بين عبدالخالق محجوب وسيد قطب


حسن مدن
2020 / 11 / 15 - 11:28     

لم يكن عبدالخالق محجوب، أول أمين عام للحزب الشيوعي السوداني، والزعيم التاريخي لليسار السوداني، الذي أعدمه جعفر النميري هو ونخبة من رفاقه مطالع السبعينات في القرن الماضي، مجرد رجل سياسة وقائد حزبي مرموق، وإنما كان أيضاً كاتباَ ومحللاً ذا بصيرة، تجلت في الكثير من مساهماته الفكرية التي أعادت "دار عزة للنشر والتوزيع" إصدارها في كتيبات.
هذه الكتيبات جديرة بالاهتمام، ليس لأنها تُعرفنا بالبروفايل الفكري لعبدالخالق محجوب، الذي لم ينل، على الأقل في البلدان العربية الأخرى غير السودان، الاهتمام المطلوب، حيث طغى بروفايله كمناضل سساسي وكشهيد صاحب قضية وموقف، وضحية للديكتاتورية، التي غيبت عن السودان وأجياله المختلفة وجهاً مضيئا، وإنما أيضاً لأنها تتناول قضايا لم تتقادم أبدا، رغم مضي عقود طويلة عليها، بل أن في بعضها ما يمكن وصفه بالاستشراف والنبوءة للمستقبل.
ومن هذا بحثه المهم "حول فلسفة الإخوان المسلمين"، الذي ناقش فيه بعمق أطروحات منظر الجماعة سيد قطب، بروح ومنهج الباحث الرصين، الذي يناقش الفكرة ولا يستهدف صاحبها شخصياً، بدليل أن محجوب لاحظ أن كتاب سيد قطب: "معالم في الطريق" ينطوي على مزج عجيب بين شخصيتين، واحدة منهما كتبت بأسلوب رصين معتدل، وأخرى تبدو في أشد حالات الاضطراب تدعو إلى العنف والشدة، وتُحطم في هذه ما بنته تلك.
والسبب في ذلك يعود إلى أن سيد قطب جمع في الكتاب بين مقالات حواها كتابه "في ظلال القران"، وهي التي بدا فيها رجلا سويا ينظر إلى القران "فيستجلي ما فيه من جمال الاسلوب وروعة البيان وحسن المقصد، فتاتي الكتابة مرسلة على سجيتها"، لكنه سيغدو بعد حين شخصا آخر غير ذلك الكاتب الشغوف بالأدب والنقد حيث ارتفعت به أسباب الزعامة، على ما يقول عبدالخالق محجوب، "فجلس يشد الخيوط المرسلة بينه وبين أصحابه وعندها تصوّر العالم في جاهلية تحتاج إلى تغيير كامل".
أنصح بالعودة لهذا الكتاب، ولكني قبل أن أختم أود الاشارة إلى ملاحظتين شديدتي النباهة في كتاب محجوب، فهو في سجاله مع سيد قطب حول تقييمه للحروب الصليبية، التي تصوّرها مجرد حرب دينية، فبدا حانقاً غاضباً على كل أهل الصليب، ولكن محجوب يسأله: "إذا صحَّ كذلك فلمَ، إذن، كانت المعاونة بين الإخوان والأمريكان والانجليز؟"
أما الملاحظة الثانية فوردت على خلفية قول سيد قطب إن المشركين عرضوا على الرسول المال والحكم مقابل أن يدع العقيدة فرفض، فيععقب محجوب قائلا: "نحن لا نعلم أن أحداً من الإخوان المسلمين قد عرض عليه الحكم والمال والسلطان، فرفضها وانطوى على العقيدة"، فأين الشبه بين رفض النبي للدنيا وسلطانها واقباله على الله والعقيدة وبين ما كان عليه سيد قطب وجماعته، لا آنذاك فقط وإنما اليوم أيضا.