إفريقيا تقاوم

مصطفى عبد الغني
2020 / 11 / 9 - 12:32     


شهدت عدة دول في القارة الإفريقية حراكًا شعبيًا واسعًا اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية والفساد والعنف واستغلال الحكومات لأزمة جائحة كورونا في فرض مزيد من القمع وتقييد الاحتجاجات.

وشهد العام الحالي تصاعد عدد من الاحتجاجات يقودها شباب القارة الإفريقية مع دعوات على عدة مواقع كان أبرزها دعوات نشطاء نيجيريا على هاشتاج EndSARS# ضد فساد وعنف الشرطة، ودعوات نشطاء الكونغو على هاشتاج CongoIsBleeding# للتوعية بالاستغلال القاتل في مناجم الكونغو لصالح كبرى شركات الإلكترونيات. واستخدم نشطاء زيمبابوي هاشتاج ZimbabweanLivesMatter# للتوعية ضد الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد نتيجة لانتشار وباء كورونا وانتشار الفساد الحكومي والتضييق على الحركات الطلابية. وانتشرت دعوات الناشطات في ناميبيا للتظاهر على هاشتاج ShutItAllDown# في ظلِّ فشل الحكومة في مواجهة العنف المتصاعد ضد النساء.

نيجيريا تقاوم فساد الشرطة
تظاهر العشرات في العاصمة النيجيرية أبوجا احتجاجًا على فساد الشرطة بعد أسابيع من الثلاثاء الدامي، 20 أكتوبر الماضي، والذي قُتِلَ وأُصيبَ فيه العشرات بعد أن فتحت قوات الأمن النار عليهم في مدينة لاجوس النيجيرية.

يذكر أن الحكومة المصرية قد اعتقلت 8 نيجيريين في 18 أكتوبر الماضي بعد تظاهرهم أمام المفوضية العليا النيجيرية تضامنًا مع الحركة في نيجيريا، وسيتم ترحيل 7 من المقبوض عليهم إلى نيجيريا.

كانت الاحتجاجات قد بدأت في نيجيريا منذ عدة أسابيع بعد استجابة الآلاف لدعوة عدد من النشطاء والمشاهير على موقع تويتر تحت هاشتاج EndSARS# للاحتجاج من أجل المطالبة بحلِّ فرقة مكافحة السرقة الخاصة (سارس) التابعة للشرطة بشكل نهائي بعد انتشار مقطع فيديو لعناصر من الفرقة يقومون فيه بالاعتداء على مواطن نيجيري بالضرب حتى الموت.

ونتيجة لضغط الاحتجاجات قامت الحكومة، بناءً على توجيهات رئاسية، بإلغاء الفرقة وإعادة توزيع ضباط الفرقة على جهاز الشرطة.

ولكن ذلك لم يكن كافيًا للمتظاهرين الذين طالبوا بتشكيل لجنة للتحقيق في الشكاوى ضد عمليات الابتزاز والفساد والرشوة الممتدة لسنوات مع المطالبة بصرف تعويضاتٍ لضحايا التصرفات الوحشية الصادرة عن أفراد تلك الفرقة.

وتواجه الفرقة، التي تأسَّسَت عام 1992 بهدف مكافحة السرقة، العديد من الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد والابتزاز وسرقة المواطنين منذ سنوات حيث وثَّقت تقارير منظمة العفو الدولية ما بين عاميّ 2017 وحتى 2020 انتهاكاتٍ صارخة لمواثيق حقوق الإنسان الدولية. وقد واجه المحتجزون على يد الفرقة انتهاكاتٍ جسدية شملت الضرب والاعتداء والخنق باستخدام الحبال والأكياس والإيهام بالغرق، إضافةً إلى الانتهاكات الجنسية. لكن الحكومة النيجيرية اكتفت بحظر وإعادة تشكيل الفرقة عدة مرات مع عدم إجراء أيِّ تحقيقات أو اتِّخاذ إجراءات جادة لوقف تلك الانتهاكات.

ناميبيا تقاوم العنف ضد المرأة
شهدت العاصمة الناميبية ويندهوك تظاهرات بالمئات ضد العنف الجنسي والجسدي الموجه ضد المرأة. ونجحت التظاهرات في إحداث حالة من الركود في المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة وسط دعوات عدد من الناشطات للاستمرار في التظاهر حتى الاستجابة إلى مطالبهن.

كانت الاحتجاجات قد اندلعت في أكتوبر الماضي بعد عثور الشرطة على جثة يُعتَقَد أنها لفتاة في الثانية والعشرين مفقودة منذ أبريل الماضي.

انطلقت المظاهرات بعد يومين في العاصمة الناميبية وعدة مدن أخرى بعد دعوات إلى تنظيم احتجاجات واسعة على مستوى البلاد على موقع تويتر تحت هاشتاج ShutItAllDown# للضغط على القيادة السياسية لاتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تلك الانتهاكات.

وأصدرت الحكومة الناميبية لاحقًا بيانًا أعلنت فيه وعودًا بتشكيل وحدة خاصة للإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي وتخصيص محكمة لتولي تلك القضايا. لكن البيان لم يلق قبولًا وسط المتظاهرات، اللاتي طالبن بتحديد جدول مواعيد تفصيلي لتنفيذ تلك الإجراءات، علاوة على مطالبتهن بإقالة وزيرة الدولة لشئون المساواة بين الجنسين ونائبتها، وتعهَّدهن بعودة المظاهرات في حالة عدم الاستجابة لمطالبهن.

وتشهد الجمهورية الواقعة في جنوب غرب القارة الإفريقية تاريخًا طويلًا من العنف ضد النساء، حيث سجَّلت الشرطة الناميبية في العام الماضي فقط ما يزيد عن 200 حالة شهريًا من العنف المنزلي ضد النساء. وقُتِلَت فتاةٌ تبلغ من العمر 27 عامًا في منطقة أوموساتي في نفس الوقت الذي اندلعت فيه الاحتجاجات.

غينيا تقاوم تمديد الرئاسة
شهدت العاصمة الغينية كوناكري مواجهاتٍ عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن أدَّت إلى مقتل وإصابة العشرات إثر احتجاجاتٍ واسعة على ترشُّح الرئيس الحالي ألفا كوندي لفترة رئاسية ثالثة بالمخالفة للدستور الغيني.

وتسود الأوساط السياسية الغينية حالةٌ من الترقب الحذر بعد إعلان المحكمة الدستورية، أمس الأحد، اعتماد فوز كوندي، البالغ من العمر 82 عامًا، بفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات العامة التي جرت الشهر الماضي. ورفض منافسه سيلو دالين ديالو، رئيس الوزراء السابق، الاعتراف بنتائج الانتخابات بعد اتهاماتٍ بالتزوير على نطاقٍ واسع، ووَصَفَ ترشُّح كوندي بغير الدستوري.

كان ديالو قد أعلن فوزه المبكر بالانتخابات بناء على البيانات الأولية لمراكز الاقتراع، لكن لجنة الانتخابات أعلنت لاحقًا فوز كوندي من الجولة الأولى للانتخابات بإجمالي 60% من الأصوات.

يذكر أن كوندي قد أجرى، في مارس الماضي، بتعديلاتٍ دستورية، أعلن على أثرها ترشحه لفترة رئاسية ثالثة متجاوزًا بذلك الحد الأقصى المسموح للرئاسة وهو فترتين رئاسيتين، مدة كلٍّ منهما 5 سنوات.

يعد كوندي أول رئيس يتم انتخابه بشكل ديمقراطي في عام 2010 للجمهورية الواقعة في غرب إفريقيا منذ الاستقلال عن فرنسا، قبل أن يتم إعادة انتخابه عام 2015 لفترة رئاسية ثانية.

كوت ديفوار تقاوم فترة رئاسية جديدة
شهدت كوت ديفوار مواجهاتٍ عنيفة قُتِلَ على إثرها 30 شخصًا على الأقل خلال الاحتجاجات التي صاحبت الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي.

واعتقلت السلطات الحكومية قائد المعارضة، باسكال أفي نجيسان، والذي شغل منصب رئيس الوزراء من عام 2000 وحتى 2003، واحتجزته في مكانٍ غير معلوم حسب تصريحات زوجته. ويواجه نجيسان وعدة قادة آخرين للمعارضة تهمًا بالإرهاب والتحريض بعد دعوتهم للعصيان المدني ومقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل إعلانهم تشكيل مجلس وطني انتقالي.

وتواجه الجمهورية الواقعة غرب إفريقيا أزمةً سياسية تشبه جارتها الغينية، وذلك بعد فوز الرئيس الحالي الحسن واتارا بفترةٍ رئاسية ثالثة بالمخالفة للدستور الإيفواري الذي يسمح بفترتين رئاسيتين كحد أقصى.

وأعلن واتارا ترشحه لفترةٍ رئاسية ثالثة مدعيًا أن صدور دستور جديد للبلاد في عام 2016 يسمح له بإعادة الترشُّح من جديد.

كان واتارا قد انتُخِبَ رئيسًا للبلاد نهاية عام 2010 في الانتخابات التي اندلعت على إثرها حربٌ أهلية في البلاد بعد رفض الرئيس المنتهية ولايته وقتها لوران غباغبو الاعتراف بالهزيمة والتنازل عن الرئاسة.

الكاميرون تقاوم الحرب الأهلية
تشهد الكاميرون تصاعدًا خطيرًا في وتيرة العنف بعد سلسلةٍ من الهجمات المسلحة التي استهدفت عددًا من المدارس في ظلِّ أزمةٍ تمتد جذورها لعام 2017 وتُعرَف بأزمة المناطق الناطقة بالإنجليزية أو حرب أمبازونيا.

ترجع جذور الأزمة إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث تم تقسيم الأراضي الكاميرونية، الواقعة تحت الاستعمار الألماني، بين فرنسا وبريطانيا. وفي عام 1960 استقل الجزء الذي تسيطر عليه فرنسا من الكاميرون باسم جمهورية الكاميرون، قبل أن يندمج معها الجزء الجنوبي من الكاميرون بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1961 ليتم تشكيل جمهورية الكاميرون الاتحادية.

فشل الرئيس بول بيا الذي يحكم البلاد منذ عام 1982 في التعامل مع الأزمة بعد تزايد نفور سكان الأراضي الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون من الحكومة، ودعا الساسة من تلك المناطق إلى قدر أكبر من اللامركزية وحتى الانفصال.

وفي عام 2017 اندلعت أعمال العنف مما تسبَّب في مقتل حوالي 3 آلاف شخص وأجبر أكثر من نصف مليون شخص على الفرار من منازلهم.

وشهدت الجمهورية الواقعة في غرب وسط إفريقيا احتجاجاتٍ سلمية في سبتمبر الماضي، قابلتها قوات الأمن بالعنف واعتقال مئات المتظاهرين السلميين الذين طالبوا بإصلاحاتٍ في قوانين الانتخابات ووضع حل لأزمة المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية.

يُذكَر أن بيا والملقب بـ”الرئيس الشبح”، نظرًا لندرة ظهوره بشكل علني، يحكم البلاد من سويسرا حيث يقضي معظم شهور السنة في جنيف.

تولَّى بيا، المدعوم من فرنسا، إدارة شئون البلاد في عام 1982 بعد استقالة الرئيس السابق أحمدو أهيجو لظروف صحية، وأُجرِيَت أول انتخابات رئاسية في عهده، بعد إلغاء نظام الحزب الواحد الذي أقره بعد توليه الحكم، في عام 1992، ووُجِّهَت إليه تهمة الاحتيال بسبب الانتصار الكبير الذي حققه، وتمت إعادة انتخابه عدة فترات رئاسية أخرها في 2018 وسط ادعاءاتٍ خطيرة ضده تتهمه بالفساد والغش والجرائم ضد الإنسانية.