الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الثانية


امال الحسين
2020 / 11 / 21 - 22:33     

الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية والثورة بالغرب الإفريقي

في بداية السبعينات ظهرت المجموعات الماركسية اللينينية المغربية، أغلب مكوناتها شباب يسعى إلى تغيير واقع الأحزاب الإصلاحية ـ التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ـ النضال ضد الإصلاحية، النضال ضد الدولة البوليسية، تغيير الوضع السياسي، بناء الحزب الثوري، بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية، نشأت الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، برزت المنظمات الثلاث : إلى الأمام، 23 مارس، لنخدم الشعب.

عرفت الحركة الطلابية وامتداداتها في أوساط التلاميذ نشاطا واسعا سياسيا وثقافيا، شباب كله عطاء، من أجل التغيير، تغيير واقع البلاد، الذي يسود فيه القمع وإرهاب الدولة، الاختطافات، الاعتقالات والمحاكمات، البلاد تعيش حالة الاستثناء، تحت حكم دولة بوليسية، لم تستطع جل قيادات الحركة الماركسية ـ اللينينية الصمود أمام آلة القمع البوليسية، تم اختطاف واعتقال جل القياديين، ما تبقى منهم دخل في السرية أو غادر البلاد، يعيش بالمنفى.

كان الشباب الصحراوي، أغلبهم طلبة، واعون بقضية الصحراء الغربية وموقعها في الثورة بالغرب الإفريقي، في علاقته ببروز الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية التي أصبحت هذه القضية في أيديولوجيتها أحد المحددات الأساسية بين الخط الثوري والخط الانتهازي، استوعب الشباب الصحراوي الثوري الدرس جيدا، لا يمكن العمل في دولة بوليسية قمعية، اختاروا البحث عن دعم مشروعهم الثوري : استقلال الصحراء الغربية، كانت الجزائر وليبيا ملجأ آمنا لهم، ودعما لمشروعهم السياسي الثوري.

استطاع الشباب الصحراوي قطع أشواط كبيرة في النضال الثوري في الواقع الملموس، حملوا السلاح في وجه الاستعمار الإسباني، بينما الحركة الماركسية ـ اللينينية تنهار شيئا فشيئا، انهيار المناضلين داخل مخافر الشرطة السياسية السرية، المعتقلات السرية، استشهد القائد عبد اللطيف زروال بعد صموده أمام آلة التعذيب البوليسي، أصبحت قضية الصحراء الغربية محكا أمام الصراع داخل الحركة، أحدثت شرخا كبيرا في الحركة، كبرت تناقضاتها الداخلية، حول الموقف من العنف الثوري وقضية الصحراء الغربية، بينما الشباب الصحراوي مصر على حمل السلاح : مفهوم العنف الثوري ممارسة.

كانت الحرب في الصحراء الغربية محكا أمام الحركة : الحرب على الشعب الصحراوي، بين الحرب الوطنية الثورية والحرب الرجعية المدعومة من طرف الإمبريالية، بين جبهة البولزاريو والدولة البوليسية بالمغرب، تمت مواجهة عنف الدولة المنظم بعنف الجبهة الوطني الثوري، بين جيش نظامي ومجموعات ثورية مسلحة، حضر الجنرال جياب بالمخيمات، مرت الحرب تحت معارك منظمة، خلخلت كل التكهنات، أكدت أن دروس التجربة الثورية الفيتنامية ضد الحرب الإمبريالية قوية، حرب وطنية ثورية ضد حرب امبريالية على أرض الواقع بالصحراء الغربية، من طرف شباب عازمون على حمل السلاح.

قبل وفاة الديكتاتور فرانكو وهو على فراش الموت عقدت الإمبرياليتين الأمريكية والفرنسية صفقة مع النظام الملكي الدموي بالمغرب حول تصفية قضية الصحراء الغربية، تتويجا لدوره الكبير في القضاء على التمرد بالغرب الإفريقي، من حرب الرمال إلى حرب الزاييرـ الكونكو، وامتداداته عبر صفقات تصفية القضية الفلسطينية من حرب أكتوبر في 73 إلى مؤامرة كامب ديفيد في 77، الصحراء الغربية تعتبرها الأمم المتحدة من المستعمرات المستعصية بغرب إفريقيا، بعد انتصارات حركة التحرر الوطنية بإفريقيا بدعم من مصر، ليبيا والجزائر، في الوقت الذي كان فيه الشباب الصحراوي الثوري يتابع هذه الأحداث مع الجهات العليا بالجزائر وليبيا، الدولتان الداعمتان للتمرد على النظام الملكي الدموي بالمغرب : الانقلابان العسكريان في 71 و 72 وانتفاضة جبال الأطلس المتوسط في 73، وما تلا ذلك من محاكمات وإعدامات وقمع الفلاحين، فقرروا حمل السلاح والدخول في حرب وطنية ثورية ضد النظام الديكتاتوري بإسبانيا من أجل الاستقلال، بعد انتفاضة الشعب الصحراوي في 1970 وتأسيس الجبهة في 1973 وإعلان الجمهورية الصحراوية في 1976.

الشباب الصحراوي المتمرد ينظم عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسباني، هذا الأخير يضع جمرة الصحراء الوهاجة في أيدي النظام الملكي الدموي بالمغرب، أرض الصحراء الغربية في وضعية الاستعمار، جبهة البوليزاريو تعلن نفسها حركة تحررية، تحظى بالدعم الجزائري والليبي، المغرب وموريتانيا تقتسمان الجمرة الوهاجة : الساقية الحمراء ووادي الذهب.

في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة في مسار الثورة في الغرب الإفريقي تم توهيم الشعب المغربي باسترجاع "صحراء"ه بعد تنظيم "المسيرة الخضراء" في نونبر 1975، إنه أفيون الشعوب، شكل من أشكال تنويم الشعب المغربي، بمشاركة الأحزاب الاصلاحية في هذه المؤامرة في الوقت الذي يتم فيه استعمال قضية الصحراء الغربية فزاعة لقمع كل من يطالب بحقة في العيش الكريم، الخروج من حالة الاستثناء المباشر والدخول فيه بشكل غير مباشر باسم "الإجماع الوطني" على "الوحدة الترابية" في ظل دولة بوليسية، يتم قمع الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وفتح جبهة دموية أقوى : حرب الحكومات على الشعوب بالصحراء الغربية ضد الثورة بالغرب الإفريقي.

كان الطلبة الصحراويون في بداية السبعينات من القرن 20 سباقون إلى الوعي بأهمية قضية الصحراء الغربية، ناقشوها في حلقياتهم الخاصة مع الطلبة الماركسيين اللينينيين المغاربة في السرية، وبعد طردهم من طرف وزير الداخلية اتجهوا إلى خارج المغرب بالجزائر وليبيا، كان النظام الملكي الدموي بالمغرب آنذاك منشغلا بالقمع الأسود، في ظل سيادة الاعتقال والاختطاف، مداهمة بيوت السياسيين والطلبة الماركسيين اللينينين ليلا، اعتقالهم واقتيادهم إلى مخافر التعذيب، غادر الطلبة الصحراويون الرباط، استقروا بالجزائر، وجدوا هناك آذانا صاغية، وضعوا مشروع حركتهم، ضد الاستعمار الإسباني، أشعروا السلاح في وجه المحتل الإسباني، كانت ليبيا أرضا خصبة لدعم حركات التحرر الوطنية بإفريقيا، استفادوا من دعمها المالي والعسكري.

ما زال النظام الدموي بالمغرب على حاله : الانشغال بسفك دماء المناضلين، بعد تفكيك الجناح العسكري الاتحادي (مجموعة شيخ العرب)، سفك دماء الشبيبة المنتفضة في 23 مارس 1965 (اغتيال المهدي بن بركة)، اعتقالات وإعدامات الضباط الشباب المتمردين في انقلابات 71 و 72، اعتقالات وإعدامات المتمردين بمنظمة 3 مارس (عمر دهكون ومجموعته)، مرحلة جديدة تبدأ : تصفية قيادات المنظمات الماركسية اللينيينة : إلى الأمام، 23 مارس ولنخدم الشعب، سفك دماء شهداء الحركة الماركسية اللينينية (زروال، سعيد، رحال) الشعب المغربي أصبح مكبلا، الوطن سجن كبير.

الحرب الوطنية الثورية تندلع بالصحراء الغربية، الاستعمار الإسباني يسل نفسه كشعرة من عجين، ويشرع في بناء الدولة الديمقراطية البرجوازية في ظل ملكية جديدة بدعم من الامبريالية الأمريكية والأوروبية، ينوب عنها النظام الملكي الدموي في سفك دماء الإخوة الأعداء بمشاركة موريتانيا التي تم إقحامها في صراع خارج عن طاقتها كدولة فقيرة ومتخلفة في أرض صحراوية شاسعة، تسل نفسها كشعرة من عجين من هذا الصراع الدموي، فهمت مبكرا أن هذه اللعبة السياسية الاستعمارية لعبة خاسرة، ينوب عنها النظام الملكي الدموي في الحرب، حرب الحكومات على الشعوب تمتد بالغرب الإفريقي في الصحراء الغربية، تشتد أوزارها، تكتوي بها العائلات الفقيرة المغربية.

الشعب المغربي في خندق واحد، الوطن سجن كبير، هكذا هو النظام الملكي الدموي في سنوات القمع الأسود، سنوات 1960ـ 1970ـ 1980، ثلاثة عقود من التحكم القمعي في مصير شعب.

النظام الملكي الدموي في غفلة عن حركة الشباب الصحراوي المتمرد، كل همه هو إسكات الأصوات الحرة، خدمة للمخابرات الإمبريالية الأمريكية والفرنسية، كانت مشاركته في "حرب أكتوبر" 1973 صورية، من أجل ذر الرماد في عيون الشعب المغربي، توهم العرب أنهم انتصروا، حكامهم في خدمة المشروع الصهيوني بأرض فلسطين، بدءا بمشروع كامب ديفيد : مشروع احتلال كامل أراضي فلسطين بعد القضاء على المقاومة المسلحة، الاعتراف بهذا الاحتلال، عزل مصر عن القضية الفلسطينية، عزلها عن سوريا، إحراق أرض لبنان الحرة بنيران الحرب الأهلية، تدمير العراق وإيران في حرب ضد ـ ثورية : حرب الحكومات على الشعوب.

جاء اندلاع الحرب بالصحراء الغربية لتتميم الشروط الموضوعية لسياسية طبقية تكبل القوى الثورية المغربية لاستكمال بناء نظام تبعي دموي بشمال وغرب إفريقيا، من أجل هدف أساسي : تعطيل حركة القوى الثورية بغرب إفريقيا استجابة للمشروع الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي، بعد عزل الحركة العمالية المغربية عن حركة الفلاحين : تجريدهم من تنظيماتهم الذاتية المسلحة : المقاومة وجيش التحرير، وتقوية التحالف الطبقي المسيطرة : البرجوازية التجارية والملاكون العقاريون الكبار، ودعم الأرستقراطية العمالية بالمغرب : توظيف عملاء المخابرات العالمية الإمبريالية في أوساط الحركة العمالية المغربية، ودعم القيادات البورجوازية الصغيرة للأحزاب وترقيتها اقتصاديا واجتماعيا عبر إرشائها وتعيينها في مناصب سامية، وإعدادها لمناصب برلمانية وحكومية.

بين نظرية الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية حول العنف الثوري، والممارسة العملية للعنف الثوري بالصحراء الغربية، تكامل بين الحركة الثورية والنظرية الثورية، لكن سنوات القمع والسجون حولت مسار المنظمات الثورية المغربية نحو التحريفية، نحو الانتهازية، التنازل عن المبادئ الثورية، عن مفهوم العنف الثوري والحزب الثوري، سقط المشروع الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية في السبعينات، سقط مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.

سقطت النظرية الثورية في نظر التحريفية، لكن الممارسة العملية الثورية لم تسقط، فكان للعمل الثوري المزدوج، حمل السلاح من طرف الجهة والصراع السياسي بالمحافل الدولية، من أجل الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بناء دولته المستقلة، كان المدخل السياسي للمفاوضات : الاعتراف بالجبهة، وقف إطلاق النار، سكتت البنادق بعد 15 عاما من الحرب الرجعية على الشعبين المغربي والصحراوي، الصراع مستمر على المستوى السياسي، التلويح بالرجوع إلى السلاح، أصبحت الحرب من جديد جزءا من أجندة الجبهة، استمرار الصراع السياسي بمنظمة الاتحاد الإفريقي، الجمهورية الصحراوية عضو مؤسس لها، التحق المغرب مؤخرا حاملا مشروع الحكم الذاتي، بين مشروع الاستقلال والحكم الذاتي تلوح الحرب الوطنية الثورية في الأفق.

إن تحريفية المنظمات الثورية السبعينية المغربية، ساهمت بشكل كبير في إخفاق الثورة بالغرب الأفريقي، لم تستطع هذه المنظمات استخلاص العبر من النضال الثوري للجبهة، بعد إخفاقها في تأسيس الحزب الثوري الذي يمكن أن يكون سندا لموقف الحركة الثورية بالصحراء الغربية : الثورة بالغرب الإفريقي، جزء كبير من المشروع السياسي للحركة معطل إلى حين، رغم أن الجبهة بإمكانياتها الذاتية استطاعت وضع طريق الثورة في الغرب الإفريقي، عبر الممارسة العملية للعنف الثوري، لم تستطع الحركة الخروج من نفق الصراع بين الخطين الثوري والتحريفي.

وشكل إشعال حرب ضد ـ ثورية بالصحراء الغربية في 1975 التي امتدت إلى 1991 لتبدأ الحرب الباردة حول وهم الاستفتاء وتقرير مصير الشعب الصحراوي، استمرارا للحرب الإمبريالية على ثورة الجنوب التي تعتبر الملهم التاريخي للثورة بالغرب الإفريقي وشمال إفريقيا.

حققت الجبهة مكتسبات كبيرة على المستوى السياسي، أصبحت دولة عضوا في المنظمة الإفريقية بتأييد من المنظمات الدولية، حققت للشعب الصحراوي مكاسب نسبية، على مستوى مراقبة خيرات البلاد، الدفاع عن التوزيع العادل للثروات، لطالما ناضل من أجلها الشعب المغربي دون جدوى، سالت من أجلها دماء كثيرة، كلما تقدمت السنوات تراجعت مكتسبات الشعب المغربي، الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية تتخبط في بناء مشروع غير واضح، نمت صراعات هامشية حول الخط الأيديولوجي والسياسي، خارج الممارسة الثورية.

على هامش النضال السياسي بالصحراء الغربية برز الخط الثوري ـ خط الشهيد، على غرار خط قائد الجبهة الولي مصطفى السيد : تيار يرفض المفاوضات ووضع السلاح، يناضل من أجل الاستقلال، من أجل اطلاق سراح المعتقلين الصحراويين بالسجون المغربية.

وتعتبر قضية الكركرات منطلق تحول الصراع بالصحراء الغربية، إسقاط وقف اطلاف النار كمؤشر لبروز خذ الشهيد في الأفق بأبعاد أكثر ثورية، وكان لرمزية المعبر والحزام قوة هائلة بالنسبة لجبهة البوليزاريو : منطقة التماس بين قوتين عسكريتين متصارعتين منذ 45 سنة، مدة زمنية طويلة في الصراع السياسي والعسكري، في مشروع الجبهة والذي تعتبره المنطقة أرضا محررة، وكان للقيادة الجديدة للجبهة والدولة أثر كبير في بلورة مفهوم الضغذ الجماهيري بالخارج والداخل وإدماجها في الصراع السياسي والعسكري، مما يبين تحولا كبيرا في الصراع السياسي والعسكري بالصحراء الغربية، خاصة بعد بروز معطى جديد ينذر بخطر اندلاع حرب الحكومات على الشعوب من جديد، وجود عراب الحروب العربية ـ العربية بالخليج بالمنطقة : الإمارات العربية الصهيونية.

فهل يلعب هذا التحول دورا بارزا في تغيير مسار الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ولملمة قواها وإبراز دورها التاريخي في الثورة بالغرب الإفريقي ؟