سبب انتشار سرطان الانتاج الخدماتي


سعيد زارا
2020 / 11 / 14 - 22:41     

كلنا يعرف خطورة السرطان على الجسم البشري ان لم يتم تشخيصه في البداية ، فهو ينتشر بسرعة بحيث يدمر و يتلف الأنسجة و الخلايا السليمة ...الخ ، و كذلك يفعل الانتاج الخدماتي في المجتمعات البشرية فهو ينتشر بسرعة و يتلف القوى الانتاجية و يبدد ما راكمته البشرية من ثروة و يفسد النسيج الاجتماعي بتفشي كل مظاهر الانحطاط من دعارة و تجارة في الاعضاء البشرية و المخدرات و السلاح ...الخ. بدون تشخيص علمي لخطورة تسيد الانتاج الخدماتي فان جسم المجتمعات الحالية سينهار بسبب هذا الورم الخطير.

اشعة الفحص الماركسية هي القادرة على رصد خطورة انتشار ورم الانتاج الخدماتي في مجتمعاتنا و كذلك اسبابه، فقد اظهرت صحتها و مصداقيتها في كشفها عن قانون الحركة بشكل عام و عن قانون تطور المجتمع البشري بشكل خاص، و عليه فمن الطبيعي جدا ان يجانب دعاة الماركسية حقيقة هذا الورم دون أن يتعرفوا على اسباب انتشاره و خطره على مستقبل البشرية لانهم لا يحسنون استعمال المنظار الماركسي.

في شرحه لانتشار الخدمات و الاقلاع عن التصنيع في المراكز الرأسمالية سابقا، يعزو السيد توما حميد ذلك الى سببين رئيسيين:
الاول ، زيادة كفاءة التصنيع و الزراعة ، و الثاني تقسيم العمل على المستوى العالمي، كل الاحصائيات و الوقائع تقول عكس ذلك.

أولا:
فقدت الصناعة الامريكية ما بين 1979 و 2011 ثمانية ملايين منصب شغل ليس كما يعتقد رفيقنا توما "لقد انخفضت وظائف التصنيع كحصة من الاقتصاد. لكن التصنيع لم يتراجع كصناعة، بل نمت بستة اضعاف"، بل بسب الاقلاع عن الانتاج الصناعي، حيث لا تتعدى نسبته في مجمل الانتاج الامريكي 13 بالمائة . فلو سلمنا بما يدعيه رفيقنا فلماذا امريكا هي المستورد الاول عالميا للبضائع؟؟؟. كفاءة الدول الرأسمالية السابقة في التصنيع ورثتها عن نظامها الرأسمالي السابق الذي قال عنه ماركس انه يتميز بخصيصة تثوير كل عناصر قوى الانتاج، و وسائل الانتاج هي من تلك العناصر الرئيسية ، اما بعد ان اقلعت عن الانتاج الصناعي فقد بدأت تفقد من كفاءتها الصناعية ، فالصين خلال الاسبوع المنصرم قد اطلقت اول قمر اصطناعي بتقنية الجيل السادس لاختبار شبكة اتصالات الجيل السادس. الاقلاع عن الانتاج الصناعي يتنافى مع ديناميكية النظام الرأسمالي، حيث الاخير بلغة ماركس هو المتاجرة بقوى العمل، المنتحة لفائض القيمة، تعود بنقد زائد عبر الاستثمار في الانتاج البضاعي ، اما الخدمات فهي لا تنتج قيمة.


ثانيا:
النظام الرأسمالي نظام عالمي، و عالميته ليست في زرعه قواعد الانتاج الرأسمالي في العالم كما يعتقد رفيقنا توما :" ففي الوقت التي انخفضت نسبة الطبقة العاملة في القطاع الصناعي في الدول الغربية، زادت نسبتها بشكل هائل في دول مثل الصين والهند واندونيسيا وتايوان وكوريا الجنوبية والبرازيل والكثير من الدول الأخرى"، بل العكس تماما فقد اقتضى تطور ميكانيزمات النظام الرأسمالي، كما شرحها اباء الشيوعية، ان يتمركز الانتاج الرأسمالي في بضع دول متقدمة و تبقى الاخرى محيطات لصرف فائض انتاجها من البضائع و الرساميل. اما تقسيم العمل العالمي الذي يتحدث عنه رفيقنا فهو معاكس لنشاط النظام الرأسمالي. التقسيم العالمي للعمل الذي يناسب النظام الرأسمالي هو ان تبقى المستعمرات او المحيطات مصدرا للمواد الخام و قنوات لصرف ما فاض من البضائع على المركز، و هو التقسيم الذي لم يعد قائما حيث اصبحت دول المراكز الرأسمالية سابقا هي من تستورد البضائع من "محيطاتها".

التقسيم العالمي الذي يتحدث عنه رفيقنا هو معاكس لميكانيزمات النظام الرأسمالي، فقد كان جنون مقاومة الشيوعية الذي مس ترومان هو من دفع به لان يسارع في تأسيس واجهات "رأسمالية" (كوريدورات) في شرق اسيا لوقف الزحف الشيوعي بعد ان خرجت الاتحاد السوفياتي اقوى دولة في العالم بعد انتصارها على القطعان النازية في الحرب العالمية الثانية. . نذكر رفيقنا بما ذكره ماركس في كتابه راس المال فيما يخص نشأة راس المال الصناعي بان انجلترا سارعت الى تدمير مانيفاكتورات جارتها ايرلندا.


سبب انتشار ورم الانتاج الخدماتي كان بصعود البورجوازية الوضيعة ،منتجة الخدمات ، الى المسرح الدولي، اولا بانقلابها على دولة العمال في الاتحاد السوفياتي بإلغاء المخطط الخماسي الخامس عام 1953 و الغاء دكتاتورية البروليتاريا سنة 1961، و ثانيا بانهيار الرأسمالية في مراكزها عندما فكت جدائل الدولار بالذهب نهائيا اثر اتفاقيات جمايكا كنغستون عام 1976.