رأيُ مُقاطِعٍ للانتخابات..


سعود قبيلات
2020 / 11 / 12 - 14:41     

لم أشارك في الانتخابات النيابيَّة، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، منذ العام 1993. ومنذ ذاك، تعاملتُ مع يوم الانتخابات كيوم عطلةٍ إضافيّ يمكن استغلاله بما هو نافع وممتع.

بالطَّبع، لم يكن لمقاطعتي أيّ تأثير على سير العمليّة الانتخابيّة؛ لكن المقاطعة تجعلني منسجماً مع نفسي وراضياً عن موقفي. وبالمقابل، فما الدَّور الَّذي يحصل عليه الَّذين يشاركون في الانتخابات.. سوى مساهمتهم في منح هذه العمليّة الزَّائفة نوعاً من الغطاء والصّدقيّة؟

.. وهذه المرَّة أيضاً لم يتغيَّر شيء سوى تراكم المزيد من الأسباب الَّتي تدفع المرء إلى عدم المشاركة..

بعد مائة عام من التَّزوير المنتظم والممنهج لإرادة الشَّعب، هل على المرء أنْ يجرِّب المشاركة مرَّةً أخرى إضافيّة.. لعلَّ وعسى أنْ يكون الحال مختلفاً هذه المرَّة؟!

يرى البعض أنَّ المشاركة فعل إيجابيّ! ولكن، بأيّ معنى وكيف وفي ماذا؟! وهل ثمَّة مَنْ يصدِّق، حقّاً، أنَّ صوته يصنع فرقاً؟!

نظام الحكم المتحكِّم ببلادنا هو نظام حكم أوتوقراطيّ (فرديّ مطلق) مزمن (بل ومعاكس للزَّمن).. لا جديد في ذلك، وقد تفاقمت طبيعته الأوتوقراطيّة بعد التَّعديلات الدّستوريّة الأخيرة على نحوٍ مريع. وفي ظلّ مثل هذا النِّظام، فما الدَّور الَّذي يمكن أنْ يكون للمجلس النيابيّ.. مهما كانت تركيبته (بل وللحكومة أيضاً)، سوى تمرير القرارات والسِّياسات الفرديَّة المطلقة؟!

وعلى سيرة «تمرير القرارات والسِّياسات»، فثمَّة مخاوف جدّيّة الآن مِنْ أن يكون الإصرار على إجراء الانتخابات النِّيابيّة رغم انتشار وباء كورونا في البلاد إنَّما هو لتنفيذ أجندة خطيرة ستنعكس بشكلٍ سلبيٍّ كبير على مصير البلاد والشَّعب.

وتنفيذ هذه الأجندة قد يتطلَّب – مثلما حدث في العام 1989.. تمهيداً لوادي عربة – إيصال بعض الأسماء المحسوبة على المعارضة إلى المجلس النِّيابيّ، ليكونوا بمثابة «شاهد ما شافش حاجة» و«ليتوزَّع دم الضَّحيّة على القبائل».. حسب الوصفة «التّراثيّة» القديمة المعروفة..

فهل هذا هو دور المعارَضة؟! وهل فصائل المعارضة في غيبوبة عن إدراك ما يُرتَّب لهذا البلد وشعبه؟! هل غابت عنهم طبيعة الواجهة الَّتي أُريدَ للحكومة الجديدة أن تمثّلها (باعتبار أنَّ الحكومات مجرّد واجهات)، وكذلك مجلس الأعيان الجديد، في تركيبتهما اللافتة؟!

هل هذه مجرَّد مصادفة؟!

وبالمناسبة، هل سيُفاجأ أحد إذا ما جاءت تركيبة مجلس النّواب الجديد مماثلة؟!

ومِنْ ناحية أخرى..

في ظلّ تفشِّي وباء كورونا في البلاد، هل يستحقّ استخراج طبعة جديدة قديمة (تتكرَّر منذ مائة سنة) من المجلس النِّيابيّ، المخاطرة بأرواح ألوف النّاس؟! ومَنْ سيتحمَّل المسؤوليّة عن معاناة كلّ مواطن أردنيّ أُصيب أو سيُصاب بالوباء (وربّما يفقد حياته) بسبب المشاركة في هذه العمليّة الانتخابيّة الصوريّة؟!

إنَّ الدعوة للمشاركة في الانتخابات، في هذا الظَّرف الخطير، هي دعوة للانتحار الجماعيّ.. فمِنْ أجل ماذا؟!

على أيَّة حال..

عندما يُصبح لمجلس النّوّاب دور حقيقيّ.. كحال المجالس النِّيابيّة في كلّ البلدان الدِّيمقراطيّة، وعندما تنبثق الحكومات من الأغلبيّة النِّيابيّة المنتخبة وتمتلك حقَّها في الولاية العامّة كاملاً، ويصبح النِّظام ديمقراطيّاً وعصريّاً – حينئذٍ تكون المشاركة في الانتخابات النِّيابيّة مجدية.. بل وواجبة أيضاً، ويكون المشارِك فيها إيجابيّاً، والمقاطِع لها سلبيّاً..

وإلى ذلك الحين، فإنَّ المقاطعة (ليس للانتخابات النِّيابيّة وحدها، بل أيضاً لتبوُّء المناصب الوزاريّة) هي أحد أساليب النِّضال (والضَّغط) مِنْ أجل استرداد البلاد وتحقيق الدِّيمقراطيّة. وهذا لن يكون ابتكاراً أردنيّاً صرفاً؛ فقبلنا اتَّبع هذا الأسلوب الكثير من الشّعوب الحيّة الَّتي سارت على طريق التَّحرّر الوطنيّ والدّيمقراطيّة.

8 تشرين الثَّاني 2020