توماس مور (1478 – 1535)


غازي الصوراني
2020 / 11 / 5 - 20:04     



فيلسوف عقلاني إنساني، ومناضل سياسي بريطاني، عُرِفَ بدفاعه عن الفقراء ومواقفه ضد الإستغلال الرأسمالي في بداية عصر النهضة، وهو من أبرز المفكرين الإصلاحيين الذين انتقدوا بشدة مظاهر الفقر الشديد في بريطانيا مطالباً بإلغاء الملكية الخاصة باعتبارها أهم أسباب الشرور الإنسانية، وهو صاحب كتاب "المدينة الفاضلة" أو "اليوتوبيا" الذي كان الأساس الأول في إطلاق تسمية الاشتراكية الطوباوية"([1]).
تربي في أسرة بورجوازية وشغل فيما بين عام 1529 وعام 1532 منصباً هاماً – هو منصب حامل أختام الملك، وقد وصف مور في كتابه "رحلة في المدينة الفاضلة (اليوتوبيا([2]))" محاسن وميزات مجتمع المساواة القائم على الملكية الجماعية العامة، كما وصف بشاعة النظام القائم على الملكية الخاصة والإستغلال، منتقداً بقوة كافة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إنجلترا في تلك المرحلة، وحتى نهاية القرن الثامن عشر ظل هذا الكتاب أهم مؤلف في الفكر الاشتراكي.
في كتابه "اليوتوبيا" قدم توماس مور أول عرض منهجي لفكرة الاشتراكية الطوباوية أو كما أطلق عليها عملية تشريك الإنتاج ورَبَطْها بفكرة إيجاد تنظيم شيوعي للعمل والتوزيع، مؤكداً على أن الأسرة هي الوحدة الاقتصادية الرئيسية في دولة اليوتوبيا المثالية الحرة، كما يقوم الإنتاج على أساس الحرف، ويعيش سكان اليوتوبيا تحت إدارة ديمقراطية ويتمتعون بمساواة في العمل ويتحررون من التطاحن بين المدينة والريف، أو بين العمل الذهني والبدني، ويعمل الناس ست ساعات في اليوم ويكرسون باقي الوقت للعلم والفنون، حيث عوّل توماس مور على الأهمية الكبرى للتطور الشامل للفرد، وعلى دمج التربية النظرية في العمل.
هذه الأفكار شكلت العنصر الأساسي في وجهة النظر الاشتراكية في التربية في كتابه "اليوتوبيا"، إلا أن "مور" على الرغم من أنه لم يفهم -في زمانه- أن تحقيق المَثَل الأعلى الاشتراكي يقتضي تطوراً اقتصادياً وتكنولوجياً عالياً، فقد كان إنساناً عظيماً بدفاعه عن الفقراء ومطالبته لمجتمع المساواة والعدل في ظروف قاسية.
ونتيجة لرفض توماس مور نظام الإستغلال القائم على الملكية الخاصة، ورفضه الجمع بين الدين والدولة، ورفضه الاعتراف بالملك رئيساً للكنيسة في بريطانيا، فقد أعدم بفصل رأسه عن جسده بتاريخ 6 يوليو 1535.
"توماس مور الذي كان قاضي القضاة عند هنري الثامن، ولكن بسبب إيمانه التام بمبادئه فإنَّه يضطر لأن يتنازل عن كل المجد الذي حَصَل عليه، بل ويقبل أن يُحْكَم عليه بالإعدام بالسيف؛ فقط لأنه رفض الاعتراف بزواج الملك من آن بولين دون الرجوع إلى الكنيسة الكاثوليكية بروما.
لم يستطع توماس مور -رغم كل محاولاته- أن ينقذ نفسه من الموت دون أن يحتاج أن يضحي بمبادئه التي هي جوهر إنسانيته.
لكن توماس مور، رفض أن يكون كائنا تاريخيا؛ فتمرَّد على كل الدعوات من زوجته وابنته والمخلصين له بأن يعطي الملك ما يريد، واختار مصيره بنفسه ليكون هو توماس مور لا شخصًا آخر مُستلبا لجهة ما؛ فنجح بذلك في أن يحول عدمية الواقع الذي يسير نحو اللامعنى؛ ويجعلها عدمية لغوية مؤقتة داخل الوعي الذي يسعى إلى إعادة توليد نفسه من جديد، في ظلِّ حقيقة جديدة تحقق للإنسان السلام الذي يحتاج إليه"([3]).
 


([1]) م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 508
([2]) اليوتوبيا معناها الحرفي المكان الذي لا وجود له (الخيالي).
[3] موقع: مجلة شرق غرب – شخصيات فلسفية: جياني فاتيمو – الانترنت – 15/7/2015.