ليوناردو دافنشي ( 1452 م. - 1519 م.)


غازي الصوراني
2020 / 11 / 12 - 14:12     


ولد ليوناردو دافينشي في مدينة أنجيانو/ ايطاليا، كان رسامًا، مهندسًا، عالم نبات، عالم خرائط، جيولوجيًا، موسيقيًا، نحاتًا، معماريًا وعالمًا إيطاليًا مشهورًا، ولأنه كان رجلًا عبقريًا ذا موهبة عالمية في عصر النهضة فقد جسد روح عصره كاملًا، واستحق أن يوصف بانه كان موسوعياً ينتمي إلى عصر النهضة.
كان دافنشي ، بمثابة التجسيد الإنساني المثالي لعصر النهضة، وكثيرًا ما وُصف ليوناردو باعتباره رمزٌ لرجل عصر النهضة، ورجل ذو "فضول جامح" وصاحب "خيال إبداعي محموم"، فقد قام بوضع عدد من التصاميم لبعض الأجهزة أو الأجسام الطائرة والمظلات سابقة لعصرها، وهو من أوائل المفكرين الذي استخدموا المنهج التجريبي الرياضي في دراسة الطبيعة، كان ليوناردو دافنشي من أوائل المفكرين الذين قَدَّروا عالياً افكار ابن رشد، وهو الذي اطلق عليه صفة " شارح أرسطو العظيم .
كتب ليوناردو دافنشي: "ان الكذب لمن الخساسة في منتهاها، فحتى لو أحسن الكلام عن أشياء الله لذهب برونق ما هو إلهي؛ أما الحقيقة فهي من السمو بحيث تخلع صفة النبل حتى على أدنى الأشياء التي تمتدحها، كما ان الحقيقة، حتى ولو دارت حول شيء تافه ودون، تجاوز بما لا يقاس الظنون غير اليقينية في اجل المسائل وأسماها.. ولكن أنت يا من يحيا على الأوهام، تجد لذتك في المغالطات بصدد الأشياء البعيدة المنال وغير اليقينية اكثر مما تجدها في الاستنتاجات الأكيدة والطبيعية التي لا ترتفع إلى مثل ذلك العلو". ولننظر الآن في كل ما يترتب على هذا الرأي: إذا حُدد الحق بالاستنتاجات الأكيدة والطبيعية، فإنه يكون من هنا بالذات متناسباً وقوى العقل البشري ومحدداً بدون أية إحالة إلى وجود مجاوز للعقل وخارجي عنه.
ليوناردو، انتقد المذاهب الغيبية ووصف الخيميائيين والمنجمين بأنهم "مشعوذون أو مأفونون"، وقدم أرخميدس، على جميع من عداه، فقد كان ليوناردو "دينامي المذهب، يبحث في الحركة عن المحرك الروحي، وفي الجسم البشري عن فعل النفس التي حققت فيه فكرتها عن الصورة الانسانية"([1]).
لقد "تميز ليوناردو عن أقرانه من الفنانين والمهندسين والمخترعين بوعي عميق للأسس الميتودولوجية للتصاميم والاختراعات والأجهزة، التي شهدها ذلك العصر، وكان، بذلك، رائد العلوم الطبيعية المعاصرة، وأول مفكر استخدم المنهج التجريبي – الرياضي في دراسة الطبيعة، وعلما بارزا من أعلام الفكر الجمالي في عصره.
كما امتاز ليوناردو عن معظم معاصريه بعدائه المستحكم للتنجيم والسحر والسيمياء، التي كان لها رواج كبير في عصره، واعتبرها علوما كاذبة، لا فائدة للإنسانية منها، وكان يرى أن قيمة النشاط العلمي هي، قبل أي شيء آخر، في تلك المنفعة العملية، التي يمكن للبشرية أن تجنيها منه، وبرهن ليوناردو على الجمع بين التجربة العملية وبين التفسير العلمي لها، كسبيل رئيسي لاكتشاف الحقائق الجديدة، يقول ليوناردو: "ما اشبه المولعين بالتجربة، دون العلم، بذلك الربان، الذي أبحر بسفينته دونما دفة ولا بوصلة، والذي لن يكون أبدا على يقين من صحة الطريق، التي يسلكها .. العلم قائد، والتجربة جند له "، واعتبر ليوناردو الرياضيات أكثر العلوم يقينية، وأكثرها ضرورة من اجل استيعاب التجربة وتعميمها"([2]).
لقد "أسهم ليوناردو بقسط جليل في تطوير الفكر الفني – الجمالي في عصر الننهضة، وكان عصر النهضة، كما هو معروف، عصرا بلغ فيه الفن الواقعي ازدهاراً منقطع النظير، وقد أحدث صاحب "العشاء الرباني"، و"الموناليزا" ("الجوكندة")، وغيرها من روائع الفن، تأثيرا بالغ الاهمية على الحركة الفنية في ايطاليا، وخارجها، كذلك برز ليوناردو منظرا كبيرا للفن، آمن بان الفن، كالعلم، يهدف إلى معرفة العالم الواقعي، لكن كلا منهما يختص بجانب معين من هذا العالم: العلم ينفذ إلى أعمق الاشياء، التي صنعتها الطبيعة، ويدرس قانونياتها الكمية، أما الفن فيهتم بالخصائص الكيفية لهذه الاشياء"([3]).
بذلك تتكشف روعة الطبيعة، التي جعلت "انسانيي" عصر النهضة – على النقيض من تنسك العصور الوسطى- يرون في التمتع بجمالها أحد الأهداف الرئيسية لحياة الانسان، ان ليوناردو يعجب – كعالم- "بحكمة" قوانين الطبيعة، ويمجد –كفنان – جمال الطبيعة والانسان، انه يتناول خصوصية وجمال الروح والجسد الانسانيين كعالم وكفنان معاً، فهو يبدو لنا من خلال لوحاته وأعماله الفنية الرائعة عالما تشريحياً عبقرياً، وفناناً من الطراز الأول – في تصوير تقاسيم الجسم الانساني، وبسيكولوجيا ممتازا، ورساما ملهما – في نقل جمال النفس الانسانية وتفردها"([4]).
 


([1])  اميل برهييه – تاريخ الفلسفة –  الجزء الثالث: العصر الوسيط والنهضة – ترجمة: جورج طرابيشي –  دار الطليعة – بيروت - الطبعة الأولى، مايو 1983 – الطبعة الثانية يناير 1988- ص  289
([2])موجز تاريخ الفلسفة - جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 224
([3]) المرجع نفسه  – ص 225
([4]) المرجع نفسه -ص 225