هل تتحول الولايات المتحدة الأمريكية يوما ما الى الإشتراكية؟


رياض حسن محرم
2020 / 11 / 9 - 17:44     

السوفييتى السابق، ويعد ذلك تكريسا للماكارثية فى خمسينات القرن الماضى ( ينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي. كان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، وشمل ذلك عددا من الفنانين على رأسهم شارلى شابلن وايليا كازان، وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس. وأصدر المجلس في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم إليه. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين(.
انتقلت الإشتراكية تاريخيا من مجرد حلم للثوريين وضع خطوطه العريضة "كارل ماركس" فى القرن التاسع عشر، الى حقيقة واقعة فى روسيا فى العقد الثانى من القرن الماضى، وحاليا لم تعد هناك حساسية أن يعلن قادة من الحزب الديموقرطى الأمريكى، "ذلك الحزب الرأسمالى العتيد"، من أمثال (بيرني ساندرز وأليكساندريا أوكاسيو-كورتيز ورشيدة طليب، وأيضا نائبة الرئيس كاميلا هاريس)، بأنهم اشتركيون وينتمى بعضهم الى أقصى اليسار الماركسى، ويكتسبون شعبية طاغية، تلك الحالة التي وُلدت من رحم أزمة 2008، واستمرت في الصعود حتى الآن، ويحقق بعضهم مكاسب انتخابية، حيث يفسرون الإشتراكية "من وجهة نظرهم" بأنها (لا تكمن في أنّها تجعلنا فقراء، بل في أنّها تجعلنا غير أحرار، عندما تعتمد صحّتي وعافيتي على نزواتك، عندما تجبرنا الحاجات الأساسيّة للحياة على الخضوع للسّوق والقبول بالإخضاع في العمل، فإنّ ذلك يعني أنّنا لا نعيش في حرّيّة بل في هيمنة)، ان اشتراكيي الولايات المتحدة اليوم يعلنون الخطوات التّالية: ملكيّة الدّولة لبعض الصّناعات الرئيسية، وحرية تكوين المجالس العماليّة، والتّعاونيّات الاقتصاديّة، وصناديق الثّروة السّياديّة )صناديق الاستثمار المملوكة للدّولة) ... فيما مضى، كانت مثل هذه الأحاديث موضوع خيال علميّ. لكنّها الآن تحصد الأصوات وتحرّك الحملات الانتخابيّة، ان ارهاصات ذلك التحول ظهرت فى شكل حركة "احتلوا وول ستريت" والتى مثلت صدى لثورة 25 يناير واحتلال ميدان التحرير فى مصر، (بالإنجليزية: Occupy Wall Street)‏ هي حركة احتجاجات دعت إلى احتلال وول ستريت شارع المال في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. بدأت المظاهرات عندما نادت بها مجموعات على موقعي الفيسبوك وتويتر، في 15 أكتوبر دُعيَ إلى عولمة المظاهرات لتصبح حدثاً عالمياً يستهدف جميع مدن وبلدان الأرض، مما أدى إلى خروج المظاهرات في أكثر من 1,000 مدينة في 25 دولة تضم بعضاً من أكبر اقتصادات العالم، وتوسعت الحركة لتتحول إلى حركة عالمية).
لقد كانت الحركات العمالية الأمريكية، وبخاصة في المدن الصناعية الكبرى مثل شيكاغو، تحقق كثيرًا من الإنجازات بفضل النقابات القوية، في العشرينيات من القرن الماضى وكانت معدلات أجور العمال الأمريكيين أكبر بكثير من تلك التي في أوروبا، خصوصًا في صناعة السيارات التي كانت ما تزال وليدة وقتها. دعا هذا لأن يكون العمال الأمريكيون، خصوصًا في الصناعات الثقيلة مثل السيارات، أكثر أجرًا من نظرائهم في أوروبا، لكن بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، اتخذت المكارثية السياسية ذريعة للإجهاز على تلك الحركات العمالية والمثقفين اليساريين داخل الولايات المتحدة، وقد أنتج هذا، لنحو 60 عامًا منذ بداية الحرب الباردة، خوفًا لدى الأمريكيين من الاشتراكية، خصوصًا نسختها الأكثر شهرة: «الشيوعية السوفييتية». حتي الأكاديميون اليساريون في الجامعات الأمريكية كانوا خائفين من وصفهم بـ«الماركسيين»، حتى حركة الحقوق المدنية في أمريكا كانت تنأى بنفسها عن الماركسية لتتفادى الاتهامات الموجهة إليها. ورغم أن كثيرًا من أعضاء تلك الحركات الاجتماعية الواسعة كانت لهم خلفيات يسارية، واستطاعوا طرح قضاياهم من مناظير ماركسية، فإنهم لم يعلنوا عن ذلك في كثير من الأحيان، أمثال «لوثر كينغ» و«مالكوم إكس» و"ستوكلى كارمايكل" كانوا يأخذون حذرهم عند وصفهم بالماركسية، رغم أنهم تبنوا أفكار ماركسيين معاصرين مثل «فرانز فانون» الذى حارب فى صفوف الثورة الجزائرية، لكن أمريكا وقتها كانت تعيش عصر العدو السوفييتي، ومنذ الأزمة المالية في 2008، بدأ هذا الوضع يتفكك شيئًا فشيئًا. أصبحت خطابات انعدام العدالة الاقتصادية في الدخل تحظى بأولوية لدى الناخبين الأمريكيين، وأضحى مليارديرات «وول ستريت» في مرمى نيران الطبقة العاملة، التي دفعت من أموالها ضرائب لإنقاذ تلك المؤسسات من الانهيار، تلك الأزمة، التي أبعدت نحو ثلاثة ملايين أمريكي من وظائفهم، أنتجت ركودًا اقتصاديًّا يعتقد اقتصاديون أن العالم لم يتعافَ من آثاره حتى الآن، وأنه المحفز لظهور حراكات احتجاجية واسعة بين الطبقتين الوسطى والعاملة الأمريكية: هؤلاء الذين يدفعون معظم الضرائب، وتستكثر عليهم الحكومة نماذج دولة الرفاه الاجتماعية مثل أوروبا.
لم تطرح «احتلوا وول ستريت» خطابًا يمكن أن يصاغ من خلال مجموعة من القوانين داخل الكونغرس، وكثير من خطاباتها كانت منفرة لعدد كبير من الأمريكان، الذين يمكن أن يظلوا مؤمنين بالحلم الأمريكي، وحتى فى ظروف معدلات عدم المساواة المرتفعة في الولايات المتحدة، ولاشك ان أمريكا من أكبر الدول في معدلات اللامساواة في الدخول.عام 2015، كانت نسبة 1% (الأغنى) تحصل على عائد سنوي يبلغ نحو 25 ضعف الـ99% الباقين، وبعد 2008، خفت الحلم الأمريكي، وأصبحت الأغلبية (التي تتكون من الطبقة العاملة البيضاء والسود وبقية الأقليات العرقية التي تزيد فيها معدلات اللامساواة في الدخول) غير مؤمنة بالخلاص الذي يمكن أن يقدمه الاقتصاد الحر، في وقت قليل، صارت الاشتراكية الديمقراطية الأمريكية قادرة على أن تطرح نفسها كحركةً بإمكانها التنظيم والحشد على مستوى المدن الكبيرة، وبالتالي استهداف القاعدة الكبيرة من العمال الأمريكيين ، وتعمل حركة "الإشتركيين الديموقراطيين" على تقنيات الحملات وحشد كل المؤمنين بالاشتراكية الديمقراطية. دعم هؤلاء كثيرًا من أعضاء الحركة للوصول إلى الكونغرس الفيدرالي أو المجالس التشريعية في الولايات المختلفة. ورغم أنها بدأت نشاطها السياسي الانتخابي في 2016 فقط، بلغ عدد أعضائها في 2018 نحو 50 ألف عضو فعال.
لقد بدأت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الأمريكية تلقى إقبالًا بفضل طلاب الجامعات حديثي التخرج، الذين لم يعد شبح الحرب الباردة يخيفهم. هؤلاء المثقلين بالديون الدراسية، الذين لم يستطيعوا النفاذ إلى الحلم الأمريكي في "مجتمع الواحد في المئة"، واستفادت الحركة أيضًا من المزاج العام الديمقراطي بعد انتخاب دونالد ترامب. ففي ظل الاستقطاب الحاد الذي يعيشه المجتمع الأمريكي مع ترامب، واتجاه الإعلام الليبرالي ناحية اليسار بسبب خطاب الرئيس اليميني، يمكن لهؤلاء أن يجدوا منفذًا جيدًا، كذلك أدى اجتياح فيروس كوفيد 19 لأمريكا الى تعميق أزمة الإقتصاد الأمريكى وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعا، وهناك فارق واضح بين النسخ الأمريكية القديمة من اشتراكيات القرن العشرين، والنسخة الحالية التي هي أقرب إلى نموذج دولة الرفاه الاجتماعية. لكن الحركة تتبنى خطابًا أساسيًّا في الاشتراكية، هو إعادة توزيع الثروة عبر سياسات ضريبية جديدة.
فهل يمكن أن يواصل التيار الإشتركى فى الولايات المتحدة تقدمه، أم يؤدى سقوط ترامب فى الإنتخابات الى التراجع المؤقت لهذا التيار، دعونا ننتظر؟