الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الثالثة


امال الحسين
2020 / 11 / 25 - 11:17     

التجربة الثورية الجديدة بالغرب الإفريقي : الشهيد إبراهيم صيكا

يقول الشهيد : "أن تكون شيوعيا كاف، دون حتى أن تنتصر".

في ظل هذه الوضع السياسي العالمي الجديد تم دمج الصحراء الغربية في الاستراتيجية الإمبريالية الفرنسية بالغرب الإفريقي بعد اتفاق مدريد السري، من أهم برامج السياسة الإمبريالية بالمنطقة في ظل الاستعمار الجديد، بعد انهيار نظام فرانكو أمام حركة إيتا الثورية بعد قتل رئيس وزرائه بلانكو، تقدمه في السن، مرضه وفشله في القضاء على انتفاضة الشعب الصحراوي التي انطلقت في 1970، مما أعطى لحركة المطالبة بالاستقلال نفسا جديدا وساهم في تأسيس جبهة البوليزاريو في مارس 1973، بقيادة شباب ثوري ذي توجهات يسارية قرروا حمل السلاح وطالبوا بالاستقلال في نفس الوقت الذي انطلقت فيه الانتفاضة المسلحة بالأطلس المتوسط مما جعل الثورة بالغرب الإفريقي تتخذ مسارا جديدا، وتزامنت هذه الأحداث مع انشغال النظام الدموي بالمغرب بتصفية تناقضاته الداخلية : الانقلابان العسكريان في 1971 و1972، وبداية اعتقالات قيادات الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وتصفية حركة 3 مارس، تم تتويجها بتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في 1975 والدخول فيما يسمى "النضال السياسي الديمقراطي" و"السلم الاجتماعي" و"الوحدة الترابية"، الشعارات المرفوعة لتصفية أي اتجاه ثوري مناهض للسياسات الاستعمارية الجديدة بالمغرب.

وكانت محاكمة الماركسيين اللينينيين المغاربة في 1977 حدثا تاريخيا في حياة الثورة المغربية خاصة منظمة إلى الأمام الصامدة في وجه الألة البوليسية للنظام الرجعي الدموي، بعد استشهاد الشهيد عبد اللطيف زروال في 1974 والشهيدة سعيدة المنبهي في 1977، لكن لم يستمر هذا الصمود طويلا بعد تراجع قياداتها عن الخط الثوري ومراجعته في الوقت الذي تشتد فيه أوزار الحرب الرجعية على الشعب الصحراوي، فبينما كل أصدقاء الصحراء الغربية الماركسيون اللينينيون الذين هتفوا بالحق في تقرير مصير الشعب الصحراوي ضد الحرب الرجعية أثناء المحاكمة يقبعون بالسجون، في نفس الوقت تنهمك قادات المنظمة على صياغة خط التراجع عن المبادئ الثورية تراجعا تلو تراجع تم تتويجه بخروج بعض أعضاء قيادة منظمة إلى الأمام من السجن قبل مضي مددهم السجنية، في حين ما زالت فيه أوزار الحرب تشتد، يرى الطفل الصحراوي المتمرد النور لأول مرة في 1984 : مشروع شهيد يولد بوادي أساكا بأيت باعمران، الشهيد إبراهيم صيكا.

في هذه الشروط ولد الشهيد، ابن مقاتل محترف، من حملة السلاح الباعمرانيين، شارك في هذه الحرب القدرة، كان صلبا، مقاتل تمرس بجبال أيت باعمران، ضد العدو المستعمر الإسباني، تم توشيحه بقلادة المقاومة وجيش التحرير، شارك في "المسيرة الخضراء"، معتقدا أنه في طريق تحرير الصحراء من المستعمر الإسباني، لم يخطر بباله أن حربا قذرة تنتظره، باعمراني يهوى حمل السلاح، انخرط في صفوف الجيش، في حرب الحكومات ضد الشعوب، حرب بين الحكومات ضد الشعوب، تمولها الحكومات ضد الشعوب، من أمريكا إلى الحجاز ومن شمال إفريقيا إلى روسيا، حرب ضد ـ ثورية، ضد الثورة بالغرب الإفريقي، من الصحراء الغربية إلى الزاييرـ الكونكو.

ولد الشهيد إبراهيم صيكا في ظروف تتسم بالقمع الشرس في أقصى تجلياته في فترة ثانية من قمع الانتفاضات الشبيبية المغربية 1984، لم يعرف وهو طفل، أن سجون النظام الملكي الدموي مليئة، بالشيوعيين، بالماركسيين، بالماركسيين اللينينيين، باليساريين، بالطلبة والتلاميذ المغاربة والصحراويين، بضباط الجيش المتمردين، مروا بدرب مولاي الشريف، بالكاب 1، 2، بأكدز، بقلعة مكونة، في كل مخافر الشرطة السياسية السرية والعلنية، ثمن باهض من أجل الحرية والديمقراطية يؤديه الشعب المغربي.

لم يعرف الشهيد وهو طفل أن التلاميذ الصحراويين، آباؤهم انخرطوا في صفوف الجيش الملكي الدموي في حرب الصحراء الغربية من أجل وقف الثورة بالغرب الإفريقي، تم الزج بهم في السجون، فقط بسبب تبادل الرسائل، بين طانطان ورزازات، بين زاكورة وطانطان، بثانوية ورزازات تم اعتقال تلاميذ صحراويين في 1976، تم الزج بهم بسجن أكدز، في شروط لاإنسانية، تم نقلهم إلى سجن قلعة، سجون حافلة بشباب صحراوي، شباب يهوى الحرية، آباءهم يموتون في حرب قذرة وهم يسكنون مع عائلاتهم في أكواخ من طين بمدينة ورزازات، انتشر حدث الاعتقال بين التلاميذ كالنار في الهشيم، انتشر الرعب في صفوفهم، أشباحهم تحوم بمطعم داخلية الثانوية، إذاعة ليبيا والجبهة تنقل الخبر.

عاش الشهيد طفولة محرومة كباقي أطفال أيت باعمران موشومة بمعاناة الأسرة مع الحرب الرجعية ضد الشعب الصحراوي، وككل أبناء العسكر بالجنوب من ورزازات إلى طانطان، حملة السلاح ضد الاستعمار الإسباني بالجنوب، بعد تفكيك جيش التحرير واندماجهم الملغوم في الجيش النظامي الرجعي بالمغرب، حملوا السلاح من جديد بالصحراء الغربية ضد الثوار الصحراويين الشباب بجبهة البوليزاريو، يهوى الباعمرانيون حمل السلاح لكن هذه المرة سلاح ضد ـ ثوري.

إبراهيم مع الأطفال المتمردين، يحملون السلاح في ألعابهم الطفولية، قطعة من قصب في أياديهم مختبئين بعضهم عن بعض بين الجدران الطينية ومزارع وادي أسكا، يقتنصون ضحاياهم من بينهم في طفولة متشبعة بروح القتال، الدفاع عن الوطن بحمل السلاح، هي لعبة الأطفال تحمل دلالات تاريخية مليئة بعبر الحروب الوطنية الثورية للشعوب ضد الحرب الإمبريالية على الشعوب المضطهدة، بعد تراجع ثورة الجنوب ضد الإمبريالية وتفكيك جيش التحرير بالجنوب وامتداداته بالصحراء الغربية، أصبح حمل السلاح ثقافة في أرض الصحراء الغربية الشاسعة التي يهوى سكانها الأصليون الحرية، لم يستطع الاستعمار الإسباني السيطرة على هذه الأراضي الشاسعة بعد القضاء على ثورة الريف، هذه الأرض التي بقيت طيلة تاريخها الطويل مجالا لانبعاث الثورة بشمال إفريقيا انطلاقا من غربها، حيف انطلقت أول امبراطورية بعد الغزو الإسلامي من موريتانيا منذ قرون، سقطت فيها امبراطوريات وبنيت فيها امبراطوريات جديدة، إنه قانون الحركة الثورية بالغرب الإفريقي، مازالت شروطه قائمة بحكم قوانين طبيعتها الجغرافية والجيوسياسية وتاريخها النضالي الثوري.

عاش إبراهيم، محروما من معانقة أبيه كل صباح، عندما يستيقظ، لما يغادر البيت في اتجاه المدرسة، ولما يرجع إلى البيت، خلال طفولته أرهقه سؤال غياب أبيه، قلق عايشه الأطفال الصحراويون، أبناء العسكر المحرومين في مجمعات سكنية مهمشة بالدواوير وضواحي مدن الجنوب، الجنوب الشرقي والأطلس المتوسط، حرمان حنين شقته الحرب تولدت عنه أمراض اجتماعية، الطفل المحروم يحيره سبب الغياب، وهو لا يعلم أن الحرب الرجعية بالصحراء الغربية تحصد أرواح العسكر تاركين وراءهم أبرياء في طفولة مبكرة، بنيران الإخوة الأعداء من أجل سيطرة الحكومات على الشعوب ضد إرادة الشعوب في الحرية والديمقراطية.

التمثيل بحمل السلاح يجعل ذكاء الطفل قويا، يبحث عن طريدته بكل اتباه المقاتل الحاذق، في أدغال جبال الواركزيز، ورمال العركوب، تشتعل النيران، بين الجلاميد وفي الرمال، نيران النابالم، تحملها طائرات الميراج و الF15، من مكناس إلى الصحراء الغربية، لفك اشتباك الإخوة الأعداء، بجبال الواركزيز، تفرغ الطائرات حمولتها، دون أن تميز بين الإخوة الأعداء، يموت كل الإخوة الأعداء بنيران حرب الحكومات على الشعوب.

كان لغياب أبيه العسكري، من حين لآخر مدة طويلة أثناء طفولته، أثر كبير في القدرة على صياغة السؤال، الذي أصبح مع تطور وعيه بتطور عمره العقلي والجسدي سؤالا فلسفيا، كان لا يعرف أن أباه في ثكنة العسكر مع رفاقه، في خندق الحرب الرجعية في الصحراء الغربية المشتعلة نارا، كان العسكري لما يرجع وهو في إجازة قصيرة يحمل هدايا الأطفال، كما هو حال رفاقه حملة السلاح الرجعي ضد الثوار الصحراويين الشباب، يدخل البيت يعانق إبراهيم، الطفل المتمرد يتعلق بأبيه لا يفارقه، في جلوسه، في نومه، في خروجه، في لقائه بأبناء البلدة، يستمع إلى حكاياته عن مغامرات العسكر، في خضم الحرب الرجعية بالصحراء الغربية، بين شظايا جثث الشهداء، شهداء الحرب القذرة بين الإخوة الأعداء، حرب الحكومات على الشعوب في مواجهة الحرب الوطنية الثورية.

غادر العسكري البيت إلى ساحات القتال، قد يرجع أو يموت، مقاتل عارف بواحات الصحراء الغربية، جبالها، كلما رجع إلى البيت يكون قد خرج من بوابة الموت ليعيش مرة ثانية، ثالثة، رابعة، نجا من الموت المحقق في اشتباكات قتالية فتاكة، من موت الحرب الرجعية على الشعب الصحراوي، بين الحرب النظامية الرجعية وحرب العصابات الثورية تبرز دروس القائد الثوري الجنرال جياب، كل الحروب الوطنية الثورية العالمية تحمل بصماته استمرارا لدروس القائد العظيم : هو شي منه، دروس الحرب الوطنية الثورية الفيتنامية ضد الحرب الإمبريالية.

طالت مدة الغياب هذه المرة، طالت الحرب القذرة، سفكت النيران أرواح الإخوة الأعداء، يرجع الأب في إجازة قصيرة، يدخل إلى البيت حاملا هدايا، يتعلق الطفل إبراهيم بالأب، يرافقه في كل تحركاته، حتى يغادر مرة ثانية .. وهكذا.

كلما رجع الأب من الحرب القذرة، تقول أمي عائشة : إنه قد ولد من جديد ! كان يحكي لها عن ذروة المعارك، شراسة النيران، الجثث المتناثرة، عن أعضاء الإنسان المنفصلة عن بعضها البعض، عن فقدان الإنسانية لمعناها الإنساني.

الطفل إبراهيم، يرقد بين أحضان الأب، يشعر بالدفء، رجع المقاتل الباعمراني المحترف، رجع من جحيم الحرب، يولد اليوم من جديد، يرى في الطفل مستقبل هذا الوطن، الوطن الذي فقد معناه، الوطن الذي تنخره حرب الصحراء القذرة.

يستيقظ الطفل باكرا، يحمله الأب على ذراعيه، يخرج للقاء أصدقاء البلدة، يحكي عن مغامرات الحرب القذرة، حرب الصحراء، حرب الحكومات على الشعوب.

تمر الأيام بسرعة البرق، تنته الإجازة، يغادر الأب البيت في اتجاه ميادين الحرب القذرة، ميادين الموت، يستيقظ الطفل، يبحث عن أبيه، لم يجد لغيابه جوابا.

في الريف، في الجنوب، في الجنوب الشرقي، في مراكش الحمراء، في الصحراء الغربية ، في كل مكان في هذا الوطن، انتفاضات شعب يتم مواجهتها بالرصاص، سنة 1984 سنة انتفاضات عارمة، للطلبة، للتلاميذ، للشباب الثائر، في هذه الشروط ولد الشهيد إبراهيم ضيكا.
بلغت حرب الصحراء الغربية أشدها، تصل الاشتباكات قرية تاكونيت، قرية طاطا، تم تهديد سجن أكدز، تم تنقيل التلاميذ الصحراويين المعتقلين من أكدز إلى قلعة مكونة .

كانت معارك الواركزيز أشد بطشا، صوت المراج الفرنسية لم ينقطع في سماء الجنوب والجنوب الشرقي، يختلط بصوت الF15 الأمريكية، سرعتهما تسبق سرعة الصوت، عند سماع أصواتها، يخرج الأطفال في القرى المهمة بالجنوب لرؤيتها، فقط صوتها هو الذي يؤكد مرورها هناك في السماء، لا يمكن مشاهدتها، تفرغ حمولتها على رؤوس المشتبكين، الإخوة الأعداء.

الجنود الذي نجوا من نيران الحرب القذرة، الذين لم يستطيعوا تحمل قوة ضغط العنف، أصوات الطائرات، أصوات قنابل النابالم، جن جنونهم، تم تسريحهم، بدون معاش، أو بمعاش زهيد، انطلقوا إلى بلداتهم مجنونين، يتصكعون بأزقتها في هولسة تذكرهم بأطوار الحرب القدرة بالصحراء الغربية.

كم جندي رجع إلى بلدته، بجبال الأطلس المتوسط والصغير، رجع فاقدا وعيه، شبح نيران النابلم يطارده، يهرول في أزقة بلدته الفقيرة، يتخيل الاشتباكات، شبح الحرب القذرة بالصحراء الغربية، الجنود جلهم شباب، انخرطوا في صفوف الجيش، دفعهم الفقر، علاهم ينقذون فقراء عائلاتهم الفقيرة، لم يعلموا أن الحرب القذرة بالصحراء الغربية ستنكس كل آمالهم، تقذف بهم نحو المجهول، من نجا منها، سقط في هوس الجنون.

في الفترة ما بين 1982 و1991 عرفت قضية الصحراء الغربية تطورات خطيرة بعد اعتراف النظام الملكي الدموي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره أمام حكام الدولة الإفريقية بنيروبي، فبدأت حدة الحرب تنخفض، بعد استقبال زعماء جبهة البوليزاريو بمراكش، وفتح صفحة المفاوضات وترتيبات الاستفتاء الوهمي، ووقف إطلاق النار الهدف الأساسي في المشروع الجديد للإمبريالية بالصحراء الغربية، مرحلة جديدة من المفاوضات/المناورات السياسية : إحصاء الصحراويين يعرف تجاوزات، نزاعات بين الشيوخ، بين الإخوة الأعداء، الذين فرقتهم حرب الحكومات على الشعوب.

عرف الفساد في الصحراء الغربية دروته : تهريب البنزين والمواد الاستهلاكية، فتح سوق سوداء لتجارة المواد الرخيصة، أسعار المواد الاستهلاكية منخفضة ب50 في المائة، تجارة مربحة نشيطة بين الصحراء الغربية والمغرب من طرف مافيا التهريب، المضاربات العقارية نشيطة، الصحراويون يحضون بمكانة بعد الاعتراف بتقرير المصير، المنتظم الدولي يراقب حقوق الصحراويين : حق الشعب الصحراوي في الاستفادة من خيرات البلاد، كل ذلك من أجل إخماد نيران الحرب بالصحراء الغربية بعد بروز ملامح تغيير المواقع الاستراتيجية للحروب الإمبريالية الجديدة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي.

استفاد الصحراويون من إعلان حقهم في توزيع خيرات الصحراء الغربية : الفوسفاط، الصيد البحري والضرائب، حالة استثنائية تنبعث هناك، نتيجة حمل السلاح، مرحلة الحرب الباردة بدأت، انتعشت المافيا التجارية.

إشاعة أكذوبة عالم جديد بعد إعلان انهيار الاتحاد السوفييتي بنشر أكذوبة "نهاية التاريخ"، حرب النظام الدموي بالمغرب على الشعب الصحراوي لم تعد له مبررات، الحرب الأولى على العراق تعلن تغيير مواقع الصراعات حول التقسيم الجديد للعمل، كل أنظار الإمبريالية تتجه إلى الخليج العربي، ما يسمى في أدبيات الحركة الماركسية اللينينية ب"الغرب العربي" وأطروحة "تصفية الإمبريالية" أصبح متجاوزا، مركز التغيير ب"العالم العربي" ينطلق من العراق، في اتجاه القضاء على كل مواقع المقاومة والصمود الشعبي من أجل تعطيل عمل القوى الثورية بالمنطقة العربية وشمال إفريقيا، بينما القوى الثورية بالغرب الإفريقي مازال تتحرك من الصحراء الغربية وامتداداتها بالساحل الإفريقي وصولا إلى السودان.

بعد إطلاق سراح بعض زعماء الحركة الماركسية اللينينية في 1991، الذين رفعوا شعار حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والاعتراف بوجود معتقل تازمامارت، السجن الرهيب، الذي قضى به معتقلون حملوا السلاح ضد النظام الملكي الدموي، ضباط وعسكريون متمردون، من نجا منهم، قلة قليلة، تم إطلاق سراحهم، السياسيون والنقابيون الإصلاحيون الذين ساندوا الحرب على الشعب الصحراوي، يلتفون حول ما يسمى "الانتقال الديمقراطي" لذر الرماد في عيون الشعب المغربي، التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي من إيكس ليبان إلى نيروبي والرباط.

في هذه الفترة تم إطلاق سراح الشباب الصحراوي القابع بمعتقل قلعة مكونة، حملوهم إلى ورزازات، تم استقبالهم بفندق فاخر، رفضوا تناول الطعام الفاخر الذي قدم لهم، يريدون معانقة الصحراء الغربية : شرب شاي بالخيمة مع الأهالي، لم يعرفوا، بعد عقد من الزمان بالسجون الرهيبة بعد اختطافهم بثانوية ورزازات، أن طفلا صحراويا ولد : مشروع شهيد، الشهيد إبراهيم صيكا.

لم يعرف الشباب الصحراوي الثائر : شباب الجبهة، أن نبراسا قد اشتعل، أن مرور 3 عقود من الزمان، ليس إلا لحظة في تاريخ الشعوب : من 1984 إلى 2016 : 32 سنة، هي عمر الشهيد، جزء من الحرب والحرب الباردة بالصحراء الغربية، حرب جديدة بدأت في 1991 بعد وقف إطلاق النار.
الشباب الصحراوي يحظى باهتمام كبير بعد احتجاجاتهم بالصحراء الغربية واستقبالهم من طرف وزير الداخلية بالرباط، الذي رفض استقبال الشباب الصحراوي الثوري في السبعينات : زعماء جبهة البوليزاريو، الطلبة الصحراويون يحصلون على امتيازات : المنحة، التنقل، الحي الجامعي، جزء من خيرات الصحراء، حقوق تم فرضها من طرف المنتظم الدولي، عائدات الصحراء الغربية للصحراويين .

انتهز بعض الصحراويين بتندوف الفرصة، انتهازيون دخلوا للظفر بامتيازات على حساب القضية، يطلقون صرخاتهم الكاذبة، يصنعون لأنفسهم مواقع سياسية وهمية، يروجون كذبة "الوطن غفور رحيم" : تصريحاتهم بالإذاعة والتلفاز، تلهم الانتهازيين، حتى يلتحقوا بالداخل، إلى جانب الصحراويين المتحزبين، المسيطرون على خيرات الصحراء الغربية، المضاربين العقاريين، تجار البنزين والمواد الاستهلاكية : تجار الانتخابات.

في هذه الفترة، كبر الطفل إبراهيم، في التعليم الابتدائي، يعي أن أباه عسكري، خبر معارك الحرب بالصحراء الغربية، بدأت تكبر في ذاكرته، ذكريات إجازات أبيه، الهدايا التي يحملها، حديثه مع أبناء البلدة.

كانت سنوات ما بين 1991 و 1999 سنوات التحولات السياسية الشكلية للنظام الملكي الدموي، حيث تم التخطيط لانتقال السلطة من ملك إلى ملك بسلاسة، بدءا بما سمي "العفو لسنة 1995"، مرورا "حكومة التناوب" وصولا إلى "طي صفحة الماضي"، بعد العفو عن المعتقلين والمنفيين السياسيين، أغلبهم من الحركة الماركسية اللينينية المغربية، الذين انخرطوا فيما سمي "التجميع"، الفصائل الثلاثة للحركة الماركسية اللينينية المغربية، "إلى الأمام"، "23 مارس"، "لنخدم الشعب".

تم تهيء هذه الشروط بتأسيس "الكتلة السياسية" : التحالف الحزبي بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وتنظيم الإضراب العام من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب في 14 دجنبر 1990، الذي أسفرت عن شهداء ومعتقلين بعد قمع انتفاضة فاس، وتوقيع اتفاق فاتح غشت 1996 من طرف مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي يضرب حقوق العمال وانعقاد مؤتمرها في مارس 1997 بحضور وزير الداخلية إدريس البصري، الذي خاطب الكونفدرالية في سابقة خطيرة تؤشر على بيع ما تبقى من حقوق الشعب المغربي علانية.

هكذا تمت شروط تأتيت المشهد السياسي الجديد/القديم الكل شارك فيها حتى جبهة البوليزاريو التي دخلت في سلم مع النظام الملكي الدموي دون ضمانات سياسية تصون حقوق الشعب الصحراوي : دخلت في مفاوضات من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي بلا أفق، فقط الطلبة القاعديون والصحراويون ـ خط الشهيد وامتداداتهم خارج الجامعة وحدهم ضد المشهد المأساوي مما كلفهم الاعتقال والاستشهاد.

بدأت هذه المسرحية السياسية، في إدماج تام بين عروض الملهاة والمأساة السياسية عبر ما يسمى "الانتقال الديمقراطي"، المؤامرة السياسية في نسخها الثالثة بعد 1956 و1975 تأتي مؤامرة 1998 تاريخ بداية الشوط الثالث من المؤامرة : الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يقود الحكومة الديمقراطية البرجوازية المزورة، التي افتتحها اليوسفي بمقولة "الكتاب بيني وبين الملك" هذا الكتاب الميتافيزيقي الذي كبل القوى الثورية وأنعش الانتهازية.

تمت هذه الشروط في مؤامرة مكشوفة شارك فيها جميع اليساريين، إلا القلة القليلة منهم، كل بالصيغة التي تحلو له، حتى الماركسيين اللينينينن الذين أدوا ضريبة موقف تقرير مصير الشعب الصحراوي في محاكمة 1977 غاليا، باعوا الموقف بما يسمى "الإنصاف والمصالحة"، الكل يبحث عن موقع ساسي في المسرحية السياسية الجديدة.

لقد استطاع النظام الدموي ترويض جميع السياسيين إلا القلة القليلة منهم تم تهميشهم، خاصة منهم الشبيبة الماركسية اللينينية بالجامعات التي لم تسلم من سموم الاتجاهات الانتهازية الجديدة في الحركة الماركسية اللينينية.

في ظل هذه الشروط الجديدة/القديمة، التي ترعاها الإمبريالية خاصة الفرنسية المستفيدة الأولى من هذه الأوضاع السياسية، برزت سمسرة المواقف السياسية، الكل قابل للبيع والشراء، في ظل نقل مفهوم التجارة في السوق من المجال الاقتصادي إلى المجال السياسي والثقافي، الكل يبحث عن سوق لسلعته السياسية البائرة في المزاد العلني للسلع المستعملة.

في ظل هذه الشروط الجديدة/القديمة ناضل الشهيد إبراهيم صيكا من أجل استنهاض القوى الثورية الشبيبية في صفوف الطلب الصحراويين بالجامعات المغربية.