مركزية الدولة لا شموليتها


حسن مدن
2020 / 11 / 7 - 13:13     

تطرح أشكال وطرق تصدي الحكومات المختلفة، في مختلف أنحاء العالم، لجائحة كورونا قضية قديمة – جديدة، تتصل بدور الدولة الاجتماعي في رعاية مواطنيها، وحمايتهم من مختلف الأخطار، وتأمين شروط الحياة الإنسانية لهم. حيث كان الكثيرون من المأخوذين بالنظريات النيوليبرالية يروجون لما يمكن وصفه بنهاية دور الدولة في هذا المجال، وبإعطاء الدور الأكبرللقطاع الخاص لإدارة الأمور، وأن يترك لمنطق السوق بأوسع معانيه أن يعود، فمن لا يقوى على المنافسة عليه أن يخرج من هذه السوق، مفسحاً المجال للأقوى من الشركات والأفراد.
أحببنا الصين أو كرهناها، وأحببنا النظم الرأسمالية في الغرب أو كرهناها، علينا الإقرار بأن الأولى أظهرت كفاءة ملحوظة في السيطرة على وباء كوفيد – 19، بسرعة قياسية، رغم أنه اتخذ، بالنسبة لها، طابع المباغتة، لأنه انتشر فيها قبل كل الدول، التي اتيحت لها فرصة الاستعداد المسبق، أو المبكر، للتصدي له، فيما أظهرت الكثير من الدول الغربية فشلها، إن لم نقل عجزها، في احتواء الوباء، على نحو ما رأيناه في إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، وما نراه، في أشدّ الصور تجلياً، في الولايات المتحدة.
وحتى على مستوى الدول النامية، فحيث أظهرت الحكومات يقظة وجاهزية أكثر بدت في حال أفضل في التعامل مع الجائحة، فيما أدى استهتار ولا مبالاة حكومات أخرى، على نحو ما شاهدناه ونشاهده في البرازيل، إلى كوارث، تتمثل في الأعداد المهولة للمصابين بالوباء وللمتوفين بسببه.
السؤال الذي لا مناص من طرحه وبقوة هو: ما هو مستقبل نظريات النظم السياسية بعد الجائحة، بعد أن رأينا نجاح الدول التي تضطلع الدولة فيها بدورها المركزي في تأمين الحدود الضرورية من الحماية الاجتماعية لجميع مواطنيها، وتعثر الدول التي تسود فيها الحال النقيضة؟
ثمة من سيقول إن هذا ينطوي على دعوة لشمولية الدولة ويكتاتوريتها. والرد سيكون هو ضرورة التفريق بين دور الدولة المركزي في الرعاية الاجتماعية، والشمولية السياسية التي تقمع الحريات وتصادر فضاءات المجتمع المدني. أو في صيغة أدق علينا السؤال: لماذا علينا ان نقيم مقايضة بين الحرية والعدالة الاجتماعية؟، أخذاً بعين الاعتبار أن الشمولية ليست قرينة النظم ذات الطبيعة الاشتراكية وحدها كما يُزعم، فما أكثر الدول التي تجمع بين الرأسمالية في الاقتصاد، والشمولية والاستبداد في السياسة.
وحتى في دول رأسمالية عريقة مثل ألمانيا وبعض الدول الإسكندفانية، لم تتنازل فيها الدولة عن جوانب جوهرية في الرعاية الاجتماعية مطبقة بعض أوجه الإشتراكية، بدت الحكومات أكثر كفاءة في التعامل مع الوباء.