الرأسمالية في عصر -كوفيد 19- - من المعاينة إلى البدائل


الطاهر المعز
2020 / 11 / 11 - 23:34     

"لستَ مهزوما ما دُمْتَ تُقاوِم":
يَدّعي البعض أن البشر مُتَسَاوُون أمام وباء كوفيد 19، لأن العالم في أزمة، وتُطلب منا معظم حكومات العالم، بمختلف تلويناتها السياسية، بذل جُهود استثنائية، وتقبل القرارات الفَوْقِية وانخفاض الدّخل، والتسريح من العمل، وغير ذلك من العبارات الديماغوجية، ولكن الواقع يُثْبِتُ أننا غير مُتساوين، من المهد إلى اللحد، وإن تأثيرات الأزمة التي استفحلت بانتشار وباء كوفيد، نتيجة لخصخصة قطاع الصحة، وتحويل الدواء والعلاج والرعاية الصحية، من حق إنساني، إلى سلعة تُباع وتُشترى، ما جعل المُستشفيات العمومية غير قادرة على استيعاب عدد المُصابين، في ظل رفض القطاع الخاص الإهتمام بالوقاية وبالجوانب التي لا تُحقق الحد الأقصى من الأرباح الصافية، وفي ظل خفض عدد العاملين، من أطباء وممرضين، وعدد الأسرة، في مستشفيات القطاع العام...
إنها أزمة، ولكنها ليست أزمة للجميع، ففي الولايات المتحدة، كأكبر دولة رأسمالية، ارتفعت ثروات أثرى الأثرياء، خلال انتشار جائحة كوفيد 19، وخلال ارتفاع عدد العاطلين، إلى حوالي ثلاثين مليون عاطل، فقدوا وظائفهم، خلال الفترة، بين 18 آذار/مارس و 19 أيار/مايو 2020 ، وزادت ثروة أغنى 600 أمريكي بمقدار 434 مليار دولار، بنسبة 15% تقريبًا، في المتوسط، خلال شَهْرَيْن، وفقًا لما نَشَرَتْهُ مجلة "فوربس" يوم الخميس 21 أيار/مايو 2020.
أدت تدابير الحجر الصحي، وتعليق نشاط العديد من القطاعات الإقتصادية، وإغلاق المطاعم والمحلات التجارية، إلى تعزيز التسوق عبر الإنترنت وزيادة حجم الإتصالات عبر الهاتف والشبكة الإلكترونية، فاستفادت شركات التكنولوجيا الدقيقة (هاي تك) التي ارتفعت قيمة أسهمها ، مثل أمازون (+ 45% ) و فيسبوك ( ( + 60% ونتفليكس ( (+ 46% و آبل ( ( + 31% وزادت ثروة مالكيها جيف بيزوس (أمازون) بأكثر من 30% ، وثروة "مارك زوكربيرغ" (فيسبوك) بأكثر من 46% ، وفقًا للتقرير الذي أعدته مؤسسة "الأمريكيون من أجل العدالة الضريبية" بالتعاون مع "معهد دراسات برامج سياسات عدم المساواة"، الذي أضاف معطيات أخرى، وتحليلات للبيانات التي نشرتها مجلة "فوربس" وأوضحت البيانات أن قيمة سهم شركتَيْ "أمازون"، و "فيسبوك" ارتفعت إلى مستويات تاريخية، خلال الأسبوع الثالث من شهر أيار/مايو 2020.
من ناحية أخرى ، تراجعت ثروات المليارديرات في قطاع السفر أو الفنادق أو البيع بالتجزئة خلال الفترة نفسها، حيث تأثرت هذه القطاعات بشكل مباشر بإجراءات الحجر الصحي والحبس المنزلي، منذ انتشار وباء "كوفيد 19".
تجدر الملاحظة أن هذه الشركات التي ارتفعت قيمة أسهمها وثروات أصحابها، لا تصنع منتجات مفيدة للمجتمع أو للبشرية، أو ضرورية مثل الأغذية أو الأدوية، بل زادت هذه الثروات من خلال المضاربة المالية في أسواق الأسهم، وخلق الفقاعات التي سوف تنفجر يومًا مَا، لأنها ثروة حقيقية، برأس مال افتراضي، وعندما تنتج بعض هذه الشركات سِلَعًا، فليس لمساعدة الإنسانية أو القضاء على الجوع أو الأمراض، بل لاحتكار سلعة أساسية، وللتحكم في عملية العَرْض والطّلب...
استفادت الشركات الكبرى والمصارف من المال العام، عبر ما سميت سياسة التّيْسِير المالي، التي تتمثل في حصول الشركات، من مال ضرائب الأُجَراء والمُستَهْلِكين، على قُروض بدون فائدة أو بنسبة فائدة ضعيفة جدا، واستفادت هذه الشركات من الإعفاء من الضرائب...
إذا كانت أي حكومة عازمة على الحصول على المال لزيادة الميزانية وللإستثمار فيما ينفع الناس (الأغلبية) والإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الأساسية، يمكنها زيادة الضريبة على أرباح الشركات والمصارف والثروات غير المُسْتَثْمَرة في الإقتصاد الحقيقي.
أما بخصوص الوطن العربي، الذي يمتلك الأرقام القياسية كمنطقة أو إقليم جغرافي-سياسي (مقارنة بإفريقيا ما تحت الصحراء الكبرى، أو أمريكا الجنوبية، أو شرق آسيا...) في عدد ونسبة المُعَطّلين عن العمل والفَقْر والأُمِّيّة، فقد نشرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) تقريرًا يُشير إلى أن الأزمة بدأت قبل انتشار الوباء، في العديد من البلدان، وخاصة االمُنْتِجَة والمُصدِّرَة للنفط، وقد يتسبب انتشار وباء كوفيد 19 في خسارة الإقتصاد العربي ما يزيد عن 1,7 مليون وظيفة (من إجمالي 25 مليون وظيفة مفقودة في العالم)، لتتعزّز صفوف ملايين العاطلين العرب، بنحو 1,2%، مع تراجُع دخل الأفراد والأُسَر، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المُصدّرة للنفط، على خلفية تراجع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، ويتميز اقتصاد الدول العربية بالهشاشة، وبارتفاع العاملين في الإقتصاد الموازي، بدون تأمين اجتماعي وصحي، وبدون أي ضمانات أو حُقُوق، بالإضافة إلى قطاع الخَدَمات الذي تعتبره منظمة العمل الدّولية المَصْدَر الرئيسي لفرص العمل في المنطقة العربية، وهو أكثر القطاعات تعرّضًا لآثار التباعد الاجتماعي، ويعسر في الوقت الحالي (أيار/مايو 2020) تقدير عُمْق تأثيرات الوباء والأزمة على مدى بعيد، في الإقتصاد وفي ما يسمى "سوق العمل"...
تسببت أزمة 2008-2009 في زيادة عدد العاطلين عن العمل بمقدار 22 مليون شخص، وقدرت منظمة العمل الدولية أن الأزمة الاقتصادية التي سببها وباء فيروس كورونا يمكن أن تدمر ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، أي أكثر عدد العاطلين عن العمل بسبب أزمة 2008-2009، كما تتوقع منظمة العمل الدولية نمو الوظائف غير المستقرة وغير الثابتة، وبدوام جُزْئي، مع انخفاض الدخل وزيادة تدَهْوُر ظروف عمل غالبية العمال في جميع أنحاء العالم، ووفقاً لمنظمة العمل الدولية ، فإن الأُجراء سوف يخسرون نحو 3,4 تريليون دولار من دَخْلِهم، بنهاية سنة 2020، ما قَد يُؤَدِّي إلى انخفاض استهلاك السلع والخدمات، وتقدر "الإسكوا" (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا - الأمم المتحدة) فقدان الوظائف في الدول العربية بنحو 1,7 مليون وظيفة، ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع حجم الدّيْن العام في العالم بأكثر من عشرة تريليونات دولار، أو بزيادة نسبتها 13% من الناتج الإجمالي العالمي، ويصف أزمة 2020 بأنها "أكبر ركود منذ 1929"، وربما أشدُّ وطأةً، ويتوقع انهيار الناتج الإجمالي العالمي بثلاثة بالمائة سالِبَة ( - 3%) والناتج الإجمالي الأوروبي بنسبة 7,5% سالبة، والناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 6% سالبة تقريبًا، ووفقا لتقرير منظمة العمل الدولية (موقع الأمم المتحدة 29 نيسان/نيسان 2020)، يفقد العُمال وظائفَهم بسرعة غير اعتيادية، ويتعرض حوالي نصف القوى العاملة في العالم لخطر فقدان الدخل، ومن المتوقع أن يصل عدد ساعات العمل المفقودة إلى ما يعادل 305 مليون وظيفة بدوام كامل، وفَقَدَ قرابة 1,6 مليار عامل في الاقتصاد غير الرسمي (الإقتصاد المُوازي) نحو 60% من دخلهم خلال شهر آذار/مارس 2020، ولم يعد مئات الملايين من العمال قادرين على توفير الغذاء لأنفُسِهم ولأسَرِهِمْ، وتصف منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الوضع في البلدان الفقيرة (الناشئة، أو النامية، بتعبير صندوق النقد الدولي) بأنه "كارثي"، مع ارتفاع الدّيْن العام، بنحو 3,4 تريليونات دولارا، بالإضافة إلى تقديم 109 دولة طلب للحصول على قروض طارئة من صندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطًا صارمة للغاية، والتي يمكن أن تؤدي إلى انهيار كارثي لاقتصاد العديد من البلدان، وإفلاسها. لكن الأزمة ليست عامة، ففي سوق المال بنيويورك (وول ستريت)، استفادت شركات "وادي السيليكون"، أي شركات التكنولوجيا الدقيقة، مثل آبل و غوغل و فيسبوك و آمازون، وغيرها، من أزمة كورونا، وزادت ثروة جيف بيزوس، صاحب شركة أمازون (شركة أدانتها محكمة أوروبية لعدم التزامها بمعايير السلامة للموظفين)، بفضل الأزمة الصحية، وبفضل توقعات زيادة المبيعات عن بعد بنسبة 20% سنة 2020، ليبلغ حجم مبيعات شركته (أمازون) 335 مليار دولار، ما يجعل "جيف بيزوس" يكسب 11 ألف دولار في الثانية الواحدة، خلال العام 2020، مُستفيدًا من الوباء، ويُتوقَّعُ أن تزداد أرباح شركات التكنولوجيا الفائقة في السنوات القادمة، بفضل تعميم استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الحياة المدنية: التعليم والتدريب والتّأهيل، والرعاية الصحية، والتّسَوُّق والعمل عن بعد إلخ.
في الولايات المتحدة، أيضًا، استفاد مُجَمّع الصناعات الحَرْبِية (صناعة الموت) من جائحة "كوفيد 19"، وأصبحت شركات تصنيع الأسلحة تُوظف بعض الآلاف من العاطلين عن العمل، فوَظّفت شركة لوكهيد مارتن 2365 شخصًا لتصنيع الصواريخ والأقمار الصناعية والأسلحة النووية، ووظفت مجموعة "رايثيون" نحو أَلْفَيْ عامل، وأعلنت شركة "نورثروب غرومان" توظيف عشرة آلاف شخص، لكن شركة "بوينغ" لصناعة الطائرات أعلنت إلغاء عشرين ألف وظيفة، بسبب منافسة شركات أوروبية (إيرباص) وشركات روسية وصينية، وبسبب تجميد الدّعم الحكومي الأمريكي، بعد صُدُور حُكْمٍ قضائي دولي...
توجد جزيرة "كوبا" "على مَرْمَى حَجَر"، قُبالة سواحل الولايات المتحدة، وتواجه كوبا منذ أكثر من ستين عامًا، حصارًا وحَظْرًا اقتصاديا وتجاريا وسياسيا، ورغم نقص الموارد والحصار، تعتبر الأمم المتحدة أنظمة التعليم والصحة والعمل الإجتماعي والوقاية من الكوارث الطبيعية، في كوبا، هي الأَفْضَل في العالم، وهناك طلبات مرتفعة على الأخصائيين الاجتماعيين والمنقذين والأطباء والمُدَرّبين الكوبِيِّين، من قِبَل عشرات دول العالم، وطلبت دول عديدة دَعْم كوبا، التي أرسلت بعثات طبية، لمكافحة جائحة "كوفيد 19" في أكثر من عشرين دولة، بما في ذلك أغنى البلدان في أوروبا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.
عندما تكون هناك أزمة، توزع المصارف المركزية الأموال العامة (من ضرائب العاملين والمُستهلكين ) على المصارف والشركات الكبيرة، مثل ما حدث خلال الأزمة السابقة، سنة 2008 وما يحدث حاليا، سنة 2020، ولذلك قرر الكونغرس الأمريكي توزيع ثلاثة تريليونات دولار للأغنياء، وقرر "الإحتياطي الفيدرالي" (المصرف المركزي الأمريكي) شراء ديون الشركات بقيمة 7,2 تريليونات دولار، وقرر المصرف المركزي الأوروبي إنفاق 5,5 تريليونات يورو (لغاية نهاية شهر نيسان/ابريل 2020)، لشراء سندات "فاسدة"، ومع ذلك فإن رأس المال جاحد و"ناكر للمعروف"، فخلال احتجاز الفقراء، هرع الأغنياء إلى الجزر المهجورة، التي ارتفع الطلب على شرائها بنسبة فاقت 30% خلال شَهْرَيْ آذار/مارس ونيسان/ابريل 2020، ليتمكن الأثرياء من قضاء فترة الحبس المنزلي (الحَجْر الصحي) في هذه الجزر بطائراتهم الخاصة ويخوتهم، بعيدًا عن المُدُن، حيث ترتفع نسبة احتمال الإصابة بالوباء، ويشتري هؤلاء الأثرياء أقنعة ناعمة ومريحة (تُسَمّى الأقنعة السُّوَيْدِيّة) مقابل ما يصل إلى مائة دولار، للقناع الواحد.
لا تبث وسائل الإعلام الرئيسية هذا النوع من المعلومات، أو لا تُركز على مثل هذه الأخبار بشأن التفاوت الطّبَقِي، حيث إن 90% من وسائط الإعلام الرئيسية المعروفة (وكالات إعلام وشبكات تلفزيون وإذاعة وصُحف) مملوكة لسبعة مليارديرات.
في أسفل السّلّم الإجتماعي، وفي الولايات المتحدة، رأس حربة الرأسمالية والإمبريالية، يفتقد نحو 56 مليون مواطن للتأمين الإجتماعي وللتغطية الصحية، ما يجعلهم مقصِيِّين من منظومة الرّعاية الصحية، فيما بلغ عدد المتعطلين المُعترف بهم 37 مليونا مسجلين في خانة "المستحقين للتعويضات"، يُضاف لهم اثنا عشر مليون مُتعطّل عن العمل، لا يتلقون أي تعويض.
عمومًا، اتّسمت التوقعات بالتشاؤم المُبَرَّر والمُعَلَّل، لكن العاملين والفُقراء يتحمل عِبْءَ النتائج الكارثية لسياسات لم يُقرِّرُوها ولم تقع استشارتُهُم بشأنها قَبْلَ إقرارها وتطبيقها، لأن معظم أجهزة الدولة، في معظم بلدان العالم، تَخْدِمُ مصالح أقلية من الأثرياء، فيما يتحمل العُمال والفقراء نتائجها السّلْبِية، كالصعوبات المالية والبطالة والفقر وتدهور الظروف المعيشية والسكن والعمل وتدهور منظومة الخدمات والتعليم والصحة العمومية ...
على الصعيد العالمي، لا تولي القوة الإمبريالية الأولى (الولايات المتحدة) أي أهمية للوقاية ولا لصحة العمال والفقراء، طالما أن الإنتاج الأساسي (الملوث والذي يتطلب قوة عاملة وفيرة) يأتي من الخارج، من دول فقيرة، واقعة تحت هيمنة الإمبريالية، في معظمها، تنخفض بها أسعار المواد الأولية، والرواتب، وأظهرت هذه القوة الإمبريالية الأولى أنها غير قادرة على السيطرة على جائحة فيروس كورونا، وإن النظام الرأسمالي عاجز عن حماية المجتمع، فهو يحمي الأغنياء من غضب العمال والفقراء، بواسطة قوى الأمن، من شُرْطة ودَرْك وجيش، ومن خلال تهيئة الظروف الهيكلية والاقتصادية والقانونية والمالية والاجتماعية التي تسمح للأغنياء بمراكمة الثروة، إلى أقصى الحدود، وبَيّنت الأزمات المختلفة منذ العام 1929 إلى الأزمة الناتجة عن انتشار وباء كورونا، سنة 2020، أن الدولة في خدمة أقلية ثرية اكتسبت أسباب القُوّة، من خلال مُراكَمة الثروات، ومن خلال حماية أجهزة الدّولة لهذه الثروات ولأصحابها، لذلك، من واجب الأغلبية في كل بلد، وعلى مستوى عالمي، (العاملون والفقراء) أن تحتج على هذا النظام الذي يشجع الاستغلال وسرقة المال والمُمْتلكات العامة، وقمع المتظاهرين، لكن هذا النظام يمتلك الوسائل العسكرية والإعلامية والقانونية والإيديولوجية، لمعارضة أي محاولة للتغيير، ويستخدم القُوة بالتوازي مع الغوغائية (الديماغوجية)، ولا تستنكف الرأسمالية عن تحويل نظام "الديمقراطية" البرجوازية إلى الفاشية، فليست الفاشية سوى وجه آخر من وجوه الرأسمالية، ولهذه الأسباب لا بُدّ للأغلبية من المواطنين المُتضرِّرين من سياسات النظام الرأسمالي إنشاء أدوات (وسائل) فعالة تُمَكِّنُهُم من إحداث تغيير جذري ...
تمتلك الشركات الإحتكارية هوامش كبيرة للمناورة، فهي لا تُطبّق معايير سلامة العمال أو ظروف العمل، ولا رقابة على نشاطها، من ناحية أخرى، يتم تعزيز السيطرة على سكان العالم من خلال جمع واسع النطاق للمعلومات الشخصية. إنها خطوة جديدة نحو أحزاب اليمين المتطرف الفاشية التي تستغل مشاعر الظلم ، لتقديم نفسها كبديل موثوق وناجع، لتعويض الحكومات الحالية، وهي تُشارك في حُكم العديد من الدّول في أوروبا وبعض البلدان الرأسمالية المتقدمة الأخرى.
في صفوف المواطنين، كشف تقرير عن الرأي العام العالمي لسنة 2020 الصادر عن "مختبر إيدلمان" أن 74% من سكان القارات الخمس يعتبرون الرأسمالية نظامًا غير عادل، ويعتبر 56% أن ضَرَرَها أكثر من نَفْعِها، فيما يرى 73% ضرورة تغيير الأنظمة القائمة، ولكن من سيغير النظام وكيف؟
تخضع عملية الانتخابات لقواعد وترتيبات وضعَها الأثرياء، لتكون في صالحهم، أو لكي يتغير النظام في الشكل، من حين لآخر، لتجنب الإنفجارات (تغيير الإلبية البرلمانية من حزب مُحافظ إلى حزب إصلاحي) ولكي لا يتغير النظام في جوهره، وسبقت الإشارة إلى امتلاك الأثرياء وسائل الإعلام ووسائل خَلْق أو تأسيس "رأي عام" موالٍ لهم، لذلك فإن التغيير الجذري (تغيير النظام) لا يمكن أن يتم إلا برَفْض الخُضُوع، وبإعلان وممارسة العصيان، بالوسائل الشعبية الجماهيرية، والتحرر من القواعد التي حددها النظام الرأسمالي (أو الكمبرادوري التابع أو وكيل مصالح الإمبريالية وشركاتها) ويفترض نجاح العصيان أو الثورة، وجود، أو خَلْق وإنشاء وبناء أدوات جديدة وأشكال جديدة من تنظيم النضالات الشعبية، بهدف بناء نظام عالمي جديد غير رأسمالي، يُمَكّنُ من استبدال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بالمِلْكية الإجتماعية لوسائل الإنتاج، ما يُيَسِّرُ عملية استبدال مجتمع الاستهلاك والمنافسة الرأسمالية بمجتمع يطالِب كل فرد منه (من هذا المُجتمع) بتقديم جُهد يتناسب مع قُدُراته وإمكانياته، وبالمُقابل يَمْنَحُ المجتمعُ لكل فرد وفقًا ما يكفي حاجته، المادية (المسكن والمأكل والملبس وغيرها) والمعنوية، من ثقافة وترفيه وغيرها.
لا قيمة للنظرية الثورية إذا لم تكن مرتبطة بالممارسة والعمل السياسي لتغيير العالم. تسمح لنا النظرية بفهم العالم الذي نعيش فيه، وهي أداة تتطور بالممارسة، وبالصعوبات التي نواجهها أثناء محاولات خلق قاعدة شعبية، وتوسيعها، من أجل تغيير العالم.
ترتبط النظرية والتطبيق بالسياق والتاريخ والبيئة الجغرافية والثقافية وما إلى ذلك. في حالتنا العربية، جميع البلدان مستعمرة أو واقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، وبالتالي فإن المسألة الوطنية (القُطْرِية) والمسألة القَوْمية (على نطاق عربي) هي جزء لا يتجزأ من أي مشروع للتحرر في البلدان الواقعة تحت الهيمنة، أو ما سُميت "بلدان الجنوب".
تُشكّل مسألة التّحرر من نير الهيمنة الإمبريالية (وَوُكَلائها المحليين) في الوطن العربي، جُزْءًا من النضال من أجل توحيد مصير الشعوب، ولا نعني بذلك الوحدة التي تُقررها الحكومات أو الأنظمة، بقرار فَوقِي، مَفْرُوض، بل التوحيد الشعبي الذي تفرضه الجماهير، من أجل مصالح الكادحين والفُقراء، ضد مصالح الطبقات أو الفئات الحاكمة، وُكلاء (عُملاء) الإمبريالية، فالشروط الموضوعية متوفِّرَة: التواصل الجغرافي، والتاريخ المُشتَرَك، واللغة ( على الرغم من الاختلافات في اللهجات "المَحْكِيّة"، بمرور الزمن) إلخ. إن طموح الوحدة العربية جُزء من النضال ضد مختلف أشكال الإحتلال والاستعمار والهيمنة الإمبريالية. وتشكل المسألة الوطنية، في البلدان العربية ، موضوعاً تقدمياً يمكن أن يكون خطوة أولى نحو التضامن الدولي والأممية ...
تبدو هذه الإفكار، في الوهلة الأولى "طوباوية" (مثالية)، لأن الإعلام السائد والثقافة السائدة، يُقْصِيانها من الفضاء التّعليمي والإعلامي، والثقافي، ولذلك وجب على المُؤمنين بمثل هذه الآراء والبرامج والأهداف، أن يعملوا على الدّفاع عنها ونَشْرِها وتعميمها، ومن أجل نَشْر هذه الأفكار، لا يجب انتظار الإعلام الرسمي، بل من الضروري خلق مساحات مستقلة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار مع المواطنين حول الوضع الحالي، وبشأن البدائل التي يُمْكن أن تخدم مصالح الأغلبية، بدل ما هو قائم حاليا، في خدمة الأقلية التي تُكدّس الثروات من جُهد وعمل الآخرين، والعمل على خلق وسائل تضامن دولي مع كادحي العالم ومع الشّعُوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد...