انتشار الوباء، بين الوهم والحقيقة


جاسم ألصفار
2020 / 11 / 5 - 18:40     

د. جاسم الصفار
05-11-2020
ما يزال العالم منشغل بموضوع فيروس الكورونا، خاصة بعد ارتفاع عدد الإصابات في العالم. ومع أن ما كتب عنه في الصحافة العالمية والعراقية ليس قليل، الا أن الأبحاث والدراسات بهذا الشأن لم تتوقف ولم تكف عن اثارة اهتمام المتابعين بكل جديد عن الوباء واسبابه وطرق انتشاره، ومدى انسجام المكتشفات الجديدة مع معارفنا التقليدية في أسس التلوث البيولوجي وعلم الأوبئة.
وتبعا لذلك، أجد نفسي مضطرا لتعريف القارئ بأن مساهمتي في تناول هذا الموضوع تستند الى خبرة 12 عام قضيتها في تدريس مادة "التلوث البيئي"، خمسة منها في الجامعات الليبية وسبعة أعوام في جامعة واسط. وعليه فاني سأتجنب في مقالتي المتواضعة التي بين ايديكم، التطرق للخصائص البيولوجية لفيروس الكورونا، تاركا ذلك لمتخصصين في هذا المجال، وسأهتم حصرا في موضوع سبل انتشار الوباء.
في ظل ظروف بيئية مواتية (درجة الحرارة المثلى، الرطوبة) يظل الفيروس نشطًا لمدة 5-6 ساعات في المتوسط، بحد أقصى يومين، خارج جسم الإنسان. وعموما فان الظروف "الجافة" أقل ملاءمة لبقائه. وتجدر الإشارة الى أن طرق انتقال الفيروس التاجي (فيروس الكورونا) المعروفة اليوم، تنقسم إلى مجموعتين. التماس المباشر، عندما يكون الشخص السليم على اتصال مباشر مع شخص مريض، سواء بالمصافحة أو التقبيل أو الاحتضان. وعدم التماس المباشر، عند حدوث العدوى دون اتصال مباشر، وذلك اما عن طريق الهواء أو من خلال لمس أسطح الأشياء أو المواد المشتركة الاستخدام او بطرق أخرى سنأتي على ذكرها هنا.
يرجح مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، الاتصال الشخصي كطريق رئيسي لانتقال الفيروس. فعندما يسعل شخص مصاب أو يعطس دون التستر بيده أو بكمامة، فإنه يطلق ملايين القطرات المحملة بأجسام الفيروس في الهواء. تصل هذه القطرات إلى الجهاز التنفسي أو تسقط على أعين أو جلد القريبين منه أو تعلق في ملابسهم. كما أنها قد تسقط على أسطح المواد والادوات، كمقابض الأبواب أو مساند السلالم أو الأجهزة الذكية أو المكاتب وغيرها.
وهنا لابد من الإشارة الى أن الهواء كوسط انتقال للفيروس بعد انطلاقه من فم أو أنف المصاب في الجو عن طريق الرذاذ (قطرات أو فقاعات مائية) أو مع غبار الهواء، سابحا فيه لمسافات محدودة، تعتمد في بعدها على حجم قطرات الرذاذ أو سرعة الغبار. فان كان حجم قطرات الرذاذ كبيرا وسرعة حركة الغبار قليلة فان المسافة التي سيقطعها الفيروس في الجو تكون قليلة. وفي حالة أن يكون حجم قطرات الرذاذ صغيرة فإنها قد تندفع لمسافة أطول ولكنها سرعان ما تجف، ان لم تستقر على اسطح قريبة، ويشار الى ان الانتقال بواسطة الغبار الجوي ليست فعالة في نقل العدوى لأن الغبار عادة ما يكون جافا مما يؤدي الى جفاف الفيروس وموته.
عند انتقال الفيروس، بالطريقة المذكورة الى أسطح الأشياء، فانه يمكث عليها قادرا على نقل العدوى، لمدة تعتمد على نوع الاسطح ومواصفاتها، كدرجة حرارتها ومستوى رطوبتها، فالفيروس لا يبقى على قيد الحياة على الاسطح الجافة (يموت في غضون 2-4 ساعات) او الساخنة، أعلى من 60 درجة مئوية (لا يعيش فيها أكثر من ساعة واحدة). كما انه يعيش فترة أقل على الأسطح المصقولة الملساء مثل المعدن، بينما يبقى على الورق المقوى والورق المسامي لفترة أطول قليلاً. وعند سقوط الفيروس على جلد الانسان فانه يمكن أن يبقى فعالا لمدة تصل الى تسع ساعات. وهذا ما يزيد من خطر انتقال العدوى عن طريق اللمس أو المصافحة أو الاحتضان.
خلص الباحثون الروس الى إمكانية انتقال الفيروس عن طريق الطعام عند تناول الخضروات واللحوم والأسماك الملوثة دون معالجتها حرارياً. الا ان خطر الإصابة بالعدوى عند وصول تلك الأطعمة الى المعدة يبقى محدودا. فوفقا لنتائج أبحاث نشرها باحثون من شنغهاي عن إمكانية بقاء الفيروس فعالا في الوسط الحامضي، أثبتوا فيها أن الفيروس لا يستطيع أن يبقى مستقرا أكثر من ساعة في وسط حامضي مشابه للوسط الحامضي في معدة الانسان (الرقم الهيدروجيني = 2.2). وهذا يدفعنا لأن نستنتج بأن احتمال خروج الفيروس فعالا مع براز الانسان المصاب ضئيلا جدا.
بالنسبة لوجود الفيروس في الماء واحتمالات انتشاره بواسطته، فمن حيث المبدأ، تظل حياة الفيروس التاجي في الماء هي نفسها على الأسطح الصلبة، ما لم يتعرض لظروف غير ملائمة، كأشعة الشمس أو ارتفاع درجة حرارة الماء أو أن يتعرض لإضافات كيميائية مدمرة. وهو لا يستطيع العيش الا لفترة قصيرة جدًا في المسطحات المائية المفتوحة، حيث يتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية ويتلف. كما أن المياه الجارية تبقى بيئة غير ملائمة لتكاثر الفيروس. وتجدر الإشارة الى ان الفيروس لا ينتقل مع مياه الشرب المعالجة.
وخلاف ما هو شائع عن تأثير الأملاح على الكائنات الدقيقة، فإن السائل المالح لا يقتل الفيروس. لذا، فإن الشطف بمحلول ملحي يعطي تأثيرًا مضادًا للبكتيريا وترطيبًا للحلق المتهيج، ولكنه لا يقضي على الجزيئات الفيروسية. فلتدمير العامل الممرض من الضروري إتلاف الغشاء المحتوي على الدهون أو مستقبلات البروتين، والملح لا يمتلك مثل هذه الخصائص. الا انه سيكون من الصعب على الفيروسات البقاء على قيد الحياة في البيئة البحرية لمدة طويلة. حيث تضيء الشمس المسطحات المائية المفتوحة جيدًا، والأشعة فوق البنفسجية لها تأثير مدمر على الفيروس.
ولتبديد أوهام وافتراضات جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي حول انتشار الفيروس، عدا تلك التي ذكرتها أعلاه، يمكن الإشارة الى افتراض يستمد معلوماته من خبر اشيع عن امرأة نقلت العدوى الى طفلها الرضيع عن طريق الرضاعة، ليتبين فيما بعد أن الفيروس انتقل الى الرضيع عن طريق انفاس والدته المصابة بالعدوى.
اما بخصوص إمكانية انتقال العدوى عن طريق عينات الدم. فمن المعروف ان امراض كثيرة لا حصر لها يمكن ان تنتقل عن طريق الدم، الا ان فيروس الكورونا، لحسن الحظ، ليس من بين تلك الامراض. ولم يتم الإبلاغ عن أي حالات إصابة بفيروس كورونا عن طريق نقل الدم. وبالعكس، يعلق الباحثون والأطباء آمالهم على استخدام البلازما من مرضى الفيروس التاجي الباقين على قيد الحياة لعلاج مرضى جدد.