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة ! " ( الكتاب 28 )، ثمّة تناول نقدي لمحطّات معيّنة من التجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة و حتّى لكمونة باريس . و بالكتب المفردة للماويّة في النيبال و في الهند و في الفليبين ، هناك نصوص و فقرات تلمس بقليل أو كثير من العمق مسائل متعلّقة بتاريخ التجارب الإشتراكيّة العالميّة ...
و لسائل أن يسأل ، و كلّ هذا الكمّ الذى لا بأس به من الوثائق القيّمة متوفّر باللغة العربيّة ، لماذا إذن هذا الكتاب الجديد عن تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة ؟
و نجيب في الحال و مباشرة ، بلا لفّ و لا دوران ، بأنّنا قمنا بترجمة مضامين هذا الكتاب إلى العربيّة لعدّة أسباب تراكمت و تداخلت ففرضت علينا هذا الواجب فرضا . ذلك أنّنا ، و الحقّ يقال ، لمسنا مدى أهمّية هذه المضامين مذ إطّلعنا عليها قبل سنوات و أعدنا قراءتها لمّا عقدنا العزم على خوض تجربة ترجمة و نشر الأدب الشيوعي الماوي ضمن مجلّة إصطفينا لها من العناوين عنوان " الماوية : نظريّة و ممارسة " و كدنا نشرع في ترجمتها لولا أنّنا قدّرنا في وقت ما ، بعد إصدارنا للعدد الأوّل من تلك المجلّة / الكتاب الأوّل " علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة " ، أنّ النضال على الجبهتين النظريّة و السياسيّة عربيّا في حاجة ماسّة إلى وثائق أخرى تتناول مواضيع أخرى أكثر ممّا هو في حاجة إلى الوثائق التي تشكّل مضمون كتابنا الجديد هذا ، خاصة و أنّ ما ورد في بيان الحركة الأمميّة الثوريّة ، بيان مارس 1984 ، بالكتاب الأوّل ، يمكن إعتباره مدخلا كافيا حينها . و بالتالى تأجّل الإشتغال و ظلّ إنجاز المشروع إيّاه على أنّ قرار الترجمة لاحقا ينتظر الظرف المناسب للتنفيذ .
و في إعتقادنا اليوم أنّه آن أوان المرور لمرحلة التنفيذ ، بعد المشوار الذى قطعناه ، و للأسباب الآتى ذكرها :
- لاحظنا و نحن نتصفّح مواقع الأنترنت الشيوعيّة الثوريّة أن " كسب العالم : واجب البروليتاريا العالمية و رغبتها " لبوب أفاكيان أخذ يحتلّ مكانة مرموقة كأحد أهمّ الوثائق المرجعيّة المتّصلة بتقييم تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة .
- و لمسنا لمس اليد ، أثناء إنكبابنا على تعريب مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ( الكتاب 15 ) و " من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانيّة لآجيث " ( الكتاب 18 ) أنّ " كسب العالم ..." من أهمّ الوثائق المعتمدة في الصراع حول تقييم عدد من القضايا التاريخيّة الشائكة الإيديولوجية منها و السياسيّة بوجه خاص ، ذات الصلة بصراع الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية و صلب الماويين أيضا.
- و منذ بضعة سنوات ، عربيّا ، تابعنا على صفحات الحوار المتمدّن صراع الخطّين بين مناهضي الخلاصة الجديدة للشيوعية و أنصارها الذى جُمّعت وثائقه في كتاب ناظم الماوي المتوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن و عنوانه " صراع خطّين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربيّا " و قد كان " كسب العالم ..." مصدرا و مرجعا من أهمّ المصادر و المراجع المعتمدة .
- و في المدّة الأخيرة ، حينما كنّا منكبّين على ترجمة كتاب بوب أفاكيان " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة "، قفز إلى نظرنا و إدراكنا مجدّدا أنّ مهندس الشيوعيّة الجديدة ذاته كما يسمّيه أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، قد أولى عناية خاصة لمؤلّفه ذاك ، " كسب العالم ..." ، فقد كتب يقول في شأنه بالصفحة 18 من كتابنا عدد 35 على وجه الضبط :
" قبل عدّة سنوات من الآن ، في " كسب العالم ؟... " ، في بدايات ثمانينات القرن العشرين ، و في غيره من الأعمال الأخرى مذّاك ، تعمّقت كثيرا في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و المجتمع الإشتراكي ، منذ زمن ماركس ( و إنجلز ) ، و تحدّثت عن واقع أنّ ماركس و إنجلز كانا يملكان نظرة ثاقبة إلى أقصى حدّ ، و في عديد الطرق و بالمعنى الجوهري ، كانا ، في الآن نفسه ، و ليس هذا مفاجئا ، محدودين و حتّى بأشكال معيّنة ساذجين ، في بعض الجوانب الثانوية على دلالتها - و هذا إن أعملتم فيه الفكر ، صحيح بشأن جميع المقاربات و المناهج العلميّة ، في تعارض مع النظرات الميتافيزيقيّة كالدين . و متحدّثا عن النظرات الميتافيزيقيّة و الدينيّة ، عندما نُشر أوّل ما نُشر " كسب العالم ؟... " ، وُجد البعض داخل الحركة الشيوعية العالمية الذين قالوا إنّ هذا يقدّم الشيوعيّة كراية ممزّقة ؛ و وُجد حتّى موقف أنّ الحديث ليس عن الأخطاء فحسب التي إقترفت و إنّما أيضا عن بعض المشاكل في جزء من مفاهيم و مقاربات القادة العظام الحقيقيين للحركة الشيوعية بمن فيهم مؤسّساها ، ماركس و إنجلز ، نوعا من الممنوعات - كان يتمّ التعاطى معه كأنّه كفر . حسنا ، هذا الصنف من المواقف و المقاربات يمضى تماما ضد ، و كان سيلقى الإشمئزاز من ماركس و إنجلز أنفسهما ، قبل أي شخص آخر . و على أيّة حال ، وُجدت الموجة الأولى من الثورة الشيوعية و أدّت إلى التجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي ( من 1917 إلى أواسط خمسينات القرن العشرين ) ثمّ في الصين ( من 1949 إلى 1976 ) و التي وقع الإنقلاب عليها مع صعود القوى البرجوازية إلى السلطة و إعادة تركيز الرأسماليّة ، أوّلا في الإتّحاد السوفياتي و تاليا في الصين عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 . و تحتاج هذه الموجة الأولى من الثورة الشيوعية و التجربة الإشتراكية إلى التعلّم منها بعمق ، بيد أنّنا نحتاج التعلّم منها بتوجّه علمي و منهج و مقاربة نقديّين ، في تعارض مع التوجّه و المنهج و المقاربة الدينيّين . وهذا بالذات ما شرعت في القيام به في " كسب العالم ؟... " و واصلت القيام به في أعمال متنوّعة مذّاك . فكان هذا هو المكوّن الأكبر و قوّة الدفع الأكبر في تطوير الشيوعية الجديدة .
و التعبير المكثّف للكثير من الجديد في الشيوعية الجديدة متوفّر في " الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة "... "
و بكلمات مقتضبة لبوب أفاكيان ذاته :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 )
و من يتطلّع لدراسة هذه الشيوعية الجديدة و الإلمام بالسيرة الذاتيّة لبوب أفاكيان ، لا مناص له من إعمال الفكر و التعمّق في كتاب " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، متنا و ملاحقا و هو متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ، أمّا من يتطلّع لتكوين فكرة أوّليّة و تلخيص للأعمدة التي تقوم عليها هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، فنوفّر له نصّا لبوب أفاكيان ذاته في الغرض ، و ذلك بملاحق هذا الكتاب و عنوانه " الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة " ف " التعبير المكثّف للكثير من الجديد في الشيوعية الجديدة متوفّر" فيه ، حسب ما صرّح به أعلاه صاحب الشيوعيّة الجديدة .
و إذا أضفنا إلى هذه الأسباب التي مرّ بنا ذكرها و التي رأيناها غاية في الوجاهة في حثّها على الإسراع في إنجاز العمل الذى ظلّ ينتظر على الرفوف منذ سنوات ، ملاحظتنا أنّ جماعات تعدّ نفسها شيوعيّة، إلى جانب أعداء الشيوعية المفضوحين، أخذت تنشر هنا و هناك نصوص تقييمات للحركة الشيوعية العالميّة ماضيا و حاضرا فيها ما فيها من تشويه متعمّد للوقائع و تزوير للأحداث التاريخيّة و قلب للحقائق رأسا على عقب و تلاعب صبياني بالمعطيات الماديّة الموضوعيّة و بالمنهج المادي الجدلي الواجب إعتماده في هكذا أعمال – مجمل القول نصوص تحريفيّة و دغمائيّة - ، ندرك لماذا كان لا بدّ لنا من النهوض بالمهمّة الملقاة على عاتقنا و دون تأخير .
و إنّنا لعلى وعي تام أنّنا لا نزال محتاجين إلى المزيد من الترجمات بهذا المضمار و طبعا إلى مزيد التصدّى لمشوّهى تاريخ الحركة الشيوعية الثوريّة خدمة أساسا لإعلاء راية الحقيقة التي دونها لن نستوعب حقّ الإستيعاب علم الشيوعيّة و لن نطبّقه و نطوّره فلن نفسّر العالم تفسيرا علميّا و لن نتمكّن من تغييره تغييرا ثوريّا من منظور شيوعي . وعليه ، من موقع المسؤوليّة الشيوعيّة الثوريّة ، نتعهّد ، دون تحديد تواريخ و لا سقف زمني فكثير من الأمور قد تتجاوزنا ، بأن نثابر على الإضطلاع بالمهام التي آلينا على أنفسها النهوض بها و بأن نبذل من الجهد طاقتنا كي نوفّر المزيد من الوثائق باللغة العربيّة تساهم في الإرتقاء بمستوى التسليح الإيديولوجي و السياسي لمن يبحثون عن الحقيقة و يسعون بدأب و تصميم إلى تحرير الإنسانيّة والكوكب من سطوة النظام الإمبريالي العالمي و تشييد عالم آخر، أفضل ، ضروري و ممكن ، عالم شيوعي .
و قد أثمر جهدنا المبذول هنا عددا جديدا من " الماوية : نظريّة و ممارسة " / الكتاب عدد 36 الذى نضع بين أيدى القرّاء آملين أن يدرسوا محتوياته دراسة نقديّة و يعتمدوا الحقائق التي تنطوى عليها في قادم تنظيراتهم و ممارساتهم الثوريّة .
و محتويات الكتاب ، فضلا عن مقدّمة المترجم هي :
الجزء الأوّل :

" كسب العالم : واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها "
لبوب أفاكيان / العدد 50 من مجلّة " الثورة "

1- المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها – دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية .
2- المزيد عن الثورة البروليتاريّة كسيرورة عالميّة .
3- اللينينيّة كجسر .
4- بعض التلخيص للحركة الماركسيّة – اللينينيّة التي نشأت في ستّينات القرن العشرين و العامل الذاتي في ضوء الوضع الراهن و المتطوّر و الظرف التاريخي الآخذ فى التشكّل .
5- بعض المسائل المتعلّقة بخطّ حزبنا و نشاطه و مهامنا الأمميّة الخاصة .

الجزء الثاني :

( 1 ) عرض موجز لوجهات نظر حول التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالمية و دروسها اليوم
( مجلّة " الثورة " عدد 49 / 1981 )
( 2 ) مسألة ستالين و " الستالينيّة " - مقتطف من خطاب " نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة " لبوب أفاكيان
( مجلّة " الثورة " عدد 60 ، سنة 1990 )
الملاحق - 4 – ( من إقتراح المترجم )

1- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة
( وثيقة نشرت سابقا في كتاب " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة-
خلاصة أساسيّة " )
2- ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية
( وثيقة نشرت سابقا في كتاب " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " )
3- إطلالة على موقع أنترنت مذهل يديره ريموند لوتا : " هذه هي الشيوعية " - إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح
أ- مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا لم تكن " مجاعة متعمّدة "
ب- دحض الأكاذيب الكبرى المشوّهة للشيوعيّة
ت- إطلالة على صفحات / مداخل من موقع " هذه هي الشيوعيّة " - إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح
4- فهارس كتب شادي الشماوي
---------------------------------------------------------------------------












الجزء الأوّل

كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها
https://www.marxists.org/history/erol/periodicals/revolution/rev-50.pdf

ألقى بوب أفاكيان خطابا غير رسمي نهاية 1981 حيث تطرّق بصفة واسعة لمسائل تاريخية و رانة متّصلة بالثورة البروليتارية العالميّة و قد أدخل المؤلّف بعض التعديلات على النصّ للنشر في مجلّة " الثورة " عدد 50.
[ حينذاك كانت " الثورة " مجلّة ، واصلت الصدور إلى بدايات تسعينات القرن العشرين. وهي مجلّة تابعة للحزب الشيوعي الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و بوب أفاكيان رئيس هذا الحزب منذ تأسيسه سنة 1975 . ثمّ بداية من ماي سنة 2005، تحوّلت جريدة " العامل الثوري " إلى جريدة إسمها " الثورة " - المرتجم ].
-------------------------------------

1- المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها – دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية .
2- المزيد عن الثورة البروليتاريّة كسيرورة عالميّة .
3- اللينينيّة كجسر .
4- بعض التلخيص للحركة الماركسيّة – اللينينيّة التي نشأت في ستّينات القرن العشرين و العامل الذاتي في ضوء الوضع الراهن و المتطوّر و الظرف التاريخي الآخذ فى التشكّل .
5- بعض المسائل المتعلّقة بخطّ حزبنا و نشاطه و مهامنا الأمميّة الخاصة .
------------------
في هذا الخطاب ، سأتناول بالحديث عديد المحاور الهامة و تاليا سأسعى بعض الشيء لتطوير نقاط معيّنة داخل هذه المحاور العامة . و سيكون الأمر على الأرجح – و بالفعل يمكن أن تمنوا تقريبا أنّه سيكون – نوعا ما متناثرا و لحسن الحظّ ، نوعا ما شبيها بالسفر. لكن سنرى ما سيحدث . و الهدف و الطبيعة الأساسيّين لهذا هو عرض بعض الأفكار حول بعض المسائل التي تطرّقنا لها في أدبيّات و تقارير اللجنة المركزيّة التي رآها الناس و درسوها طوال السنتين الفارطتين ؛ و من طبيعة خطاب غير رسمي و هدفه محاولة تطوير بعض هذه الأفكار ن سعا لتقديم عرض يحثّ على التفكير و العديد من الأفكار ليست واضحة تمام الوضوح بقدر ما هي أطروحات أوّليّة . و الغاية ليست تقديم أفكار تمّ الإشتغال عليها . و سيكون هذا صحيحا عمة في ما يتّصل بكامل الخطاب و كذلك بالخصوص و بديهيّا في ما يتّصل ببعض النقاط الخاصة . لذا لا ينبغي النظر إلى هذا حتّى على أنّه " رأي شخصيّ تمّ الإشتغال عليه " فما بالك بأي نوع من العرض المنهجي لخطّ و وجهات نظر التنظيم ككلّ حول هذه المسائل ، إلاّ أنّه ينبغي التعاطى معه أكثر كشيء غير رسميّ للحّ على الخوض في بعض الأفكار و الدراسة و النقاش ، على أمل أن تكون ثمرة ذلك تطوير عدد من هذه النقاط .
و بعد هذه المقدّمة ، سأنكبّ على معالجة في الأساس مسائل خمس : المسألة الأولى هي : المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها – دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية . والمسألة الثانية هي: المزيد عن الثورة البروليتاريّة كسيرورة عالميّة . و المسألة الثالثة متّصلة بما اسمّيه : اللينينيّة كجسر، و سيتمّ توضيح مضمون ذلك في حينه . و المسألة الرابعة هي : بعض الخلاصات المتّصلة بالحركة الماركسيّة – اللينينيّة التي نشأت في ستّينات القرن العشرين و العامل الذاتي في ضوء الوضع الراهن و المتطوّر و الظرف الذى بصدد التشكّل. و المسألة الخامسة هي : بعض المسائل المتعلّقة بخطّ حزبنا و نشاطه و مهامنا الأمميّة الخاصة .
و هذه المسائل الخمس الأساسيّة ستشفع بخاتمة تسعى إلى ربط بعض المحاور الأساسيّة لمختلف هذه النقاط معا. ولننطلق :
I- المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها - دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية .
بداية ، بعض الأفكار عن كمنة باريس .
حين قرأت تلخيص ماركس الأكثر منهجيّة لكمونة باريس ، " الحرب الأهليّة في فرنسا " ، بتقديم لإنجلز ، أذهلنى ، على ضوء مجمل التجربية و التطوير ليس للنضال العملي فحسب بل كذلك للنضال في المجال النظري مذّاك ، أنّ تلخيص ماركس في الآن نفسه في منتهى نفاذ النظرة و بالأحرى بدائي ( و ينسحب هذا أيضا بصورة عامة على مقدّمة إنجلز المسلّطة للضوء على تلخيص ماركس ).
و هذا ليس مفاجئا جدّا بالنظر إلى كون كمونة باريس كانت اوّل إفتكاك فعليّ مظفّر للسلطة و إلى كونها دامت لا أثر من حوالي شهرين إثنين قبل أن يغرقونها في الدم . و ليس مفاجئا أيضا لأنّ الأممية الولى التي كان ماركس ، على الأقلّ بالمعنى الإيديولوجي و المعنى النظري العام ، قائدها و التي كان ناشطا جدّا صلبها بطريقة عمليّة ، كانت هي ذاتها خليطا من عدد من التيّارات المتباينة . فالإشتراكية العلميّة لم تميّز نفسها تمام التمييز عن عدد من الإشتراكيّات الطوباويّة و أشكال أخرى غير علميّة ، حتّى صلب الأمميّة الأولى ذاتها ، وهي نقطة سنعرّج عليها لاحقا قليلا من تفرعاتها و تداعياتها .
و في ما يتّصل بكونه كان ذي نظرة ثاقبة ، إن قرأتم ما كان قاله ماركس سيكون من الواضح للغاية أنّه تمكّن من إستخلاص و تكثيف عدد كبير من الدروس المفاتيح من تجربة قصيرة جدّا أو بدائيّة لشهرين من السلطة في باريس فحسب – أقصد أنّها مدينة لها قيمتها و مع ذلك لم تكن سوى جزء و ن كان جزءا هاما جدّا ، من فرنسا . و الدرس الحيوي الذى إستشفّه و في آن معا تمثّله و تبنّاه ماركس بأكثر دقّة زمنها – هو أنّ البروليتاريا ليس بوسعها أن تستلم جهاز الدولة القائمة و إنّما عليها أن تحطّمه و تفكّكه و تنشا جهازها الخاص ، دكتاتوريّتها الثوريّة الخاصة – بداهة كان هذا مثالا نموذجيّا عن المنهج العلمي لماركس . و إستنادا إلى هذه النظرة الثاقبة ، إستطاع أن يستخلص ذلك الدرس و أن يشرحه معتمدا عدّة أمثلة من التجربة القصيرة نوعا ما و الخاطفة لكمون باريس .
لكن في الوقت نفسه ، بينما تلخيص أنّ ماركس ما أنجزه ماركس و ما ساهم به في النضال البعيد المدى و الهدف الشامل للبروليتاريا العالميّة ، ، مثل تلخيص الكمونة عينها ، خالد ، ناظرين إليه بمعنى التجربة مذّاك و ما د وقع تلخيصه من تلك التجربة ، يمكن أن نلاحظ بعض حدوده . و على سبيل المثال ، يتمظهر هذا عبر عدد من التعليقات التي قام بها ماركس في ما يتّصل بالبيروقراطية ، و الجيش الدائم ، و مسألة الإقتراع العام و سحب الثقة من الموظّفين ، و مسألة أن تكون أجور الموظّفين أقلّ من أجور الشغّالين ،و الطريقة التي يتمّ بها التعاطى مع التعليم و الدين و الثقافة بصورة عامة .
و لنضرب مثلا ما قاله عند نقطة ما عن التعاطى مع الكهنة ( يقوله بأكثر شاعريّة من هذا لكن المسألة في الساس هي أنّ الكهنة ، على أساس قدرتهم من عدمها على الكسب العملي للمساندة من أبناء الأبرشيّة ، أنّهم لن يحصلوا على منح من الدولة . كانت هذه واحدة من تجارب الكمونة . حسنا ، بداهة ، أثبتت التجربة التاريخيّة أنّ هذا بعيد عن أن يكون كافيا لإحداث قطيعة راديكاليّة للتعاطى مع ذلك المشكل ( و ما هذا غير مشكل صغير ) . ليس أنّ ماركس قال بالضبط إنّ ذلك سيكون كافيا و إنّما المسألة هي أنّ تلخيصه لم يمض أبعد من ذلك . و الشيء نفسه صحيح حيث يقول إنّ من أعظم الأشياء التي تهديها لنا الكمونة ، نقطة بيعها الحقيقة للفلاّحين كانت أنّها ستقدر على تقليص إلى درجة ذات بال العبء البيروقراطي و الطفيلي على المجتمع ككلّ الممثّلة في البيروقراطيّة و بالتالى ستقدر على أنّ تخفّض أساسا من كلفة جهاز الدولة بالنسبة للفلاّحين . و يرتبط هذا وثيق الإرتباط بمسألة ما إذا كان جيش دائم ضروري ام لا ، ما إذا بوسعنا تقليص عدد الموظّفين لوقت كامل من البيروقراطية بهذه البساطة أو لا ، مثلما كان يبدو أنّ ماركس كان يشعر و يبدو أنّه يستخلص من تجربة الكمونة ، و ما إذا سيكون من الممكن دفع أجور للموظّفين الحكوميين لا تكون أعلى من أجور الشغّلين مثلما صدر في منشور أثناء الكمونة .
كافة هذه الأشياء ، بالتجربة التاريخيّة و خاصة بتلك الممارسة حيث تعزّزت دكتاتوريّة البروليتاريا و تواصل وجودها لفتة زمنيّة و حيث تمّ الإبحار على الطريق الإشتراكي ، ما كانت ممكنة إلى حينها . و حتّى أين تمّ تكريس خطّ صحيح ، حتّى أين لا يمكن ردّ السياسة إلى أخطاء أو إلى إنحرافات يمينيّة ، لم يكن ممكنا القيام بكلّ هذه الأمور على الطريقة التي إعتقد فيها ماركس ، مشيّدا على تجربة كمون باريس أنّها ليست أسلحة مفاتيح ممكنة فحسب بل ضروريّة لحكم المجتمع و تغييره. فقد أكّدت الحياة أنّ ذلك ليس من السهولة المتصوّرة و بالفعل إمكانيّات البروليتاريا في باريس على كسب الفلاّحين، ليس على المدى القصير فقط ، بل كسبهم و الحفاظ على دعمهم خلال كافة منعرجات و إلتواءات النضال ، لم تكن جدّ كبيرة و كذلك لم تكن المسألة في غاية البساطة كما يبدو أنّ ماركس تعاطى معها في " الحرب الأهليّة في فرنسا " ،التلخيص المكثّف للكمونة .
و كذلك ، مسألة الأمّة و العلاقة بين النضال في بلد معيّن بالنضال الأممي لم يقع تناولها تناولا واضحا ، ليس في الكمونة ذاتها فحسب – في نظرة و سياسات الناس الذين كانوا يقودون الكمونة وقتها ، مثلا ، في نداءاتهم لجنود الجيش الرجعي على أساس وطني لكن حتّى إلى درجة معيّنة في كتابات ماركس و تعليقات إنجلز بشأن تلخيص الكمونة . و التمييز بين الأمّة و الأمميّة لم يكن مرسوما بوضوح مثلما تعلّمنا أنّه يجب أن يكون . و بطبيعة الحال ، من جهة ، كان ذلك عصر ما قبل الإمبرياليّة . لكن من جهة أخرى ، كانت فرنا بلدا رأسماليّا متقدّما على عتبة التحوّل إلى مرحلة الإمبرياليّة . ( و ينبغي أن نقول بالمناسبة هنا ، إنّ إحالات ماركس على " الإمبرياليّة " في " الحرب الأهليّة في فرنسا " لا تمثّل ذات التحليل لمرحلة جديدة و خاصة – وفى الواقع أرقى و نهائيّة – من الرأسماليّة كما حلّل لينين لاحقا ).
هنا سأقحم مجرّد تعليق سيضعنى على الأرجح في مشاكل مع أحدهم في مكان ما ، لكن من الأشياء التي هي بالأحرى جليّة بالنسبة إليّ عند قراءة جدالات لينين حول مسألة " الدفاع عن الوطن " أثنا الحرب العالميّة الأولى هو أنّه كان عليه القيام بقدر كبير من العمل ضد كاوتسكى و آخرين الذين كانوا يمثّلون السلط المقبولة للماركسيّة – أكبر بكثير من لينيني – والذين كانوا يملكون كافة الإستشهادات في جرابهم يخرجونها من الخزانة لتبرير خطوطهم الإنتهازيّة سواء كانت إشتراكية – ديمقراطية أم إشتراكيّة شوفينيّة . لمّا أعدت قراءة ذلك تبيّن لى من ناحية ، أنّ لينين بطريقة صحيحة إستخدم حجّة أنّ الناس يسيئون عرض و إستعمال مقولات ماركس و إنجلز لأنّهم يتعاملون مع مواقف لماركس و لأنجلز صدرت قبل عصر الإمبرياليّة حينما كانت المسألة ن كما قال لينين ، ستكون مسألة إنتصار أيّة برجوازيّة سيكون مناسبا أكثر للبروليتاريا ككلّ على الصعيد العالمي . غير انّه من الواضح أيضا ، أو على الأقلّ في رأيى ، من الواضح ، لا سيما إذا تعلّق الأمر بإنجلز الذى عاش أكثر من عقد من ماكس ، أنّ المسألة لم تكن فقط مسألة إنتزاع المقولة من إطارها ، و القذف بها إلى خارج إطارها الزماني و المكاني ، و إنّما أيضا مقربة تحديد أيّ إنتصار ( أو هزيمة ) برجوازية سيكون أكثر مواتاة ، كانت لا تزال تطبّق بينما لم تعد بعدُ قابلة للتطبيق . فإلى نهاية 1891 ، على سبيل المثال ، لا زال إنجلز يتحدّث عن الدفاع عن الوطن في ألمانيا في حرب ضد القيصر .
بكلمات أخرى ، كان لينين على صواب – في كلّ من المبدأ و كذلك في التكتيك – في جعل محور معركة واقع أنّ ماركس و إنجلز كان يتمّ تشويههما و إستخدام مقولاتهما خارج الإطار، يعنى خارج العصر .لكن من الصحيح أيضا أنّ هناك قدرا ضئيلا من سحب شيئا من هذه المقاربة خلفها ، أبعد من نقطة كانت فيها لا تزال بعدُ قابلة للتطبيق – و بالأخصّ في حال إنجلز إلى 1895 ( أو على ألقلّ إلى 1891 عندما صاغ موقفه الكبير الأخير حول هذه المسألة ، على حدّ علمي ) ، و إنعكس بعض هذا إنعكاسا طفيفا في كتبات ماركس و إنجلز عن الكمونة حيث تحدّث عن مسألة الطبقة العاملة على أنّها نوعا من المنقذة للأمّة ، القوّة المعيدة لبعث الأمّة .
و بالإمكان العثور على شبكات من ذلك الخطّ و من تلك المواقف بذلك الصدد في التلخيص ؛ و كانت تلك النظرات مشتركة أيضا في صفوف الكمونيّين الذين لم يكونوا هم ذاتهم واضحين بشأن مسألة قطيعة راديكاليّة مع الجمهوريّة ؛ و قد إنكشف هذا حتّى في الطريقة التي رسموا بها تقويمهم التي على ما يبدو هي إستمرار لتقويم الجمهوريّة . بكلمات أخرى ، كافة القطائع الراديكاليّة حول مسألة الأمّة مقابل الأمميّة لم تقع معالجتها معالجة تامة . و مجدّدا ، طبعا ، قضيّة الإمبرياليّة كما حلّلها لينين لم تصبح متطورة تمام التطوّر و بالتالى لم تكن واضحة تمام الوضوح . لكن مع مزيد التجربة مذّاك ، يمكن رؤية أنّ هناك عموما نزعة في تلخيص ماركس للكمونة نحو الإستبطان و التعميم المغالى فيه إنطلاقا من تلك التجربة الخاصة ، و بالأخصّ ، بالنظر إليها من أفق التجربة التاريخيّة و تلخيصها بما أنّ الكمونة تبيّن حدود مقاربة رؤية الأشياء من زاوية نظر إنتصار أيّ برجوازيّة سيكون أكثر مواتاة للبروليتاريا العالميّة . و يجب أن نتذكّر أنّ هذا أتى في سياق الحرب بين ألمانيا و فرنسا ، حيث ساند ماركس و إنجلز في البداية حقّ الدفاع عن النفس ، إن شئتم ، لألمانيا ، ثمّ ، عند نقطة معيّنة ، قالا : " الآن ، مضوا إلى العدوان لذا ليس بوسعنا إتّخاذ موقف الدفاع عن الوطن بعدُ في لمانا " . لقد أخذ الكمونيّون موقف الدفاع ضد ألمانيا في وجه إستسلام الحكومة الفرنسيّة ( التي تخندقت في فرساي في معارضة لكمونة باريس ) ، ثمّ إضطرّوا في ذلك الإطار إلى حرب أهليّة ضد البرجوازيّة الفرنسيّة كما يمثّلها و كما توحّدت حول تيارز [ Thiers ] الذى قرّر عند تلك النقطة عقد إتّفاق مع قائد ألمانيا بسمارك في مسعى لسحق الكمونة ، وهو ما نحجا في القيام به ، كما نعلم . لذا هذا وضع في منتهى التعقيد و محاولة مقاربته من وجهة نظر إذا كان لأمّة حقّ الدفاع عن النفس ، يبدأ بعدُ ، في رأيى ، في الإنزلاق إلى التحوّل إلى نقيضه .
و من المهمّ بما فيه الكفاية أنّ هناك تعليق للينين، أعتقد ، حول كيف أنّ ألمانيا قد مرّت إلى عصر الإمبرياليّة قبل حتّى توحيد أمّتها ، و هذا من الأمثلة على ما عناه لينيني عندما قال إنّ الحدود في الطبيعة و المجتمع مشروطة و نسبيّة . إذا كنتم لتترقّبوا من ألمانيا أن تتوحّد تماما كأمّة قبل قول إنّ مسألة حقّها في الدفاع عن الوطن إنتهت و فات أوانها ، ستظلّون بعدُ في الإنتظار لأنّ ألمانيا ليست بعدُ موحّدة و الكثير من الناس ، الكثير من الإشتراكيين - الشوفينيين ، يلعبون على تلك النقطة الآن بالذات . على أي حال ، نتحدّث عن حقبة برجوازيّة تميّزت بتشكّل الأمم ، و كافة هذه الأشياء نسبيّة و مشروطة – لا وجود لأمّة كاملة تنتظر التشكّل – و جوهر المشكل قد صار لمدّة طويلة مذّاك مشكلا إمبرياليّا و ليس مشكل أمم في هذه البلدان المتقدّمة . برايى كان يتحوّل إلى ذلك في العقود العديدة الأخيرة من القرن التاسع عشر ، حتّى مع 1870.
و بوسعنا ملاحظة بعض الإرتباك لدى ماركس و إنجلز ، مرّة أخرى خاصة إذا نظرنا إلى ذلك من الأفق الذى لدينا بفضل التاريخ و الدروس المستخلصة من التاريخ ، بشأن هذه المسألة المتصلة بالأمّة و بشأن ما إذا كانت أم لا صحيحة رؤية الطبقة العاملة وريثة و أفضل مواصلة ل" أفضل " تقاليد الأمّة . هذه المسألة ليست واضحة تماما ، حتّى لدى ماركس ، رغم أنّه بصعوبة نحتاج إلى قول ذلك ، لكن ينبغي قوله ، فقط في حال أمّ ما أحاجج به قد يؤدّى إلى أيّ إرتباك ، إنّ ماركس و إنجلز ، كلاهما في تلخيصهما للكمونة و كذلك في ممارستهما بصدد الكمونة ذاتها ، كانا بديهيّا مناصرين بارزين و مشجّعين بارزين للأمميّة البروليتاريّة : و هذا إنطلاقا من وجهة نظر ضيّقة للأمّة الفرنسيّة ، لكن وُجد ذلك الإرتباك .
و بالعودة إلى نقطة أفضليّة أسع نطاقا ، من الهام أن نشير إلى أنّ ماركس كتب في هذا التلخيص ذاته أنّ البروليتاريين " سيضطرّون إلى المرور عبر نضالات مديدة ، عبر سلسلة من السيرورات التاريخيّة ، مغيّرين الظروف و البشر " (1) و حتّى قبل ذلك بعشرين سنة ، في 1851 ، صرّح " نقول للعمّال إنّكم ستضطرّون إلى المرور عبر 15 ، 20، 50 سنة من الحروب الأهليّة و الحروب العالميّة ، ليس فحسب لأجل تغيير الظروف القائمة بل كذلك من أجل تغيير أنفسكم و إعداد أنفسكم لممارسة السلطة السياسيّة " (2) و مرّة أخرى ، كان هذا نابعا من نظرة نافذة إلى أقصى حدّ من لدن ماركس و تبيّن أنّه لم يكن يملك نظرة تبسيطيّة لسيرورة تغيير العالم و بلوغ الشيوعيّة ( و بالتأكيد المنهج المادي الجدلي الذى إستخدمه في تلخيص الكمونة ليس بتاتا منهجا تبسيطيّا )حتّى و إن كان بعض النقد الذى صغته للتوّ صالحا ، في إعتقادى – في سياق مبالغته ربّما في السهولة التي يمكن بها التعاطى مع بعض المشاكل و معالجتها .
و هذا في حدّ ذاته نوع من وحدة الأضداد : من جهة ، حتّى في تلخيص الكمونة و كذلك بصفة عامة ، كان ماركس واعيا بواقع – و أعتقد انّ هذا هام و هام جدّا ، شيء يستحقّ التأمّل و هو مرتبط ب ط القطيعتين الراديكاليّتين " ، في علاقات الملكيّة و الأفكار – أنّه من غير الكافى و ليس مجرّد مسألة الحاجة إلى المرور عبر كلّ هذا النضال و الإضطراب لتغيير الظروف الموضوعيّة القائمة . أعتقد أنّ هذا موقف يُبيّن نظرة ماديّة تاريخيّة و منهجا و رؤية شاملة تاريخيّة عظيمين و هذا أساس تلخيص الكمونة .
ومع ذلك ، ما أقوله هو إنّه ناظرين بأفق تاريخي ، بوسعنا رؤية أنّه وُجد ، من جهة ، نقص في تقدير تعقيد و صعوبة معالجة الكثير من هذه المسائل – وهو ما يجب ألاّ يفاجئنا ، و أكثر خصوصيّة لبعض المشاكل المتّصلة بالتقدّم من عصر البرجوازية إلى عصر الشيوعية عبر العالم .
بشكل عام ، أعتقد أنّ هذا المشكل مرتبط بواقع أنّه ، بقدر ما كان ماركس و إنجلز يسجّلان و يقفان على جانب المضطهَدين في الصين و الند و أنحاء أخرى من العالم حيث كانت الشعوب تنهض ضد الهيمنة و الإستغلال الإستعماريين ، بعدُ ، إلى درجة كبيرة ( و هذا صحيح من وجهة نظر علميّة و في سياق إلى أين وصلت زمنها أكبر الحركات و النضالات السياسيّة الأكثر تقدّما )، كانا يفكّران في مشكل ، خاصة الثورة الإشتراكية و إفتكاك السلطة و ممارستها و تغيير البروليتاريا للمجتمع، في إطار أوروبي بصورة طاغية - و إن لم يكن ذلك حصريّا ، و بالتالى ، الكثير من التعقيد الذى ظهر الآن أنّه يميّز الثورة البروليتاريّة و تطوّر المجتمع الإشتراكي و تغييره بإتّجاه الشيوعيّة في العالم ، كان شيئا لم يواجههما مواجهة تامة لأنّه في الواقع سُجّل تحوّل في المسار العام للتاريخ ، لفترة من الزمن ، من الغرب إلى الشرق في ما يتعلّق ببؤرة التركيز ليس للثورة عامة فحسب بل حتّى للثورة البروليتاريّة . ( و لا يساوى هذا القول بتسجيل تحوّل دائم ، غير قابل للتغيير – يبقى التاريخ ليتحدّث عن كيف سيجرى كلّ هذا – و سأعود لاحقا إلى وجهات النظر الصحيحة و الخاطئة لما يعنيه التحوّل الذى تمّت الإشارة إليه – لكنّه سجّل تحوّل ) . و قد أدخل هذا حتّى مزيدا من التعقيد على مسألة كيف نقوم بالإنتقال من النظام القديم ، أحيانا حتّى نظام ما قبل رأسمالي بصورة مهيمنة ، ، ليس إلى الرأسماليّة بل تحديدا إلى الإشتراكيّة و على الطريق الإشتراكي صوب الشيوعيّة .
و للتعبير عن الفكرة بطريقة أخرى ، لم يستوعب ماركس تمام الإستيعاب معنى و تداعيات حتّى ما علّق عيله هو ذاته قبلا، في كلّ من زمن الكمونة و قبل عشرين سنة عندما تحدّث عن ال15، 20، أو 50 سنة من الحرب الأهليّة : لقد رأينا أنّها أكثر من 15، 20أو 50 سنة مذّاك و لا تزال هذه السيرورة التي وصفها في طفولتها لا غير بالمعنى التاريخي . و عليه ، من غير المفاجئ عدم إستيعابه الإستيعاب التام لمعنى و تداعيات ما قاله هو نفسه حول كيف أنّ تغيير الظروف و كذلك تغيير البروليتاريين أنفسهم سيستغرق مدّة زمنيّة ممتدّة تاريخيّا بصورة عامة قبل أن تستعدّ البروليتاريا للحكم فما بالك بإنجاز الإنتقال الكامل إلى الشيوعيّة .
و بالفعل ، كلّ هذا ، بالمعنى العام ، ه تأكيد للنظريّة الماركسيّة للمعرفة . فبدائيّة عديد الملاحظات الخاصة لماركس تعكس بدائيّة المرحلة الأولى للتطوّر ، للسيرورة التاريخيّة العالميّة للثورة البروليتاريّة – و هذا ليس سقوطا في الماديّة الميكانيكيّة و قول إنّ كلّ شيء يُعلم هو كلّ ما كان من الممكن معرفته . هذا من جهة ، و من جهة ثانية ، مثلما ينبغي أن يكون واضحا الآن ، علينا أن نشدّد مرّة أخرى على أنّه مع كلّ النقاط التي يقع التركيز عليها ن لكيف وُجدت ملاحظات أوّلية لماركس ، وُجد أيضا قدر كبير من الرؤية التاريخية الشاملة و النظرة الثاقبة . لكن بالمعنى العام ، و ناظرين إليه على ذلك النحو جدليّا، إنّه تأكيد و تجسيد للنظريّة الماركسيّة للمعرفة و العلاقة بين الممارسة و النظريّة و إعتماد النظريّة في آخر المطاف على الممارسة ، و أنّ الممارسة هي المصدر في نهاية المطاف و محكّ النظريّة و الحقيقة . وهي تعكس بدائيّة المرحلة الأولى لتطوّر السيرورة التاريخيّة العالميّة للثورة البروليتاريّة نحو الهدف البعيد المدى ، الشيوعية . و فوق كلّ شيء ، كانت هذه الممارسة العمليّة الأولى لدكتاتوريّة البروليتاريا . كانت حركة ثوريّة بروليتاريّة لا تزال بعدُ في الأساس منحصرة في أوروبا وهي تدخل مسرح التاريخ مرتدية لباس الجمهوريّة البرجوازية و الديمقراطية البرجوازية التي خرجت عنها .
و الآن من الهام على ضوء هذا أن ننظر مرّة أخرى في تعليق لماو يخصّ كمونة باريس و قد أحالت عليه تقارير سابقة للجنة المركزيّة ، لا سيما تقرير 1979 . و بوجه خاص ، من المهمّ جدّا تفحّص بضعة نقاط صاغها ماو و لم تقع الإشارة إليها وقتها . تذكرون أنّ ماو كان يستخلص المسألة على طريقته المميّزة له " لو لم تهزم كمونة باريس ، ونجحت في البقاء، أعتقد ، أنّها كانت ستتحوّل الآن إلى كمونة برجوازيّة ". و مردّ هذا أنّه كان مستحيلا للبرجوازية الفرنسيّة أن تسمح للطبقة العاملة في فرنسا بأن تمسك بذلك القدر الكبير من السلطة . هذا هو حال كمونة باريس "(4) . بوسعى أن أتصوّر أنور خوجا و أمثاله و قد فقدوا صوابهم جراء هذا الضرب من المواقف و هم يصرخون : " كما لو أنّ البروليتاريا تستحقّ الحصول على موافقة البرجوازيّة للتمكّن من السلطة ". لكن بالفعل ، موقف ماو تلخيص مادي تاريخي و حتّى لو أنّه لم يطوّره تمام التطوير ، فقد مرّ للحديث عن الإتّحاد السوفياتي و كيف انّ سوفياتات لينين تحوّلت إلى سوفياتات خروتشوف و أخذ ينسج خيوط تحليله لإعادة تركيز الرأسماليّة مع صعود البرجوازيّة إلى السلطة ( وكان هذا في بدايات الثورة الثقافيّة، حين كان قد قام بالأساس بذلك التحليل و أخذ يلخّص بعض النقاط على مستوى أرقى ).
ثمّ واصل ، و هذا الجزء الذى لم يقتطف في تقرير 1979 والذى أرى أنّ له اهميّة خاصة و من المفيد لنا أن نركّز عليه ، في آن معا ، لأنّنا و لأنّه يجب علينا أن نكون واعين بأكثر دقّة للمشكل الذى يتعاطى معه و لأنّه سيعمّق أكثر فهمنا للأهمّية حجر زاوية هام من الأمميّة البروليتاريّة . إنّه يتحدّث عن كيف أنّ كمونة شنغاي ليست شكلا قابلا للتطبيق بل شكلا يثير مشكلا لأنّ الجماهير في شنغاي ( بالرغم ممّا يقال ( الآن ) ترغب في الكمونة لذا ما الذى علينا فعله ؟ إنّه مشكل تكتيكي ذلك انّه شكل متقدّم جدّا و لا يمكننا نشره شعبيّا عبر البلاد باسرها حينها (5) ( لقد حاولوا فعلا تكريس عدّة إجراءات مستوحاة من كمونة باريس ؛ مثلا ، حاولوا لفترة من الزمن تكريس مبدأ تعيين الجماهير للموظّفين و سحب الثقة منهم ، و مبدأ ألاّ تكون أجور الموظّفين أعلى من أجور العمّال إلخ ؛ و كان عليهم تلخيص أنّه عليهم التراجع قليلا عن بعض المواقف المتقدّمة و تعزيز ما بوسعهم تعزيزه . و قد تبنّوا في الأساس شكل اللجان الثوريّة التي وقعت مأسستها في أماكن أخرى في البلاد كأجهزة سلطة بديلة عن شكل الكمونة . ونحيل على نقاش ذلك في مقالنا ضد بتلهايم في مجلّة "الشيوعي" ) (6) .
و النقطة التي أودّ أن أتوغّل فيها الآن ليست تلخيص ماو بأنّ شكل الكمونة لم يكن قويّا بما فيه الكفاية كسلاح أو جهاز لقمع المعادين للثورة في الصين نفسها . لكن إستمعوا إلى هذا ، فهو غاية في الأهمّية ، قال " بريطانيا حكم ملكي . أليس كذلك ؟ و للولايات المتحدة نظام رئاسيّ . و كلاهما الشيء نفسه ، دكتاتوريّة برجوازية . و للنظام العميل في جنوب الفيتنام رئيس و على حدوده توجد المملكة الملكيّة كمبوديا سيهانوك . ما الأفضل ؟ أخشى أن يكون سيهانوك أفضل نوعا ما ..." و يعود إلى الوراء ثمّ يواصل في هذا السياق لفترة قائلا :" لا يجب تغيير العناوين تغييرا متواترا جدّا ؛ إنّنا لا نشدّد على الأسماء ، بل نشدّد على الممارسة ؛ ليس على الشكل ، بل على المضمون . و ذلك الشخص وانغ مانغ من أسرة الان الحاكمة كان مدمنا على تغيير الأسماء . و عندما أضحى إمبراطورا ، بسرعة غيّر كافة أسماء وظائف الحكم ، شأنه شأن العديد منّا الذين يكرهون إسم " مدير " . غيّر أسماء كافة المدن في البلاد . وهذا يشبه حرسنا الأحمر الذى غيّر تقريبا كافة أسماء الشوارع في بيكين ما جعل من غير الممكن لنا تذكّرها .و لا زلنا نتذكّر أسماءها السابقة ز و أمسى من العسير على وانغ مانغ أن يصدر مراسيما و أوامرا لأنّ الناس لا يعرفون ما هي التغييرات التي جدّت . و هذا الصنف من الدراما الشعبيّة يمكن أن يُستخدم من قبل الصين أو بلدان أجنبيّة على حدّ سواء ، من قبل البروليتاريا أو من قبل البرجوازيّة ". (7)
أذكر أنّى قرات شيئا لا أدرى إن كان للحزب التقدّمي أو الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني أو مهما كان إسمه الآن ، حيث تمّ التوقّف عند هذا الكلام و " الآن هذا مدعاة للغضب مطلقا ، هنا ماو يتجوّل فبين كافة هذه الأسماء و الشكليّات من كلذ صنف ، أكانت ستلقى إعترافا أوم لا من جميع البلدان البرجوازية ؛ إلى أي حدّ فسد و إبتعد عن الثوريّة ..." صخوا في مناسبات . و هذا بالتأكيد كلام يغيّب المضمون لصالح الشكل، لأنّ ماو بينما يتحدّث عن مسألة الأسماء و كلّ ما يتّصل بها، يثير بداهة مسألة حول ما إذا كان أم لا ذلك الشكل – أو بأكثر جوهريّة بمعنى آخر المضمون – الكموني قابل للتطبيق في الظروف القائمة في الصين .
ثمّ ، واصل ماو و تحدّث عن ذك بصورة عامة ،و بالنسبة لنا الآن بالذات ، الإطار الهمّ لبلد إشتراكي في عالم حيث لا يزال هناك بصورة واسعة محاصرة من قبل الإمبرياليّة . قال: " التجارب الرئيسيّة هي كمونة باريس و التجربة السوفياتيّة. و بوسعنا أن نتصوّر أنّ إسم جمهوريّة الصين الشعبيّة يمكن أن تستخدمه كلا الطبقتان . لئن وقعت الإطاحة بنا و صعدت البرجوازيّة إلى السلطة [ كم كانت نظرته ثاقبة – بوب أفاكيان ] لن تحتاج إلى تغيير الإسم ، و إنّما ستواصل تسميتها جمهوريّة الصين الشعبيّة . الأساسي هو أيّة طبقة تمسك بالسلطة السياسيّة . هذه هي المسألة الجوهريّة و ليست ما هي الأسماء ". و يسترسل : " أعتقد أنّه يجب أن نكون أكثر إستقرارا و لا ينبغي أن نغيّر كافة الأسماء . و يعزى ذلك إلى كون هذا سيفرز مشكلا إضافيّا . فإن جدّ تغيير سيُتبع بمسألة الإعتراف أو عدم الإعتراف من قبل البلدان الأجنبيّة . حين يتغيّر إسم بلد ، يخسر السفراء الأجانب أوراق إعتمادهم و سيقع تبديلهم بسفراء جدد و يستدعى ذلك مسألة الإعتراف من جديد . أتكهّن بأنّ الإتّحاد السوفياتي لن يواصل إعترافه بالصين . كيف يمكن أن توجد كمونة شعبيّة صينيّ’ ؟ سيكون بالحرى محرجا بالنسبة لهم لكن الأمم البرجوازية قد تعترف بها ".
و عليه ، ما كان ماو يعالجه لم يكن البتّة حقّا مسألة الإسم . و قد قال : " أنظروا ، إنّنا نحيا في عالم أين نجد أنفسنا محاصرين من طرف الإمبرياليّة و أن تكون لدينا جمهوريّة شعبيّة شيء لكن إن حاولتم الحصول على كمونة ستواجهون مشكل الدولة، في كلّ من معنى الأعداء الطبقيّين الداخليّين و بالمعنى الخارجي ، الأعداء الطبقيّين العالميّين ، و هذا شكل متقدّم أكثر من اللازم ، سيقع سحقه ". كما قال :" لن يعترفوا بنا " و ما إلى ذلك ، لكن بطريقته الخاصة لبلوغ مشكل أعمق بكثير – و من البديهي للماركسي – اللينيني أنّ ما يتعاطى معه ماو حقّا هو مسألة : ما الشكل الأنسب للصراع الطبقي في الصين و لقمع الأعداء هناك و للصراع الطبقي عالميّا ؟
و تاليا ، يستطرد ليسجّل نقطة في منتهى الأهمّية أودّ أن أعود إليها عدّة مرّات هنا . قال :" إن تمّ تغيير كلّ شيء على كمونة ، عندئذ ماذا عن الحزب ؟ أين سنضع الحزب ؟ فضمن أعضاء لجان الكمونة يوجد أعضاء حزبيّين و آخرين غير حزبيّين . [ هنا يتحدّث عن كمونة شنغاي – بوب أفاكيان ] أين سنضع لجنة الحزب ؟ يجب أن يوجد حزب بشكل ما ! يجب أن توجد نواة مهما كانت تسميتها . سواء أكانت الحزب الشيوعي أم الحزب الإشتراكي الديمقراطي أم الكيومنتانغ أم كوان – تاو ، يجب أن يوجد حزب ز يجب أن تملك الكمونة حزبا ، لكن هل يمكن للكمونة أن تعوّض الحزب ؟ " (8)
هنا ، بتعاطى ماو بداهة مع واقع أنّه طالما وُجدت طبقات و وُجد صراع طبقي ، ستوجد حاجة إلى دولة و ستوجد حاجة إلى حزب . و يقول : " يجب أن توجد نواة ، مهما كانت تسميتها " . مجدّدا ، يذهب إلى جوهر المسألة – لا يزال هناك تناقض أنّ الجميع ليسوا شيوعيّين . حينما نبلغ الشيوعيّة لا يعرف أحد بالضبط كيف سيكون التناقض بين المتقدّمين و المتأخّرين ، لكنّه سيوجد . لكن في هذه المرحلة ، كما نفهمه ، لن يوجد نفس نوع الحاجة إلى حزب لأنّ معنى الشيوعيّة أنّه لن وجد طبقا إجتماعيّة و لن يوجد نوع الإنقسامات الاجتماعية القائمة اليوم ،و لن يوجد حزب لينهض بدور طليعي بهذا المعنى – و إلى أن يكون الحال كذلك ، لن تكون لدينا شيوعيّة . لكنّه يقول في هذه المرحلة ، ليس بوسعنا إلغاء الحزب فالحزب جوهري بصفة مطلقة ، بالضبط مثلما هي الدولة .
أعتقد أنّه من المهمّ جدّا التفكير في هذا . لا يقول فحسب – إذا فهمنا مجمل ما كنت أدفع شذرات منه أنّه لو ظلّت الكمونة على قيد الحياة ، كانت ستتحوّل إلى كمونة برجوازية الآن ، بغضّ الطرف عن أن تكون قد حافظت على إسم كمونة أم لا، لكنّه يقول أيضا إنّ نظرنا إليها تاريخيّا ، على الأقلّ بالنسبة إلى هذه النتيجة التي يمكن أن نستخلصها منه ، ليس بالنظر على البرجوازية الفرنسيّة فحسب بل بالنظر على البرجوازية العالميّة ، كانت الظروف على نحو أنّ دكتاتوريّة البروليتاريا على الأرجح لم تكن لتوجد و لتبقى على قيد الحياة ، و أنّ مسألة وجود دكتاتوريّة البروليتاريا و بقائها على قيد الحياة محاصرة بالعالم الإمبريالي مسألة كبرى و في منتهى التعقيد و الصعوبة و لا يمكن معالجتها بوسائل محافظة أو صبيانيّة . يجب أ تعالج بتقدّم الصراع الطبقي إلى أقصى درجة عند كلّ نقطة و تعزيزي بدلا من خسارة كلّ شيء عند نقاط معيّنة ، في هذا الصنف من الموجة أو ، أفضل حتّى ، التطوّر الحلزوني للأشياء . هذا ما يسمّى أمر ضروريّ .
وعليه، هذه بعض النقاط المتفرّقة بشأن كمونة باريس . و نحن نمضى إلى الأمام يمكن أن نقول إنّ لينين عوّل إلى درجة كبيرة على تلخيص ماركس و إنجلز للكمونة في صياغة فهمه لدكتاتوريّة البروليتاريا كمرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة – خاصة طفت إلى السطح مسألة إفتكاك السلطة مباشرة على الأجندا ، أي في روسيا ذاتها سنة 1917 – و يجد هذا تعبيره المكثّف في " الدولة و الثورة " . و لاحقا كذلك في " الثورة البروليتاريّة و المرتدّ كاوتسكي " ، خاصة ، تحدّث بصفة صحيحة مثلا عن واقع أنّه في لا مكان من المجتمع الرأسمالي تطبّق الدبلوماسيّة بوضوح أمام الجماهير و بمشاركتها . إنّها تطبّق كذلك في السرّ بمعنى عدم تقاسم معرفة الدبلوماسيّين مع الجماهير . و من الصحيح أنّه عندما تمّ إرساء الإتّحاد السوفياتي ، عندما صعدت البروليتاريا إلى السلطة مع البلاشفة على رأسها ، بالفعل تمّ فتح الملفّات و كشف المعاهدات السرّية للإمبرياليّين . و في الواقع ، وُجدت حتّى بعض الأمثلة البطوليّة للمبادرة الجماهيريّة ؛ فبحّارة غير متمرّسين ، على سبيل المثال ، أمضوا لياليا دون نوم بهدف كشف كيفيّة حلّ الشفرات السرّية كي يتمكّنوا من فضح مؤامرات الإمبرياليّين امام العالم قاطبة . ليس من أجل الجمهوريّة السوفياتيّة فحسب ، وهو أمر مرتبط جدّا بهذا ، لكن كذلك من أجل التقدّم العام للصراع عالميّا .
لكن في الوقت نفسه يجب أن نلخّص أنّه حتّى في ظلّ قيادة لينين و حتّى لمّا كان الخطّ الأكثر ثوريّة ، لم يقدروا على تكريس دبلوماسيّة واضحة تماما و علنيّة تماما أيضا ؛ في الحقيقة ، لم يقدروا على القيام بذلك بصفة نوعيّة أكثر من الدول الرأسماليّة في العالم . و قراءة منافقة اليوم للينين بهذا الصدد سيكون بمستطاعها قول : " آه ، لم تتمكّنوا من فعل ذلك أنتم أيضا ، لذا مثال آخر على أنّه لاوجود فعليّ لأيّة إختلافات ..." و بينما هذا خاطئ بداهة ، ليس واقعا دون دلالة أنّه في لا مكان من العالم إلى هذه اللحظة تمكّنت دولة البروليتاريا من تكريس دبلوماسيّة واضحة في الأساس و بالعودة على الكمونة ، من البديهي بالأحرى أنّها لو ظلّت على قيد الحياة و كان عليها أن تتعاطى مع هذا النوع من الأوضاع الشديدة التعقيد ، لم تكن لتقدر على القيام بذلك أيضا – بوسع المرء أن يقول بقدر كبير من التأكّد .
و أيضا ليس من غير دلالة ، وهذا وثيق الإرتباط ، انّ كلّ الدول الإشتراكيّة التي وُجدت إلى حدّ الآن ، كان عليها ، و أعتقد إعتقادا صحيحا أنّه نتيجة ضرورة ( لا يمكن تفاديها بكلمات أخرى ) ، أن تحافظ على وجود جيش دائم واسع الصفوف ، منفصل عن الجماهير المسلّحة ككلّ . و يرتبط هذا طبعا بما شدّد عليه لينيني ، كذلك في " الدولة و الثورة " و في غيرها من المواقع ، على أنّها نقاط محوريّة ، و عامود من أعمدة دكتاتوريّة البروليتاريا الحقيقيّة . ما هو جوهر ذلك ؟ إنّها محكومة بالجماهير المسلّحة نفسها . لكن ، في الواقع ، و لا في مكان امكن بعدُ إيجاد حكم ، حصرا ، تحكمه الجماهير المسلّحة . لقد كان دائما من الضروري وجود ، إن أردتم وضع ذلك على هذا النحو ، جيش محترف ، جيش دائم منفصل ، و جهاز مسلّح من الرجال و النساء منفصل و بمعنى معيّن فوق الجماهير و سيكون هذا صحيحا حتّى إن كانت الجماهير منظّمة بشكل واسع في ميليشيا ، وهو الحال عندما وُجد الخطّ الثوري في القيادة .
لماذا ذلك كذلك ؟ و كإحالة جانبيّة يمكن أن نحيل إلى مقال مجلّة " الثورة " بشأن الحرب الأهليّة الإسبانيّة و الثوة الإسبانيّة (9) - أو الثورة التي لم تنجز في إسبانيا . و من الأشياء الأساسيّة المشار إليها أنّه أضحى من الضروري في تعارض مع بعض الخطوط النقابيّة الفوضويّة و غيرها التركيز الفعلي لجيش موحّد واحد من أجل إلحاق الهزيمة الفعليّة بالقوّات المسلّحة ( التي توحّدت حول فرانكو ) . كان سيكون جيّدا في المطلق ، لكن غير جيّد في الوقاع الملموس ، تمنّى أنّه الحال لم يكن كذلك – لكنّه كان كذلك . و سبب قول " غير جيّد في الواقع " أنّ نزعات إنكار الضرورة أو تقويض التحرّكات الفعليّة بإتّجاه تركيز قيادة مركزيّة ( بمعنى جيش دائم ممركز لقتال العدوّ و إلحاق الهزيمة به ) لا يمكن إلاّ أن يساهم في الهزيمة.
و الآن صحيح كذلك – و هذا شيء من دروس كثيرة من الحرب الأهليّة الإسبانيّة و التاريخ عامة و التاريخ يزخر كذلك بهذا الدرس – أن هذا تناقض يتلاعب به بصفة متكرّرة التحريفيّون و القوى البرجوازية المشابهة من صنف أو آخر ، في الوقاع ن بُغية خنق و قمع المبادرة الثوريّة للجماهير و المضيّ بالثورة بعيدا عنها و إمّا لإغراقها في الدم و/ أو خنقها بالبيروقراطيّة. هذا تناقض حقيقيّ . لا يمك تمنّى أو عدم تمنّى ذلك لأنّه تناقض . ينبغي أن يعالج كجزء من سيرورة أوسع بكثير و تناقض أكثر جوهريّة بكثير .
و هنا ، أجد أنّ تعليقا في المدّة الخيرة صدر عن رفيق لنا قيادي من اللجنة المركزيّة أكثر مناسبة . في الردّ على و إجابة على أحدث كتابات بتلهايم التي فيها كما وضع هو كذلك ، في النهاية ، " لبس النعل الآخر " و أتى إلى إستنتاج أنّه منذ بدايات ثلاثينات القرن العشرين و تعزيز قيادة ستالين ، صار الإتّحاد السوفياتي راسماليّا و لم يعد إشتراكيّا ، أشار رفيقنا إلى أنّه " إذا أمكن أن تُعتبر الكمونة دكتاتوريّة البروليتاريا ، بالتالى فإنّ الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين يمكن أن يُعتبر بصفة صحيحة إشتراكيّا ". و فقط لتقديم مثال لما يعنيه ذلك ، قد أضيف انّه في نهاية الأمر وجدت كمونة باريس ، دكتاتوريّة البروليتاريا ، دون ماركسيّين ! أي لم توجد بأيّ معنى قيادة ماركسيّة للكمونة و مع ذلك أعتبرت و عن صواب من قبل ماركس مثالا لدكتاتوريّة البروليتاريا . و لخّص إنجلز لاحقا قائلا : " أيّها الذين يخشون السلطة و يرتجفون أمام كلمات دكتاتوريّة البروليتاريا إذا كنتم ترغبون في معرفة ما هي ، أنظروا إلى كمونة باريس ، هناك وُجدت دكتاتوريّة البروليتاريا. و من منظور تاريخي شامل ، كان ذلك موقفا صحيحا و في غاية الأهمّية . و الشيء نفسه يمكن قوله عن الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين ( المزيد عن هذا لاحقا ) .
بيد انّ النقطة المباشرة هي أنّ هذا يوفّر لنا أفقا تاريخيّا و يعطينا فهما و يقدّم مثالا للحاجة إلى المزج بين الرؤية التاريخيّة و التفكيك الصارم و النقدي للتجارب التاريخيّة الخاصة الحيويّة و المكثّفة ، و إستخلاص أكبر قدر ممكن من الدروس و النضال من أجل صياغة الدروس بصيغة أدقّ ما أمكن كأسلحة من أجل الحاضر و من أجل المستقبل . و هنا أتكلّم بوجه خاص عن المستقبل المباشر، مع التركيز التام على الظرف الذى يتشكّل الآن . و هذه ، في نهاية المطاف ، هي أهمّية تلخيص التاريخ . من المهمّ المضيّ عميقا فيه بحدّ ذاته و كشفه و تفكيكه من وجهة نظر علميّة نقديّة . لكن في النهاية ، الهدف هو التقدّم بالنضال الثوري العام بإتّجاه الهدف النهائي ، و لئن أخفقنا في التركيز على هذا ، لا سيما الآن على المدى القصير و كذلك على المدى البعيد ، حالئذ يتحوّل إلى تمرين أكاديمي بحدّ ذاته ، و عندئذ تفسد النظريّة و نصبح غير قادرين على تحديد و تمييز الصحيح من الخاطئ . و هذه نزعة موجودة الآن ، حولنا ، و من الهام التحذير منها .
هذه إذن بضعة أفكار حول كمونة باريس و تلخيص لينين لها . و الآن في ما يتعلّق بالإتّحاد السوفياتي ، و قد تحدّثنا عنه للتوّ ، هنا لن أسعى إلى تلخيص شامل لعدد من النقاط التي سأثيرها ؛ و إنّما بالأحرى ، سأعمل فقط على لمس بعة نقاط أساسيّة و الإشارة إلى بعض الأسئلة لمزيد الدراسة و البحث و الصراع . و من جديد هناك سؤال ، خاصة في الوضع الحاضر و المتطوّر ، في إطار الظرف المتشكّل ، له أهمّيّة ملحّة ، في كلّ من تلخيص الدروس الحيويّة و التاريخيّة و إلحاق الهزيمة بالمواقف الخاطئة و الإنتهازية لرهوط متباينة من التوجّهات المتباينة بشأن طبيعة الإتّحاد السوفياتي في الوضع الراهن و دوره . فعلى سبيل المثال أنا متأكّد بانّكم واعون بأنّ حزب العمّال الشيوعي إنقلب على نفسه إنقلابا جليّا ليس في مسألة الصين فحسب بل أيضا في مسألة الإتّحاد السوفياتي ؛ فهو يعلن اليوم أنّ كلاهما إشتراكيّان ؛ لقد إنقلب على نفسه بإعتبار أنّه قد حام حول على الأقلّ مظاهر من الفهم السليم لما هي الإشتراكيّة في تميّزها عن الرأسماليّة . و الآن يواسى نفسه وهو يحاول بناء دعم له ضمن قاعدة إجتماعيّة بفكرة أنّ في نهاية المطاف ، الإشتراكيّة سهلة المنال لأنّه بوسعك أن تسافر في رت أنفاق موسكو ب 7 سنتات . و إذن من كلّ من وجهة النظر التاريخيّة الشاملة و من وجهة نظر النضال المباشر في العالم و تعقدّه و عديد القوى المختلفة في الحقل ، من الحيويّ أن نحفر بعمق أكبر ، حتّى بعمق أكبر من ما إستطعنا القيام به في الماضى ( بالرغم من أنّ جهودنا قد قدّمت مساهمة ، مثلا ، " ورقات حمراء " عدد 7 (10) ) و من الضروري أن نتعمّق أكثر في بعض هذه المسائل الحيويّة المتّصلة بالإتّحاد السوفياتي .
أودّ أن أستهلّ الأفكار التالية بالحديث قليلا عن بعض وجهات نظر لينين حول مسألة الإتّحاد السوفياتي ، خاصة في سنواته اليائسة الأولى ثمّ مع إتّضاح المر له ، للمستقبل المباشر جدّا على ألقلّ ، أنّه على الإتّحاد السوفياتي أن يمضي في الطريق وحيدا – ليس بمعنى أنّه لا روابط أمميّة له أو لا حلفاء عالميين له ، أو انّه لم يكن جزءا من البروليتاريا العالميّة أو لم يكن يتمتّع بالدعم ، و إنّما بمعنى أنّه سيكون ، في نهاية المطاف ن للثورة البروليتاريّة المظفّرة الوحيدة التي يجب تعزيزها نتيجة مجمل الظرف المتشكّل حول و بُعيد الحرب العالميّة الأولى . لذا ، أوّلا ، بعض التفحّص لبعض النقاط المفاتيح لوجهات نظر لينين حينما كان بعدُ ينتظر الإنتشار السريع للثورة ، خاصة في أوروبا ( و بالأخصّ في ألمانيا ) ، و رآها تربط علاقات مع النضالات المناهضة للإستعمار في الشرق ( على انّه بالضبط باي شكل و كيف تتطوّر هذه النضالات بإتّجاه الإشتراكيّة ، كان شيئا غير واضح تماما بالنسبة إليه ). لكن إن درسنا ليس ما كتبته الأمميّة الشيوعيّة فحسب بل أيضا مواقف و كتبات لينين ذاته بوجه خاص وقتذاك ، نعثر على نزعة محدّدة نهائيّا نحو النظر إلى تطوّر الثورة العالميّة كما لو أنّها، إن أمكن وضع ذلك على هذا النحو ، إضافة كمّية للجمهوريّة السوفياتيّة القائمة في روسيا ، أي سيوجد تطوّر من تلك الجمهوريّة ، تقريبا حرفيّا و جغرافيّا ، نحو جمهوريّة سوفياتيّة عالميّة .
و يجب قول ذلك بوضوح ، هذا لم يكن مسألة شوفينيّة لأنّ لينين ناضل بكلّ ما أوتي من جهد في صفوف الجمهوريّة السوفياتيّة القائمة و كذلك عالميّا ، ضد الشوفينيّة ، ضد الإنحرافات الشوفينيّة و من أجل مساواة حقيقيّة بين الأمم ، من أجل وحدة البروليتاريا العالميّة بإتّجاه الشيوعيّة . بالأحرى ، كان مسألة رؤية التطوّر و الإنتشار السريع للثورة البروليتارية في عدّة أنحاء من العالم على أنّها قريبة الحصول كثيرا ،و لسوء الحظّ ، لم يحدث ذلك . و بالرغم من كونها نظرة خاطئة ، فإنّ مظهرها الإيجابي – و هذا شيء اودّ تكراره لاحقا – مثّلت قدرا كبيرا من إنعدام الصبر في محاولة ن كما أشار ذات الرفيق القيادي إلى ذلك سابقا ، إعتصار كلّ ما يمكن إعتصاره من ذلك الظرف .
و الآن في هذا السياق أعتقد انّه من الهام ، و في هذا السياق فقط أعتقد انّه يمكن عمليّا أن نقيّم تقييما صحيحا ، و أن نلقي نظرة على عمل لينين " مرض " اليساريّة " الطفولي في الشيوعيّة " ، بكلمات أخرى ، لا أكثر من بعض الملاحظات المقتضبة المتفرّقة التي أوردتها بشأن كتاب ماركس " الحرب الأهليّة في فرنسا " ، تلخيص الكمونة . لن أسعى إلى إنجاز أي تلخيص شامل ل " مرض ..." و إنّما بالأحرى سأسعى إلى أن أسجّل بضعة نقاط لتكون جزءا من تلخيص أعمق لكتاب لينين إيّاه ، في سياق المسائل الأوسع التي نلمسها هنا .
اعتقد أنّه يجب أن نقول ، قبل كلّ شيء ، إنّه عند إعادة قراءته مؤخّرا ، أذهلنى واقع أنّه إجمالا عمل هام جدّا ، لا سيما في إطار نضوج إمكانيّات الثورة . فهو يزخر بعديد الدروس و المبادئ الهامة التي ينبغي أن نستوعبها و نطبّقها تطبيقا صحيحا ، و بطريقة خلاّقة حقّا أي بالمعنى الماركسي – اللينينيّ الخلاّق و ليس بالمعنى التحريفي ، الخروتشوفي الذى كما أشار أحدهم ، هي نظرة أنّه من الصواب أن " تطوّر بشكل خلاّق " الماركسية – اللينينيّة بإستبعاد أي مبدأ من المبادئ التي تضايق التحريفيّين ، لكن أن حاولنا عمليّا أخذ المبادئ التي صيغت و تطويرها من خلال تطبيقها على الوضع الراهن عندئذ سنكون دغمائيّين و أنصار فكر " كيف تتجرؤون ". لكن عند النظر في " مرض ..." أذهلنى واقع أنّ هناك عدّة مبادئ و دروس ليست صحيحة و حسب بصفة عامة بل هي حيويّة ، لا سيما في سياق وضع ثوريّ يقترب و يتطوّر .
ما كان لينين يسعى إلى جلب الإنتباه إليه و يسعى إلى التركيز عليه صراحة في عمله هو كيف ننجز الإنتقال من ضرب من الأوضاع الأكثر عاديّة إلى نضال ثوري تام التطوّر في أوضاع حيث الوضع الثوري ينضج و لكن الجماهير لم تتقدّم بعدُ إلى الموقف الثوري . و هذا بالمعنى العام ، هو المشكل الذى خاض فيه لينين ، غلاّ انّ هذا الوضع و مثل هذا الظرف – إن لم يكن ظرفا تاريخيّا على الصعيد العالمي ، على الأقلّ ظرفا بالمعنى الأكثر حصريّة للإحتداد بإتّجاه وضع ثوري و تطوّره . و ينبغي أن نقول إنّ هذه المحاولات لتحقيق أقصى المكاسب الممكنة تتخلّل كامل هذا العمل . و هذا عامة الصحيح في " مرض ..." وهو معتمد على بعض التوقّعات . بيد انّ بضعة نقاط و مقاربات و حتّى بعض المسائل المنهجيّة كانت خاطئة ، حتّى بالنظر إلى الوضع ، عاكسة من جهة نقصا معيّنا في فهم بعض الأوضاع الملموسة من قبل لينين ؛ لكن من الجهة الأخرى ، ماضية بعيدا حدّ محاولة بكلّ ما اوتي من جهد إستخلاص دروس الثورة المظفّرة في روسيا و تطبيقها على ظروف أخرى في معمعان هذا الوضع الذى ما فتأ يحتدّ - من أجل " إعتصار أكبر قدر يمكن إعتصاره من هذا الظرف" ( لإستعمال جملة توصيفيّة جيّدة جدّا )- فوقع لينين عمليّا في بضعة أخطاء ،و أحيانا على كلّ حال ن أخذت الأشياء في التحوّل نوعا ما إلى نقيضها بمعنى التكتيك الذى تقدّم به .
فعلى سبيل المثال ، لنأخذ حال أنجلترا التي هي موضوع فصل من " مرض ..." فيه تحدّث لينين عن تشكّل الحزب الشيوعي البريطاني الذى لا يزال يخطو خطواته الأولى ( في الاقع لم يتشكّل بعدُ الحزب ) و كامل مسألة حزب العمل ، واقع أنّ الكثير من الليبراليّين يدورون في فلك حزب العمل ،و أنّ الأشياء آخذة في الإستقطاب مع مسألة حزب العمل و قادته الإشتراكيّين المزيّفين ، تطفو إلى السطح . إنّه ينطلق من تجارب الثورة الروسيّة – التي لسوء الحظّ غابت خصوصيّاتها في هذا المثال – ليستخلص الدرس العام المكثّف في الجملة الشهيرة بانّ كلّ من له معرفة منذ مدّة كافية بالحديث عن الأجنحة اليمينيّة في الحركة قد سمع عن مساندة حزب العمل مساندة حبل لرجل مشنوق : إضغطوا عليهم ليمسكوا بالسلطة لأنّهم لا يرغبون في المسك بالسلطة ، بينما تحافظوا على موقعكم المستقلّ و حقّكم في النقد ، و عندما تهجرهم كافة الجماهير لمّا تشاهد أنّ حزب العمل لن يكرّس في الوقاع الإشتراكيّة ، سيتوجّه إلى الشيوعيّين و سيوجد وضع ثوريّ . حسنا ، بعض التكتيكات المشابهة كانت في الواقع صحيحة مطبّقة في الثورة الروسيّة إزاء المناشفة و الإشتراكيّين الثوريّين و قوى أخرى كانت في وقت أو آخر أو في وضع أو آخر تتمتّع بولاء فئات حيويّة من الجماهير – مثلا ، العمّال في السوفياتات و الفلاّحين. لكن إلى أنجلترا المرحة القديمة ذات التقاليد المديدة من الفساد و برجزة الطبقة العاملة التي كان ليين واعيا بها ، إلى جانب كامل تقليدها البرلماني البرجوازي ، كان الوضع مغايرا .
تعلمون أنّ ستالين قال مرّة في " الماركسيّة و المسألة القوميّة " إنّ " في روسيا لا يوجد برلمان ، " شكرا للّه " ! " (11) ( لم يتوضّح لى أبدا من قال " شكرا للّه " بإعتبار أنّ ستالين وضع الكلمات بين معقّفين ، لكنّنى أعتقدت غالبا أنّ ستالين هو من قال ذلك ) . و على أي حال هناك نقطة هنا هي أنّه إن وجدت تلك البرلمانات لمدّة زمنيّة طويلة و أخذ العمّال ينتخبون نوّابا عنهم يصبح ذلك حبلا حول عنق البروليتاريا و الحركة الثوريّة . إنّه حقيقة وضع يقتضى " شكرا للّه " إذا م يوجد برلمان أغلب الوقت ز في روسيا كان البرلمان ( أو الدوما ) تنازلا إنتُزع من الطبقات الحاكمة و القيصر خاصة في فترات حيويّة من نهوض وضع ثوري و نضوجه . لم يتمكّن حقّا من الوقت اللازم للتوطّد و الإستعمال من قبل الطبقات الحاكمة بهدف الخداع و مغالطة و إفساد نظرة الجماهير و حماسها و جعلهما يتآكلان . لقد كان دائم الحضور في اذهانهم ، لكنّهم لم يملكوا الوقت الذى كان للبرجوازيّة البريطانيّة لتحسينه كوسيلة من وسائل تضليل الجماهير .
في بريطانيا البرلمان جنبا إلى جنب مع كامل برجزة البروليتاريا لسوء الحظّ تحوّل إلى ما وصفنا و طالما و إلى درجة تطبيق ما قاله لينين هناك ، ( و في ذهني ما كان الأمر ليكون شيئا آخر بإتّباع مثل هذا التكتيك ) ، كان ذلك سيحدث بلبلة و إضطرابا لا سيما في صفوف الفئات المتقدّمة من البروليتاريا . فالوضع لم يكن هو ذات الوضع في روسيا ، لم يكن وضع برلمان وُلد في ذلك الوقت أو المكان ، بفعل النهوض الثوريّ ، الظروف كانت ظروفا جديدة ، أو على أيّة حال ، ضرورة جديدة بالنظر على البرلمان . في الواقع ، بينما وُجد مزاج ثوريّ نوعا ما ، تمرّدي في أنجلترا عقب الحرب ، لم يكن ذات النوع الذى جعل التناقضات تطفح و وضعا ثوريّا يتطوّر كما جدّ في روسيا قبل ذلك بالذات .
صراحة ، هناك شيء من المنطق البرجوازي في محاججة لينين هنا . فهو يمضى بعيدا حدّ قول في نقطة معيّنة ، إنّه إن ساندنا هندرسن و سوادن ( قائدا حزب العمل الإشتراكي الزائف ) و إذا كسبا النصر على لويد جورج و تشرشل ، عندئذ ستصبح غالبيّة العمّال ، في تفرة زمنيّة قصيرة ، غاضبة على قادتها و تتوجّه إلى مساندة الشيوعيّين . لقد قال لينين ، و هنا أعتقد أنّ المنطق البرجوازي يبدأ تأكيد نفسه و حتّى قسطا من الإنتهازيّة ، صراحة ، " إذا تقدّمت كشيوعي و دعوت العمّال ليصوّتوا لهندرسن ضد لوى جورج فبالتأكيد سيستمعون إليّ " (12) حسنا ، قد يفعلون و قد لا يفعلون ، غير أنّ هذه ليست هي المشكلة – سيكون ذلك إعتبارا تكتيكيّا ، لكن ينبغي أن يقوم على شيء أكثر جوهريّة . لينين هنا يُقيم حجّته على تقييم خاطئ ن و هنا يسعى جهده أن لا يسقط على ظهره ن هذه هي الطريقة الوحيدة التي بوسعى أن ضع بها ذلك ، لأنّه غير واعى ببعض النقاط التي ناقشنا ، فهو يعكس درجة معيّنة هنا من الفهم للدور الذى لعبته البرلمانيّة بالنسبة للطبقة العاملة البريطانيّة و بالنسبة للمجتمع البريطاني . في الواقع ، يقول حتّى لأنّ ذلك يعود إلى تاريخ البرلمانيّة ، يغدو أكثر ضرورة حتّى خوض الشكل البرلماني للنضال في بريطانيا العظمى – و أعتقد أنّ هذا خاطئ ، منطق برجوازي و قد سعى جهده لكنّه سقط على ظهره .
و الآن قد لا تكون هذه الأخطاء هامة جدّا ، لو أنّ م من أحد – و اقصد قادة الحركة الشيوعية العالميّة وصولا إلى التحريفيين المعاصرين من كافة الأرهاط تقريبا بلا إستثناء – قد شدّد على إعادة طباعة و توزيع " مرض ..." على أنّه " العمل العظيم للإستراتيجيا و التكتيك " اللذين ينبغي تطبيقهما حرفيّا ، و إذا لم يقع إستعماله كما إستعمل من طرف هذه الأصناف كوصفة للتحريفيّة في كلّ مكان و للإقتصادويّة و الغباء البرلماني و التذيّل للبرجوازية بصورة عامة . كاّ من كان أبدا ضمن الحركة و حول هذه القوى المتنوّعة لأكثر من أشهر قد صُفع بقوّة على الوجه بمقتطفات من و إحالات على " مرض ..." على هذا النحو ، و آن أوان تلخيص هذا تلخيصا صحيحا و الدفاع عن ما هو صحيح و قول إنّ لدينا شيء من النقد ، من ناحية أخرى – ما لخّصته للتوّ . عامة بوسعنا أن نقول إنّ من الأشياء التي إنطبقت حينها أو تنطبق في الاس حينها و/ أو عكست أخطاء إلى درجة معيّنة ، حتى و إن كانت ثانويّة ن قد أنجزت على قاعدة و أقيمت كمقالات إيمانيّة و أضحت بالفعل مقالات إيمانيّة للتحريفيّة ، و على سبيل المثال ، التشديد على النقابات و العمل صلب النقابات الذى يمكن أن يوجد في " مرض ..." .ليس أنّ لينين لا يعترف بحدود و نقائص النقابات ،و بالتأكيد النضال النقابي ، و أنّه لا يعترف بواقع أنّ في جزء كبير ، لا سيما في الغرب ، النقابات واقعة تحت سيطرة الرجعيين تماما و ليس مجرّد الإصلاحيّين. لكن هناك توجّه معيّن نحو أنّ النقابات، لا سيما في الغرب هي ، في نهاية المطاف ن المنظّمات الجماهيريّة المفاتيح للبروليتاريا و أنّه من الضروري النضال صلبها و كسب النقابات إلى قضيّة الإشتراكيّة . لذا درجة تقديم هذا على انّه صحيح أو أنّه معظم الحقيقة زمن " مرض ..." ، في هذه المرحلة من النضال البروليتاري و وضع الطبقة العاملة في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة خاصة ، يحتاج بالتأكيد أن ننظر فيه نظرة نقديّة و كرّة أخرى الآن ، مثلما شرعنا و آخرين في فعله .
إذن هذه مجرّد ملاحظات مقتضبة متّصلة بوجهات نظر لينين عندما كان ينتظر بالأحرى إنتصارا للتوّ إو إنتشار عدوى الثورة البروليتاريّة إلى أنحاء أخرى من أوروبا ، خاصة -ألمانيا و كذلك الربط مع النضال المناهض للإستعمار في الشرق. ثمّ أخذ يغدو جليّا أنّ الثورة في الغرب لا سيما و وفوق كلّ شيء في ألمانيا ن يجب أن تؤجّل وعلى الأرجح ستؤجّل لفترة، في الواقع أطول ممّا كان يتوقّعه قبلُ لينين و آخرون . و أكيد أنّ لينين واصل النظر إلى الأشياء في إطار ، و كان يرتكز إستراتيجيّا على ، الثورة العالميّة ، و أكثر من ذلك ، قد إعترف بنظرة ثاقبة ببداية تطوّرات نحو تحوّل في مركز الثورة أكثر فأكثر نحو الشرق ، وهي ظاهرة لا يمكن نكرانها منذ زمن لينين . و مع ذلك ، لم تكن نظرة لينين إحاديّة الجانب حول هذا أو تبنّت موقف " العالم ثالثيّة " أي ، محو الثورة في الغرب أو إعتبار أنّ إندفاع الثورة ممكن فحسب من الشرق ( وبعدها ربّما ستتطوّر الأمور في الغرب بحيث تصبح الثورة البروليتاريّة ممكنة ) . لم تكن هذه نظرة لينين و عندما تلصق به تمثّل إبتذالا لنظرته الفعليّة ، رغم أنّه إعترف عن صواب بالتطوّرات التي كانت تنطلق في تأكيد نفسها ، أي تحوّل مركز الثورة أكثر فأكثر نحو الشرق .
و الآن ، في ضوء هذا ، من المهمّ النظر في واحدة من أواخر محاولات لينين ، في مقال " من الأفضل أقلّ ، شرط أن يكون أحسن " (13) و بوجه خاص قسمها الأخير ، الذى يخوض في مسألة ما الذى سيفعلونه إعتبارا لواقع – و هذا سنة 1923 – انّ الثورة في الغرب و ألمانيا بالأخصّ لم تكن لتنجح بسرعة و تتقدّم على التوّ المساعدة للثورة البلشفيّة . من البديهي جدّا عند قراءة ذلك أنّه كان يخوض في المشكل دون نسيان أو تلخيص برنامج صريح تماما ، وهو بعدُ يواجه مواجهة تامة بعض مشاكل الحركة البروليتاريّة فلى الغرب . مثلا ، في الحركة الشيوعية ، أحد أهمّ قادة الشيوعية الألمانيّة ( كما تسمّى) أراد الحصول على نوع من الترخيص بقول مفاده أنّه بوسعهم أن يضمنوا للعمّال في ألمانيا في حال حدوث ثورة أنّ أجورهم لن تنخفض . حسنا ، بالتأكيد أنّ هذا ساعد لينين على الشروع في إدراك شيئا من هذه المشاكل – تعلمون أنّ هذا غير مختلف جدّا لدى الكثير من الناس اليوم . و شرع لينين في مواجهة واقع أنّهم سيمضون في الطريق لوحدهم ، ربّما ليس لعقود ، لكن لفترة زمنيّة . قبلا ، ، فكرة أنّ الثورة في الغرب و بالأخصّ في ألمانيا ، كانت ستأتى فورا لمساعدتهم كانت من إنتظارات لينين غالبا ، و هذا شيء علينا إستيعابه . لم يكن التروتسكيّون لوحدهم هم الذين كان لديم توجّه أنّ الثورة الروسيّة كانت تحاج إلى و ستجد في الثورة في بلد أكثر تقدّما و بالأخصّ ألمانيا المساعدة إن لم تأت لإنقاذها – ربّما " إنقاذ " مصطلح مبالغ فيه و ينسجم أكثر مع الرؤية التروتسكيّة – ستأتى إلى مساعدتها و هم بدورهم سيفتكّون السلطة في روسيا و سيكون هذا بمثابة شرارة للثورة البروليتاريّة في الغرب ، و عندما تكون السلطة قد إفتكّت في الغرب سيمثّل ذلك أرضيّة تمكّنهم من قاعدة ممكنة لبناء الإشتراكيّة و التقدّم نحو الجمهوريّة السوفياتيّة العالميّة . كانت هذه فكرة لينين إلى ان وجب تلخيص انّ ذلك لم يعد الأفق المنظور أو المباشر .
و الآن ، كان لينين ، و ساعود لما كان في معارضة ذلك بعد قليل ، ينوى وضع الثورة السوفياتيّة على محكّ و المخاطرة على المدى القصير من أجل إنتصار الثورة في ألمانيا و أنحاء أخرى من العالم ، لا سيما أنحاء أخرى من أوروبا أي أنّها إستراتيجيّة أكثر ، و كان محقّا زمنها ، سنة 1918 و سنة 1919 ، مع التحرّكات والتمرّدات الثوريّة المنتشرة وسط أوروبا، شدّد لينين بصفة متكرّرة على ضرورة دعم هذه النضالات إلى اقصى حدّ الدعم بما في ذلك بقوّة السلاح والفيالق. و بالفعل، سنة 1920 ، زحف الجيش الأحمر على فرسوفيا ( و عن تمّ فرض التراجع عليه لاحقا ) و كان هذا مرتبطا بوضوح بإيجاد ظروف أكثر مواتاة للثورة الألمانيّة . و من جديد ، هذا التوجّه لم يكن قائما على نوع من القضاء و القدر التروتسكيّ – أن كلّ شيء سيُخسر إلاّ إذا حدثت الثورة في البلدان المتقدّمة – و إنّما هو نابع من أنّ هذا بالفعل كان مسؤوليّة البروليتاريا في السلطة و سيرسى أصلب قاعدة ممكنة لبناء الإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي . لقد كان لينين ينوى تماما ( في تعارض مع فكرة أنّه ليس بوسعنا تصدير الثورة ) أن يصدّر الثورة . في ظروف القرن العشرين ، خلُص إلى أنّ ذلك ، لسوء الحظّ ، ما كان ليحدث حينها . و هذا شيء إستبعد من بؤرة النظر إلى درجة كبيرة منذ زمن لينين ، و مضت الأمور بعيدا جدّا في إتّجاه وعد البرجوازيّة في السلطة بانّنا لن نصدّر الثورة إلى بلدانها . و ليس يسيرا أن ندافع عن هذا المبدأ حينما نواجه ضرورة الحفاظ على السلطة و التقدّم في بلد معيّن ، لكن ، مع ذلك ، يجب الدفاع عن هذا المبدأ .
لكن بالعودة إلى " من الأفضل أقلّ ، شرط أن يكون أحسن " ، من الأشياء التي رأى أنّها ذات اهمّية بعيدة المدى في محاولة فهم هذا المشكل بعمق أكبر ، مرّة أخرى ، لا سيما إذا ألقينا نظرة على القسم الأخير من ذلك المقال ، هو أنّه ثمّة تشديد مبالغ فيه و مماثلة عامة بين التصنيع و هيمنة الصناعة في بلد مع الإشتركية . و هذا أيضا محور في أعمال أخرى للينين معروفة جدّا و ليست هامة فحسب ( من مثل " بداية عظيمة " (14) الذى كتب قبل سنوات قليلة ، في 1919).
و الآن علينا أن نكون حذرين في القيام بهذا النقد لأنّ لينيني قال :" في آخر التحليل " و " على المدى البعيد " . و طبعا من الصحيح أنّه لا يمكننا أن نرتئي الإشتراكيّة تظفر و تحرز النصر التام على قاعدة متخلّفة ، حتّى بإنتاج فلاحي ما قبل رأسمالي كأهمّ شكل من أشكال الإنتاج . لكن هناك مبالغة قليلا في نزعة نحو المماثلة واحد لواحد بين التصنيع و هيمنة الصناعة على الفلاحة و بين الإشتراكية – بكلمات أخرى ، منظور إليها من زاوية أخرى ، فكرة أنّه دون هيمنة الصناعة لا يمكن للإشتراكيّة أن تبقى على قيد الحياة ، و كانت هذه النظرة هي السائدة صلب الحركة الإشتراكيّة و الشيوعيّة . و في حين أنّ هذا صحيح على المدى البعيد ، هناك الكثير ممّا إكتشفنا حصوله بين المدى القصير و المدى البعيد .
و في الوقت نفسه و بإرتباط بهذا هناك مسألة الفلاّحين . و نظرا للطريقة التي تطوّرت بها الثورة في روسيا ، في تعارض مع مثلا الثورة الصينيّة ، لم يوجد حقّا مدى بعيد و تجذّر عميق في الريف في روسيا ، بالرغم من أنّه في سياق ثورة 1905 و مرّة أخرى أثناء الحرب ، خاصة مع الفلاّحين في زيّ موحّد للجيش و في تمرّدات و إنتصارات ثورة 1917 ، كما علّق لينين على ظواهر العمّال الثوريّين الذين عادوا إلى قراهم التي أتوا منها أو توجّههم إلى قرى عامة و القيام بالعمل الثوري صلب الفلاّحين و الإرتباط بتمرّدات الفلاّحين . إلاّ أنّه لم يوجد إمتداد للجذور على المدى البعيد و بعمق في صفوف الفلاّحين كما حدث بالضرورة في الثورة الصينيّة لنّه ما كان صحيحا مركزة الثورة في الريف في روسيا ، مثلما تبيّنت صحّة و ضرورة ذلك في الصين . موقف لينين إزاء الفلاّحين المتميّز بالإنفتاح إنفتاحا كبيرا ، كان موقف محاولة – و بوسعنا إستخدام الجملة بالمعنى السياسي – ل " تعلّموا الحرب و أنتم تخوضونها " . فمثلا ، في أوج أكتوبر وهم يفتكّون السلطة ، كرذس لينيني نفسه بدأب و حيويّة و صرامة لدراسة أدب الإشتراكيّين الثوريّين الذين كانوا يتمتّعون بقاعدة صلب الفلاّحين – غير انّه كان جهدا سريعا و مشتركا لمعرفة الفلاّحين بطريقة مكثّفة جدّا ، و لكسبهم بطريقة مكثّفة جدّا .
و هكذا ، مشكل الفلاحّين غير مفاجئ بإعتبار أنّ البلاشفة لم يتوقّعوا أن تحصل بالضرورة ثورة في روسيا أوّلا ، حتّى و إن حصلت أوّلا ، لم يتوقّعوا أن تحدث و تظلّ وحيدة دون مساندة آنيّة أو سريعة من الثورة في الغرب. لم يولوا أهمّية إلى مسألة الفلاّحين ما أملى عليهم لاحقا إيلاها أهمّية حينما واجهوا الوضع الفعلي للمسك بالسلطة و محاولة ليس كسب الحرب الأهليّة فحسب و في نفس الوقت إلحاق الهزيمة بالتدخّل الأجنبي ، و إنّما تعزيز السلطة و الشروع في إعادة بناء الإقتصاد و المضيّ قما على الطريق الإشتراكي . درس لينين مسالة الفلاّحين بصرامة و إعترف بالتأكيد بأهمّيتها و بالحاجة إلى كسب الفلاّحين . لقد درس تجربة التعاونيّات و شدّد ، مثلا ، على الفرق النوعي في الدور الذى يمكن لتلك التعاونيّات – وهو يتحدّث خاصة عن تعاونيّات تجاريّة أكثر منها تعاونيّات إنتاج في تلك السنوات الأولى – أن تلعبه في أن تكون نوعا من الشكل الإنتقالي في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، بإتّجاه الإقتصاد الإشتراكي في الريف و في البلاد ككلّ .
لكن مع كلّ ذلك لم يرسم سياسة شاملة بخصوص مسألة الفلاّحين و كيفيّة تصوّر مسألة الفلاّحين ضمن مجمل التغيير الإشتراكي ، و إلى درجة معيّنة يعزى هذا إلى عوامل ناقشناها قبلا متّصلة بطبيعة الثورة الروسيّة و الثوريّين الروس و توقّعاتهم و ، إلى درجة معيّنة ، إلى هذا الفهم للمماثلة بين التصنيع و هيمنة لصناعة على الفلاحة على أنّها أمر أساسي لقيام الإشتراكية .
صحيح أنّ لينين حاجج ضد نظريّة قوى الإنتاج و بالأخصّ ضد المناشفة و الكاوتسكيّين و ما إلى ذلك الذين كانوا يقدّمون الحجّة التقليديّة بأنّه من غير الممكن إيجاد الإشتراكية في روسيا لأنّها متأخّرة جدّا و من الضروري إمتلاك مستوى تقنيّ حضاري – بمعنى قوى إنتاج و علم – قبل أن تصبح الإشتراكيّة ممكنة . و لينين في " ثورتنا "(15) وجههم و قال " حسنا ن لكن لماذا ليس بوسعنا أوّلا أن نفتكّ السلطة و ننشأ الحضارة ؛ أين في كتبكم المغبّرة يُقال إنّه يجب أن نقوم بذلك بالطريقة الأخرى ؟ " و أنا متأكّد أنّه كان على إستعداد تام ن حتّى إن وجدُوا مقولة ما ، ليقول لهم إنّهم سيفعلون ذلك ثمّ سيمضون إلى معالجة ذلك المشكل – و هذا هو التوجّه اللينيني و الماركسي الصائب.
لكن حتّى هنا عند إعادة القراءة صدمنى ذلك – من الواضح أنّه يدحض رأيهم إلاّ أنّه كذلك يقبل بقسط معيّن من الإطار الذى وضعوه . يقول : حسنا ، يجب أن نملك مستوى معيّنا من الحضارة " ، ثمّ يضع بين قوسين و هذا هام ، " بالرغم من كون ما من أحد ببساطة بإمكانه قول ما هو هذا المستوى " و هذا أيضا دحض على مستوى أعمق ، إنّه موقف جدلي معارض للماديّة الميكانيكيّة ؛ يقول " أجل ، صحيح لكن علينا أن لا نكون ميكانيكيّين و إطلاقيّين جدّا بهذا الصدد ". بيد أنّه في الوقت نفسه يقول ، إلى درجة معيّنة ، " أجل ، جيّد لكن لماذا لا نستطيع أوّلا إفتكاك السلطة ثمّ نتغلّب على البلدان الرأسماليّة و الرأسماليّة عامة في إنشاء مستوى أعلى من التقنية ( و بهذا المعنى ) الحضارة ". و لم يواجه لينين نظرة التحريفييّن بأيّة وسيلة بل إختار هذا بالضبط لدحض الآراء التي تقدّموا بها بحدّة وقتذاك. لكن في بحثهم و نظرهم في الأشياء لدى لينين لتبريرها ، كان للتحريفيين و التحريفيين الصينيّين مثلا ن عقب إفتكاك السلطة ، أشياء يخرجونها من لينين ليرفعوها دليلا على صحّة خطّهم المشدّد على الإنتاج و التقنية و التفوّق على البلدان الراسماليّة المتقدّمة في الإنتاج كضمان ضد إعادة تركيز الرأسماليّة .
و في الوقت نفسه ، في مقاله " من الأفضل أقلّ ، شرط أن يكون أحسن " و بشكل عام أثناء هذه الفترة من السنوات القليلة الأخيرة من حياته ، قد شدّد لينين تشديدا كبيرا ، وهو على حقّ ، على ضرورة إستخدام الخلافات في صفوف الإمبرياليّين فقد أدرك عن صواب أنّ هذا صراع حياة أو موت ، و دّم قيادة ملموسة . لم يكن الأمر مسألة مبدأ بصفة مجرّدة و إنّما مسألة دفاع عن مبدأ بينما في الوقت ذاته يطبّق ذلك المبدأ تطبيقا عمليّا ، لأنّ المبدأ دون تطبيق يفسد كمبدأ و لا يكون له تأثير أيضا – على الأقلّ لا تأثير إيجابيّ له . و لا يجب أن يكون هذا طريقة لقول : لا يهمّ ، مبدأ أو أي الشيء المهمّ الوحيد هو الممارسة ، بالمعنى الضيّق . إنّها مسألة تلخيص للإثنين ، لكسب الجماهير ، مسألة الإفتكاك العملي للسلطة ، القيام بالثورة و تغيير المجتمع ؛ هذا هو الإختبار الأخير و لينين عالجه كإختبار أخير . لقد عالجه كإختبار و طريقة ، لكن كما قلنا في التقرير الأخير للجنتنا المركزيّة ، كان منشغلا بالظفر و هذا ينبغي أن نتعلّمه منه . و في هذا الإطار ، خاض في مسألة كفيّة إستغلال الخلافات في صفوف الإمبرياليّين غير انّه نظر إلى هذا و وضعه في سياق توقّع ، إن لم يكن فوري، بعد قريبا تماما ، لنهوض في الثورة العالميّة و ، إن أردتم وضع ذلك على هذا النحو ، رآه أكثر بمعنى " كسب الوقت " إلى أن يحدث نهوض آخر في الثورة العالميّة ، أكثر منه سياسة إستراتيجيّة بعيدة المدى لإستغلال هذه الخلافات .
و إلى جانب هذا ، كان تحليله للقى العالميّة ، مثلا ى المؤتمر الثاني للأمميّة الشيوعية ، بمعنى الدول و الشعوب و الطبقات قد إستخدمه التحريفيّون الصينيّون في المدّة الأخيرة إذ قالوا مثلا ، في " مجلّة بيكين " عدد 45 لسنة 1977 ، حيث نشروا موقفهم الكبير حول نظريّة " العوالم الثلاثة " ، نعثر على شيء من مثل حسنا كانت لدى لينين روايته الخاصة ل " العوالم الثلاثة " . حينها ، قسّم العالم إلى ثلاثة ، هو الآخر . ما الذى ينبغي أن نتعلّمه من لينين ؟ ينبغي أن نتعلّم أن نقسّم العالم إلى ثلاثة. لكن هناك جانب من الحقيقة في هذا ، إن قرأنا المقال الذى تتمّ الإحالة عليه ، فقد قال لينين إنّه في صفوف الدول الإمبرياليّة المنتصرة هناك تلك التي حقّقت مغانما كبرى ؛ و هناك تلك التي حقّقت مغانما ليست بالكبيرة جدّا ؛ ثمّ ، في الأخير ، هناك ألمانيا التي تلقّت صفعة ، و هناك نحن الذين قمنا بالثورة و هناك كافة الشعوب المستعمرة و التابعة . لقد أجرى تحليلا مشابها لهذا التحليل – ليس ، مع ذلك ، لإستخلاص إلى جانب أيّة برجوازية من البرجوازيّات نقف و إنّما كيف نستغلّ التناقضات صلبها و حتّى بأكثر إستراتيجيّة و جوهريّة ، أين نتوقّع و أين نركّز العمل لتطوير نهوض ثوري في المرحلة القادمة . لكن مجدّدا ، ليس أنّ التحريفيّين الصينيّين ، في بحثهم عن غطاء لينين – إلى الدرجة التي كانوا يرغبون فيها في الحصول على غطاء ( و هذا بصفة تنازليّة ) من أجل خطّهم العالمي الرجعي والمعادي للثورة مثلما صيغ، على الأقلّ حتّى الآن ، في نظريّة " العوالم الثلاثة " ، ليس أنّه ليس بوسعهم إيجاد أيّة عناصر من ذلك لدى لينين . طبعا، مثلما قال ذلك لينين نفسه ، بإمكاننا دائما إيجاد أيّ مقتطف خارج سياقة لتبرير أي شيء ، وهذا من الأشياء التي تجعل الحياة محبطة جدّا . إلاّ أنّه هناك بعض المشاكل ، لسنا ببساطة نتعاطى مع تشويه ، هناك بعض الأشياء ، بعض العناصر التي بدأت تطلّ برأسها و يمكن أن تساق كحجج خاطئة .
بطريقة معيّنة شكل بارز من هذا هو السياسة التي كُرّست تجاه ألمانيا في السنوات الأولى من الجمهوريّة السوفياتيّة . عامة كانت سياسة صحيحة ، فقد إعترف البلاشفة بأنّ ألمانيا كانت مضطرّة للبحث عن أصدقاء في مواقع غريبة بسبب موقعها كدولة مهزومة و بسبب الطريقة التي وقع بها القضاء عليها من طرف الإمبرياليّين الآخرين للحصول على غنائم الإنتصار ( من إفشال مساعى ألمانيا إلى إعادة تقسيم العالم لمصلحتها إلى تقسيم العالم لمصلحتهم الخاصّة ) لقد كانت ألمانيا منفتحة على و كانت لديها ضرورة ، شأنها شأن الجمهوريّة السوفياتيّة و إن من موقع مختلف نوعيّا ، لعقد نوع من الإتّفاقيّات و التحالفات . و على سبيل المثال عُقدت إتفاقيّات في المجال العسكريّ : لم يسمح الحلفاء لألمانيا بتكوين جيوش لذا كانت في الأساس تدرّب لبّ قيادة جيشها و تطوّر الكثير من أسلحتها في روسيا بينما كان الروس يتعلّمون بعض ذات الأشياء و هم يبنون جيشه ، و كلّ هذا كان ضروريّا و صحيحا بذلك المعنى . لكن ما بدأ في التخدّر بعدُ ، و ما أفرز إضطرابا و ما يجب تلخيص دروسه المفاتيح هو أنّه وُجدت نزعة – ستتطوّر أكثر بشكل أتمّ لآحقا و تتحوّل إلى أو بإتّجاه تناقض عدائيّ – لعدم المعالجة الصحيحة و بصفة معيّنة حتّى إنكار وجود تناقض بين المصالح ، إن أردتم وضع ذلك على هذا النحو، بين مصالح البروليتاريا في السلطة و المصالح الثوريّة العالميّة ككلّ للبروليتاريا العالمية .
و هنا أودّ أن أشير فحسب إلى أنّ أسوء ما في هذا كلّه بهذا الصدد هو التفكير في أنّ الإثنين ليسا في تناقض و بالفعل أضحيا الشي عينه . و قد بات هذا هو السائد نوعا ما – و أكثر من رشح بسيط ، بات تيارا سائدا – في السياسة السوفياتيّة زمنها . ليس أنّهم فسخوا الثورة في ألمانيا ، بعيدا عن ذلك ، لا سيما في أواخر عشريّات و بدايات أوائل عشرينات القرن العشرين ؛ الأمر هو أنّ فكرة أنّ الإثنين يمثّلان الشيء نفسه أخذت في التسلّل كتبرير لما كانا يفعلانه ، في حين أنّه كان يجب تبرير ذلك ببساطة على أساس أنّه كان من الضروري و لم يكن ، في حدّ ذاته ، ضارا للثورة في ألمانيا أو الثورة العالميّة بالنسبة لروسيا السوفياتيّة عقد هكذا إتّفاقيّات مع ألمانيا . بكلمات أخرى ، ما كنت أصف صار جزءا من مفهوم أنّه بالقيام بذلك و بعقد إتّفاق مع ألمانيا ، سينتشر تأثير الثورة الروسيّة في ألمانيا و سيجعل عمل بناء الثورة في ألمانيا أيسر . في حين أنّ هذا مظهر من الوضع ينطوى على جانب من الحقيقة ، في الواقع هو مظهر ثانوي. و ليست المسألة طفوليّة أو مسألة رفض ربط هكذا علاقات لنقاء البكر ؛ و مع ذلك يجب الإقرار بأنّ هناك بعض المشروعيّة التي أسبغت عليها ، أو بعض الإرتباك الذى أخذ يتعمّق بشأنها ، بصدد طبيعة ذلك النظام في ألمانيا . لكن هذه ليست النقطة الأهمّ : ماذا في ذلك ، بمعنى معيّن ، لأنّ الشيوعيّين ينهضون بمهمّة و يجتهدون من أجل إمكانيّة القيام بعملهم التشهيري و إنجاز نوع العمل لتخطّى أيّة مشاكل قد يثيرها ذلك . إنّه ذات الوضع الذى فرض نفسه في إطار آخر ، بطريقة أخرى ، مع إنفتاح الصين على الغرب في سبعينات القرن العشرين . و بالنسبة للثوريّين في الغرب ، قد تعاطى البعض مع الأمر تعاطيا جيّدا تماما و تعلّموا التعاطى معه بصورة أفضل ، و تعلّم البعض الآخر كيف يلتفتون إلى بيكيكن و يدورون حولها و فسدوا . و المشكل ذاته طرح نفسه زمها – السنوات الأولى ، اليائسة للجمهوريّة السوفياتيّة .
التفكير في انّه بشكل ما و في الواقع تناقض و بالتالى ينطوى على إمكانيّة ، إن لم تتمّ معالجته معالجة صحيحة ، التحوّل إلى تناقض عدائي ليس تناقضا ،التفكير في أنّ حاجيات دولة البروليتاريا في السلطة ، إن أردتم وضع ذلك على هذا النحو، حاجيات البروليتاريا في السلطة في روسيا لإستغلال الخلافات في صفوف الإمبرياليّين لأجل الحفاظ على السلطة من ناحية، و مصالح البروليتاريا العالميّة ، كما هي ممثّلة في حاجتها إلى إفتكاك السلطة في ألمانيا ، من ناحية أخرى ، شيء واحد ، لشيء من ابشع الأشياء . هنا أين تشرع الأمور حقّا في التحوّل على نقيضها لأنّ الحدّ الثوريّ عندئذ لا يتمّ فسخه فحسب بل يأخذ في الإنحلال ، و تأخذون في التفكير في أنّه بوسعكم بشكل ما مسك مقاليد السلطة و التأثير و الإحترام الذى تكسبه دبلوماسيّة الدولة الإشتراكيّة . هذا من ناحية ، و من الناحية الخرى ، أمر واقع أنّه ستوجد أيضا نزعة ضمن الدبلوماسيين و فوق كلّ شيء ، ضمن القادة السياسيّين في هذه الدولة الإشتراكيّة نحو إطفاء المشاعر الثوريّة و التطوّرات الثوريّة في البلد الذى يحتاجون إليه ( و حتّى يحتاجون إليه بيأس ) مقيمين هذه التسويات و الإتفاقيّات ، لأنّ الثورة لا تأتى كما لو أنّك في يوم تقوم بالعمل الدبلوماسي و في اليوم الموالى تستيقض و يمكنك القيام بثورة . إنّها تمضى عبر سلسلة من التطوّرات – إلى الأمام و إلى الخلف ، سلسلة من المنعرجات و الإلتواءات – و عبر كلّ ذلك الإثنان ، حاجيات الدبلوماسيّة و الدولة كما حدّدتهما ، من جهة ، و التطوّر نحو ثورة من جهة ثانية ، يصبحان غالبا في تناقض حاد جدّا .
و الآن عرضيّا يجب أن أقول شيئا ألا وهو أنّ لدي لينين نفسه ، و ليس فقط لاحقا في الحزب السوفياتي والحركة العالمية، لديه نظرة خاطئة ، نظرة تتناقض إلى درجة معيّنة مع اللينينيّة ، في الواقع ، بشأن معاهدة فرساي و كيفيّة التعاطى معها في ألمانيا ، وهو أمر مرتبط تماما بهذه المور التي ناقشت للتوّ . قبل ذلك ، إتّخذ لينين موقفا صحيحا في الأساس و ناضل من أجله ، مثلا في " مرض " اليساريّة " الطفولي في الشيوعيّة "، بشأن مسألة معاهدة فرساي حيث قال إنّه على أساس الأمميّة ينبغي على الشيوعيّين الأمان ألاّ يضعوا أنفسهم فو موقع السماح للبرجوازيّة بوضعهم في ركن يدفعهم إلى الخروج و قول غنّهم ضد معاهدة فرساي و يجب أن يحدّدوا موقفهم تجاه معاهدة فرساي على أساس مصالح البروليتاريا العالمية و الثورة العالميّة . لكن بعد ذلك ، أخذ يتسلّل إلى نظرته ، و قد ظهر بشكل ما أنّ لدي لينين و بالتأكيد تكرّس ذلك بعده ، دفع للشيوعيين في ألمانيا دفعا قليلا – و ليس هذا عرضيّا وهو متّصل بصفة ما مع هذا الصنف من التحليل الأوّلي و الجزئيّ للأجزاء الثلاثة من العالم ، إن أردم – نحو رفع الراية القوميّة في ألمانيا ضد معاهدة فرساي و ضد غنيمة المنتصرين على حساب ألمانيا .
لقد صرّحتُ بهذه النظرة في عدد من المناسبات الماضية إلى أشخاص متباينين و سأكرّرها هنا ببساطة مجدّدا . : لم أستطع قط أن أفهم لماذا ، حينما تتحدّثون عن الإمبرياليّين و أنتم في بلد إمبريالي ، مجرّد كونه خسر في الحرب أو تراجع إلى موقع ثانوي ، يجعلكم وجوبا مناصرين كبار للدفاع عن الوطن . بكلمات أخرى ، نظرة أنّه " حسنا ، لقد تعرّض إمبرياليّونا للهزيمة، بالتالى الآن بالنسبة لنا صار من المسموح به الدفاع عن الوطن " ، شيء لا أستطيع أن أستوعب تماما صحّته ، من وجهة نظر ماركسيّة – لينينيّة . و أقول وجهة نظر ماركسيّة – لينينيّة حتّى و إن شاب موقف لينين بعض الخطأ ، لأنّ هناك لينينيّة و هناك لينين ، بالضبط مثلما هناك ( حتّى و إن قال ذلك التحريفيّون الصينيّون ) فكر ماو تسى تونغ و هناك ماو تسى تونغ ، و الإثنان ليسا بالضرورة متماثلان في كلّ لحظة . ليس الأمر انّ ماو تسى تونغ قد رفع على الدوام راية فكر ماو تسى تونغ - بيد انّه حيث نعتقد أنّه إنحرف عنه ، بالتأكيد ، متعارض مع حيث يعتقد التحريفيّون الصينيّون أنّه إنحرف . و الشيء ذاته ينسح على اللينينيّة : كلّ عمل من أعمال لينين ليس بالضرورة لينينيّة . لكن هناك الليننينيّة كذلك . و أعتقد أنّ هذه النقطة هامة – فكرة أخذت تتسلّل ، فكة أنّه إن خرج إمبرياليّونا خاسرين ، عندئذ يصبح من المسموح به أن نساندهم : " في نهاية الأمر ن نحن إمبرياليّون من صنف ثانى هنا ، لدينا جزء صغير فقط من أفريقيا أو ، كلّ ما لدينا هو جزيرة صغيرة هنا او هناك و نحن خاسرون ؛ بالتالى ن لماذا لا نستطيع ان نساند الوطن و أن نرى إن أمكن لنا الحصول على المزيد ؛ ثمّ إن حصلنا على المزيد ، يمكن للجميع معارضتنا ". و لا حاجة إلى توصيف هذا الرهط من المنطق .
الهام الذى ينبغي أن ندركه هنا هو أنّ هناك حقّا مشكل أو تناقض يجب إستيعابه إستيعابا عميقا و بصورة شاملة . لا يمكن تجنّبه أو وضعه جانبا أو الإجابة عليه إجابة منشفي كان في صفوف حزبنا – و نعلم مدى عمق و صراحة ذلك – حاول وضع مسألة جانبا ، بل أن تمسي الصين تحريفيّة ن ما الذى سنفعله في الحرب العالميّة التالية ، ما هو الموقف الذى سنتّخذه بما في ذلك عن هاجم الإتّحاد السوفياتي الصين ؟ بعد جدال و نقاش – و يجب أن أقول إنّ هذا حصل في اجتماع للجنة المركزيّة – قال ببساطة لنتجاوز النقاش كلّه ، لا مشكل كبير ، سيمضون إلى الحرب ، و سنطبّق الإنهزاميّة الثوريّة و نطيح ببرجوازيّتنا ...لذا لنطوى الصفحة ". لسوء الحظّ ، العالم ليس بهذه البساطة و نعلم بأي إتّجاه تحرّك أناس أرادوا طيّ الصفحة ، و ما هي أجندتهم . [ يحيل هذا على مجموعة من التحريفيين ،وسمناها ب" المناشفة " ساندت الإنقلاب التحريفي في الصين و إنشقّت عن الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة سنة 1977] . و هناك مشكل ، تناقض يجب إستيعابه بعمق و بصفة شاملة . العالم بما فيه وضع البروليتاريا مختلف حقيقة عندما تفتكّ البروليتاريا و بالخصوص و عندما تمسك بالسلطة في بلد أو في عدّة بلدان .
و هذه نقطة نحتاج إلى العودة إليها بشكل ما في إطار الملاحظات التي أقدّمها اليوم لكنّها كذلك شيء يحتاج بداهة الخوض و الغوص فيه و التفكير فيه و الصراع حوله أكثر تماما و بطريقة شاملة صلب كامل الحركة الشيوعية العالميّة . مثلا ، كنت في نقاش مع أحدهم فأشار : " حسنا ، وضع البروليتاريا هو أنّه ليس لها ما تخسره سوى قيودها ، لكن إن كان لديها بلد ، هل يمكن قول غنّه ليس لها ما تخسره سوى قيودها ؟ ناك مشكل للتفكير فيه ، و التفكير أنّه لا تناقض بين البروليتاريا التي تملك سلطة دولة ،و التقدّم بالثورة العالميّة يعنى أنّه ليس بمستطاعنا عدا المعالجة الخاطئة لما هو عميق جدّا و أحيانا حاد إلى أقصى حدّ ة تناقض عدائي ممكن .
و لإختتام هذا الجانب من التعليق حول بعض وجهات نظر لينين أقول : ملت لينين ن كما تعلمون ، قبل التطوّر الأتمّ لهذه التناقضات . فارق الحياة دون أن يواجه مواجهة تامة ، دون التصدّى بالمعنى التمّ و لا ببداهة إيجاد حلّ أساسي لهه التناقضات في فترة نموّ الإضطرابات . لم يتمكّن طبعا في الساس من النشاط السياسي إلى أيّة درجة ذات دلالة طوال السنتين الأخيرتين قبل وفاته ، ثمّ ، لا سيما بعد وفاته ، جدّ صراع خطّين هائل صلب الحزب السوفياتي . و لن أسعى حتّى إلى محاولة التوغّل كثيرا في ذلك الآن ، فهو شيء يجب كذلك دراسته و تلخيصه و الصراع حوله بأكثر عمق بكثير – لكن دون تكرار كلّ ما قل في التقرير الأخير للجنة المركزيّة في وثيقة " لعقود آتية على الصعيد العالمي " (16) ، ( خاصة قسم " عرض موجز لوجهات نظر حول التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالمية و دروسها اليوم ". ) حيث يتمّ تقييم ستالين، إنّه لواقع تاريخي انّه في ذلك الظرف عقب وفاة لينين ، و عندما أثيرت بحدّة مسألة أي طريق نسلك في الجمهوريّة السوفياتيّة زمنها و مسألة ما إذا يمكننا في الواقع الإبحار على الطريق الإشتراكي و إلاّ ما الذى يجب قعله ، في الجوهر ، كان ستالين يمثّل الموقف الأصحّ رئيسيّا زمنها . و كان الأمر كذلك عامة ، و بصفة خاصة في تعارض مع موقف تروتسكي و بوخارين و أمثالهما الذين إمّا بشكل يميني مفضوح أو " يساري " نصحوا و قاتلوا من أجل الإستسلام للقوى الطبقيّة البرجوازيّة و الرجعيّة في روسيا و عالميّا .
و بقد قول إنّ المسالة الأساسيّة كانت إمكانيّة أو عدم إمكانيّة الإشتراكية في بلد واحد – وهو نقاش بمعنى ما نحن محيطون به – من الضروري قول إنّه مباشرة و من الناحية الأخرى ، إلى درجة كبيرة جرى تفادى المسألة . و أقول جرى تفاديها إلى درجة معيّنة ، بمعنى أنّ مسألة الإشتراكية في بلد واحد ، تعتمد في جانب كبير منها على ما هي الإشتراكية فعليّا.
و مرّة أخرى ، يجب التشديد على نقطة أنّ تروتسكي و بوخارين و أمثالهما كانوا جوهريّا على خطأ و كانوا بشكل " يساري" أو يميني مفضوح يدافعون عن الإستسلام . غير أنّ هذا أيضا لا يستنفد المسألة و ليس أعمق أو أرقى مستوى من الفهم الذى يمكن بلوغه لهذه المسألة ، كما بيّنت التجربة و الصراع النظري و الإيديولوجي القائم بالإعتماد على تلك التجربة. و من كلذ هذا صُهر و يتواصل صهر أعمق لفهم أصحّ لهذه المسألة .
لنضع الأمر على هذا النحو، أظهر ستالين و قدّم الإشتراكية على أنّها إلغاء للطبقات ، أو على ألقلّ العداء الطبقي . و هذا التعريف ليس إختراعا نزويّا من لدن ستالين ، لقد كان فعلا النظرة المقبولة تقريبا للإشتراكية ، بما في ذلك من طرف لينين، في قسم كبير منها . و ينبغي علينا أن نفهم أنّه ليس مؤخّرا جدّا أنّ ستالين إخترع تعريفا جديدا للإشتراكية ، لقد كان ذلك هو التعريف و عندما تحدّث ستالين عن الإشتراكيّة في بلد واحد كان يتحدّث عن إلغاء الطبقات أو العداء الطبقي على أيّة حال – ليس مؤخّرا أنّه قال إنّه لدينا الإشتراكيّة و في الوقت نفسه قال إنّه تمّ إلغاء العداء الطبقي ، إنّه إنزلق نوعا ما إلى إنحراف جديد عن ما كان نظرة ماركسيّة – لينينيّة مقبولة إلى وقتذاك.
و هذا ، لسخرية الأقدار ، كان نوعا ما محجوبا بما أنّ القائد الذى أرشد إلى صهر فهم أرقى ، و الأرقى ، لهذا إلى هذا حدّ هو ماو تسى تونغ . لقد كان ماو بالفعل مواصلا لتجربة الثورة السوفياتيّة و بناء الإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي ، حتّى و إن نظر بعمق في و سعى إلى تلخيص عميق و إلى تصحيح الكثير من الأخطاء التي تضمّنتها التجربة السوفياتيّة و قيادة ستالين بوجه خاص ، لدكتاتوريّة البروليتاريا و التحويل الإشتراكي للاتحاد السوفياتي إلى أبعد ما بلغه . لقد تعمّق ماو في بعض الخطاء و خاصة حينما صار واضحا أنّه تمّت إعادة تركيز الرأسماليّة في الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة خروتشوف؛ حفر عميقا في مجمل هذه التجربة كشف و ركّز على الكثير من الأخطاء التي إقتُرفت على الطريق و على انّ مسألة الطبقات و الصراع الطبقي قد عولجت أو لم يقع الإقرار بها و لو تقع معالجتها في ظلّ الإشتراكيّة عقب نقطة معيّنة . لكن في الوقت نفسه ، كان ماو فعلا ( و بصفة صحيحة ) مواصلا لتجربة أنّ ذلك كان قد إنطلق مع إفتكاك السلطة بفضل الثورة الروسيّة و الشروع في التحويل الإشتراكي و الإبحار على الطريق الإشتراكي في روسيا . لذا الطريقة التي بلغنا بها كلّ هذا كانت ضمن تقليد و مواصلة إرث ماو .
و لوضع الأمر على نحو آخر ، نقرأ بالعودة إلى التاريخ و قد تعوّدنا على تلخيص ماو لما هي الإشتراكيّة – أنّ هناك طبقات و صراع طبقي و هذه هي المسألة المركزيّة في ظلّ الإشتراكيّة - و على نقده بالتالى لأخطاء تحليل ستالين لكيف انّ الطبقات ( أو على الأقلّ الطبقات المتعادية ) قد اُلغيت مع بلوغ الملكيّة الإشتراكيّة الأساسيّة و إلغاء الملكية الخاصة بالأشكال القديمة. و هكذا يبدو ربّما أنّ ستالين كان ينحرف عن المفاهيم أو المعايير المقبولة قبلا للماركسيّة – اللينينيّة بقول غنّ البرجوازيّة قد ألغيت بينما كان ذلك عمليّا مواصلة لتقليد و ليس إنحرافا من طرف ستالين . لقد كان ماو يحقّق قفزة أبعد و إلى درجة معيّنة بعيدا عن ذلك – قطيعة جذريّة أبعد من ذلك – على ذات الطريق كمواصل لذات تلك التجربة التاريخيّة -لكن قفزة أبعد و بهذا المعنى بعيدا عن ذلك ( و إن لم يكن ، بالتأكيد ، إنقلابا عليها ) . لقد قدّم ستالين الإشتراكيّة بإعتبارها إلغاء للعداء الطبقي ن و هذا هو ما قال إنّه ممكن في بلد واحد . و علينا أن نقول بأفق تاريخي – إنّ مساهمات ماو و ما تعلّمناه من المضيّ قدما على ذلك الطريق بالمواصلة في الإتّجاه الذى أشار إليه ماو – أنّ هذا الفهم للإشتراكيّة ، و خاصة بالطريقة التي قدّمها به ستالين ، كان مرتبطا بماديّته الميكانيكيّة و النزعات الميتافيزيقيّة العامة ، أي ليس مجرّد نظرة أنّ الإشتراكيّة تعنى إلغاء الطبقات و إنّما كيف أنّ ستالين نظر إلى حوث إلغاء الطبقات و كيف قدّم التحويل الإشتراكي ، و حول هذا سألمس بضعة نقاط بإقتضاب .
لكن أوّلا ، نقطة جانبيّة : إذا أمكن قول إنّ لينين أقرّ ، بمعنى معيّن ، بالتناقض الذى يعنيه الحفاظ على السلطة و الحفاظ على دكتاتوريّة البروليتاريا في بلد واحد بينما تتمّ محاولة المناورة إلى أن تأتى المساعدة من أنحاء أخرى من العالم ، من الثورة العالميّة ، و إذا من الجهة الأخرى ، نزع نحو رؤية الثورة العالميّة بمعنى معيّن كإمتداد تقريبا حرفيّا و جغرافيّا ، للجمهوريّة السوفياتيّة التي وجدت أوّلا ، و في ذلك الإطار ، نظر إلى الجمهوريّة السوفياتيّة على انّها المركز المؤقّت لصنف منه ستستمدّ الثورة العالميّة أكثر توسّعها أو غليه من أنحاء أخرى من العالم ستضاف جمهوريّات سوفياتيّة أخرى ؛ ينبغي قول إنّه مع مزيد تطوّر الإتّحاد السوفياتي ، و بداية التحويل الإشتراكي في الإتّحاد السوفياتي بقيادة ستالين ، أضحت هذه الفكرة الخاطئة بارزة أكثر ، بينما في الوقت نفسه نزعة قول إنّ هناك تماثل مطلق للمصالح بين الجمهوريّة السوفياتيّة كدولة بروليتاريّة و التقدّم العام للثورة العالميّة أضحى بدوره بارزا أكثر ، و واضحا أكثر و نزع إلى درجة كبيرة ، لا سيما أواخر ثلاثينات القرن العشرين ، على التحوّل بالأحرى بحدّة بإتّجاه ضدّه و إلى ضدّه .
و ما صدمنى عند إعادة قراءة أهمّ الوثائق زمن المؤتمر السادس للكومنترن سنة 1928 هو أنّه من جهة ، وُجد إطار عام ثوريّ و إندفاع ثوريّ أكيد لكافة إجراءات المؤتمر و خطّه ، وُجد خوض حقيقي و مساعى حقيقيّة لمعالجة مسألة كي نقوم بالثورة في كلّ من البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و البلدان المستعمرة والتابعة و المتخلّفة . فمن ناحية ، إمتزج ذلك بنزعات إقتصادويّة و ماديّة ميكانيكيّة ظهرت بأكبر قدر من القوّة لاحقا . لعلّه من سخرية التاريخ ، لكن يمكن أن نقول بقدر معيّن من الفق التاريخي ، بمعنى ما ، إنّ هذا تمّت الإشارة إليه بشكل ما في ذلك العرض الموجز في تقرير اللجنة المركزيّة الأخيرة ، بينما تنبّؤوا تنبّأ صحيحا في ذلك المؤتمر ، و عامة كانت الحركة الشيوعيّة العالميّة و القيادة السوفياتيّة تتوقّعان ذلك – تداعى و نهاية الاستقرار و التوسّع المؤقّتين الذين عرفتهما البلدان الرأسماليّة في عشرينات القرن العشرين ، لم يكن ذلك تماما للأسباب الصحيحة . لقد ثبتت توقّعهم لكن ذلك إنقسم بحدّة كبيرة إلى إثنين لأنّ الكثير من الساس الذى كانوا يقيمون عليه توقّعهم على صلة بالمفاهيم الخاطئة المرتبطة بكامل مفهوم " الأزمة العامة للرأسماليّة " في المرحلة الإمبرياليّة و بحدوث أوّل ثورة بروليتاريّة في روسيا . و نظريّة " الأزمة العامة " هذه كانت تدافع عن إنهيار خطّي نزولا للرأسماليّة في المرحلة الإمبرياليّة إستنادا على نوع من الفهم الميكانكي بانّ الرضيّة تجرف من تحت الإمبرياليّة ( و حتّى تقريبا حرفيّا بالمعنى الجغرافي ) في العالم . لذا إنقسم توقّعهم إنقساما حادا جدّا إلى إثنين . ربّما إن كانوا على خطأ في مسألة هامة كهذه، كان سيقع نفيها بمنهج أصحّ لمقاربة المشكل ... لكن سنترك هذا لمزيد المضربة في وقت آخر.
في المؤتمر السادس ، فيما وُجد ذلك الإندفاع الثوري رغم الأخطاء و النزعات بإتّجاه الماديّة الميكانيكيّة و الإقتصادويّة إلخ، هناك خطّ واضح جدّا يقول إنّ مصالح بناء الإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي و مصالح الثورة العالميّة شيء واحد ، متماثلان. وقتها ، تاركين جنبا بعض الإتفاقيّات التي ظلّت قائمة مع ألمانيا وهي ذات طابع ثانوي ، لم يكن الإتّحاد السوفياتي في موقع و لم يكن يقوم بمحاولة تطوير علاقات و إتّفاقيّات كثيرة مع عدد من الدول الإمبرياليّة الكبرى المختلفة . لقد عقد إتفاقيّات من الحجم الصغير و لكنّها كانت تماما ذات طبيعة صغيرة جدّا و ثانويّة جدّا بالنسبة لما كان يجدّ في الإتّحاد السوفياتي . و لعدّة أسباب منها رئيسيّا توجه ثوري صحيح شامل ، كانوا يشدّدون على القيام بالثورة و دعم الثورة فى العالم الذى تتحكّم فيه الإمبرياليّة و ليس على إستغلال التناقضات في صفوف الإمبرياليّين و بلوغ إتّفاقيّات مع بعض الإمبرياليّين ضد آخرين.
و إذن واقع انّه وُجد فعلا تناقض ، كما قلت ، أحيانا حاد جدّا و قد يتحوّل إلى تناقض عدائيّ بين الإبقاء على السلطة في دولة إشتراكيّة و التقدّم بالثورة العالميّة ككلّ ، قد أمكن بمعنى معيّن تخفيفه و دفنه تحت واقع المصالح القوميّة السوفياتيّة ، أو المصالح القوميّة ، إن شئتم ، للبروليتاريا في السلطة في الإتّحاد السوفياتي كانت تمضى بالتوازي مع الثورة العالميّة زمنها والسياسات التي تبنّتها الدولة السوفياتيّة لم تصبح في نزاع حاد مع النضال الثوري العام في أجزاء أخرى من العالم. أجل ، صارت في نزاع هنا و هناك لكن كمسألة ثانويّة . و مع ذلك ، بالرغم من التشجيع على الثورة الالميّة عامة و محاولة دعمها و التقدّم بها ، قُدّمت الأشياء في إطار تماثل مطلق للمصالح و في الوقت نفسه طفقوا بعدُ يقولون – و بات هذا هو الخطّ التّم لاحقا و تمّ الحفاظ عليه و تعميقه على انّه الخطّ إلى يومنا هذا – إنّ الحفاة القياديّة أو الحافة القاطعة للثورة العالميّة هي اوّلا بناء ثمّ دفاع عن الإشتراكيّة ( الحقيقيّة أو المزعومة ) في الإتّحاد السوفياتي ( أي الطريق الإشتراكي الذى تمّ الإبحار فيه و التقدّم على أساسه لفترة زمنيّة معيّنة و بعد ذلك فقط إستعملت " الإشتراكية " كغطاء لإعادة تركيز الرأسماليّة و الإمبرياليّة تاليا .
و الآن يرتبط كلّ هذا بدوره بالطريقة التي نظر بها ستالين و تقدّم لقيادة التحويل خاصة التحويل الإشتراكي نحو الملكيّة الإشتراكية ن في الإتّحاد السوفياتي . و مرّة أخرى ، بطريقة مرتفعة حتّى أبعد من نزعات لينين نحو هذا ، وقعت مماثلة الإشتراكيّة غالبا مع التصنيع . و التصنيع ، طالما كان في ظلّ ملكيّة الدولة ، كان يُنظر إليه كمفتاح بالنسبة للإشتراكيّة و المماثلة بين الإثنين ( الصناعة في ظلّ ملكيّة الدولة و الإشتراكيّة ) صارت متقاربة جدّا – متقاربة جدّا و تقريبا ذات صلة واحد لواحد. و في الوقت نفسه ، شملت مقاربة الفلاحة و السياسة المشتركة عددا من الأخطاء الجدّية. و لسوء الحظّ، لم يكن هذا مجرّد تشويه تروتسكي و حتّى بصفة مفضوحة من قبل أكثر الأعداء الرجعيين للإشتراكية و للاتحاد السوفياتي لمّا كان إشتراكيّا . فالسياسة المطبّقة في الفلاحة و تجربة الإتّحاد السوفياتي حتّى في ظلّ ستالين ، كانت شيئا نقده ماو بصفة متصاعدة و أكثر فأكثر عمقا . لقد أنجزت الفلاحة على نحو يرسى أساس المراكمة للصناعة فى جزء كبير منها على حساب الفلاّحين .
و مثلما وضع ذلك ماو ، تريدون من الدجاجة أن تعطيكم بضا لكنّكم لا تغذّونها ؛ تريدون من الحصان أن يعدو لكنّكم لا تقدّمون لها العلف و هكذا . في الأساس ، اخذوا قدرا كبيرا من الفلاحّين كقاعدة لبرنامج التصنيع الخطير جدّا و في الوقت نفسه كانوا ينجزون مشركة الفلاحة بسرعة و على نطاق واسع ؛ لقد كان هذا حزمة برنامجيّة للتحويل الإشتراكي . و مرّة أخرى ، النقطة هنا ليست المضيّ عميقا و بصفة شاملة في تحليل هذا ، و إنّما هي هنا الإشارة إلى الحاجة إلى المزيد من التحليل عمقا و شمولا لكلّ هذا . في التعليقات و النقد اللذين صاغهما ماو في مواقع مثل " العشر علاقات الكبرى " و بصفة متّسقة عبر المؤلّف الخامس الرسمي ( الآن ) من مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة و كذلك في النصوص المجمّعة من قبل السي آي آي " " منوّعات من فكر ماو تسى تونغ " و في مجموعة نصوص " الرئيس ماو يتحدّث إلى الشعب " (17)، هناك نسيج متّسق من النقد للسياسة السوفياتيّة تجاه الفلاّحين. إذا أردنا أن نضع ذلك بطريقة قاسية ، على درجة ذات دلالة، أنجزوا التصنيع على كاهل الفلاّحين و في الوقت نفسه قاموا بمشركة الفلاحة . و كلّ هذا بدوره مرتبط بكيف كان ستالين يفهم الإشتراكية ، و هنا لا أتحدّث عن النقطة التي شدّدت عليها قبلا لفهم الإشتراكيّة على أنّها إلغاء للعداء الطبقي ، ليس ذلك فحسب ، بل كامل المظاهر المرتآة لكيف كان ينظر للإشتراكية ، بما فيها ضرورة هيمنة الصناعة في وقت قصير جدّا .
لقد ناضل ستالين - ومن المهمّ الإشارة إلى ذلك – ضد عدّة إنحرافات يساريّة ، فقد كتب مقالات من مثل " دُوار النجاحات"(18) و أشياء أخرى ضد هذه الإنحرافات عندما كانت تمثّل نزعة ضمن ما كان نهوضا ثوريّا حقيقيّا وقتها في أواخر عشرينات و بدايات ثلاثينات القرن العشرين إلى جان كامل مغزى و توجّه المؤتمر السادس للكومنترن . بوسعنا رؤية ذلك مترجما في سياسات إقتصادية و في البنية الفوقيّة و في الروايات التي الّفت و غير ذلك ، و رؤية أنّ هذا كان نهوضا ثوريّا حقيقيّا له طبيعة اممّية ذات صبغة عامة . و الإندفاع الذى أتى عبره كان شعاره " إنّنا نغيّر العالم من اجل بناء عالم جديد ". لقد وُجد الكثير من النضال البطولي و الكثير من التضحية بالذات و وعي طبقي واسع النطاق لدى عدد من العمّال المتقدّمين و من العناصر في صفوف الفلاّحين و المثقّفين إلى آخره . و بقدر ما تكشف البحوث إلى هذا الحدّ ، إرتبط ذلك و كان في ظلّ قيادة ستالين . لم يكن متعارضا مع ستالين ؛ لم يكن الحال أنّ ستالين كان يقاتل لتحطيمه ؛ كان مرتبطا أكثر بستالين . و من جديد ناضل ستالين بجهد جهيد في الوقت نفسه ضد التعبيرات بالأحرى البديهيّة و الحادة للإنحرافات " اليساريّة " ، أي ، نزعة مشركة كلّ شيء كما وضع ذلك هو نفسه ، وصولا إلى مشركة جرس الكنيسة في القرية ، و مشركة كافة الدجاجات و كلّ شيء آخر . و كان ذلك إنحرافا طبيعيّا ، نوعا ما مشابه للإنحرافات التي ظهرت في خضمّ القفزة الكبرى إلى الأمام في الصين . و سعى ستالين إلى إصلاح هذه التجاوزات " اليساريّة " بينما كان النهوض العام حينها للتحويل الإشتراكي مع المميّزات العامة التي أشرت مرتبطا بصفة واسعة و يجرى بقيادة ستالين .
وقد لنا كلّ هذا ، لدينا إنطباع بانّ التصنيع و المشركة الخطيرين جدّا و حتّى بعض إستخراج لفائض القيمة للتصنيع من الفلاّحين إلى درجة أنّ النقد الصحيح الذى اجراه ماو كان مبرّرا إلى درجة كبيرة بتفكير ستالين لأنّه كان يرتئى ، بتكريس هذه السياسات أن يُلغي الملكيّة الخاصة بشكلها القديم . و بالتالى يُنهي حقّا الرأسماليّة أو أيّة قاعدة حقيقيّة للرأسماليّة داخل الإتّحاد السوفياتي نفسه ، بإستثناء البقايا الإيديولوجيّة . لذا كالمثل القديم ( و أعتقد أنّه إستعمل لتبرير بعض هذا ) : " حين تقطعون أشجار غابة تتطاير شظايا كثيرة " . بكلمات أخرى ، أجل ، لسوء الحظّ ، ستُوجد تبعات جانبيّة كثيرة لهذا قد تتسبّب في مشاكل لكن إن تمّ التعاطى معها تعاطيا سليما سيستحقّ الأمر العناء عندما نكون إجتثثنا الملكيّة الخاصة نكون فعلا قد قطعنا خطوة إلى المام نحو مرحلة جديدة حيث مسألة إعادة تركيز الرأسماليّة من الداخل ، ايّة قاعدة ماديّة لذلك ، قد وقع إجتثاثها تماما. و بالتالى ، إن نظرنا إلى ألمر على هذا النحو ، وهي الكيفيّة التي نظر بها ستالين إلى ألمر ، حالئذ ، هذا النوع من السياسات الخطيرة جدّا التي ربّما عصرت الفلاّحين متجاوزة بعض الحدود يمكن أن نشعر أنّها لا تزال مبرّرة .
و مجدّدا ، لإضافة جانب آخر من هذا و للنظر إليه من زاوية أخرى ، في سياق النظرة الفلسفيّة و المنهجيّة : كنت قرأت " كتاب الفلسفة الماركسية " الذى ألّفه معهد لينينغراد للفلسفة سنة 1937 . وهو محاولة لتقديم تلخيص كبير إلى حدّ ما و شامل لتطوّر الفلسفة الماركسيّة . أجزاء منه جيّدة جدّا وهو يعكس مرّة أخرى التوجّه الثوريّ حقّا عندما كُتب ، لكن في الآن نفسه كان يعكس نزعات ماديّة ميكانيكيّة – لا سيما الآن في ضوء كافة مسامات ماو و الصراع حول ذلك – هي بالأحرى نزعات مذهلة . و نخصّ بالذكر منها الطريقة التي جرت بها معالجة التناقض بين الكمّ و الكيف و كيف أنّ ذلك على صلة بالمقاربة الميكانيكيّة للتغيير الاقتصادي للملكيّة على انّه محدّد للتحويل الإشتراكي . (9) كلّ هذا بالأحرى مذهل، وهو ضرب من الإنطلاق من هذه الكمّة إلى تلك الكمّية و عند نقطة ما سنبلغ التحويل النوعي للملكيّة الإشتراكيّة و للقاعدة الماديّة للمجتمع ككلّ .
لكن بمعنى معيّن ، من زاوية سياسيّة حتّى أكثر حيويّة ، يُعطى هذا تعبيرا مركّزا في موقف ستالين سنة 1931 بانّ البلدان الإمبرياليّة تتقدّمنا بعقود و علينا ردم الهوّة في عقد واحد و إلاّ سنضمحلّ . (10) لم يكن هذا مجرّد موقف عام تجريدي حول الحاجة إلى تجاوز تكنولوجيا البلدان الرأسماليّة لكن بعدُ إقرار أوّلى بأنّ مسألة الحرب كانت تطرح على أجندا و نظرة أنّ في مثل هذه الحرب الإنتاج والأسلحة سيكونان حيويّين . و صارت السياسة أكثر فأكثر صريحة مع تصرّم الزمن ، على ألقلّ تعبيراتها ، و صارت أكثر فأكثر صريحة حين ال ستالين حرفيّا ( و لسوء الحظّ لا أظنّ أنّي على خطأ ) إن من يصنع أكثر محرّكات في الحرب العالميّة الثانية يكسب الحرب . و هذا مجرّد تعبير صريح عن نظرة عامة كامنة بانّه علينا ردم الهوّة و تجاوز البلدان الرأسماليّة في التكنولوجيا في عشر سنوات و إلاّ سيقضى علينا على أي حال . (20) و بوسعنا رؤية كيف أنّ هذا يتشابك مع و يتداخل نوعا ما مع وجهات النظر الأخرى التي لمسناها و نقدناها بمعنى التشديد المبالغ فيه على التصنيع و سياسة أخذ أكثر من اللازم من الفلاّحين و ما إلى ذلك .
و ما يجب كشفه فضلا عن ذلك هو البعد السياسي لهذا الداخل في الإتّحاد السوفياتي ذاته . عند التطرّق إلى وتلخيص هذه التجربة الحيويّة لتحويل الملكيّة يظهر إنطباع جلي بانّه بصورة خاصة في الريف وُجدت مقاومة شديدة لا سيما من قبل الكولاك ، طبعا ، لكن لديّ إنطباع كذلك بانّه فيما كانت قطاعات عريضة من الفلاّحين معبّأة ، وُجدت أيضا مقاومة كما وُجد موقف السلبيّة في صفوف قطاعات عريضة أخرى حتّى من ضمن الفلاّحين المتوسّطين و غيرهم الذين كان من المفترض أن يكونوا من الحلفاء و قوى محرّكة في هذا . و بينما ليس من الخطأ التام في حدّ ذاته ، بات من الضروري إرسال موجة بعد موجة من العمّال المتقدّمين خاصة إلى الريف لقيادة المعركة بالمعنى السياسي و أحيانا حرفيّا بالمعنى الجسدي ضد الكولاك و حتّى ، لسوء الحظّ ، ضد فئات أوسع ، أحيانا على ألقلّ ، كانت تعبّر عن مقاومة لهذه المشركة .
و لدينا إنطباع بانّه من خلال كامل سياسة التصنيع هذه ، و الطريقة التي أنجزت بها المشركة ، عبر معاك من هذا الصنف التي كان يجب خوضها للقيام بذلك ، أنّه زمن إنهائها سنة 1934 ، تقريبا ، وُجد شعورا بالإرهاق السياسي ، لعلّه حتّى بشكل من الأشكال إرهاق جسدي ، لكن أساسا إرهاق سياسي لدى العناصر المتقدّمة داخل الإتّحاد السوفياتي . و ليس هذا الإنكار واقع ، و سيكون من المثاليّة و الميتافيزيقيّة عدم الإقرار – أنّ الأشياء تتطوّر في شكل أمواج – أو حتّى أفضل تتّخذ حركتها شكلا لولبيّا – و الأشياء لا تكون دائما في أعلى القمّة و ليس بوسعها أن تكون دائما في أعلى القمّة . و ليس من المفاجئ بوجه خاص ، من جهة ، أنّه سيكون هناك هذا النوع من الإرهاق السياسي ، لكن من الجهة الأخرى ، بدلا من كونها فترة كما سمّاها ماو من النهوض ثمّ التعزيز و الإعداد لنهوض جديد ، يبدو و كأنّ هذا إمتزج بصورة متصاعدة مع النزعات الخاطئة التي تؤكّد نفسها بأكثر حدّة في قيادة ستالين وآخرين عبر سلسلة معقّدة من الصراعات التي، على الأقلّ ، لا أفهمها تماما بأيّة وسيلة .
لكن ما يطفو إلى السطح من دراسة الإتّحاد السوفياتي في هذه الفترة هو الإنطباع بأنّ مع أواسط ثلاثينات القرن العشرين و من الثلاثينات فصاعدا ، بعدُ أقسام واسعة حتّى من صفوف المتقدّمين في الإتّحاد السوفياتي كانت مرتبكة و محبطة و نوعا ما سلبيّة سياسيّا . أحدهم أضحى مرتدّا لكنّه كان من أنصار الإتّحاد السوفياتي ، كتب تقريبا في وقت ما عن التضارب الحاد جدّا بين الفترة الأولى للعشرينات و الثلاثينات من جهة ، و الوضع حوالي 1936، من الجهة الأخرى . ( ملاحظات المرتدّين ليست على الدوام و بالتأكيد ليست آليّا ، دون فائدة ). لقد لفت الإنتباه إلى واقع أنّه قبلا قد إلتقى بأناس من مختلف مستويات الكوادر القياديّة و كذلك من صفوف الجماهير كانوا متحمّسين جدّا ، يقاتلون في سبيل المستقبل ، لكن عقب أواسط الثلاثينات ، لا سيما في صفوف الكوادر ، كان كلّ من إلتقى بهم متملّقين أو ساخرين و كان معظم الناس متملّقين أو ساخرين معا . و لسوء الحظّ ، بصرف النظر عن طابع هذا الشخص بالذات ، أعتقد أنّ هناك قدر كبير من الحقيقة في هذا ؛ و قد صار هذا مشهدا مهيمنا أكثر فأكثر لا سيما في صفوف الكوادر . و لهذا صلة بالتطوّرات في القيادة و الخطوط القائدة .
و لنعد إلى الخلف للحظة ، ستتذكّون أنّ لينين لم يكن حرّا تماما من بعض هذه النزعات عينها ، أي ، من مفهوم قابليّة حياة دكتاتوريّة البروليتاريا – الدولة الإشتراكيّة – مرتهنة بتقنية أعلى و قاعدة إنتاج أرقى من الرأسماليّة عامة و في المرحلة الإمبريالية خاصة . و مع ذلك ، مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك ن قال لينين : " في آخر التحليل " و ما إلى ذلك ، إلاّ أنّه سقط في هذه النزعة التي تماثل مماثلة مبالغ في مباشرتها . و بديهي أنّ لينيني لم يعش ليخوض في التطوّر و التبعات الأتمّ لهذا التناقض . و كما أشرت إلى ذلك قبلا ، حتّى في ر-ّ لينين الشهير على المناشفة و الكاوتسكيّين و أمثالهم – بصدد لماذا ليس بوسعنا أن نفتكّ أوّلا السلطة ثمّ ننشأ نوعا من الحضارة تقولون إنّه ضروريّ ، بالرغم من أنّكم لا تستطيعون قول ما هو المستوى تحديدا – و حتّى هذا يمكن أن يُنظر إليه على انّه ينطوى على تناقض حاد جدّا ، دحض رأيهم من جهة لكنّه قَبِل ببعض أسس توجّههم من الجهة الأخرى . إلاّ أنّ هذا امسى أكثر بروزا مع تطوّر التناقض تطوّر أتمّ و تطوّرا صريحا كذلك في ظلّ قيادة أناس ، بمن فيهم ستالين ، لم يكونوا جدليّين بصفة شاملة و لا ماديّين بصفة شاملة في مقاربتهم للمشاكل و محاولتهم لمعالجها كما كان يفعل لينين . و بصورة متصاعدة من أواسط الثلاثينات فصاعدا ( مرّة أخرى ، ، سجّلنا في العرض الموجز المقدّم في الاجتماع الأخير للجنة المركزيّة لحزبنا ) رُسمت خطوط و سياسات خاطئة بشكل متزايد في صفوف القيادة في الإتّحاد السوفياتي و في الحركة الشيوعية العالميّة .
و تجسّد هذا في السياسة العالميّة المتبنّاة من قبل الإتّحاد السوفياتي و التي وجدت التعبير المكثّف عنها في الخطّ الذى تبنّاه المؤتمر السابع للكومنترن ، خطّ الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة كما قدّمه تقرير ديمتروف و ما إلى ذلك .و قد إتّخذ هذا بعض الأشكال الغريبة بمعنى . بعضها قد نقدناه و فكّكناه مثلا في مقال في مجلّة " الثورة " حول الحرب الأهليّة الإسبانيّة . و يمكن إيراد الكثير من المثلة بيد انّ حتّى دراسة أوّليّة لهذه الفترة بعيون مفتوحة و ذهن مفتوح تكشف بسرعة كبير عمق الإنحرافات عن الأمميّة و عن الماركسيّة – اللينينيّة عموما ، الإنحرافات التي أخذت بعدُ تتمكّن من القيادة . كان لتفينوف قائدا سوفياتيّا مرتبطا وثيق الإرتباط بالعديد من هذه السياسات اليمينيّة المفضوحة ى المجال العالمي بمعنى الدبلوماسيّة البرجوازية في التعاطى مع الدول الغربيّة . و في 1936 ، مثلا ، كان يتعاطى مع الحكومة الفرنسيّة في وقت وُجد فيه نهوض هائل للبروليتاريا الفرنسيّة - ليس نهوضا ثوريّا لكن نهوضا بارزا جدّا ربّما ( يحتاج المزيد من التفحّص عن كثب) كان يتضمّن إمكانيّات ثوريّة أو بالتأكيد يمثّل تمرّدا جذريّا للغاية لقطاعات هامة من البروليتاريا الفرنسيّة أفزع البرجوازيّة؛ كان الوضع على حافة قدر كبير من الفوضى و الأزمة . و قد نجح الحزب الشيوعي و آخرون في تهدئة الوضع . و خرج لتفينوف في هذا المعمعان بموقف يقول إنّ الحكومة السوفياتيّة تأمل بلا شكّ أن تتمكّن فرنسا من معالجة مشاكلها و الحفاظ على أمنها و إستقرارها و هكذا (21). ( هذا يحتاج بعض التثبّت بعمق أكبر ، لكن لسوء الحظّ ، لا أعتقد أن جوهر الأمر تشويه ). هنا يكمن الخطأ السابق لتغطية أو على الأقلّ عدم الإقرار بأنّ التناقض بين الحاجة إلى الحفاظ على السلطة في دولة و التقدّم العام بالثورة العالميّة قد تجاوز حدّه و أنّ هذا التناقض طفق يتّخذ شكلا عدائيّا لأنّه لم يقع الإقرار و / أو لم يقع التعاطى معه تعاطيا صحيحا .
و بمعنى معيّن ، يمكن أن نقول بصدد الإتّحاد السوفياتي و الحركة الشيوعيّة العالميّة ، و بالخصوص ناظرين إلى الإتّحاد السوفياتي بعد أواسط الثلاثينات ، إنّه كان بصفة هامة في وضع مشابه لوضع الصين عقب المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني سنة 1956 . ففي ذلك المؤتمر أضحى الخطّ التحريفي مهيمنا بصورة عامة و شاملة ، و أرسيت صيغة رسميّة مفادها أنّ التناقض الرئيسي كان بين النظام الإشتركي المتقدّم و قوى الإنتاج المتخلّفة ، و في تقارير ليو تشاوتشي و دنك سياو بينغ ، اُعلن إضمحلال الطبقات و الصراع الطبقي و مثّل ذلك فحوى ذلك المؤتمر و نبرته . و على الرغم من وجود هذا الشبه ، ثمّة إختلافات هامة ففي الصين ، جدّت القفزة الكبرى إلى الأمام عقب المؤتمر الثامن و وُجد صراع و إطاحة جزئيّة بالتحريفيين ، ثمّ جاءت التمرّدات الأعلى بكثير للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ؛ و في الإتّحاد السوفياتي عقب أواسط الثلاثينات ، لم يحدث تطوّر من هذا القبيل .
و العرض ( " لعقود آتية على الصعيد العالمي " ) يحلّل مضمون هذه الخطوط و السياسات و التوجّه العام الخاطئين : ديمقراطيّة برجوازيّة و إقتصادويّة و شوفينيّة قوميّة و دفاع عن الوطن في البلدان الإمبرياليّة إلخ . و هذه الخطوط الخاطئة تواصلت و تعمّقت و مضت إلى مستوى أعمق بكثير أثناء الحرب العالميّة الثانية . و يشير ذلك العرض أيضا إلى خطابات ستالين حول الحرب الوطنيّة الكبرى ( و مجرّد قراءة وصفها في ذلك العرض لا يعطينا فكرة عن مدى العمق الذى غرقوا فيه – و هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها وصف ذلك من وجهة نظر ماركسيّة – لينينيّة ). هذا توصيف صحيح و ضروري للسياسة أثناء الحرب العالميّة الثانية رغم فسحة أكثر " لينينيّة " في المرحلة الأولى من الحرب ، أي، ، المرحلة قبل المشاركة المباشرة للاتحاد السوفياتي باي معنى له دلالة ( بصرف النظر عن حرب خاطفة في فنلندا ). ثمّ وُصّفت الحرب على أنّها بين القوى الإمبرياليّة و صوّرت أساسا على ذات ضوء الحرب العالميّة الأولى . و رغم وجود سطحيّ لتوجّه " لينيني" و موقف صحيح تجاه الحرب ، حتّى حينها ، تميّز الأمر بقدر معيّن من الفكر المسالم أو فكر حبّ السلم . و أكثر من ذلك ، مثلما أشار إلى ذلك العرض إيّاه ، كانت سياسة عامة جوهريّا ط صحيحة " سطحيّا ، إتّبعت ذات السياسات الخاطئة كما السياسات السابقة و اللاحقة لها خلال محاولة إنجاز " الأمن المشترك" مع الإمبرياليّة الغربيّة و كامل خطّ الكومنترن للجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة . كافة هذه السياسات كانت صراحة عقلنة و محاولة جعل سياسة الحركة الشيوعية إمتدادا للسياسة العالميّة و لخطّ الإتّحاد السوفياتي . لم يكن الخطّ في الفسحة " اللينينيّة " في المرحلة الأولى من الحرب ، و عن كانت له بعض المظاهر السطحيّة تبدو أصوب ، لم يكن جوهريّا أفضل من السياسة قبل إندلاع الحرب و السياسة بعد مزيد فساده عقب دخول الإتّحاد السوفياتي الحرب.
لوضع ذلك بإختصار ، الحرب العالميّة الثانية من جهة الإتّحاد السوفياتي ، خيضت على أساس وطني – أي على أساس ديمقراطية - برجوازية – و هنا يجب أن نقول إنّ مجلّة " ورقات حمراء " عدد 7 غالط ، في دفاعها عن ضرورة خوض الحرب على ذلك الأساس ح ففي الواقع ، لم يكن من الضروري و لا من الصحيح خوض الحرب على أساس وطني و ديمقراطي برجوازي . إلاّ أنّ هذا كان الإمتداد المنطقي لوجهات النظر الخاطئة و الخطوط و السياسات الخاطئة و عموما للتوجّه الخاطئ الذين وقع تبنّيهم و الذين قادوا عامة إلى القوّة النامية للقوى البرجوازية – بصورة واسعة البرجوازية الجديدة – داخل الحزب و الدولة في نفس الوقت الذى وقع تقديم تنازلات للقوى البرجوازية القديمة داخل الإتّحاد السوفياتي بما في ذلك ضمن الفلاّحين - و خاصّة في روسيا ، لأنّ القوميّة الروسيّة إعتُبرت " الأولى من بين جميع " الشعوب السوفياتيّة مع نهاية الحرب.
وُجد كلّ ذلك الركام حول إيفان الرهيب صاعدا إلى القمّة مع ألكسندر نفسكى و ما شابه ، الذى كان من تعبيرات ذلك في الحقل الثقافي . و فجأة أخذ كافة الكهنة القدماء يظهرون بعد أن كانوا مبعدين بطريقة صحيحة إلى الظلّ فسُمح لهم بالظهور بميداليّاتهم و أيقوناتهم و لباسهم و ظلاميّتهم ؛ و مثّلت هذه و جميع الأشياء و عكست و كانت جزءا من محاولة تعبأة الأمّة على أساس ديمقراطي برجوازي ، على أساس الوطنيّة الروسيّة ، بشكل طاغي . و نُكّست راية الأمميّة ببراغماتيّة و وطنيّة لأجل الدفاع عن الأمّة و التصدّى للهجمات عليها مهما كلّف الثمن .
و يجب قول هذا لأنّ بعض الأشدّ إنتهازيّة ( أو ربّما علينا قول الأقلّ ذكاءا ) أنجزوا خلاصاتهم الخاصة بهم لتجربة الإتّحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية الالميّة خلال فترة قيادة ستالين خاصة ، و امسكوا لسخرية الأقدار بحقيقة أنّه في ذات الوقت الذى كانت فيه سُمعة الإتّحاد السوفياتي في العالم و في صفوف الكثير من التقدّميّين في أعلى نقطة لها ، كانت أمميّته في أدنى نقطة لها و نزعته نحو الثورة كانت الأكثر فسادا. و غالبا ما نواجه هذا الضرب الغريب من الدائرة و المنطق المغلق المستخدم في الدفاع عن سياسات الإتّحاد السوفياتي . أساسا الحجّة هي أنّ كلّ شيء قام به الإتّحاد السوفياتي مهما كان جيّدا و يتمّ الإنطلاق من ذلك و العودة إليه .
مثلا ، كلّ ما قام به الإتّحاد السوفياتي مهما كان ، و الذى جعل المزيد من العناصر الثوريّة تنأى عنه عندما عقد إتّفاقية الأمن المشترك في أواخر الثلاثينات ( عندها إبتعدت عنه المزيد من العناصر الديمقراطية البرجوازيّة حين عقد المعاهدة مع ألمانيا ) – كلّ هذا مبرّر على الأسس الأكثر تضاربا ، و ربّما من الممكن أن نرى المزيد من التبرير للمعاهدة مع ألمانيا من المحالة الأولى لعقد الأمن المشترك . لكن ، ترون أنّ كامل الحركة قد غرقت جدّا في الإنشغال بالنازيّة إلى درجة أنّه حينما يتناول المرء هذه المرحة من التاريخ بالحديث مع عديد الناس ، يغادر العلم من النافذة ليحلّ فجأة " النازيّون " و " التحكّم في العالم " و " الحرّيات الديمقراطيّة " إلى أسفل المسرب و كافة أصناف الفظائع وهي حقيقيّة بما فيه الكفاية لكنّها ميزة من ميزات الإمبرياليّة و ليست له سمة ألمانيّة فقط.
و يجب التوغّل في هذا لأنّ المواجهة العلميّة لما كانت عليه خطوط و سياسات الإتّحاد السوفياتي ، مواجهة واقع أنّ سُمعة الإتحاد السوفياتي أعيد إحياؤها و بناؤها إلى أعلى نقطة على وجه التحديد في زمن كان فيه يمضى بعيدا أقصى البعد عن الأمميّة ، قد نُشر بعديد الحجج القديمة . و كلّ واحد منّا عايش لمدّة طويلة جدّا هذا قد حاجج في وقت أو آخر من الأوقات أنّ الدليل على أنّ الشعب في الإتّحاد السوفياتي جميعه قد ساند الإشتراكيّة : أنظروا إلى البطولة التي قاتلوا بها ، حتّى وراء خطوط النار ، ضد ألمانيا . لكن لسوء الحظّ أنّه واقع أنّ الناس يمكن أن يعبّؤوا للقيام بذلك على أساس القوميّة و الوطنيّة ، و هناك الكثير من الأمثلة على ذلك في التاريخ ، و حتّى في التاريخ المعاصر. ربّما بأشكال ما يمكن تجييشهم على هذا النحو بصورة أسهل على المدى القصير من ما يمكن على أساس الإشتراكية و الأمميّة . غير أنّ هذا لا يدّلّل البتّة – أو يتجنّب على ايّ حال – مسألة ما الذى يقاتل من أجله الناس . فعلى سبيل المثال ، ساندت الجماهير اليوغسلافيّة تيتو ضد ستالين على أسس قوميّة . حسنا ن هذا لا يثبت أنّ يوغسلافيا كانت إشتراكيّة أو أنّ الناس هناك قاتلوا ببطولة من أجل الإشتراكيّة ؛ كانوا يقاتلون " ببطولة " لكنّهم ما كانوا يقاتلون من أجل الإشتراكيّة . و إلى درجة بعيدة كان كذلك الحال في الإتّحاد السوفياتي إبّان الحرب.
أذكر مرّة كان عليّ فيها أن أجادل عضوا من حزب الفهود السود عندما أتى هواي نيوتن بفكرة أنّهم سيلبّون حاجيات الجماهير بإدارة مصانع صغيرة – مصانع هشّة لخياطة الثياب- و تقديمها إلى الناس .حينها تقدّمت بالإعتراض السهل تقريبا لكن الصحيح ، " هذا الصنف من الأشياء تفوح منه الرأسماليّة ". و كان الردّ : حسنا ، ستكون رأسماليّة و لن تكون ثوريّة سوى أنّنا نحن من نقوم بذلك و نحن ثوريّون ". و بينما لم أجد ذلك المنطق مقنعا جدّا في حال الفهود السود ، مع ذلك لعدّة أسباب متّصلة بالمشاعر و لكون الإتّحاد السوفياتي كان أوّل دولة إشتراكيّة و كان يتعرّض للهجوم من قبل الإمبرياليّة و كان يقاتل من أجل البقاء و ما إلى ذلك، مدّ ذلك المنطق ذاته جذوره عميقا و صار جزءا ، وحتّى تقريبا عن غير وعي ، جزءا من تفكير بعض الناس الذين عاشوا تلك الفترة . كان ذلك هو الحال إلى درجة كبيرة ، مهما فعل الإتّحاد السوفياتي ، و إن فعله إنسان آخر ستندّدون به لكن لأنّ الإتّحاد السوفياتي فعله و كان الإتّحاد السوفياتي إشتراكيّا ، إتّخذ طابعا آخرا بحكم الواقع ، بمجرّد فضيلة واقع أنّ الإتّحاد السوفياتي كان يفعله . و المسألة مجدّدا يتمّ الإلتفاف عليها فهي من يفعل ماذا و ما الذى يدلّل عليه ذلك.
إذأ أردتم رؤية ما يشبه ذلك ، يمكن أن تروا عكسه مع كلّ أنصار ألبانيا الآن . عندما يهاجمون نظريّة " العوالم الثلاثة " يتقدّم المدافعون عن و مدّاحو الخطّ التحريفي الصيني ، الذين هم القطب المناقض من ذات الغباء ( و الذين لهم عقل ) يتقدّمون ليقولوا : " لكن ماذا عن الحرب العالميّة الثانية و الحرب المناهضة للفاشيّة التي خاضها الإتّحاد السوفياتي – ألم يفعلوا ذلك ؟ " و يعود أنصار البانيا ليقولوا : آه ، هذا سخيف. يعلم الجميع أنّ الحرب العالميّة الثانية مختلفة تماما لأنّ ... و لأنّ ...و لأنّ ...ذلك كان الإتّحاد السوفيات على هذا النحو . و أولئك كانوا النازيّين ". إذا أردتم معرفة كيف كان ذلك ، كان على هذا النحو . و لا تزالون ترون ذلك.
و أحيانا تصاغ الحجّة التالية : " أجل أنظروا ، بوسعكم رؤية ما تريدون بشأن ما قام به الإتّحاد السوفياتي في الحرب العالميّة الثانية لكن انظروا إلى السُمعة التي حصل عليها الشيوعيّون عبر العالم قاطبة نتيجة ما قام به الإتّحاد السوفياتي ، كيف قاد القتال ضد النازيّين ،و أنظروا على الرأي العام الذى خُلق بفضل ما وقف الإتّحاد السوفياتي من أجله ". إلاّ أنّ هذا بدوره يلتفّ على المسألة : " سُمعة الشيوعيّين من أجل ماذا ؟ ممثّلة لماذا ؟هل كانت حقّا الشيوعيّة هي التي كانت تكسب الدعم و السمعة ،و ما الذى وقف الإتّحاد السوفياتي من أجله و على قاعدته بُني رأي عام ؟ هذا مشكل .
لقد قلت مرّة في حجّة ن هذا الصنف إنّه في أحيان كثيرة ، و خاصة مع بعض التعطيل الإيديولوجي الذى حصل خلال هذه الفترة بالخصوص ( و قد تواصل إرثه ن لسوء الحظّ ) إنّه حال أنّ كلّ شخص في الشارع ، متقدّم أو متخلّف ، تقدّمي أو رجعي ، و ما إلى ذلك يعلم الكثير من الحقائق الأساسيّة عن ما قامت به البروليتاريا في السلطة و ما كانت تجربتها قبل أن يعرف ذلك الشيوعيّون . مثلا ، للمرور بذلك من المجرّد إلى الملموس ، تقريبا كلذ من عايش تلك الفترة يعلم أنّ الإتّحاد السوفياتي إتّبع سياسة وضع مصالحه القوميّة فوق كلّ شيء آخر أثناء و قبل و بعد الحرب العالميّة الثانية و فقط بعض الشيوعيّين هم الذين لا يودّون القبول بذلك ، لا يودّون مواجهة ذلك بواقع أساسي بسيط. أجل ، هناك حدود للحكمة العامة ، لكن كلّ إنسان عادي في الشارع قد قرأ أبدا الجرائد و إستطاع متابعة الأحداث بدرجة دنيا يعرف هذه الحقيقة. و مع ذلك ، من الحقائق المزعجة التي سرّبها الكثير من الشيوعيّين الغارقين ذلك التقليد و ذلك المنهج هم الأخيرين في الشروع في قبول ذلك الواقع .
هذا أمر جانبي لكن هناك درس ينبغي أن نستوعبه بعمق أكبر . و بصورة خاصة على ضوء الوضع المتطوّر راهنا ، من الأساسي رؤية أنّ كلّ هذا الذى تحدّثنا عنه كان قويّ الإرتباط بالنظرة الخاطئة لتطوّر الأشياء عالميّا عبر حركة لولبيّة نحو إحتدام الظروف ن إنّه مرتبط بوجهات النظر المتّصلة ب " الأزمة العامة " . و هنا من المهمّ أن نلاحظ أنّه إن ألقينا نظرة على كتاب ر. بالم دوت ، " الفاشيّة و الثورة الإجتماعيّة " (22) ، بوسعنا رؤية كيف أفرز ذلك و بسرعة الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة - خطّ ديمتروف - و الأخطاء الفظيعة التي إقتُرفت و الإنحرافات التي وقع السقوط فيها ( حول إسبانيا لضرب مثال واحد ). و بوسعنا أن نلاحظ النزعات نحو الماديّة الميكانيكيّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة و الإقتصادويّة إلخ . و عند إعادة قراءة كتاب دوت في المدّة الأخيرة – لم أُعد قراءته منذ عقد تقريا – صدمنى حقّا أنّه يقول حرفيّا بانّه لم يعد بإمكان الرأسماليّة أن تُطوّر قوى افنتاج – نقطة إلى السطر – و لذن تمادت الرأسماليّة في منطقها المتصلّب ، ستسحب الإنسانيّة خلفا إلى حياة القرية البدائيّة مع الإنتاج المتميّز بالعمل الكثيف و المتناثر . لكن قبل أن يحصل كلّ ذلك ، يقول دوت ، ستحطّم العالم باسره بواسطة الحرب لأنّ الرأسماليّة ، في آخر المطاف ، تنزع نحو تحطيم قوى الإنتاج و الحرب ليست سوى التعبير الأقصى لهذا. ببساطة هذا في منتهى الصراحة ماديّة ميكانيكيّة ، والآن ليس جدّا مفاجئ ، فهناك الكثير منه ، لكن كون هذا الكتاب لقي رواجا كبيرا جدّا صلب الحركة العالميّة – حتّى و إن تعرّض إلى النقد ، لم يُنظر إليه ببساطة على أنّه عمل مشعوذ – يعكس شيئا له دلالته .
في كتاب دوت ، ليس الخطّ أنّ هناك بعض الدول الفاشيّة و السيّئة و أخرى ديمقراطية و جيّدة ، بل إنّ كلذ مجتمع رأسمالي بطريق الحتم يتّجه نحو الفاشيّة ،و المسألة مسالة درجة و كمّية فقط ، إلى أي مدى مضوا نحو ذلك ؛ جميعهم متساوون في السوء ، متساوون في تحمّل مسؤوليّة الحرب التي يمكن مشاهدة تشكّلها . يقول إنّ البرجوازيّة في هذه الفترة غير قادرة تماما على رفع راية حتّى مساماتها التاريخيّة الخاصة ، إقتصاديّا بمعنى تطوير قوى انتاج ، أم سياسيّا بمعنى الديمقراطيّة البرجوازيّة و رفع راية مصالح الأمّة ، و إنّه يقع على كاهل البروليتاريا أن ترفع راية و تتقدّم بهذه الأشياء . و بذلك تغدو الإشتراكية إثنان في واحد ، و عن كان لهذا الخطّ طابع إنتهازي " يساري ". و بوسعنا ملاحظة أنّه حينما نجعل رفع راية الديمقراطية البرجوازيّة و مصالح الأمّة على أنّها محور كلّ شيء ، بالتالى ، إن كان بعدُ كلّ هذا في صفوف البرجوازيّة نزعة للدفاع عن الوطن و رفع راية الديمقراطية البرجوازية ، على القلّ في ظروف معيّنة ، لا يحتاج الأمر قفزة كبرى ، غنّه القطب المناقض بالذات لذات الغباء ، أن نقول إنّه ينبغي أن نتحالف مع البرجوازيّة أو القوى البرجوازيّة التي سترفع فعلا مصالح الأمّة و التي بالفعل سترفع راية الديمقراطية البرجوازية – بكلمات أخرى ، خطّ الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة .
و الآن من الصحيح و يجب أن نقول مجدّدا إنّ الكثير من هذا كان عقلنة و إمتداد للسياسة الخارجيّة السوفياتيّة و مسعى لتعبأة الطبقة العاملة في بلدان مختلفة كمجموعة ضغط على البرجوازيّة دعما للدبلوماسيّة السوفياتيّة و الإتّفاقيّات العالميّة السوفياتيّة . لكن طالما أنّه ينبغي أخذ خطّ دوت مأخذ الجدّ بحدّ ذاته ، هناك قفز يسير من خطّ دوت حيث تدان كامل البرجوازيّة لتخلّيها عن دورها التاريخي الخاص في ما يتّصل بالأمّة و تطوير قوى الإنتاج و الديمقراطيّة و بالتالى ينبغي الإطاحة بكلّ شيء ؛ ومن وجهة النظر الماديّة الميكانيكيّة هذه ، وجهة النظر الصريحة بصورة لا تصدّق والسخيفة تقريبا، من اليسير الإنقلاب إلى حيث ينبغي التحالف مع قطاعات معيّنة من البرجوازيّة أو البرجوازيّة في بلدان معيّنة لأنّها تملك على الأقلّ توجّه نحو رفع راية الأمّة و الديمقراطية البرجوازيّة و ربّما تطوّر قوى الإنتاج .
هنا تُطرح مسألة مهمّة إذ صُدمت عند العودة إلى قراءة مقال " العدميّة القوميّة " (23) ففيه توجد كافة ضروب المقتطفات الفظيعة من كتابات الكومنترن أواخر ثلاثينات القرن العشرين حيث يحاولون زعزعة السياسة اللينينيّة ضد الدفاع عن الوطن في البلدان الإمبرياليّة خلال الحروب الإمبرياليّة . و عند نقطة معيّنة خرجوا علينا بقول أنظروا قبلا ، في الأزمنة السابقة ، كان لدي الطبقة العاملة قدر كبير من المشاعر المريرة إزاء الأمّة و ذلك لأنّها في الأساس خارجها و تنظر إلى الداخل ، لكن الآن تقدّمت إلى حيث باتت لديها نقابات و دور في البرلمان و هلمجرّا ، و الان لها رهان حقيقيّ في الأمّة ، لذا الأمر مختلف. و في البداية عندما تنظرون إلى جميع هذه المواقف الصادرة عن الكومنترن و المشار إليها أعلاه حول كيف أنّ للعمّال الآن رهان في ألمّة و ما إلى ذلك ، تقولون :" ياله من أمر فظيع ، ياله من تشويه "؛ لكن ما هو أكثر غستفزازا هو إثارة سؤال : هل كان هذا فعلا إنعكاس لمحاولة الكومنترن جعل نفسه ناطقا باسم و موحّدا كقاعدة إجتماعيّة له تلك الفئة من العمّال – الأكثر برجزة و الفئة الأرستقراطية وسط هذا الإنهيار- مع من يتناسب فعلا هذا الوصف و من له ذات هذه المشاعر التي كان الكومنترن يتحدّث عنها ؟ هذه مسألة تحتاج المزيد من البحث لكن في الواقع ضمن مثل هؤلاء العمّال ستجد أكثر قابليّة لخطّ التشجيع على الديمقراطيّة البرجوازيّة و الإقتصادويّة و الشوفينيّة القوميّة و الدفاع عن الوطن و ما إلى ذلك . ربّما ليس مجرّد تشويه بل هي محاولة اكثر وعي من قبل القيادة السوفياتيّة و الكومنترن لتجييش تلك الفئة من الطبقة العاملة او توجيه نداء لها كوسيلة للضغط على البرجوازيّة في تلك البلدان لتتّفق مع الإتّحاد السوفياتي على أسس يبحث عنها .
و هناك نقطة هامة أخرى في إرتباط بكتاب دوت و خطّ الكومنترن . في الحديث عن عمّال ألمانيا و القواعد الإجتماعيّة تباعا للحزب الشيوعي و الحزب الإشتراكي – الديمقراطي خلال عشرينات و ثلاثينات القرن العشرين ، يقول في الأساس إنّ السبب في عدم نجاحه هنا ، السبب في عدم القيام بالثورة هنا هو " لقد الملاعين الإشتراكيين ا-الديمقراطيّين ، فقد افسدوا الأمر . و تعلمون كيف أفسدوه ؟ أتعلمون ماذا فعلوا ؟ لقد تصرّفوا كإشتراكيّين - ديمقراطيّين ". و هذا الطراز من الحجج كان عادة مميّز للكومنترن . و من المحبط جدّا أن نقرأ هذا النوع من التلاخيص على انّه من المفترض تحليلا ماديّا و جدليّا للماذا لو توجد ثورة في ألمانيا – أنّ الإشتراكيّين – الديمقراطيّين لم يتصرّفوا كشيوعيّين . حسنا ، هكذا هو المر ، و نتعلّم إستخدام الماركسيّة ك منجل للقطع عبر هذا . لكن ما يذهلنا هو أنّه عند حدّ معيّن من قراءة هذا هو واقع أنّ الحزب الشيوعي كان يمتلك قاعدة في معظمها ليست من العمّال الأكثر تنظيما نقابيّا الذين هم في هذا الموقع الذى يتحدّث عنه الكومنترن في المقتطفات أعلاه ، لكن في الواقع ، من العمّال الذين ربّما كاوا ينزعون إلى أن يكونوا عاطلين عن العمل ، و أقلّ إستقرارا، على ألقلّ بالمعنى البرجوازي لذلك. جزء كبير من قاعدة الحزب الشيوعي كانت من الذين ترونهم يتحرّكون في رواية " متاريس في برلين " ؛ لم يكونوا بالضرورة الحرفيّين المهرة أو أعضاء النقابات الإشتراكيّة الديمقراطيّة و الكنيسة و هلمّجرّا .
لقد شُلّت الحركة العالميّة جرّاء نزعاتها الخاصة الخاطئة الماديّة الميكانيكيّة و الميتافيزيقيّة و النقابويّة و الإقتصادويّة إذ إعتقدت أنّه ليس بوسعها القيام باي شيء أساسا طالما لم تكسب القاعدة الإجتماعيّة للإشتراكيية – الديمقراطيين . و هذا ليس ذات الشيء كالفهم الصحيح بانّه من الضروري كسب على ألقلّ جزء هام من تلك القاعدة الإجتماعيّة في خضمّ بناء الحركة الثوريّة لكن كانت بالأحرى تقدّم ميتافيزيقا ، وثبات و كمسالة كسبهم جميعا بضربة واحدة . و كان من المفترض أنّه ضروريّ أوّلا كسب تلك القاعدة قبل التمكّن من القيام بأي شيء عوضا عن إستنهاض القاعدة الإجتماعيّة الخاصة بالشيوعيين، و التوحّد حول القوى التي يمكن أن تجذب إليها و على ذلك الساس بناء حركة ثوريّة و البحث عن وسائل كسب على ألقلّ جزء واسع من قاعدة الإشتراكيّين - الديمقراطيّين . لقد شلّ الحزب الشيوعي نفسه بذلك و هذا شيء يجب تلخيصه بالمزيد و الكثير من العمق .
لكن بالعودة إلى سياسة الإتّحاد السوفياتي في علاقة بالحرب العالميّة الثانية : إنتصار الإتّحاد السوفياتي ، على أساس قومي، لا يبرّر ب" الدليل " القديم بانّ الجماهير هناك ساندت الإشتراكيّة . و مثلما قلت ، يمكننا الإشارة إلى مثال يوغسلافيا حيث ساندت الجماهير تيتو ضد ستالين على أسس قوميّة و إلى الذين لديهم نظرة إحاديّة الجانب لمسألة الديمقراطيّة و الديمقراطيّة في صفوف الجماهير ، و التعويل على الجماهير و هلمّجرّا ، يمكن ملاحظة أنّه عندما إندلع الصراع بين يوغسلافيا و الإتّحاد السوفياتي عقب الحرب ، خاض أنصار تيتو جدالاتهم مع الإتّحاد السوفياتي أمام الجماهير اليوغسلافيّة . أخذوا كافة هجمات ستالين على يوغسلافيا ، و طبعها بمئات آلاف النسخ و أرفقوها بردودهم و وزّعوها على نطاق واسع على الجماهير اليوغسلافيّة . و بصفة طاغية ، ساندت الجماهير اليوغسلافيّة تيتو ولم تساند ستالين ، ما يثبت لا شيء كبير من أيّ شيء ؛ لأنّ المشكل هو أنّ هذا لا يعبّر لنا عن نوع الخطّ الذى على أساسه تمّ إستنهاض الجماهير. يقول لنا شيئا واحدا: التذيّل للجماهير ، فكرة أنّ ، بالمعنى الميكانيكي ، ببساطة جعل الجميع يعلمون بما يجرى و يعبّرون عن رأيهم فيه ، لا تضمن أنّ الحقيقة و مصالح البروليتاريا ، وهما الشيء ذاته بالمعنى الجوهري ، ستكسب على المدى القصير. ذلك أنّه مهما كانت أخطاء ستالين، كان تيتو نوعيّا أسوأ و كان تحريفيّا و بالفعل عميلا للإمبرياليّة و لم يكن باي معنى يعارض ستالين من موقع أكثر ثوريّة أو يقاتل من أجل قيادة أكثر ثوريّة في صفوف الحركة الشيوعيّة العالميّة .
و أعتقد أنّ هذا يوفّر لنا المزيد من الضوء بشأن مسألة الصين . فبالرغم من ألبانيا وأنور خوجا، لم يكن ماو بالتأكيد تيتو . لكن الحزب الصيني ، و يمكن أن نلاحظ ذلك بالنظر على الخلف ، كان مليئا بأرهاط شبيهة بتيتو . و من الأشياء التي صدمتنى عند قراءة تقريرهم الأخير ملخّصين بعض المسائل الهامة حول تاريخ الحزب الصيني و حول ماو بوجه الخصوص، هو أنّ هؤلاء التحريفيين في السلطة في الصين يملكون سندا عندما يتّهمون ماو بالإنحراف عن المسار المشترك الذى كانوا جميعا يسيرون فيه - بكلمات أخرى ، عمليّا الخروج عن إطار الثورة الديمقراطيّة الجديدة إلى الطريق الإشتراكي و مواصلة الثورة بإتّجاه الشيوعية . و في النهاية ، أكيد أنّ ماو غرّد خارج السرب كواحد من قلّة – و بالطبع كقائد لقلّة - من القدماء الذين كانوا يتجاهلون حقّا من أجل عالم شيوعي ، محاصرين ب حزمة من الناس الذين لم يتجاوزوا أبدا الرغبة في الحصول على فرصة الحكم في صين قويّة وعصريّة محتلّة " مكانتها المشروعة بين الأمم ". إنّ ماو هو الذى " إنحرف" عن هذا . و بالتالى هذا جانب آخر ن بطريقة إستفزازيّة ، لمسألة الديمقراطيّين البرجوازيّين الذين تحوّلوا على أتباع للطريق الراسمالي مع دخول الثورة و تعمّقها في المرحلة الإشتراكيّة .
لم تتطلّب الثورة الصينيّة ، لا سيما في مرحلتها الأولى ، بطرق هامة قطيعة راديكاليّة أو شاملة مع الكثير ممّا كان خاطئا أو أمسى خاطئا في الحركة الشيوعية العالمية – خاصة إبتعاد الحركة الشيوعيّة العالميّة في مظاهر ذات دلالة عن اللينينيّة، و من ذلك مثلا ما هو مكثّف في الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة . و قد إتّبعت خطّ الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة – و أعتقد أنّه من المهمّ و يمكن أن نتعمّق في كشف ذلك – بصورة طاغية في أوروبا . و لا أعتبر أن ذلك جاء محض الصدفة لسببين إثنين. أوّلا ، لأنّ ذلك الخطّ يعكس متطلّبات السياسة الخارجيّة السوفياتيّة وقتها و محاولاتهم للتعاطى مع الديمقراطيّات الإمبرياليّة الغربيّة ، من ناحية ، و من ناحية ثانية ، إن بحثتم في مدى كون الدول الفاشيّة فظع من الديمقراطيّات ، ستخرجون بنتائج أفضل في أوروبا أين وُجدت أكثر ديمقراطيّة ممّا ستخرجون به إذا توجّهتم إلى بعض البلدان المستعمَرة و شرعتم في المحاججة حول عظمة الإمبرياليّة البريطانيّة بالنسبة للهند مثلا ، مقارنة بالإمبرياليّة اليابانيّة و مستعمراتها .
و من هنا ن في المستعمرات ، بينما لم يتطوّر تماما ، كان الخطّ العام هو الجبهة المتحدة ضد الإمبرياليّة و كان صحيحا في الصين لتطوّر الأوضاع هناك ، تطوير جبهة متّحدة ضد الإمبرياليّة اليابانيّة كعدوّ أساسي ، ما عني في الواقع ، بواسطة تشان كايتشاك ، جبهة متّحدة مع الإمبرياليّة البريطانيّة و الأمريكيّة ، أو على الأقلّ تحييدهما ، بمعنى وضعهما جانبا و عدم جعلهما هدفا أو عدوّا مباشرا في تلك المرحلة من النضال . و في هذه الأوضاع كان ذلك صحيحا و لم يمنع الثورة الصينيّة من إحراز تقدّم .
و الآن الكثير من السياسات التي صارت بصفة متصاعدة مرتبطة بهذا ، سياسات إلحاق النفس – و ليس مجرّد التحالف على مستوى أو آخر و إنّما عمليّا إلحاق النفس - بالقوى البرجوازية ، و حتّى بالقوى الكمبرادوريّة و أسيادها الإمبرياليّين، تلك الأنواع من السياسات كانت ستتسبّب في وأد الثورة في الصين . و بصدد هذه الأنواع من المشاكل دخل ماو تسى تونغ في نزاع حاد مع الكومنترن و ستالين في شكل خطّ وانغ مينغ داخل الصين ذاتها ، وهو كما يعلم الجميع الذين يهتمّون بالمعرفة ، كان يدافع عن خطّ ستالين و الكومنترن داخل الصين و كان يدفع نحو الإستسلام إلى و التذيّل إلى الكومنتانغ و في نهاية المطاف إلى الإمبريالية الأمريكيّة و البريطانيّة . و قد خاض ماو صراعا حادا حول هذه المسائل .
أكيد أنّى ست أقول إنّ ماو كان إنتهازيّا ، أو براغماتيّا أو قوميّا ضيّق الأفق نو إنّما ثمّة شيء من الماديّة و شيء من واقع أنّ المسائل الأحدّ التي طرحت نفسها ، لا سيما في معمعان النضال الثوري ، كانت تتعمّق أو تشرع في التعمّق على الأقلّ. و أعتقد انّ هذا ينعكس في واقع أنّه حول نقاط التذيّل و الإستسلام للحلفاء البرجوازيّين حدثت قطيعة كبيرة لكن ليس على أساس التوجّه الأساسيّ لإتّباع الدفاع عن الأمّة و العديد من الأشياء التي لم تكن خاطئة – على الأقلّ لم تكن خاطئة في المبدأ- حين تطبّق في المستعمرات و قد كانت خاطئة حين طبّقت في الواقع و وقع التشديد عليها في البلدان الإمبرياليّة ، خاصة البلدان التي كان الإتّحاد السوفياتي يبحث عن التحالف معها .
و في نهاية كلّ هذا ، مع وضع الحرب العالميّة الانية أوزارها ، كان طريق مستقبل الإتّحاد السوفياتي مطروح بحدّة كبيرة، أي ، مسألة الطريق الرأسمالي مقابل الطريق الإشتراكي . بمعنى ما يمكننا قول إنّها كانت مسألة إعادة وضع القطار على سكّة الطريق الإشتراكي و كان القيام بذلك يقتضى شيئا من طراز أو مثل الثورة الثقافيّة في الصين ، لكن كما نعلم لم يحدث هذا . بينما في بلدان الشرق يمكن أن نحيل قبل كلذ شيء على موقف ستالين ( الذى صرّح به على ما يبدو إلى دجيلاس الذى كان مرتدّا ن و لكن أعتقد أنّه من السليم إعتبار أنّ الموقف تمّ التصريح به ) حيث قال ستالين معلّقا على الحرب العالميّة الثانية ، إنّ هذه الحرب كانت مغايرة للحروب الماضية لأنّه حيثما تصل جيوش بلد ، يمكن أن يفرض نظامه الاجتماعي هناك . و الآن علينا أن نقول غنّ هناك جانب من الحقيقة في ما قاله ستالين لكن المسألة المطروحة على الفور هي أيّ نوع من النظام يمكن أن يفرض بهذه النظرة ؟ و من جديد ، ليس هذا لإثارة إعتراضات بأنّ الثورة لا يمكن أن تصدّر ، لا يمكن للإشتراكية أن تأتى إن أتت من خلال الجيش الأحمر الروسي كقوّة مسلّحة أساسيّة في ظروف معيّنة بدلا من شعب الأمّة المعنيّة أو شيئا من هذا القبيل ؛ لكن مع ذلك ، المسألة هي : بتلك النظرة لفرض نظام إجتماعي بهذه الوسائل، أي نوع من النظام الاجتماعي يمكن بالفعل فرضه ؟
و ليس صدفة أنّه لم يبذل أبدا حقّا ، مثلما أشار ماو ، جهد حقيقي أو أي تقدّم حقيقيّ في تعبئة الجماهير ذاتها في النضال الثوري و من أجل أن تصبح سيّدة المجتمع ، و دون هذا ، دكتاتوريّة البروليتاريا و الإشتراكيّة ( حتّى بالمعنى النسبيّ الذى علينا أن نفهمه بانّها موجودة و ليست شيئا مطلقا ) ، مع ذلك حتّى بهذا المعنى ، ليست ممكنة دون ذلك النوع من الخطّ و دون ذلك النوع من التعبأة للجماهير و النضال الواعي . لذا ليس من المفاجئ عدم حدوث ذلك. و في الواقع ، يجب أن نقول بصراحة بأنّ الإشتراكيّة لم توجد أبدا في بلدان أوروبا الشرقيّة ( وألبانيا حالة مغايرة يحتاج تاريخها أن ننظر فيه على حده ) . و لم يُنشأ أبدا عبر النضال الطبقي الواعي للجماهير هناك بطليعة بروليتاريّة ، و إنّه الطريق الوحيد الممكن – الذى دونه لا يمكن بداهة أن توجد إشتراكيّة .
و مثلما أشرت إلى ذلك ، عقب الحرب العالميّة الثانية ، في الإتّحاد السوفياتي ، كانت إعادة إحياء الإشتراكيّة تستدعى لا أقلّ من شيء شبيه بالثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى . لكن بسرعة بعد ذلك ، و خاصة بعد وفاة ستالين ، ما وقع تكريسه هو الإطاحة الكاملة بكامل النظام الاجتماعي و تشكيل طليعة جديدة – شيء مغاير نوعيّا للثورة الثقافيّة التي كانت نهوضا جماهيريّا ، لكن في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . و بالفعل ، إفتكّت البرجوازيّة السلطة و عزّزتها تماما و أعادت تركيز الرأسماليّة بإنتقام . و هنا ينبغي التشديد بإيجاز على أمر لفت الإنتباه إلهي ذلك العرض الموجز المقدّم على اللجنة المركزيّة ألخيرة : إنّ المعسكر الإشتراكي كان في الواقع مليئا بالتناقضات و أكثر من ذلك ، كانت التناقضات صلبه تحتدّ بدرجة كبيرة في ذات الوقت الذى كان في أوجه ، أي ، في خمسينات القرن العشرين ، تقريبا .
في ردّنا على أنور خوجا ، " في الردّ على الهجوم الدغمائيّ – التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " (24) ، لفتنا الإنتباه إلى مسألة " دولة الشعب بأسره " و " حزب الشعب باسره " و إلى الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكيّة ، و أشرنا إلى أنّه بمعنى ما سياسة ستالين أو فهم ستالين لهذا كان يمثّل خلطا ، فقد قال ، من جهة ، إنّه لا وجود لطبقات متعادية و لا أحد لقمعه ، سوى عملاء الأجانب في الإتّحاد السوفياتي نفسه ، لكن دولة و دكتاتوريّة البروليتاريا لا تزالان ضروريّتان بسبب الحصار الإمبريالي الأجنبي و تسرّب عملائه. و أشرنا إلى انّ ذلك حجّة تؤدّى حقّا بإتّجاه وجهة نظر خروتشوف ، لأنّ خروتشوف لم يقل قط باننّا لسنا بحاجة إلى دولة ، قال فقط إنّه لإنتفاء الطبقات المتعادية في الإتّحاد السوفياتي ن لا حاجة لنا إلى دكتاتوريّة البروليتاريا ؛ لا نحتاج أكثر من دولة للتعاطى مع الأعداء الخارجيّين . لم يمض ستالين إلى ذلك الحدّ ، فقد إكتفى بقول إنّنا لا نزال في حاجة إلى دولة للتعاطى مع الأعداء الخارجيين و عليه لا زلنا في حاجة إلى دكتاتوريّة البروليتاريا حتّىو إن لم توجد طبقات متعادية داخل الإتّحاد السوفياتي . و قد لخّصنا ذلك بقول إنّ موقف ستالين خلط بينما ما فعله خروتشوف هو حلّ الخلط ؛ و في ذلك التناقض خلط ستالين نهائيّا أفضل من حلّ خروتشوف ، لكن مع ذلك لا يزال خلط و ليس جيّدا بالمرّة .
و لا أتصوّر أنّ ذلك صحيح و حسب بشأن مسالة الدولة ، و بالتالى إلى جانبها مسألة الحزب ، دولة الشعب باسره و حزب الشعب بأسره ( الصيغتين الخروتشوفيّتين الشهيرتين ). و حين تفحّص ذلك بعمق أكبر ، يتبيّن أنّ الأمر على نطاق واسع جدّا هو أمر أن " الثلاثة السلميّة الشهيرة لخروتشوف ، أي ، التنافس السلمي و التعايش السلمي و الإنتقال السلمي إلى الإشتراكيّة ، يمكن أن توصف مرّة أخرى إلى درجة هامة بأنّه حلّ خروتشوف لخلط ستالين . و حلّ خروتشوف نهائيّا و نوعيّا أسوأ من خلط ستالين . لكن سياسات ستالين كانت خلطا من الصنف نفسه ، إن قرأتم مواقف سياسة ستالين إثر الحرب العالميّة الثانية ، حتّى و إن سمحنا ببعض القدر من الخطاب الدبلوماسي المزدوج و ما إلى ذلك ( و قد يكون أو لا كون ضروريّا إلاّ أنّه لا يجب إستبعاده مبدئيّا على أي حال ) ، لا يزال يظهر جليّا أنّه هو ذاته أحيانا ، و بوجه خاص بعد الحرب، كان يشجّع على هذه " الثلاثة السلميّة " بأشكال متنوّعة ، ليس فحسب التنافس السلمي و التعايش السلمي لكن أيضا التعاون السلمي .
في الحقيقة ، هناك مسألة أخوض فيها و تستحقّ التدبّر ألا وهي إن نجح ستالين ن مثلا ، في إجبار ماو على إتّباع السياسة التي حاول فرضها عليه ، أي ، وأد الثورة الصينيّة إثر الحرب العالميّة الثانية و جعل ماو يصبح في موقع ملحق في حكومة تحالف مع تشانكاي تشاك، هل كانت الولايات المتحدة ستهاجم الإتّحاد السوفياتي بنفس الحدّة التي هاجمته بها ؟ لأنّه في أماكن أخرى ، أين تمكّن من ذلك ، قام ستالين بما في وسعه ( و أحيانا لم يكن ذلك دون دلالة ) لوأد النضال الثوري للجماهير من أجل التخفيض من حنق الإمبريالية الأمريكية . و أظنّ انّه علينا أن نواج هذا في حال اليونان و عدّة أماكن أخرى . لا أزعم عند هذا الحدّ أنّنى قد حللت الخلط ، لكنّ الأمر ليس بالتأكيد بالوضوح و الجلاء الذن قد إعتقدنا في الماضي و البعض لا يزال يرغب في التمسّك بذلك ؛ و أظنّ أنّه في أفضل الأحوال مسألة خلط ستالين و حلّ خروتشوف .
و سببب قولى خلط هو أنّه بالخصوص إثر تبنّى الولايات المتّحدة لسياسة أكثر عدوانيّة تجاه الإتّحاد السوفياتي ، و بالأخصّ في الحرب الكوريّة و ما إلى ذلك ، زمن آخر مؤلّف كبير لستالين ، " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي" (25)، تحدّث مجدّدا عن حتميّة الحرب في صفوف الإمبرياليّين و قال غنّه من الضروري القضاء على الإمبرياليّة قبل التمكّن من القضاء على الحرب . و لكن بالضبط كان ذلك جزءا من ماذا و كيف يرتبط بوجهات نظره حول الثورة ؟ أمر ليس واضحا تمام الوضوح ذلك أنّه في الآن نفسه ، أي في المؤتمر 19 للحزب السوفياتي سنة 1952، (26) كان يدفع الخطّ ذاته حول الطبقة العاملة في البلدان الرأسماليّة على أنّها أصبحت وريثة راية الحرّيات الديمقراطيّة و راية الأمّة و الكثير من الركام عينه الذى إعتدنا عليه والذى كان واضحا جدّا صلب الحزب الأمريكي . و في المدّة الأخيرة ، فرغت من قراءة كتاب وليام . ز. فوستار " تاريخ الأمميّات الثلاث " (27) و كامل نهاية هذا الكتاب تشرح ذات الإنتقال السلمي ، و مرحلتي ( اللا ) ثورة و تح,ّل الديمقراطيّة يوما ما إلى إشتراكيّة و ربّما سيكون علينا أن نطوّق الإحتكارات إن حصلت على جاذبيّة بعد أن نكون قد أرسينا في الأساس الإشتراكيّة و هلمّجرّا . و كل هذا الركام موجود هناك و ما كان بعيدا جدّا عن الخطّ الذى روّج له ستالين ، حتّى قبيل وفاته . لذا ، نحتاج أن نتفحّص هذا و قد أشير إلى ذلك في العرض الموجز الذى أحلت عليه في عدّة مناسبات و قيل إنّ كتاب ستالين " القضايا الإقتصادية ..." يحتاج أن ننظر إليه مجدّدا على ضوء هذا و أعتقد انّ كلّ هذا يحتاج إلى المزيد من التلخيص النقدي و مزيد التلخيص العميق ، ليس من جانبنا نحن فحسب و إنّما أيضا عبر الصراع صلب كامل الحركة الشيوعيّة العالميّة .
و عليه بعد قول كلّ هذا ، كلّ ما قلناه اليوم ، لماذا تقولون إنّ الإتّحاد السوفياتي كان إشتراكيّا طوال تلك الفترة ؟ و أعتقد في ما قد يبدو من سخرية الأقدار ، تحديدا لأنّ بالمعنى العام ، الخطّ هو المحدّد . هنا علينا أن نثير المسألة بإقتضاب ، ما هي الرأسماليّة و ما هي الإشتراكيّة ، و أن نفهم بعمق أكبر كيف أنّ الخطّ مفتاح في كلّ هذا . يتحدّث الكثير من الناس عن الرأسماليّة و الإشتراكيّة و عن إعادة تركيز الرأسماليّة من عدمها في الإتّحاد السوفياتي ، و الإشتراكيّة تتقدّم أم لا في الإتّحاد السوفياتي و ما إلى ذلك . إلاّ أنّ أحد المشاكل هو أنّه ثمّة غالبا عدم فهم واضح جدّا لما هي في نهاية المطاف الرأسماليّة و ما هي الإشتراكيّة .
ما هي الرأسماليّة ؟ ما هو رأس المال ؟ أودّ أن أقرأ هنا شيئا كتبته ردّا على فكرة أنّه حتّى في ظلّ الإشتراكيّة ، رأس المال هو العلاقة الإقتصاديّة المهيمنة . في دحض تلك الفكرة ، كتبت : " رأس المال علاقة إجتماعيّة و سيرورة ، جوهه هو بالفعل هيمنة الغير ، و المصالح المتعادية حول قوّة العمل و إعادة الإنتاج المستمرّة ( أو المتوسّعة ) لذلك . لكن للمضيّ إلى قلب المشكل هنا ، إن كانت الملكيّة ممشركة ( فى الأساس) ،و إن كان خطّ صحيح في مصاف القيادة ( غير صالح لحسابات من نوع تلك التي تقول بأنّ رأس المال على أي حال مهيمن في ظلّ الإشتراكيّة لكن حقّا في قلب المسألة ) – ما يعنى أنّ تقسيم العمل و كذلك الإختلافات في التوزيع يجرى تقليصها إلى أكبر درجة ممكنة – بالتالى كيف تكون العلاقات و السيرورة رأسماليّة؟ صحيح أنّ تقسيم العمل ميزة من ميزات الرأسماليّة و المجتمعات الطبقيّة السابقة عامة ) لم يقع تجاوزه تجاوزا تاما ، و أنّه يمكن بعدُ أن يكون له تأثير معتبر و على أي حال يقع فقط تقليصه إلى درجة معيّنة ن بينما الحقّ البرجوازي مهيمن أو على الأقلّ مثّر جدّا ) في التوزيع ، لكن إن كانت الحركة تسير نحو إلغاء هذه الأشياء ، عندئذ كيف يمكن قول إنّ قوّة معادية للبروليتاريا تهيمن على قوّة عملها أو إنّها حتّى قوّة غريبة عنها ، بالمعنى الجوهري؟ " .
و الآن المسألة هنا ليست أنّه يجب علينا أن نستعمل ما قيل هنا، مستفيدين من إستنتاجات التجربة الصينيّة ، ياس نطبّقه على الإتّحاد السوفياتي . المسألة ليست أنّه خلال فترة قيادة ستالين و خلال ثلاثينات القرن العشرين بخاصة ، جدّت محاولة لتقليص الحقّ البرجوازي بطريقة ذات دلالة في التوزيع ، و ما هي أنّه جدّت محاولة بذل كلّ ما أوتوا من جهد لقطع كلّ الأشواط الممكنة بإتّجاه تجاوز تقسيم العمل . و لم يكن الأمر كذلك لأنّ ضرورة القام بذلك و الطريقة التي يتداخل بها مع مسألة الملكيّة – ليس الشكل فحسب بل المضمون أيضا – و جميع هذه النقاط التي ركّز عليها تركيزا شديدا ماو خاصة في السنوات القليلة الأخيرة من حياته ، تلك المسائل لم تكن بالفعل مفهومة فهما جيّدا أو لم تكن مستوعبة إستيعابا جيّدا ؛ و هذا جزء من مسألة حدود التجربة التاريخيّة و في جزء منه مسألة منهجيّة ستالين و القيادة السوفياتيّة وقتها . لكن مع ذلك ، المسألة الأساسيّة التي ينبغي التركيز عليها ، المسألة التي كنت أبحث فيها في ما قرأت للتوّ ، هي تحديدا ما هو رأس المال؟
لن يوجد أبدا في أيّ وقت ، على حدّ علمي– و قد أشرنا إلى هذا في المقال الناقد لبتلهايم – بالمعنى الأكمل و الأكثر إطلاقيّة تملّك من قبل المنتجين المباشرين لمنتوج عملهم. و حتّى في ظلّ الشيوعيّة ، ستذهب المنتوجات إلى المجتمع ككلّ؛ و هذه نقطة أثارها ماركس في نقده لبرنامج غوتا . ستذهب المنتوجات إلى المجتمع ككلّ و سيوجد على الدوام شكل أو آخر من التبادل بين وحدة معيّنة للإنتاج و بقيّة المجتمع ، إلاّ أنّه كيفما تطوّر ذلك ، لن يحصل أبدا أن يتملّك الناس ببساطة بالمعنى الأكثر حرفيّة مباشرة ما ينتجونه . و سيوجد على الدوام بشكل أو آخر ممثّلون سياسيّون؛ بالرغم من كلّ الخيال العلمي و غير ذلك ، لا أؤمن بأنّ اعلى مستوى يمكن بلوغه هو حيث يفتح الجميع أجهزتهم التلفزيّة و يشاهدون نقاشا كبيرا و يستخدمون حواسيبهم ليعبّروا عن نعم أو لا ، إلى أعلى أم إلى أسفل ، اقتلوهم ، أخرجوهم ، إجعلوهم رؤساء أو أي شيء؛ لا أؤمن أنّ هذه هي الطريقة التي ستكون عليها سيرورة صنع القرار في ظلّ الشيوعيّة . سيوجد ممثّلون سياسيّون و سيوجد صراع فيما بينهم و ستكون الجماهير حاسمة ، أجل ، لكن ليس بالمعنى الحرفي ، المباشر و بالتقاليد القديمة لإجتماعات المدينة القديمة الجيّدة .
أعتقد أنّ موقف الأربعة ( أنصار ماو ) في الصين كان صائبا بشأن إثارتهم مسألة القيادة السياسيّة و كون الخطّ هو الأساسي. و أمّا بالنسبة إلى الإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي فإنّه لمن سخرية الأقدار و لكن بشكل معيّن النيّة قيمة كبيرة . ففي هذه الفترة و خاصة إلى بدايات ثلاثينات القرن العشرين ، ما الذى كانت تسعى القيادة في الإتّحاد السوفياتي إلى تحقيقه ؟ انا متأكّد أنّ التروتسكيّين سيودّون سماع هذا لأنّه يبدو ذاتيّا إلى أقصى حدّ ، لكن ما كانت القيادة تسعى إلى تحقيقه و ما كانت الجماهير تُستنهض للقيام به في منتهى الأهمّية ، فما هو رأس المال ؟ هل أنّه مجرّد أن تعمل في وظيفة و يكون لك تأثير أكبر منّى أنا الذى أشتغل في مصنع ؟ هذا لا يجعلك رأسماليّا ، ليس هذا هو رأس المال .
جوهر رأس المال هو أنّ قوّة عمل العمّال تتحكّم فيها قوّة غريبة عنهم وهي تقدّم إلى قوّة غريبة ؛ و عن كانت غريبة ( و حتّى أبعد من ذلك ، معادية ) فهذا يعنى أنّ قوّة العمل تتحكّم فيها و تستعملها على قاعدة موسّعة لإعادة نتاج العلاقات التي هي غريبة عنهم و معارضة لهم ؛ و إلاّ فإنّه لا معنى لرأس المال . و لا يتماثل هذا مع مجرّد تقسيم العمل ، على انّ الرأسماليّة لا يمكن تجاوزها تجاوزا تاما و لا يمكن تخطّى العصر البرجوازي تخطّيا تاما إلى أن يتمّ تخطّى هذا الضرب من التقسيم الإضطهادي للعمل .طبعا ، لا أعتقد كذلك أنّه سيوجد أبدا إلغاء تام او مطلق لكامل تقسيم العمل ، لكن تقسيم العمل المميّز للرأسماليّة و المجتمع الطبقي يجب أن يتمّ تخطّيه. و حتّى مجرّد وجود تقسيم عمل مميّز للمجتمع الطبقي ، و إن وجب تغييره خلال الإشتراكية ، ليس مماثلا للرأسماليّة و لا هو الشيء ذاته و المسألة هي ما الذى كانت الجماهير السوفياتيّة تعبّأ للقيام به على الأقلّ إلى بدايات ثلاثينات القرن العشرين ؟ لقد كانت تعبّأ لتغيير المجتمع بإتّجاه الإشتراكية و بهدف المساهمة في الثورة العالميّة ؛ و لذلك أعتقد أنّ ذلك لم يكن رأس مال ، بل كانت الإشتراكيّة هي بالفعل العلاقة السائدة .
و في رأيى أنّ هذا سيساعدنا على فهم لماذا أمكن لماو أن يقول إنّ في الصين هيمنت سياسات التحريفيّين على نطاق واسع لفترة قبل الثورة الثقافيّة ، و إنّ معظم المصانع كانت تتّبع الخطّ التحريفي ، لكنّه مع ذلك لم يقل ،و ما قال ذلك أبدا – إنّ الصين لم تكن إشتراكيّة في تلك الحقبة . و الآن كيف يمكن أن يحصل هذا ؟ هؤلاء الناس ، النقابيّون – الفوضويّون الذين ينزع نحوهم بتلهايم ( و آخرون يتبعونه ) يعتقدون أنذ الهدف الأسمى للثورة العالميّة هو سيطرة كلّ على مصنعه . لقد كان ماو أصحّ بعمق أكبر بكثير ، و من خلال النضال حول بعض هذه المسائل تعمّق فهمي الخاص لواقع أنّ الخطّ هو المحدّد. إنّه تحديدا تعبير مكثّف عن الاقتصاد لأنّ ما المسألة - المسألة هي ما تعملون من أجله ، من أجل ماذا تكرّس قوّة عملكم .
و مع كلّ هذه الأخطاء و النقائص ، في رأيى أنّه من الصحيح أن نقول من وجهة نظر تاريخيّة ، إنّ قوّة عمل البروليتاريا لم يتمّ التحكّم فيها و إستخدامها من قبل قوّة غريبة في هذه الحقبة في الإتّحاد السوفياتي و لم تُستخدم لإعادة إنتاج العلاقات التي تتحكّم فيها قوّة غريبة . و بصورة متصاعدة منذ أواسط الثلاثينات فصاعدا ، قذف بتلك المسألة إلى الشكّ الجدّي و ربّما كان يقع الإنقلاب عليها طوال الوقت ؛ لكن مرّة أخرى ، كما قال ماو ، معظم المصانع يمكن أن تتّبع خطّا تحريفيّا إلاّ أنّه فوق كلّ شيء لم يحدث تغيّر شامل في البنية الفوقيّة ، حالئذ من الخاطئ قول غنّ البرجوازيّة قد أضحت مسيطرة على المجتمع و إنّ الرأسماليّة بعدُ في طريق إعادة تركيزها إن لم تتمّ بعدُ إعادة تركيزها زمنها .
عند هذه النقطة في الإتّحاد السوفياتي ، وُضعت الحرب – التي خيضت على أساس وطني و جوهريّا ديمقراطي برجوازي – على الأجندا ؛ و مسالة طبيعة ذلك المجتمع ،كما قلت ، قُذف بها إلى غياهب النسيان . و عقب الحرب كان يتعيّن بذل جهد جبّار لإعادة وضع القطار على السكّة بصلابة ( زمنها ) ، على الطريق الإشتراكي ، و لم يبذل ذلك الجهد فما بالك بأن يبذل و يلقى النجاح . و بالتالى ، بمعنى ما ، كان الوضع ناضجا كالثمرة للسقوط بيد التحريفيّين ؛ و بالفعل حلّوا كافة الخلط و أنهوا تماما السيرورة – أنهوها بقفزة نوعيّة ، مع ذلك – بأخذ الإتّحاد السوفياتي على الطريق الرأسمالي . و هنا مرّة أخرى ، نلفى أنّ الدرس الحيوي هو أنّه ينبغي أن تكون لدينا كلّ من النظرة التاريخيّة الشاملة و في الوقت نفسه أن نفكّك بصرامة و بصفة نقديّة التجربة التاريخيّة الحيويّة لدكتاتوريّة البروليتاريا و ميرتها ، و الخطوات المتقدّمة المتعرّجة ثمّ التراجعات عن الطريق الإشتراكي إلى حدّ الآن .
هذه بعض النقاط حول الإتّحاد السوفياتي . و الآن إلى بعض النقاط الإضافيّة حول مسألة ماو ، من جديد مُحيلين بصفة عامة فى البداية إلى التلخيص و العرض الموجز المقدّم للجنة المركزيّة الأخيرة بهذا الشأن . قبل كلّ شيء ، من الضروري قول إنّ مساهمات ماو التي أحلت عليها على أنّها مسامات خالدة ، هي بالفعل و عمليّا كذلك ، وهذا موقف واقعي و حقيقي و ليس مجرّد موقف روتيني ؛ ليس مسألة شعوريّة أو ما شابه ح في الواقع ، ليس حقيقة عامة فحسب بل هو في منتهى الأهمّية لإستيعاب هذه المساهمات و البناء على أساس منها . لكن في الآن ذاته ، مثلما أشار إلى ذلك العرض الموجز من غير الكافي مجرّد الوقوف إلى جانب ماو ؛ و ليس أقلّ من ذلك ، كافيا أو صحيحا التراجع – و هذا ما سيحدث في هذه الحال - نحو ستالين . هنا بإمكاننا أن ننظر للحظات سريعة إلى ألبانيا اليوم - ليست المجلّة بل المكان ، المجتمع - و بإمكاننا أن نقول إنّ تكرار ، كما يفعل أنور خوجا ، أخطاء ستالين و التراجع نحو ستالين في وجه و ضد التقدّم الذى تحقّق هو حقّا " في المرّة الأولى تراجيديا ، و في المرّة الثانية خدعة " . و كمجرّد أمر جانبي هنا ، من المهمّ أن نلاحظ كيف أنّ لينين خلال الحرب العالميّة الأولى ، عند التعليق على ما يسمّون بالإشتراكيّين ، في أماكن مثل سويسرا و بعض البلدان الأصغر في أسكندينافيا و ما إلى ذلك ، أشار إلى نزعة بارزة جليّة نعتها بالقوميّة البرجوازيّة الصغيرة للدول الصغرى التي تسعى إلى البقاء على حياد عن الأحداث العاصفة الكبرى في العالم و تاريخ العالم ، و بما هو مهمّ بما فيه الكفاية ، إعتبر هذا رغبة في إستغلالهم لموقعهم المميّز . و الآن قد تفكّرون بأنّ هذا نوع من المزحة لأنّكم لا تفكّرون في الدول الصغرى عموما على أنّ لها مواقع إمتيازات في العالم : عموما هي لا تسيطر على أجزاء شاسعة من العالم ؛و قد كانت لدى بلجيكا مستعمرات و كذلك هو حال هولندا ، لكنّكم بصورة عامة لا تفكّرون فيها على أنّها قوى عالميّة كبرى و لها قدر كبير من الإمتيازات . لكن ما يتحدّث عنه لينين على وج الضبط في حال سويسرا أو بعض البلدان الأخرى ، هو قدرتها ، لأسباب متنوّعة ، على البقاء خارج هذه الصدامات العالميّة كالحرب العالميّة الأولى و رغبة الإشتراكيين في الحفاظ مهما كلّف الثمن و الإستفادة من ذلك الموقع المميّز . و بمعنى ما أعتقد أنّ هناك وجه شبه مع ألبانيا – التي كانت إعتراضاتها على نظريّة " العوالم الثلاثة " قوميّة ، جوهريّا ،و تتلخّص في واقع أنّ المصالح القوميّة الخاصة لألبانيا لم تقع خدمتها ( عند هذه النقطة بأيّة صفة) من قبل التحوّلات الأخيرة للسياسة الخارجيّة الصينيّة ، لا سيما كما تكرّست كسياسة معادية للثورة في ظلّ التحريفيّين؛ و إنّه حقّا لمثال من القوميّة البرجوازيّة الصغيرة التي لها قاعدة ماديّة قويّة في دولة كألبانيا وهي المهيمنة الآن هناك .
لكن بالعودة إلى ماو ، من المهمّ أن نطبّق مرّة أخرى ذات المقاربة مثلما شدّدنا على ذلك للتوّ – أي النظرة التاريخيّة الشاملة الممزوجة بالتفكيك الصارم و بصفة نقديّة للتجربة التاريخيّة الحيويّة -و بالقيام بذلك بوسعنا رؤية أنّه من جهة ن إن أمكن لنا قول إنّ الكمونة ، بالرغم من نقاط ضعفها و حتّى من غياب القيادة الماركسيّة ، كانت في آخر المطاف دكتاتوريّة البروليتاريا ؛ و إن كان الإتّحاد السوفياتي ، بالرغم من كلّ نقاط ضعفه و الأخطاء المرتكبة في ظلّ قيادة ستالين ، كان إشتراكية حقيقيّة ناظرين إليه نظرة عامة ؛ عندئذ بالتأكيد و بطريقة حتى اكبر كانت الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى خاصة في الثورة الصينيّة بالفعل أعلى قمّة بلغتها بعدُ البروليتاريا العالميّة و خطّ مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا كما صاغه ماو و طبّقه في الثورة الثقافيّة كان عظيما و مثّل حقّا تقدّما تاريخيّا . هذا من ناحية ، و من ناحية ثانية ، ثمّة حاجة حتّى هنا على مزيد التحطيم و القطيعة الراديكاليّة وهو ما عرّجنا عليه سابقا .
و لمجرّد مراجعة ذلك قليلا و محاولة التعمّق في بعض النقاط الخاصة ، وُجدت لدى ماو نزعة تق بحدّة في تضارب مع مقاربته الجدليّة العامة و مساهماته في هذا المجال ، نحو مقاربة نوعا ما خطّية للثورة ، أي ، التقدّم نوعا ما دولة فدولة ، أوّلا إلى الإشتراكيّة ثمّ إلى الشيوعيّة . و وُجدت نظرة للثورة لم تكن التعبير الأكثر فجاجة ، " إلى جهنّم بقيّة المضطهَدين في العالم ، إلى جهنّم البروليتاريا العالميّة "- لكن وُجد شيء مشابه نوعا ما " علينا أن نتقدّم بالأمّة الصينيّة إلى الإشتراكيّة و بعد ذلك إلى الشيوعيّة و علينا أن نساند في الوقت نفسه و نبذل كلّ ما في وسعنا للتقدّم بالثورة العالميّة كي تتمكّن شعوب العالم قاطبة و كافة الأمم من التقدّم نحو الشيوعيّة ، هي أيضا ". أعتقد أنّ هذه هي وجهة النظر المتأصّلة لدى ماو لكنّها ليست النظرة الصحيحة تماما .
في ظلّ قيادة ماو - و ليس فحسب ما يلوكه التحريفيّون – بإمكان المرء أن يعثر على بعض الأمثلة من جعل ليس مجرّد تكتيك دبلوماسي ( كدت أقول حيلة ) أو ضرورة " لا نستطيع تصدير الثورة " ؛ و قيل أحيانا حتّى " من غير المسموح به مطلقا لبلد أن يلمس و لو شعرة واحدة من شعر النظام الاجتماعي لبلد آخر " إلخ - و لا يسعنا تجاه ذلك إلاّ أن نقول لماذا ؟ و لما لا ، لما لا يتعيّن أن نلمس أكثر من شعرة واحدة من النظام الاجتماعي إن كان نظاما سيّئا ؟ و بالفعل يقف هذا في تعارض مع بعض أفضل مواقف ماو الذى قال في أزمنة متباينة ، مثلا ، أواخر خمسينات القرن العشرين ، حول الإمبرياليّين: لدينا أناسنا في صفوفكم ، العمّال و العناصر الثوريّة و التقدّميّة الأخرى ، و لديكم أناسكم في صفوفنا ، المعادون للثورة و البرجوازيّون اليمينيّون و ما إلى ذلك . لذا الأمر غير متكافئ ، لكن أعتقد أنّ هناك بلا ريب تلك النزعة ، حتّى و إن لفت ماو الإنتباه إلى المنعرجات و الإلتواءات و الطريق الملتوى ، فالحاجة إلى الإنتصار النائي للثورة العالميّة و قد إعتقد حقّا في و شدّد على تلك الأشياء - لم يقل مجرّد ذلك كغطاء أو قناع – لا يزال هناك إلى درجة معيّنة و بالرغم من مساماته الضخمة الشاملة في مجال الجدليّة ، بعض المقاربة للثورة مقاربة خطّية أو لوضعه بصيغة أخرى بلد فبلد.
و دون الدخول في تفصيل كلّ هذا ، من غير الصعب جدّا رؤية أنّ هذا كان ، بطريقة معيّنة ، نفي لكامل الطريقة التي تمّت المحاولة من خلالها لفرض النموذج السوفياتي و الخطّ السوفياتي عند أيّة نقطة معطاة حول الثورة في كلّ مكان في العالم ما كان سيقضى على الثورة الصينيّة . لكنّه نفي إحادي الجانب و ليس شاملا بما فيه الكفاية و لا هو قطيعة شاملة بما فيه الكفاية في معارضة تامة لتلك النزعة .
و إلى جانب هذا ، ثمّة نزعة معيّنة متواترة لدى ماو ، نزعة تحويل سياسة إستغلال التناقضات بين الأعداء و إلحاق الهزيمة بالأعداء الواحد تلو الآخر إلى مبدأ . و على سبيل المثال ، وقع تقديم هذا في مقاله المكتوب أثناء الحرب المناهضة لليابان، " حول السياسة " (29) إستغلال التناقضات بين الأعداء و إلحاق الهزيمة بأعدائنا الواحد تلو الاخر إلخ كان تحديدا سياسة صحيحة في تلك الظروف الملموسة و يمكن أن يكون ، في ظلّ عدّة ظروف مغايرة سياسة صحيحة غير أنّه من الخاطئ رفع ذلك إلى مستوى المبدأ العام .
و فقط لتقديم مثال بسيط ، عن كان كلذ من في هذه الغرفة سواي معاديا للثورة و يمثّل الأعمدة الأساسيّة للرجعيّة في العالم و كنت قادرا على سحق الجميع بضربة واحدة ، لماذا عليّ أن ألحق بكم الهزيمة الواحد تلو الاخر ؟ لا وجود لمبدأ يقول بانّه عليّ أن أهزمكم الواحد تلو الآخر ؛ إن كنت قادرا على إلحاق الهزيمة بجميعكم بضربة واحدة ، يجب أن أهاجمكم جميعا و أن أسحقكم جميعا و سيكون هذا أفل للبروليتاريا العالميّة . و الآن ، من الناحية الأخرى ، إن لم أكن قادرا ، عن كان تحليل مادي جدلي ينبئنى بأنّه ليس بمستطاعى القيام بذلك و محاولة القيام بذلك أو حتّى ماولة الهجوم على البع و تجنّب الاخرين ، ستؤدّى بى إلى الهزيمة الشاملة و إلى تراجع للبروليتاريا العالمية ، عندئذ ينبغي عليّ أن أفكّر في كيفيّة إستغلال التناقضات و إلى جان البروليتاريا العالميّة ( الذين ليسوا بالغرفة – من الضروري عدم نسيانهم ) للتعاطى معكم واحد تلو ألاخر أو على الأقلّ بشكل مختلف في أوضاع مختلفة و ليس الكلّ في الآن ذاته . بيد أنّه لدى ماو نزعة لتحويل ذلك إلى مبدأ. و في حين أنّ ماو بالتأكيد غير مسؤول عن الخطّ العالمي المعادي للثورة ، خطّ التحريفيّين الصينيّين في السلطة الآن، ثمّة منا الجهة الخرى مظهر من الحقيقة في تتبّع عناصر التحليل العام ل " العوالم الثلاثة " في التحاليل التي أجراها ماو خلال فترات متنوّعة من الماضى ، مثلا ، في حواره الصحفي لسنة 1946 مع آنا لويس تسرونغ (30) حيث عرض أشياءا عن المنطقة الوسطيّة بين الإمبرياليّة الأمريكيّة و الإتّحاد السوفياتي . فهو يتحدّث هنا عن البلدان ( بإستثناء الإتّحاد السوفياتي) التي تعرّضت مباشرة لعدوان الإمبرياليّة الأمريكيّة ، جامعا الكلّ بما في ذلك البلدان الإمبرياليّة معا . و يشتمل هذا على مفهوم صراحة غير طبقي للعدوان و لسخرية الأقدار ، خطأ في إتّجاه محو الإختلاف بين البلدان الإمبرياليّة و الإستعماريّة.
و يرتبط هذا بالنقطة السابقة و مفادها أنّه نظرا لطبيعة الصين و تاريخها ، خاصة ، و ليس فقط ، في مرحلتها الأولى من الثورة ، لم تكن هي ذاتها في ( أو سجّل غياب نسبيّ ل ) حاجة على قطيعة راديكاليّة او تامة مع الأجزاء المفاتيح للخطوط الخاطئة و للإنحرافات في خطّ الشيوعيّة العالميّة – إنحرافات عن اللينينيّة ، لا سيما بإتّجاه القوميّة . و على سبيل المثال ، علي أن أنظر بأكثر عمق في نصّها التام ، لكن و قد قرأت مقتطفا من قانون صدر في الإتّحاد السوفياتي سنة 1934 حول ضرورة معاقبة الخونة للوطن (31) و إنّه بالأحرى لصادم أن نرى الموقف المرافق بانّه بالنسبة للشيوعيّين ، الدفاع عن الوطن أعلى المبادئ . و إن لم يكن هذا تشويه تام ( لأنّه من مصدر برجوازي ) ، هو بالحرى صادم في خطئه و صادم في إنحرافه عن اللينينيّة بإتّجاه القوميّة .
في القسم السابع من " لعقود ..." ، يُرسم رابط بين بعض هذه الأخطاء من جهة ماو و مسألة الإستراتيجيا العسكريّة . و بوجه خاص يتمّ الحديث عن كيف كان في الصين في منتهى الأهمّية القتال من أجل خطّ عدم توجيه الضربات في كلّ الإتّجاهات ،و عدم محاولة إفتكاك جميع المدن الكبرى مرّة واحدة ، و عدم قتال العدوّ على ذلك الصنف من الأرضيّة بهذه التكتيكات و السياسات ، لكن جلب العدوّ إلى الداخل و محاصرته و خوض معارك مناسبة لنا ، المؤكّد عليها في الجزء الأوّل من حرب الدفاع الإستراتيجي ، إلخ .
و يتعيّن أن أشير عرضيّا إلى أنّ في كتاب " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " (32) ، هناك موقف مضى به إلى حدّ مبالغ فيه ، الموقف الذى يحيل على واقع أنّ هذه السياسة لدى ماو ، سياسة التأكيد على الدفاع في بداية الحرب كانت صلوحيّته عظيمة بالنسبة للأمم المضطهَدة ، و بالنسبة للدول الإشتراكيّة التي تمّ غزوها و عموما بالنسبة للقوى الثوريّة التي تنطلق أصغر حجما و أضعف من القوى المعادية للثورة . أعتقد أنّه من الصحيح فى الحالتين الأوّلتين إلاّ أنّه لا يمكن أن نقول عن صواب أنّه صالح بصفة عامة – و هذا نقصد قابلا للتطبيق- بالنسبة لكافة القوى الثوريّة التي تنطلق ضعيفة نسبيّا مقارنة بالقوى المعادية للثورة . في بلد رأسمالي متقدّم ، الهجوم منذ البداية و الحفاظ على الهجوم في منتهى الأهمّية .
و هنا يتعيّن أن أقول إنّنى لا أتحدّث عن الإستراتيجيا العسكريّة و لا بالتأكيد عن المخطّطات العسكريّة ، أتحدّث عن إستخلاص الدروس السياسيّة التي يمكن إستخلاصها من الإستراتيجيا العسكريّة ، رغم أنّنى أعتقد أنّه من المهمّ الإحالة على مقولة أتى بها الصينيّون في معارضة للتحريفيّين السوفيات . كانت سؤالا إنكاريّا له إجابة بديهيّة : هل يمكن السماح للأباطرة بحرق كلّ القرى و ليس بوسع الشعب حتّى أن يشعل الفوانيس ؟ و بهذا ، ما أقصد في هذا الإطار ، هو أنّه إذا كان بوسع الإمبرياليّين أن يتآمروا لخوض حرب نوويّة ، ما من سبب يمنعنا من إستخلاص دروس سياسيّة من مسائل متّصلة بالإستراتيجيا العسكريّة . و النقطة السياسيّة التي أودّ إستخلاصها بوجه خاص ، إلى جانب إصلاح تلك النقطة في " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " هي تركيز الإنتباه على مسألة في استراتيجيا العسكريّة ما الذى قاتل من أجله ماو و قد يؤدّى به عفويّا على الأقلّ ، بعيدا عن فهم أنّ في سياق حرب عالميّة يمكن أن يكون صائبا بالفعل توجيه الضربات في عدّة إتّجاهات ، ناظرين إلى العالم ككلّ ؛ أي ، معارضة الإمبرياليّين و محاولة الإطاحة بهم أينما كان ذلك ممكنا في كلا المعسكرين ، و بالطبع آخذين بعين الإعتبار الوضع الخاص في مختلف البلدان .
تكتيكيّا ، يكمن لكتلة من الإمبرياليّين أو قوّة إمبرياليّة أن تكون حتّى العدوّ الأساسي في بلد معيّن بينما في بلد آخر ، تقاتل في وحدة لكن عبر طريق مختلفة ، و قد تكون الكتلة الأخرى أو قوّة إمبرياليّة على راس الكتلة الأخرى هي العدوّ الأساسي، الذى يجب القتال ضدّه مباشرة ، بدلا من محاولة توحيد الجميع ، شعوبا و بلدانا معا ، ضد كتلة إمبرياليّة واحدة ، بتحالف الكتلة الأخرى مع البلد الإشتراكي لبّا لهذا . غير أنّ التجربة و الإستراتيجيا المصاغة في المجال العسكري في الصين قد تنحو إلى القيادة إلى ما هو ضد هذا ، لأنّه كان عليهم النضال الشاق جدّا ، مثلما أشرنا إلى ذلك ، ضد ذات خطّ توجيه الضربات مرّة واحدة و في كلّ الإتّجاهات ومهاجمة عدوّ متفوّق في معارك حيث ستفرض عليكم الخسارة ، ( و إن لم يكن مسؤولا عن كلّ ذلك جميعه ) قد يكون ذلك قد غذّى و تداخل مع هذه النزعة لتحويل إستغلال التناقضات و التعاطى مع عدوّ متفوّق و بتلك الطريقة إلحاق الهزيمة بالأعداء الواحد تلو الآخر ، إلى شيء مطلق .
و بصفة خاصة ، من الضروري إنجاز هذا النقد لماو و كذلك من الضروري أن نعيد تأكيد و نعيد التشديد على أنّ ماو كان فوق كلّ شيء و بشكل طاغي قائدا ماركسيّا – لينينيّا عظيما للبروليتاريا العالميّة و كان أمميّا بروليتاريّا . و بينما قد تكون ثمّة في تحاليل ماو للقوى العالميّة بعض العناصر المضمّنة في نظريّة " العوالم الثلاثة " ، لم يكن ماو مسؤولا عن ذلك فحسب بل إنّه قاتل بلا هوادة الخطّ الرجعي للإستسلام للإمبرياليّة و خيانة الثورة الذى تجسّد في نظريّة " العوالم الثلاثة " كما وضعها التحريفيّون الذين يحكمون الصين الآن ، و الذين بلغوا السلطة تحديدا بالإطاحة باتباع ماو و خطّه ، إثر وفاته.
و يُثار سؤال هنا : بما أنّه وقع التشديد كثيرا عن الإنحرافات عن اللينينيّة ، خاصة بإتّجاه القوميّة ، هل كان لينين أيضا سيقترف هذه الإنحرافات عن اللينينيّة إن بقي لوقت أطول على قيد الحياة ليخوض في الكثير من الضرورة الحقيقيّة التي ظهرت في الإتّحاد السوفاياتي ؟ حسنا ، لا أعلم ، لكن تحديدا يرتهن هذا بكيف كان سيعالج التناقضات المتفاقمة التي عاش فقط ليرى ظهورها ؛ لكن ينبغي أن نقول في الوقت نفسه ، إنّ مقاربته المنهجيّة و إستيعابه و تطبيقه للماديّة الجدليّة ، كانوا بالملموس ( و لسوء الحظّ ) أرقى من أتباعه في الإتّحاد السوفياتي ، و بالخصوص بالملموس أرقى من أحد أهمّ أتباعه ، ستالين .
و بالعودة إلى مسألة ماو : و كذلك في إرتباط بالنزعات الخاطئة عامة لدى ماو – قدر مغالى فيه من أفق بلد تلو البلد ، و النزعة لرؤية الأشياء بصورة مغالى فيها بمعنى الأمم و النال القومي – يجب إلى ذلك مراجعة شيء آخر هنا بإقتضاب ألا وهو الإضطراب و بعض أخطاء ماو حول مسألة الداخلي و الخارجي ، و بالأخصّ الأساس الداخلي للتغيير و الظروف الخارجيّة للتغيير و كيف ينسحب هذا على العلاقة بين الثورات في بلدان معيّنة ، من جهة ، و على النضال العالمي الشامل من جهة أخرى . هنا لا أرغب في تكرار كلّ ما قدّمنا بطريقة مكثّفة بوضوح في المقتطف " حول الأساس الفلسفيّ للأممية البروليتارية " الذى نُشر في مارس 1981 في جريدة " العامل الثوري " ( العدد 96) ، و إنّما نراجع ببساطة و بسرعة مرّة أخرى بعض النقاط الإضافيّة التي تخصّ ماو فبالرغم من و في تناقض مع مساهماته في تطوير الماديّة الجدليّة ،وُجدت نزعات ميتافيزيقيّة تداخلت مع نزعات قوميّة بشأن هذه المسألة .
و على سبيل المثال ، في " في التناقض " ، الطريقة التي تمّ بها العرض تتلخّص في أنّ الصين هي الداخلي و بقيّة العالم هو الخارجي . و ما شدّدنا عليه في تعارض مع هذا هو رؤية سيرورة تدّم التاريخ العالمي من عصر البرجوازيّة إلى عصر الشيوعيّة كشيء يحدث فعلا بالمعنى العام على الصعيد العالمي ، هو سيرورة عالميّة و كلاهما ينهضان و يتحدّدان في نهاية المطاف بالتناقض الأساسي للرأسماليّة الذى أضحى ، مع صعود الإمبرياليّة ، التناقض الأساسي لهذه السيرورة على الصعيد العالمي . و إذا أردنا النظر فى ما هي القوّة الكامنة و الأساسيّة المحرّكة بمعنى تطوير الأوضاع الثوريّة في بلدان معيّنة ، في أوقات معيّنة ، عندئذ علينا كذلك النظر على التطوّر العام للتناقضات على الصعيد العالمي ، فهو نابع من و في نهاية المطاف محدّد بهذا التناقض الأساسي و ليس في الأساس بتطورّ التناقضات داخل بلد معيّن لأنّ ذلك البلد و تلك السيرورة مندمجين بصورة شاملة في السيرورة العالميّة الأوسع . ليس الأمر بالبساطة التي كان عليها في عصر الإقطاعيّة أو بداية عصر البرجوازية حيث كانت هناك بلدان منفصلة تتطوّر تقريبا بصفة منفصلة ، مع تداخلات بينها ؛ الآن إندمجت في سيرورة أشمل .
و هذا شيء بدأ لينيني التأكيد عليه مع تحليله للإمبرياليّة إلاّ أنّه لم يطوّره تمام التطوير ، على الأقلّ بطريقة شاملة و بالخصوص في المعنى الفلسفي ؛ و قد نأت عنه بشدّة الحركة الشيوعية العالمية بعد لينين . و هنا مجدّدا كان الحال حال عدم إنجاز ماو لقطيعة راديكاليّة على نحو كلّي .
و كلّ هذا ، بدوره ، مرتبط بنظرة خاطئة ن او منهج خاطئ للتعاطى مع مسألة تطوّر الظروف / اللحظات التاريخيّة . ليس أنّ ماو أخفق كلّيا في إستيعاب المسألة و في إستيعاب الظروف التاريخيّة التي كانت بصدد التشكّل ، بالتأكيد قد إستوعب ذلك بطريقة معيّنة في علاقة بالحرب العالميّة الثانية ، مثلا ، و كيف تداخل ذلك مع الثورة الصينيّة . لكن علينا أن نفهم كيف أنّ مقاربة ماو لمثل هذه الأوضاع التاريخيّة عكست بعض الأخطاء التي تؤكّد ما قلته قبلا عن هذا التوجّه المصاغ في " حول السياسية " لمحاولة توحيد القوى التقدّميّة ، أو كافة القوى التي يمكن توحيدها ، ضد عدوّ أساسي ، خاصة إزاء تطوّر ظرف تاريخي مثل ذلك و خاصة ظرف حرب عالميّة .
و علينا كذلك أن نحترس من نظرة يمكن أن تتطوّر عفويّا في حركة تقديم مسار الثورة الصينيّة ك " نموذج " بالمعنى الميتافيزيقي الخاطئ . في الأساس ، بالرغم من وجود بعض النزعات ، الثانويّة جدّا ، لدى ماو تجاه هذا – بصفة طاغية قد ناضل ضد مثل هذا الخطأ بالذات . و مع ذلك نمت و مضت مع نوع الخطأ الذى نقدنا في تفكيرنا ، مفهوم حركة " نموذجيّة " لولبيّة أو تطوّر " نموذجي " للأشياء في ظلّ الإمبرياليّة . (33)و بصفة خاصة ، هناك نزعة بإتّجاه نوع من النظرة المطلقة و الميكانيكيّة و الميتافيزيقيّة بأنّ هناك نوعان من البلدان في العالم و لواحد منهما ثورة من مرحلة واحدة و للآخر ثورة من مرحلتين هي الطريق الذى سلكوه في الصين ، تقريبا ، مع بعض التطبيق الملموس وفقا للظروف في بلدكم ؛ أي تتقدّمون بالديمقراطية الجديدة كبرنامج حكم و تمضون إلى الريف ، تحاصرون المدن إنطلاقا من الريف ، و تخوضون حرب الشعب الطويلة الأمد و في النهاية تفتكّون السلطة . لست أقول أنّه ليس هناك الكثير من هذا . فأوّلا ، هناك قدر كبي من الوقاع المعيش الملموس و من الأهمّية لكون ثمّة نزعان مختلفان من البلدان في العالم . لكن كما قال لينين ، الخطوط الحدود مشروطة و نسبيّة و ليست مطلقة ؛ و رغم الإختلاف العام ، سواء كانت الثورات هناك من مرحلة واحدة أو مرحلتين الأمر كذلك نسبيّ و مشروط ،و ليس مطلقا ، و عامة يتحدّد أكثر بما يحدث في العالم ككلّ منه بما يحدث في بلد معيّن .
و لنضرب مثالا على ذلك ، لو سبقت الثورة في ألمانيا الثورة في روسيا ، لعالج البلاشفة المسألة الفلاحيّة في الإتّحاد السوفياتي على نحو مغاير . كانوا سيتمكّنون من معالجتها على نحو مغاير و ما من مبدأ يقول غنّه يجب أن يكونوا لطيفين مع الفلاّحين ، هذه ليست القضيّة . كانوا سيتمكّنون من أن يكونوا " لطيفين " معهم بطريقة مختلفة . أي ، كان سيكون بوسعهم أن يحيّدوا و يكسبوا عددا كبيرا من الفلاّحين دون الإضطرار إلى القيام بالكثير من الأشياء التي قاموا بها لأنّهم كانوا سيملكون قاعدة ماديّة أقوى و بالتالى قاعدة سياسيّة أقوى . لذا هذه الأشياء ليست مطلقة .
و زيادة على ذلك ، تكلّم ماو عن كيف أنّ الحرب المناهضة لليابان كانت مرحلة طويلة من الإعداد للإنتصار النهائي للثورة الصينيّة و قد وضع ذلك حتّى بطريقة من طرقه الخاصة بشكر الإمبرياليّة اليابانيّة على غزوها الصين و من ثمّة على تسريعها الثورة الصينيّة . طبعا ليست هذه هي الطريقة التي كان ينظر بها حقّا للأشياء و إن كنتم أنور خوجا لن تفهموا المقصود من ذلك . إلاّ أنّ المسألة هي على وجه الضبط أنّه عندما صعد ماو إلى جبال تشنغ كانغ سنة 1927 ، لم يكن يعلم أنّهم سيخوضون حربا مناهضة لليابان . و كان التوجّه إلى الريف حينها صحيحا و لا أضع ذلك موضع السؤال . لكن كان يمكن أن تسير الأمور بشكل مغاير ، و عليه كان سيغدو من الصحيح النزول من الجبال .
ليس مطلقا أنّه كان عليهم البقاء في الريف طوال عشرين سنة . وفق سير الأحداث كان ذلك صحيحا و لست أدخل اللاأدريّة او النسبيّة ، و إنّما تحديدا لأنّ الأشياء ليست محدّدة سلفا ، و ليست لها " حركة نموذجيّة " و لأنّ الأشياء تتحدّد أكثر على الصعيد العالمي ، لم يكن مقدّرا سلفا أنّه سيجب عليهم البقاء في الريف أو في الجبال طوال عشرين سنة . و مجدّدا ، ما أقوله هنا لا ينفى لا الإختلاف الأساسي بين النوعين الأساسيّين من البلدان و النوعين من الثورات ، و لا النقطة المشدّد عليها في " المبادئ الأساسيّة ..." (34) بأنّ الريف و العمل و النضال السياسيّين و دور الكفاح في الريف عموما أهمّيته عظيمة في البلدان المستعمَرة و التابعة . ما أتقدّم به هو الحاجة إلى منهج و نظرة مادية جدليّة و أمميّة في مقاربة كيفيّة القيام بالثورة في بلدان معيّنة و كيف ينسجم ذلك مع الوضع العالم ككلّ و النضال الثوري العالمي .
لكن هناك النقد الخاص الذى صاغه ماو حول مسألة الأمم و الصراع القومي و الثورة العالميّة : ليس في الحوار الصحفي مع آنا لويس سترونغ و في " حول السياسية " بل أيضا في جدال الخطّ العام ، (35) ظهرت نزعة إلى رؤية الأشياء أكثر بلدا فبلد منفصلين عن بعضهما ، بصورة مبالغ فيها بمعنى الأمم و الصراع القومي ، و بمعنى تعيين عدوّ و توحيد الجميع ضدّه . و في حال جدال الخطّ العام ، كانت الإمبريالية الأمريكيّة تعتبر العدوّ الأساسي في تلك المرحلة و في البلدان الإمبرياليّة الأخرى النصيحة كانت النضال ضد الرأسماليّن الإحتكاريّين و القوى الرجعيّة التي خانت المصالح القوميّة ، بكلمات أخرى الذين كانوا متحالفين مع الإمبرياليّة الأمريكيّة ؛ و عموما ما كان ذلك صحيحا . و حتّى من وجهة نظر تاريخيّة و بمعنى المساهمة التي قدّمتها تلك الجدالات حول الخطّ العام في النضال ضد التحريفيّة و الإمبرياليّة لا بدّ نهائيّا من الدفاع عنها .
النقطة على وجه التحديد هي أنّ كلّ هذا يبيّن الحاجة إلى التعلّم من كلّ من الإيجابي و السلبي و أن نكون مصمّمين على و نعمّق قدرتنا على تعزيز تطبيق المنهج الأساسي للماديّة الجدليّة و الماركسيّة – اللينينيّة كعلم بما فيها روح النقد العلمي للماركسيّة اللينينيّة ، و أجل فكر ماو تسى تونغ . و كلّ هذا أهمّيتته خاصة في ضوء إحتداد التناقضات العالميّة و تشكّل ظرف تاريخي آخذ في التشكّل الآن على الصعيد العالمي .
------------------------------------------------------