الامبريالية الأمريكية رأس حربة الامبريالية العالمية والعدو الأكثر خطورة لشعوب الأرض كافة.


جمال براجع
2020 / 11 / 12 - 20:31     

الامبريالية الأمريكية رأس حربة الامبريالية العالمية والعدو الأكثر خطورة لشعوب الأرض كافة.
هناك قاعدة سياسة عامة وثابتة تتحكم وتوجه السياسة الخارجية الأمريكية ولا يمكن لأي رئيس يصل إلى البيت الأبيض أن يحيد عنها أو يتخطى حدودها المرسومة سواء كان من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي̜ وهما الحزبان المهيمنان على الحياة السياسية الأمريكية.هذه القاعدة تتمحور حول خدمة المصالح الإستراتيجية الأمريكية̜ التي هي ذاتها مصالح الشركات الرأسمالية الأمريكية المتعددة الاستيطان̜ وضمان استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم في كافة المجالات كشرط ضروري لضمان تلك المصالح.
واجتهادات الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تتعدى اختيار وتكييف وسائل وطرق خدمة تلك المصالح وتلك الهيمنة وفق المستجدات والتحولات الدولية في كل مرحلة مرحلة مع مراعاة المصالح المشتركة لباقي الدول الامبريالية المرتبطة بها والخاضعة لقيادتها وفق قواعد تقسيم العمل ومناطق النفوذ في العالم.وبالتالي لا تستطيع تغيير جوهر تلك الاستراتيجية.
فالمتحكم الفعلي في تحديد ورسم الإستراتيجية الخارجية الأمريكية هو المركب المالي العسكري النفطي الاحتكاري الذي يفرض سطوته على الاقتصاد العالمي̜.عكس ما يبدو في الظاهر بكون الرئيس ووزارة الخارجية هما من يرسمان السياسة الخارجية الأمريكية.وهما̜ في الحقيقة̜ لا يقومان سوى بخدمة مصالح وأجندات هدا المركب.لان السياسة في نهاية المطاف هي امتداد للمصالح الاقتصادية.وبالتالي فان رهان البعض على نجاح بايدن في الانتخابات الرئاسية لإحداث تحولات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية بما يخدم السلم والاستقرار العالميين ومصالح الشعوب يبقى مجرد وهم سرعان ما يتبدد أمام الطبيعة الطفيلية الاستعمارية للامبريالية الأمريكية.
فالامبريالية الأمريكية لا يمكن لها أن تضمن استمرار المصالح الإستراتيجية الأمريكية في العالم إلا باستمرار هيمنتها على العالم في كافة المجالات والميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإيديولوجية عبر استمرار تحكمها في:
*سياسيا بواسطة تكريس نفوذها وتأثيرها القوي في صياغة القرارات الدولية أو عرقلتها في هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها̜، وكذا التأثير في سياسات الدول الامبريالية الأخرى (الأوربية واليابان) والدول الخاضعة للحماية الأمريكية في مختلف القارات.
*وعسكريا بواسطة تكريس تفوقها العسكري عبر قوتها العسكرية الهائلة والمتطورة وترسانتها النووية، وتثبيت قواعدها العسكرية الكثيرة المبثوثة عبر العالم̜ وأسطولها العسكري البحري (حاملات الطائرات والغواصات ...) الذي يجوب مختلف المحيطات والبحار مما يمكنها من التحكم في المواقع والممرات الجيواستراتيجية في العالم̜ وسيطرتها على مبيعات الأسلحة على الصعيد العالمي̜ وقيادتها لحلف الناتو ولأحلاف جهوية أخرى̜ وتدخلاتها العسكرية المباشرة في عدة مناطق وخاصة في منطقة الشرق الأوسط كلما أحست بخطر ما يهدد مصالحها الإستراتيجية ومصالح حلفاءها في الخليج و دولة الكيان الصهيوني̜ أو من اجل ترهيب الجميع بالمستوى التكنولوجي المتطور لأسلحتها و تذكيرهم بأحقية قيادتها للعالم.
*اقتصاديا بواسطتها تكريس هيمنة عملتها الدولار في الأسواق العالمية كمرجع معياري وحيد وكعملة أولى في التداول المالي والتجاري (حوالي نصف المبادلات التجارية العالمية تتم بالدولار)̜.وكدا تكريس تحكمها في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية والتي من خلالها تفرض سياساتها الليبرالية على الصعيد العالمي وخصوصا على الدول التابعة من خلال برامج التقويم الهيكلي وتحرير الاقتصاد وإغراقها بالديون التي تستنزف ميزانياتها وتعمق تبعيتها للمراكز الامبريالية̜ دون نسيان استثماراتها المالية الضخمة في الخارج وخاصة في أوربا وتحكمها في اكبر منابع النفط والغاز الطبيعي في العالم(الخليج والعراق)
*ثقافيا وعلميا وأيديولوجيا بواسطة تحكمها في إنتاج الجزء الأعظم من الرموز والصور والأفلام والبرامج الثقافية والفنية والابتكارات والاختراعات العلمية والتقنية في مختلف الميادين وتحكمها في الإعلام وصناعة السينما والفن والمعلوميات (ميكروسوفت..) والانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة مما يمكنها من نشر نمط العيش الأمريكي في العالم والقائم على تقديس الفردانية وقيم الأنانية والاستهلاك المفرط وتمجيد العنف ...
إن الهيمنة الأمريكية على العالم الرأسمالي̜ التي انطلقت مند نهاية الحرب العالمية الثانية̜ ستتكرس̜ بعد انتصارا لولايات المتحدة في الحرب الباردة بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي̜̜ وتحولها إلى قطب وحيد يتزعم العالم في زمن العولمة الرأسمالية المتوحشة.وعليه فإنها تعمل كل ما في وسعها وبجميع الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية للحفاظ على هده الهيمنة بما في دلك التدخل او الغزو العسكري وإثارة الحروب الدينية والاثنية الطائفية ونشر الإرهاب والقيام بالاغتيالات السياسية وتنظيم الانقلابات العسكرية والإطاحة بالأنظمة المعارضة لها ودعم الأنظمة الديكتاتورية وفرض الحصار الاقتصادي على الدول المناهضة أو المنافسة لها ككوبا وفنزويلا وإيران والصين...
إن عدوانية الولايات المتحدة وتهديدها للبشرية وللحياة فوق سطح الأرض ازدادت شراسة مع التحولات التي عرفها العالم مند الأزمة المالية لسنة 2008 والتي أغرقت الاقتصاد الأمريكي خصوصا والرأسمالي عموما في دوامة أزمة عميقة وخانقة ما زالت مستمرة لحد الآن̜ وتعمقت أكثر بسبب تداعيات جائحة كورونا. وأكيد أنها ستزداد شراسة مع عجزها عن تجاوز الأزمة̜ و تنامي نضالات الشعوب والطبقة العاملة والحركات المناهضة للامبريالية عبر العالم ومقاومة الدول الوطنية والتقدمية للهيمنة الامبريالية وخاصة في أمريكا اللاتينية وظهور أقطاب اقتصادية جديدة منافسة مستقلة أصبحت تهدد الهيمنة الأمريكية كالصين وروسيا. فالولايات المتحدة لا تتصور نفسها ووجودها ومستقبلها خارج قيادتها للعالم ومهما كلفها الثمن. أضف إلى ذلك أن الدول الامبريالية الموالية(الأوربية واليابان) والدول التابعة لا يمكن أن تتصور ضمان مصالحها الإستراتيجية خارج الحماية والرعاية الأمريكية في ظل عالم متحول تشتد فيه المنافسة الاقتصادية مع يرافقها من توترات سياسية وعسكرية مهددة̜ وهذا ما سيكرس خضوعها ورضوخها للسياسة الأمريكية وإملاءاتها.
صحيح انه تظهر بين الفينة والأخرى توترات وتناقضات في المعسكر الامبريالي وخاصة بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة كما حدث أثناء رئاسة ترامب عندما تضررت المصالح الأوربية بسبب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.هدا الإلغاء الذي تسبب في خسائر كبيرة للاستثمارات الألمانية والفرنسية بإيران.لكن هده التناقضات تبقى ثانوية وغير مهددة للتماسك الامبريالي في الظروف الراهنة وخاصة مع صعود بايدن إلى البيض الأبيض حيث سيحاول إعادة الدفء للعلاقات الأمريكية الأوربية بعدما تضررت نسبيا في عهد ترامب.
إن الامبريالية الأمريكية هي العدو الرئيسي الأكثر خطورة و شراسة بالنسبة لشعوب العالم نظرا لما تمثله من خطر وتهديد للبشرية جمعاء وللحياة فوق الأرض مما يفرض على القوى اليسارية وفي مقدمتها القوى الماركسية والحركات الاجتماعية المناضلة العمل من اجل بناء أوسع جبهة عمالية وشعبية عالمية مناهضة للامبريالية الأمريكية يتمفصل نضالها مع مقاومة الأنظمة الوطنية والتقدمية للغطرسة والهيمنة الأمريكية وحلفاءها.
إن اعتبار الامبريالية الأمريكية العدو الرئيسي الأكثر خطورة بالنسبة لشعوب الأرض كافة̜ باعتبارها رأس حربة الامبريالية̜ لا يجب أن يطمس خطورة الدول الامبريالية الأخرى بالنسبة للشعوب في عدة مناطق في العالم كما هو الشأن بالنسبة للامبريالية الفرنسية في بلادنا والمنطقة المغاربية وإفريقيا الغربية ودول جنوب الصحراء حيث تفرض نفوذها و هيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية مما يتطلب تنسيق وتوحيد جهود ونضالات مختلف القوى والحركات المناضلة في هده البلدان في أفق بناء جبهة إقليمية مناهضة للامبريالية الفرنسية ستشكل موضوعيا رافدا وجزءا أساسيا من الجبهة العالمية المناهضة للامبريالية.
نستخلص مما سبق أن مواجهة الامبريالية الأمريكية تكتسي طابعا عالميا نظرا لما تشكله نزعتها العسكرية العدوانية من خطورة على شعوب الأرض كافة سواء في دول المركز أو دول المحيط مما يتطلب توحيد وتنسيق نضالات هده الشعوب ضدها لانقاد مستقبلها ومستقبل الكرة الأرضية في تمفصل مع النضال ضد باقي الامبرياليات.