ما يطلبه المستمعون


حسن مدن
2020 / 11 / 8 - 13:27     

العنوان أعلاه يحيل إلى فترة زمنية كان الراديو هو الجهاز الأثير لدى الناس، منه يسمعون الأغاني، والأخبار، والمسلسلات الإذاعية. ويذكر المخضرمون من الناس أن علاقتنا بالراديو بدأت بالجهاز الكبير الذي كان يشحن بالبطارية الكبيرة، قبل أن تدخل أجيال الراديو «الترانزستور» صغيرة الحجم، وسهلة النقل، حيث بات بوسع الواحد منا أن يأخذه معه حيث ذهب، حتى لو كان إلى سرير نومه.
من البرامج المحببة للجمهرة الواسعة من الناس كان برنامج المنوعات الشهير «ما يطلبه المستمعون»، فلم تكن بعد قد انتشرت ظاهرة أشرطة الكاسيت، وتالياً أقراص «السي. دي»، وكانت الإذاعة هي الوسيلة التي عبرها يسمع المستمعون أغانيهم المفضلة، حيث كانت دور الإذاعة في مختلف البلدان تستلم مئات الرسائل أسبوعياً التي يختار أصحابها ما يريدون سماعه من أغانٍ، لا بهدف الاستماع الفردي وحده، وإنما أيضاً لإهدائها لمن يحبون من أقارب وأصدقاء.
وكان سعادة كبرى أن يسمع المستمع اسمه يُقرأ على لسان المذيع، أو المذيعة مع ذكر اسم الأغنية والمطرب اللذين اختارهما، ولم تكن متعة من أهديت إليهم هذه الأغاني وهم يسمعون أسماءهم بأقل من متعة من أهداها.
وحين دخل التلفزيون كضيف جميل، مرحب به في البيوت، وصار منافساً قوياً للراديو، حذا القائمون عليه حذو الإذاعات في تقديم مثل هذا البرنامج، ولكن تحت عنوان«ما يطلبه المشاهدون»، حيث استهدف التلفزيون حاسة تلقي أخرى لدى متابعيه، فإذا كان السمع هو حاسة تلقي برامج الإذاعة، فإن التلفزيون أضاف إليها حاسة أخرى هي حاسة النظر، وبالتالي كان المتلقون يسمعون مطربيهم، أو مطرباتهم المفضلين، ويشاهدوهم أيضاً، بدرجة أعلى من المتعة، ولا شك.
لم تكن كل الإذاعات أو محطات التلفزة، في زمنها الأرضي، قبل أن تصبح فضائية، تحذو الحذو نفسه في تقديم برامج «ما يطلبه المستمعون»، أو«ما يطلبه المشاهدون»، وإنما تفضل عليها برنامجاً آخر، مشابهاً في الشكل، مختلفاً في الجوهر، هو برنامج "اخترنا لكم".
في هذا البرنامج انتقل مركز الاختيار من المستمعين أو المشاهدين ليصبح في أيدى القائمين على محطات الإذاعة والتلفزة، الذين يُحكّمون ذائقتهم ومزاجهم في اختيار الأغاني التي على الناس سماعها، وتروى حكايات، ليست من نسج الخيال، عن أن الأمر يتولاه في بعض الأحيان وزراء الإعلام أنفسهم.
أحد الأصدقاء، وبشيء لا يخلو من المكر، قال إن «ما يطلبه المستمعون» ينم عن نوع من الديمقراطية، وإن «اخترنا لكم» ينم عن نوع من الشمولية. والحكم لكم أولاً وآخراً.