شيوعية واحدة, لا شيوعيتان!


طلال الربيعي
2020 / 11 / 6 - 07:47     

بحق, يقول ميشيل هوسون
"باختصار لا يفرض الاقتصاد السائد سيطرته بسبب معارفه الخاصة به، بل حسب ميزان قوى إيديولوجي و سياسي أعم."
-ماركس وأزمة الرأسمالية الراهنة-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=587908

ونحن نعلم إن اغلب الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد هم من فرسان الرأسمالية, مثل ميلتون فريدمان الذي اشترك مع المخابرات الامريكية في تطبيق اول تجرِبة نيوليبرالية في العالم تجسدت بالانقلاب على الرئيس الشرعي الاشتراكي في شيلي الطبيب سلفادور الليندي وفرض نظام فاشي بقيادة بينوشيه الذي ادى الى قتل وموت افضل بنات وابناء شيلي, و بضمنهم اعظم مبدعي العالم, مثل الشيوعيين, الشاعر بابلو نيرودا, والموسيقي والمطرب فيكتور جارا.

وفريدمان هو عرّاب حاكم العراق المدني بعد الاحتلال, بول بريمر, حيث طبق المحتل تجربته النيوليبرالية في العراق وخلق نظام لا يقل فاشية عن فاشية بينوشيه, ان لم يتفوق.

ويضيف هوسون
"لكن ما يطبع تاريخ الرأسمالية من أزمات دورية لا يعني بأي وجه أنها تتجه حتما صوب انهيار نهائي."
والاستنتاج الأوحد هنا هو ضرورة توحيد جهود منتجي فائض القيمة, العمل الحي, في عملية النضال من اجل الإطاحة برأس المال. ومنتجو فائض القيمة هم عمال و تحولهم الى بروليتاريا بشكل متسع ومضطرد ضرورة لا غنى عنها لإسقاط النظام الرأسمالي. لكن إسقاط النظام الرأسمالي قد ينجح في دولة ما و استمرار وجوده سيكون أمرا مشكوكا فيه اذا لم يقترن بتفعيل شعار
"يا عمال العالم اتحدوا"!
وكذلك بخلق حزب طليعي-ثوري= لينيني, أي حزب لا يهادن الرأسمالية بحجة, مثلا, مقتضيات العصر (عذر اقبح من ذنب) او ديموقراطية توافقية, ككذبة العصر (ديكتاتورية الكومبرادورية), كما في حالة حزب شيوعيي سلطة رأس المال التابع في العراق الذي يكرس سلطة الرأسمالية وبأحط وأحقر أنواعها. فحزب شيوعي كهذا هو حزب معولم رأسماليا ويسلك كأطروحة نقيض لحزب الأممية البروليتارية المنشودة.

إن اعتقاد بعض الشيوعيين بحتمية انهيار الرأسمالية وبتحقق الاشتراكية-الشيوعية أوتوماتيكيا هو خداع للنفس ولا علاقة له لا بديالكتيك ماركس ولا بديالكتيك هيغل. وهو اعتقاد نفيض للديالكتيك, باستثناء لربما ديالكتيك فيخته!

شيوعيو الحتمية هم شيوعيون ميكانيكيون, وبالتالي فانهم ليسوا شيوعيين, لكون الماركسية نظرية ديالكتيكية, وليست ميكانيكية. انهم يؤمنون بميكانيكية نيوتونية (نسبة الى نيوتن) وحتمية قوانينه- وان كان ذلك بشكل اصطفائي قسري لاهمالهم المطلق لقانونه الأول في القصور الذاتي, وعلى عكس الشيوعية اللاحتمية التي تقتضى إدخال عنصر منتجي فائض القيمة في تحقق الشيوعية. شيوعية نيوتن الحتمية هي شيوعية رجعية. اما الشيوعية اللاحتمية, كلاحتمية هايزنبرغ في علم فيزياء الكم, هي شيوعية ثورية. الشيوعية الأولى تنتج خطاب الموت لأنها تمثل العمل الميت. الشيوعية الثورية تنتج خطاب الحياة لأنها تمثل العمل الحي. عمل منتجي فائض القيمة. وكما تذكر المقالة
“Capital is dead labor, which, vampire-like, lives only by sucking living labor, and lives the
more, the more labor it sucks,” claimed Karl Marx in Capital

The Zombies of Karl Marx: Horror in Capitalism’s Wake
https://lithub.com/the-zombies-of-karl-marx-horror-in-capitalisms-wake/

إن نضال منتجي فائض القيمة هو امر حاسم في تحول احتمالية الشيوعية الى واقع. وهذا أمر منسجم أيضا مع فيزياء الكم, حيث ان فعل المشاهد يحيل الموجة الى جسيم ذري.
as if the fact of observation...collapses the wave --------function-------- and the experiment subject behaves as a particle
Quantum Physics in 5 Minutes – for Dummies
https://obe4u.com/quantum-physics/

لذا حان الوقت للتخلي عن استعمال مصطلح "الشيوعية" لتشير الى الشيوعيتين: شيوعية العمل الميت--------- شيوعية رجعية (وهي في حقيقة الأمر لاشيوعية) ب(لا)ماركسية ميكانيكية, من جهة, وكنقيض لشيوعية العمل الحي, شيوعية ثورية بماركسية (ديالكتيكية), من جهة أخرى.

و اني اتفق مع تمييز هوسون بين الاقتصاد الماركسي والاقتصاد البرجوازي. فليس هنالك من علم اقتصاد محايد كما يوحي لنا البعض. إن الزعم بوجود اقتصاد محايد يتسامى فوق الطبقات, كصنو للعلم الطبيعي, هو كمن يدس السم في العسل, وعلمهم هو علم العمل الميت, وليس العمل الحي, ولذا يحيلون البشر, وخصوصا الشيوعيين منهم, بفاشية لا مثيل لها وتتبرقع ببرقع الليبيرالية الناعم كنعومة الأفعى الملساء , الى شيئ,

وفي مدونة ZZ, يعري الصديق البروفسور Gabriel Rockhill
أكذوبة إن الليبرالية عدوة الفاشية, ويؤكد ان الاتحاد السوفيتي والمقاومة الشيوعية تحملا العبء الأكبر في دحر الفاشية.
Setting the Record Straight
https://zzs-blg.blogspot.com/?fbclid=IwAR1WrpxI_-m6njTLuNzqk5tkj_oaPF2hTgZnTkPJlArh9A8jhxm1UwpejRk

وانسجاما مع تشيئ الرأسالمية للبشر. فاقتصاديو العمل الميت يحيلوننا الى جماد, يقلتوننا, او في احسن الأحوال, اذا حالفنا الحظ, وهو امر لسوء حظنا نادر الحدوث, فانهم يحيلوننا, نحن الشيوعيين, الى كائنات حية (قرود, عقارب, أفاعي او كل ما يتضمنه ال animal taxonomy!؟) او بشرا فاقدي العقول ينبغي حجزهم في مصح عقلي, ومرددون اصداء ميشيل فوكو في استخدم عصر الحداثة للمصح العقلي كنظام للعقوبة والتأديب.
Caring potentials in the shadows of power, correction, and discipline—Forensic psychiatric care in the light of the work of Michel Foucault
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4552868/

نحن, الشيوعيون, هم بتهموننا, عديمو الأدب وفاقدو العقل (ممنوع الضحك لأنهم يتكلمون بجدية نتعرف عليها رغم الرقمية من خلال شحوب وجوههم وكأنها وجوه الموتى او من اصابهم هلع Kierkegaard كما وصفه في كتابه
Fear and Trembling
Kierkegaard as psychologist
https://library.oapen.org/bitstream/id/01f7c50b-424b-46f9-b2be-aa1476a4345a/1005247.pdf
وذلك لأننا نشكك في الرأسمالية, وفي طبيعتها الأزلية كأزلية القوانين الطبيعية التي رفعها سبينوزا وهيغل, وآينشتاين كذلك, الى مصاف الرب ليطرد الله الإبراهيمي شر طردة ويحيله كعجوز بائس على التقاعد ليقضي وقته في معاناة كمعاناة سيزيف الأزلية, ويتحسر ويندم على إخراجه -الجني من القمقم!-, على خلقه البشر او طردهم من جنته, بشر على الأقل من هم بشاكلة هيغل و .Co من ناكري الجميل. بل إن شقاء الله سيكون حتى اعظم من شقاء سيزيف والعلاج النفسي الوجودي à la Camus لن يقدم له أدنى عزاء.
The Absurd Sensibility of Existential Psychotherapy: Clinical Application of Survivors Experience of Treblinka and Other Death Camps
https://link.springer.com/article/10.1023/A:1025660127961

وهنالك دروس للتعرف على الشيوعيين في اماكن العبادة, لذا احذر زيارتها!
3 Ways to Spot a Communist in Your Church
And more importantly, how to stop them ruining it!
https://medium.com/koinonia/3-ways-to-spot-a-communist-in-your-church-fb2992ec2f44

كيف نجروء, نحن الشيوعيون, على تحدي نواميس الكون وأقدس اقداس الرأسمالية, الملكية الخاصة. إننا, هم يعتقدون, سنسلبهم بيوتهم وسجاجيدهم وسياراتهم وعجلاتهم النارية والهوائية وكل مقتنياتهم الشخصية الأغلى عليهم حتى من حياتهم ولا يمتلكون معنى للوجود بدونها. الشيوعيون هم برابرة العصر في واقع الحال وينبغي إيداعهم المصحات العقلية اذا استحال ايداعهم السجون دون التخلي عن ورقة التوت التي تستر عورة ليبراليتهم العتيدة.

اننا نرفع الشعار
"من كل حسب طافته ولكل حسب حاجته"!
وبعرفهم إن من يرفع شعارا كهذا هو إنسان مخبول, او لا إنسان وحتى ليس بمنزلة حيوان.
ونحن نرد عليهم, اذا كانوا يؤمنون بالأخلاق, باقتباس فيلسوف الأخلاق الامريكي Eric Hoffer بقوله
You can never get enough of what you don’t really need
https://www.facebook.com/theexistentialpage/photos/a.2661884904052005/2716315001942328/
والاسم الآخر لما يصفه هوفر هو العصاب كتعبير عن الرغبة الرأسمالية (الحلم الأمريكي) التي أبدا لا يمكن إشباعها بعرف التحليل للنفسي, وفائض المتعة هو الم, او على حد تعبير المحلل النفسي لاكان Jouissance
What Does Lacan Say About… Jouissance?
https://www.lacanonline.com/2015/07/what-does-lacan-say-about-jouissance/
وما يديم الرأسمالية هو عصاب بدلالة تفشي عواقبه في تفاقم وبائي عالميا لمرض الكآبة الى اكثر من عشرة أضعافه الآن مقارنة بنهاية الحرب العالمية الثانية بالرغم من التطور الهائل في الطب النفسي في مجال العقاقير والعلاج والتأهيل النفسي.

والشعار المعاكس -من كل حسب (عدم) طاقته ولكل حسب (عدم) حاجته- سيكون لا معنى له بالمرة, إن لم يكن دعوة صريحة الى فساد أخلاقي وإباحية داعرة وإملاق روحي ووصفة جاهزة للتسبب في المزيد من الشقاء للبشر.

وخطيأتنا (الأزلية) اننا نفكر ونشكك, عملا بمقولة رائد العلم الحديث, رينيه ديكارت, وفي التشكيك كصنو للتفكير: "إني افكر إذن انا موجود"! او عملا بمقولة الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر في إن خيارنا بحدد وجودنا وان الحرية مصير البشر. لذا إن تحرير الإنسان من الملكية الخاصة وتحقق شيوعيتها أمر لا غنى عنه لتحقق حرية الإنسان.