القضية الأمازيغية ليست للمتاجرة


كوسلا ابشن
2020 / 11 / 24 - 21:54     

رأي في النقاش الدائر بين النشطاء الامازيغ بعد إنضمام أعضاء ما يسمى ب"جبهة العمل السياسي الأمازيغي" الى زاوية "التجمع الوطني للأحرار" وهو تنظيم مخزيني عروبي تأسس بأمر العلوي الحسن الفاشي سنة 1977, أسسه أحمد عصمان, الوزير الاول في حكومة الحسن الفاشي (1972-1977).
تبربرات الانضمام كما قدمها المطبعين الجدد تبقى إختلاقات و أكاذيب لا أساس لها من الصحة, مثل الإدعاء المضحك بإهتمام التجمع الوطني للأحرار بالقضية الامازيغية منذ سنوات الأولى من تأسيسه, وتقديم حكومة التجمع للكثير من المشاريع لفائدة الامازيغية لم تر النور (1977-1979).
الزوايا العروبية جميعها قبل مبادرة القصر في أجدير, ومع ما تبعها من مبادرات خطابية ورقية (مازالت تنتظر التطبيق الحقيقي), لم تكن معنية بورقة الامازيغية (عدا التقدم والإشتراكية من طرحها في شكلها الفولكلوري, و أتذكر حضور الفولكلور الامازيغي في أربعينية التقدم (1983) أو مقترح علي يعتة بتدريس البربرية), أما الآخرين فكانوا ينظرون الى الثقافة واللغة الأمازيغيتين بإعتبارهما من مخلفات نظام الحماية, و إختصوا للأمازيغ والامازيغية معاملة الاعداء و لا يختلف موقف "الأحرار" عن موقف "الاستقلال" أو عن موقف "العدالة والتنمية" في ما بعد, الذي أوجده النظام مثله مثل "الاحرار" في معادلة اللعبة السياسية, والتهافت الحالي للزوايا يفهم في تبعيتها للقصر, فمواقفها الانتهازية من القضايا الأمازيغية لا تعلن إلا بعد التصريحات الإستهلاكية لسيدهم المقدس, وسياستها الجديدة إزاء الامازيغية لا تتعدى الخطابات الاستهلاكية الاستقطابية وخصوصا أيام المهرجانات الانتخابية.
الإنضمام الى الزوايا العروبية مسألة شخصية لا يستدعي كل هذه التبريرات والبيانات التوضيحية, فألاف من الأمازيغفونيين ينشطون في هذه الزوايا, سواء يمينية كانت أو يسارية, وكلها تتشارك في المعادات للقضية الامازيغية, كقضية تحررية شاملة تخص شعب مقهور تحت نير سلطة الآبارتهايد, فالزوايا العروبية كلها لا يمكن أن تتبنى القضايا الأمازيغية, في الوقت الذي تسعى فيه للوحدة العرقية (العربية) في الوطن العرقي (العربي) .
النظام العلوي منذ رحيل دولة الحماية وهو يجاهد في منع تسييس الامازيغية والعمل على إحتواء الكادر السياسي الأمازيغفوني في الكتلة المخزنية, وفي هذه الشروط تأسس "الحركة الشعبية" بزعامة أحرضان, وتشجيع القصر للزوايا السياسية في التحرك في المجال الأمازيغفوني لإحتواء الشباب الأمازيغفوني في كتلة العروبة, إلا أن هذا التحرك مني بالفشل, ولهذا إضطر القصر في السبعينات من القرن الماضي لرفع المنع عن "التحرر والاشتراكية", تحت إسم "التقدم والاشتراكية" للإنخراط في عملية إحتواء الشباب الامازيغي وتبعته فيما بعد الزوايا "اليسارية" الآخرى, ونجحت هذه الزوايا في إستقطاب الشباب خصوصا, الفئة الأكثر واعيا بواقع مجالها المهمش والمقصي, و كان الإعتقاد السائد لدى الشباب أنذاك أن الاشتراكية هي البديل الوحيد لسياسة الأبارتهايد المنتهجة, إلا ان سنوات من العمل الميداني و النضج السياسي والمعرفي, أدرك الكثير من الأمازيغ أنهم أصبحوا موضوع للإستلاب و الاغتراب بالدفاع عن القضايا القومية العربية ومعادات الذات الامازيغية, ولهؤلاء الشباب مع نشطاء الظل يرجع الفضل في تأسيس لبنة الحركة الامازيغية المناضلة, المدافع الحقيقي عن حقوق الشعب الامازيغي, الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية واللغوية.
في عصر الخطاب الحقوقي, حاول القصر حصر حركة النضال الامازيغي في المجال الحقوقي الثقافي بعيدا عن السياسة, المجال المحرم على الامازيغية, الا أن اللعبة السياسية هي ضمن كل الصراعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والانتقال الى العمل السياسي المنظم هو حتمي ومسألة وقت, وهذا ما رفع عنه الستار إعلان تأسيس الحزب الدمقراطي الامازيغي بقيادة الفقيد أحمد الدغرني, الذي نجا سابقا من محاولة إغتيال بائيسة, و منع الحزب بقرار قانوني, ليفاجئ الامازيغ مرة ثانية بمنع التحضير لمؤتمر التأسيسي لحزب تامونت.
تسييس الامازيغية كان دائما هاجس القصر, لذا عمل دائما على إحتواء الامازيغ في الكتلة العروبية لمنع طموح الاحرار في العمل السياسي المنظم المستقل عن العروبة و المدافع عن حرية الشعب وحقوقه العادلة. التاريخ يعيد نفسه مرة آخرى في شكل مهزلة لمنع فكرة التنظيم المستقل عن العروبة, والدفع بزبنائه الأوفياء أمثال أخنوش لمنع فكرة التنظيم الامازيغي المستقل وإستبدالها بالإنخراط الجمعي ل"لدفاع عن الامازيغية" من داخل تنظيم عروبي, وهذا دلالة عن محاولة بائسة لتصفية القضية الامازيغية بمنع تسييسها أو بالأحرى منع ظهور المتحدث السياسي الحقيقي بإسم القضية الامازيغية.
إحتواء بعض الانتهازيين الأمازيغفونيين و إستقطابهم من طرف أخنوش بعد المساوماة التي حصلت بين الطرفين والتي قد يعرف في المستقبل ما قدمه أخنوش ثمن لقبول توظيف القضية خارج إطارها الحقيقي. ما أقدم عليه بعض الأفراد المحسوبين على الحركة الامازيغية, يخصوهم هم لوحدهم, و مبارك عليهم وظائفهم و مكتسباتهم الجديدة و منها مراكز القرار ل(إماتة القضية بعقولهم), لكن ليس من حق أحد الزج بالقضية الامازيغية في براثن العروبة, والتاريخ سيشهد عن قرارات هؤلاء في المستقبل, أما التحجج بالدخول للمعترك السياسي من باب "التجمع الوطني للأحرار" العروبي, فقد سبق للأمازيغفونيين أن جربوه من باب جميع الزوايا اليمينية واليسارية ولم يقدموا شئ للقضية الامازيغية الا الخيانة والعداء.
العمل السياسي المستقل عن العروبة هو المحرم الأساسي, النظام العلوي لا يمانع من تأسيس تنظيمات إسلامية إرهابية أو تنظيمات يسراوية متطرفة, وهذه التنظيمات موجودة في الساحة السياسية المروكية و تمارش أنشتطها بحرية وعلانية, ويتعايش معها النظام و لا يبالي بنشاطها, لأن خوفه الحقيقي يكمن في النقيض للعروبة, خوفه من مدمر النظام الحالي, المؤسس للمشروع الكولونيالي, خوفه يكمن في بروز حزب أمازيغي من طراز جديد (أمازيغيته تنبع من جغرافيته).
حقوق الامازيغ في شموليتها لا يدافع عنها تنظيم مخزني عروبي, وإنما يدافع عنها حزب من طراز جديد ( خارج البنية المخزنية "الشرعنة القدسية"), القادر على تأطر نضالات القوى الشعبية المقهورة ومدها بالوعي الثوري التحرري (الطبقي والقومي), المدافع الحقيقي عن حقوق الأمازيغ الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية واللغوية, والفاضح للتضليل السياسي والايديولوجي للقوى المخزنية (اليمينية واليسراوية) و من إتبعهم من الإنتهازيين "البربر".
حزب من طراز جديد ضرورة موضوعية وتاريخية في عصر يتفاقم فيه قهر وإستغلال الشعب الامازيغي, في زمن التضليل السياسي, والإسترزاق بأسم الامازيغية, و الامازيغية في شموليتها قضية شعب يعاني الإضطهاد القومي والطبقي, قضية لا تباع ولا تشترى, و من يدافع عنها عليه أن يكون من صلب آلام وآمال الشعب الأمازيغي المقهور .

كوسلا أبشن