لَا تَرْقُصُوا طَرَباً فَبَايْدَنْ لَيْسَ مَسِيحُكُمُ الْمُخَلِّصْ


سائس ابراهيم
2020 / 11 / 25 - 15:58     

مقال مترجم بتصرف وحذف وزيادات من صحيفة اللوموند الفرنسية
العنوان الأصلي : ه

Retour sur quinze années d’erreurs de BIDEN en Irak
Le Monde - Jean-Pierre FILIU
Le 22 novembre 2020

العنوان مستوحى من البيت الشعري الشهير للمتنبي : ه

لَا تَحْسِبُوا رَقْصِي بَيْنَكُمْ طَرَباً +++ فَالطَّيْرُ يَرْقُصُ مَذْبُوحاً مِنَ الْأَلَمِ

العراق : عَوْدَةٌ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً مِنْ عُدْوَانِيَةِ بَايْدَنْ
في الوقت الذي كان فيه باراك أوباما يناهض بشجاعة غزو العراق عام 2003، كان السيناتور جو بايدن، العضو في مجلس الشيوخ والذي سيصبح بعد سنوات نائب رئيس الولايات المتحدة أوباما نفسه من أشد المدافعين عن الغزو الأمبريالي. ه
والأدهي في الأمر أن بايدن ذهب أبعد من كثير من الصقور الجمهوريين باقتراحه في (2006 ـ 2007)، أن يُقَسَّمَ العراق إلى ثلاث دويلات : سنية وشيعية وكردية، الشيء الذي كان من شأنه لو حدث أن يؤجج بشكل أقوى نيران الحرب الأهلية التي بدأت رحاها تدور آنذاك والتي كان المسبب الأساسي والأصلي لها هو الغزو والإحتلال الأمريكيين، وإنه لمن الدلالة بمكان الرجوع إلى هذه الفترة كي يتبين لنا بجلاء مواقف هذا الشخص للشرق الأوسط وحتى تتوقف هذه النظرة المثالية الحالية لمن هزم دونالد ترامب في الإنتخابات الحالية وأيضاً كيلا يسقط الجميع وعلى الأخص المطبلين لنجاحه في خيبة أمل مريرة مرة أخرى. ه

صَقْرٌ مُسْتَعِدٌّ لِتَقْسِيمِ العراق : ترأس جو بايدن سيناتور "ولاية ديلاوير" لسنوات لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وفي عام 2002 تَبَنَّى بشكل كامل دعايات جورج بوش الكاذبة حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وَرَدَّدَ في العديد من لقاءاته مع الصحافة عبارة : "يجب على صدام حسين أن يتخلى عن هذه الأسلحة أو أن يتخلى عن الحُكْمْ". كان هذا الدعم من أحد القادة البارزين في "الحزب الديموقراطي" مكسباً أساسياً للبيت الأبيض وَلِسَاكِنِهِ آنذاك "الجمهوري جورج بوش" الذي كان يواجه مَجْلِساً ذي أغلبية من الديموقراطيين في مجلس الشيوخ. ه
كان بايدن واحداً من 29 سيناتوراً عن "الحزب الديموقراطي" من الذين صوتوا ضد 23 من رفاقهم في "الحزب الديموقراطي" بجانب 48 سيناتوراً عن "الحزب الجمهوري" لقرار اجتياح العراق ووقعوا بذلك لجورج بوش شيكاً على بياض كي يقود الغزو الإستعماري الجديد على هواه. ه

وعلى الرغم من فشل 150 ألف جندي أميركي في العثور على أدنى أثر لأسلحة الدمار الشامل في العراق، أَصَرَّ بايدن على موقفه وكتب : "لقد قلت ذلك في العام الماضي. وأعتقد أنه اليوم، مع مليارات الدولارات التي كانت تحت تصرف صدام، ليس لَدَيَّ أدنى شك في أنه بعد خمس سنوات كان سيحصل على سلاح نووي تكتيكي". ه
إبتداءً من شهر أكتوبر 2004 حاول بايدن إعادة كتابة تاريخه الخاص في العراق حيث أخذ يؤكد : "أنه لم يؤمن أبداً بامتلاك أسلحة دمار شامل من قبل نظام صدام". مع أنه ذهب إلى أبعد من معظم "الصقور"، حيث كان وراء اقتراح (2006-2007) لِتَقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات مصطنعة ومستقلة بعضها عن بعض : سنية وشيعية وكردية، الأمر الذي كان سيؤدي إلى تفاقم الحرب الأهلية. ففي عراق متعدد الطوائف بشكل واسع وخاصة في بغداد. كان "مشروع بايدن" ـ لو تم تبنيه آنذاك ـ سيساهم ويُسَرِّعُ عمليات التطهير الطائفي-الإثني-المذهبي الذي مارسته وتمارسه إلى الآن الميليشيات المتعددة والمتنوعة. ه

منطق التقسيم الثلاثي هذا لعضو مجلس الشيوخ ونائب الرئيس الأمريكي نُقِلَ نموذجه بشكل حَرْفِيٍّ عن تجربة البوسنة والهرسك رغم نتائجها الكارثية على تلك المنطقة كما رأيناه آنئذ ونراه حتى الآن. وأنه لأمر فظيع بالنسبة للأقليات كالمسيحيين والتركمان والأيزيديين التي خضعت وستخضع لآماد أخرى لظلم وقهر الطوائف المهيمنة في عراق اليوم. هذا التقسيم الفعلي للبلاد سَهَّلَ الأمر أيضاً لجهاديي "دولة العراق الإسلامية" بقيادة الزرقاوي السيطرة على مناطق أُفْرِغَتْ بالقوة من سكانها الشيعة. ه. لم يُعِرْ بايدن أي ادنى اهتمام لمشاعر وآمال العراقيين في نفس الوقت الذي أعطى فيه استطلاع للرأي العام أجرته هيأة الإذاعة البريطانية آنذاك في العراق بتصويت 9٪ فقط لصالح تقسيم العراق مقابل 62٪ لصالح وحدته ولصالح حكومة مركزية من ممثلي كل الطوائف والإثنيات، حكومة جديرة بهذا الاسم. ه

رؤية بايدن للعراق كانت دائماً محددة من خلال معايير طائفية بحتة، دون مراعاة المشاعر الوطنية للعراقيين، ولا عواقب تفكيك العراق على بقية الشرق الأوسط. وعندما عهد أوباما في عام 2009، بالملف العراقي إلى نائبه، فإن هذا الأخير راهن دون تحفظ على نوري المالكي الرجل القوي من الطائفة الشيعية ورئيس الوزراء منذ عام 2006، حيث قَدَّمَ له بايدن دعماً حاسماً لإبقائه في منصبه حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، بغض النظر عن الاستبداد المتزايد لرئيس الحكومة العراقية وتعاونه الوثيق مع إيران ضد وطنه وعدوانيته الطائفية ضد السنة وقمعه الدموي ضد المليشيات السنية "الصحوة" التي كانت منخرطة في القتال ضد جهاديي الزرقاوي. الشيء الوحيد المهم بالنسبة لبايدن كان ضمان الإنسحاب الأمريكي بسلام من العراق عام 2011، ولم يتخل عن المالكي إلا بحلول أغسطس 2014، بعد شهرين من سقوط الموصل وشهر من إعلان الخلافة الداعشية، آنذاك اضطر لإجباره على مغادرة السلطة. ه

وبشأن ملف الكيان الإسرائيلي فإن بايدن لا يختلف عن غيره من الرؤساء الأمريكيين الآخرين بغض النظر عن انتمائهم وسياساتهم وأهدافهم بل يعتبر أكثرهم تشدداً في الدفاع عن إسرائيل وحمايتها وتقويتها وتحقيق أمنها حيث يردد دائماً : "يجب التشديد على حماية أمن إسرائيل". ويبدو أن إدارته الجديدة لن تتراجع خطوة واحدة في كل الملفات التي أنجزها سلفه ترامب فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي للأرض وتأكيد سياسات الضم والقضم والتهويد. حيث رفع على الدوام شعار "إسرائيل أولاً وقبل كل شيء". ه

وفي ما يخص مملكة الشر الوهابية، وقد تحدث عنها بالاسم في دراسته، فإن لدى بايدن مواقف سلبية مسبقة منها وخاصة في ملفين أساسيين هما : اغتيال خاشقجي والحرب المجنونة على اليمن، وقد انتقد بشدة ملف الاغتيال السياسي وملف حرب اليمن وَصَرَّحَ أنه آن الأوان أن تُوقَفَ الولايات المتحدة دعمها للسعودية في حرب اليمن لَاكِنْ لا يتوقع أحد أن تضحي أمريكا التي تدوس على كل المقدسات مقابل تحقيق مصالحها القومية بعلاقاتها التاريخية المديدة مع السعودية رغم أنها قد تُوَجِّهُ بين الحين والآخر نقداً كلامياً لاذعاً في هذا الملف أو ذاك لذر الرماد في العيون. إنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والسعودية توضع المبادئ المفترضة جانباً وتتحكم المصالح المادية دائماً وأبداً. وها نحن نرى أن مملكة الشر الوهابية قد بدأت تمارس رقصة الإغراء باستقبالها هذا الأسبوع لوفد عالي المستوى برئاسة نتنياهو نفسه. إن هذا الترسيم الجاري للعلاقات لم يفعل سوى أنه أخرج إلى العلن ما كانت تمارسه مملكة البدو بشكل نصف سري ونصف علني مع الكيان الصهيوني، إن جعجعة بايدن اتجاه السعودية تسعى فقط للضغط من أجل مزيد من التنازلات المادية. لنتذكر جميعاً مبالغ 340 مليار دولار الأسطورية التي عاد بها دونالد ترامب عقب زيارته للسعودية مباشرة بعد انتخابه رئيساً. هذه المرة ومع بايدن كم هي المبالغ المطلوبة والتي تستطيع القبيلة الوهابية التنازل عنها رغم أزمتها الخانقة الحالية من أجل الحفاظ على نظامها البدوي الذي يعود إلى ما قبل التاريخ. ه

هذا التذكير بتاريخ بايدن في العراق يثبت أنه كلما تبنى قراراً ما إلا وكان هذا الخيار هو الأكثر خطورة من حيث الصراع الدولي والحرب الأهلية. ولا يوجد دليل واحد على أن الرئيس المستقبلي قد تَعَلَّمَ أدنى درس من الكثير من سياساته الماضية. ه

أختم هذا المقال بالتأكيد أننا لا يجب أن نكون بُلَدَاء لِحَدِّ الإعتقاد أن الرئيس الأمريكي كيفما كان هو الذي يحدد سياسة وأولويات بلاده، إن الحكام الحقيقيين هم التروستات المالية الجبارة وأصحاب الشركات الصناعية المدنية وبالأخص العسكرية وشركات التقنيات الحديثة (غوغل وياهو ويوتوب... الخ). إن ذكرى باراك أوباما أمام كاميرات التيلفزيون الذي لم يستطع كبح دموعه عندما تذكر مقتل 20 طفلاً في مدرسة "ساندي هوك الابتدائية" في عام 2012 وكان محاطاً بعائلات الضحايا حيث مسح دموعه عدة مرات وهو يردد : "كم مرة ستفقد فيها العائلات أحباءها بسبب التساهل في شراء السلاح". هذه الحادثة تؤكد على شيئين : ه
الأول : ما يدفعنا إلى احترام الرجل هو بكاؤه الذي يدل على إنسانيته إثر مقتل هؤلاء الأطفال وحوادث قتل العديد من الشبان أمريكيين السود. ه
والثاني : أن بكاء الرئيس الأمريكي وهو في السلطة رمز دال على العجز ويدل بشكل قاطع عن انعدام أية سلطة لديه وأية إمكانية لمواجهة لوبي صنع وتجارة السلاح حيث لم يجد سوى الدموع لمواجهة المشكلة. ه