دور النقابات العمالية في القضايا المطلبية


سلامه ابو زعيتر
2020 / 11 / 4 - 08:56     

مقدمة:
تشغل النقابات العمالية العديد من المهام والوظائف والأدوار لحماية مصالح العمال وصون حقوقهم، ويعتبر دورها في النضال المطلبي حجر الأساس، وأحد أهم مبررات وجودها لما تشكل من قوة اجتماعية فاعلة ومؤثرة في المجتمع، وتعد النقابات من أكبر مؤسسات المجتمع المدني بما تقوم به من عمل تطوعي، وبما تمثل من قواعد وجماهير عمالية عريضة، وسعة انتشار على الارض بدورها النضالي والمطلبي الهادف لتحسين ظروف وشروط العمل، وبهدف النهوض بواقع العمال، وحفظ كرامتهم، وصولا للعمل اللائق، وعرفّت النقابات العمالية بدورها الثوري وقدرتها على التغيير والتأثير في كل المستويات عبر التاريخ، فهي تستمد النقابات قوتها من قواعدها العمال، وشرعية وعدالة مطالبها، وتماسكها وصلابتها وتمترسها حول حقوق العمال.
هدف ورقة العمل:
تهدف هذه الورقة لاستعراض دور النقابات العمالية الفلسطينية في النضال النقابي، والتعرف على طبيعة الملفات المطلبية النقابية العمالية، والوقوف على بعض التجارب في النضال المطلبي العمالي، وأبرز التحديات والمعيقات، وتقديم تصور مقترح لتطوير دور النقابات العمالية الفلسطيني في القضايا المطلبية، وذلك بالإجابة على التساؤلات التالية:
- ما دور النقابات العمالية الفلسطينية في النضال النقابي؟
- ما هي الملفات النقابية العمالية المطلبية؟ وهل حققت التجربة الفلسطينية إنجازات في النضال النقابي؟
- ما هي أبرز التحديات والمعيقات التي تواجه النقابات العمالية في النضال النقابي؟
- ما التصور المقترح لتطوير عمل النقابات العمالية؟
تَعرّف النقابات العمالية الفلسطينية بلأنها تنظيم نقابي عمالي تطوعي جماهيري ديمقراطي مستقل يٌمثل العمال، ويسعى لتحقيق الكرامة والعمل اللائق لهم، عبر النضالات النقابية والمطلبية، وفق خطة واستراتيجية وتكتيكات تقوم على حماية مصالح العمال وصون حقوقهم، والنهوض بواقعهم نحو الأفضل.
أولا/ دور النقابات العمالية النضالي المطلبي:
تلعب النقابات العمالية الفلسطينية دوراً مركباً في نضالها النقابي والوطني في الواقع الفلسطيني وذلك لخصوصيته الوطنية، بالإضافة لدورها النضالي المطلبي العمالي، فهي جزء أصيل من النضال الوطني وحالة التحرر، وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس...
إن النضال النقابي المطلبي العمالي يقوم على تبني قضايا العمال وطالبهم ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، والقانوني...، والنضال في تطوير السياسات الاجتماعي من خلال حصر المشاكل والقضايا والملفات ذات الاولويات النقابية والنضالية التي تعبر عن هموم واحتياجات ومتطلبات العمال، وخوض النضالات النقابية المطلبية لتحقيق العدالة والحماية الاجتماعية والاستقرار والأمان الوظيفي والاستقرار للعمال، ويتحقق ذلك بخوض المعارك والنضالات النقابية، وحملات الضغط والمناصرة، وتشكيل التحالفات، وقيادة الفعاليات بمهنية، وتنظيم الأنشطة والبرامج، وتشكيل رأي عام وتوظيف الاعلام ووسائل الاتصال الحديثة بما يحقق الهدف ضمن الخطة والاستراتيجيات النقابية والعمالية.
يمكن تلخيص التجربة النقابية الفلسطينية باستعراض بعض القضايا المطلبية والنضالية التي خاضتها النقابات العمالية والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والاتحادات النقابية، على سبيل المثال لا الحصر وهي التالية:
- النضال النقابي الاقتصادي يعتمد على الملف الاقتصادي التي تعده النقابة، حيث تعد القضايا ذات البعد الاقتصادي أولوية نضالية وعمالية، لارتباطها بتحسين الدخل والأجور، وتوفير متطلبات والاسرة واحتياجاتها المعيشية بما يضمن حياة كريمة ومناسبة للعامل وأسرته، وقد خاضت النقابات نضالات لتحسين الأجور وضمانتها وزيادتها، وإقرار الحد الأدنى للأجور وتعديلاته، والمطالبة بتطبيقه وربطه بغلاء المعيشة وطالبت بتعديله ليكون 2450 شيقل على من مستوى خط الفقر حتى يكفل الحد الأدنى من الحياة الكريمة، والتوزيع العادل للدخل، وتطوير السياسات الاقتصادية بما يعود بالمنفعة على الحركة النقابية والعمالية ...الخ، وتسعى النقابات دائما لتحديث الملف الاقتصادي للوقوف على البيانات والاحصائيات والمعلومات بما يخدم نضالات العمال ومواكبة التطورات والمتغيرات وانعكاساتها على واقع العمال.
- النضال النقابي الاجتماعي ويتضمن القضايا الاجتماعية والاولويات لاستقرار العمال في علاقاتهم الاجتماعية والاسرية وعلاقات العمل والبيئة المحيطة حيث تناضل النقابات العمالية من اجل الحفاظ على الانسان العامل، حيث يعيش في وسط اجتماعي يحتاج دائما للحفاظ على استقراره، وحفظ التوازن في التفاعلات والعلاقات الاجتماعية والاسرية وعلاقات العمل وخاصة فيما يتعلق بالعمل اللائق والكريم بما لذلك من أثر على العملية الإنتاجية والعلاقات بين العمال انفسهم، ومع نقابتهم، وعلاقتهم بالمشغلين، فالنقابات الفلسطينية دائما تتابع هموم العمال ومشاكلهم وبيئة العمل وسبل الوقاية والسلامة والمهنية والصحية ومتابعة إجراءات وظروف العمل، وتحدد القضايا المطلبية، وتقوم بصياغتها ضمن برامج لتطوير السياسات العمالية والاجتماعية، سواء في سوق العمل المحلي أو داخل سوق العمل في الخط الأخضر، وحيث يتواجد العمال بما يحمي مصالح ويعزز الثبات والاستقرار النفسي والاجتماعي ويؤمن الحماية والضمان الاجتماعي...
- النضال النقابي لتعديل وتطوير التشريعات ويعتمد على تحضرات للملف القانوني، وهو أولوية نضالية للوصول لتشريعات اجتماعية عمالية وسياسات قانونية تحمي مصالح العمال وتصون حقوقهم وتضبط علاقات العمل لانهاء كل مظاهر الاستغلال والاستبداد والاستعباد للعمال بسلطة القانون، وخاضت النقابات العمالية الفلسطيني تجارب في إقرار قانون العمل والضمان الاجتماعي...، وما زالت بقيادة الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين تناضل لإقرار وتطوير وتطبيق التشريعات الاجتماعية والعمالية العادلة لصالح قضايا العمال ومنها:
1. تعديل قانون العمل الفلسطيني وموائمته مع المعايير والاتفاقيات الدولية والعربية، بما يوفر حماية للعمال من الاستغلال.
2. تعزيز الحوار وتطبيق قانون الضمان الاجتماعي بما يساهم في توفير حماية اجتماعية للعمال.
3. تسعى النقابات مع كل حلفائها بالضغط لإصدار تشريع للنقابات العمالية يكون عصرياً ديمقراطياً ينسجم مع الحريات النقابية واتفاقيات العمل الدولية وخاصة اتفاقيتي 87 و98...
4. العمل على اصدار تشريع للسلامة والصحة المهنية والحق بالعمل اللائق والامن والكريم..
- النضال الثقافي والتوعوي للعمال وهذا يعتمد على خطط للتدخل وبرامج توعوية وتثقيفية، فالنضال الثقافي النقابي مهم لتنمية قدرات ومهارت العمال وتسليهم بالمعرفة وذلك من خلال الأنشطة والبرامجج الهادفة لزيادة وعي العمال وتعزيز مهاراتهم وتطوير نمط التفكير جزء أصيل من النضال النقابي، وهو احد اشكال الاستثمار برأس المال الاجتماعي والتنمية البشرية من منظور نقابي لما لها أثرها على النهوض بالعمال والنقابات العمالية، والعملية الإنتاجية، وتعقد النقابات العمالية العديد من الأنشطة التوعوية والتدريبية لتنمية مهارات عمالها وتدريبهم في جميع المجالات.
- النضال النقابي والمطلبي في ظل جائحة كورونا وإعلان حالة الطوارئ، لقد لعبت النقابات العمالية دورا فعالا في حماية حقوق العمال في ظل جائحة كورونا وتداعياتها، بالتعاون مع الشركاء في تقديم المساعدة، بما يعزز صمود العمال ويعينهم على متطلبات الحياة، ويساهم في حمايتهم من الاستغلال بعد اعلان حالة الطوارئ وتبعاتها.
- النضال النقابي بإدارة حملات الضغط والمناصرة، تناضل النقابات العمالية لتحقيق مطالبها من خلال الضغط والتأثير والمناصرة، وتحشيد المناصرين والحلفاء حول قضايا العمال المطلبية العادلة والتشبيك وبناء تحالفات وشبكة من العلاقات العامة المحلية والإقليمية والدولية للتضامن والدعم للقضايا المطلبية العمال والضغط لصالح نضالاتها النقابية وتشكيل التحالفات النقابية وجماعات الضغط.

ثانيا/ الأولويات في التدخل وخطة العمل لإدارة النضال النقابي:
في تحديد الأولويات للنضال المطلبي العمال وتصنيف المشاكل والقضايا العمالية والأكثر حاجة وإلحاحا، تدرس النقابات العمالية المطالب وطبيعتها ومبرراتها ومدى استجابتها مع المتغيرات والظروف الحالية ولا يمكن فصل ذلك العمل والنضال النقابي عن العمال وهمومهم وقضاياهم المطلبية، وتحديد الأولويات في التدخل بالاستماع لوجهة نظرهم ومقترحاتهم، وذلك بمشاركتهم في اتخاذ القرار، ومنحهم حقهم في تقرير مصيرهم فهم بالميدان والكثر قدرة على التعبير عن واقعهم، وهذا يحتاج دائما لمنهجيات وخطط تضعها النقابات وقياداتها الميدانية للتواصل مع القواعد، والتوسع في التمثيل والانتشار والحصول على المعلومة من مصادرها الأساسية والموثوق بها، بالإضافة لما يساهم ذلك في الوصول للعمال باماكن عملهم، وزيادة نسبة العضوية، وزيادة نسبة مشاركة النساء في العمل النقابي بقوة وفعالية، والاهتمام بفئات الشباب من العمال والعاملات، والعمال من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا يكونوا عرضة لاي استغلال.
ثالثا: قوة وفعالية النقابات العمالية في النضال النقابي:
تعتمد قوة النقابات وقدرتها في التأثير على عدالة الملف المطلبي والحجج التي تستند على الدراسات العلمية والأرقام والاحصائيات والمعلومات الدقيقة، وقوة ومهارات القيادات النقابية وشرعيتها الديمقراطية، وقدرتها على التعبير عن هموم الحركة العمالية، وفق الأسس النقابية، والحريات العامة، ومدى الحفاظ على استقلالية العمل النقابي، وديمقراطيته وانتشاره الجماهيري وعدالة نضاله النقابي والمطلبي وذلك من خلال:
أ‌. نضالها النقابي بمواكبة التطورات التقنية والرقمنة ومهارات العصر، وتوظفها في نضالها لخدمة مصالح العمال وتشكيل الرأي العام المساند للقضايا النقابية والعمالية.
ب‌. التعاون كشريك اجتماعي بالسعي دائما لتعزيز لغة الحوار، والقيم الإيجابية والتعاونية والمفاوضات الجماعية، والعمل بشكل جماعي وفريق.
رابعا: تحديات ومعيقات تواجهها النضال النقابي:
1) الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع نسب البطالة وقانون العرض والطلب.
2) ضعف وتخلف منظومة القوانين والتشريعات الاجتماعية والعمالية وغياب التطبيق الفعلي لها.
3) ضعف الإمكانيات ووشح الموارد والمصادر للتمويل والبرامج والأنشطة...
4) تراجع في تسب العضوية وضعف في مشاركة النساء والشباب...
5) سياسات الحكومة وضعف مواقفها تجاه قضايا العمال والفئات المهمشة ومحدودية مساهماتها تدخلاتها في تخفيف معاناة العمال وتوفير الحماية والاجتماعية وعم صمودهم.
6) ضعف التضامن مع قضايا العمال في المجتمع ومؤسساته، حسب طبيعة الأولويات في المجتمع.
7) بعض التدخلات في شئون النقابات والمس بالحريات النقابية، ومحاولات فرض الوصاية عليها.
خامسا: التصور المقترح والتوصيات :
النضال
- ضرورة العمل على توحيد النضال النقابي المطلبي خلف قضايا العمال ومطالب العمال، والاولويات في التدخل والنضال في ظل هذه المرحلة والمتغيرات.
- تنسيق العمل بين جميع النقابات والهيئات العمالية بما لتشكيل موقف نقابي موحد وصلب.
- العمل على تشكيل التحالفات النقابية للضغط لتعديل قانون العمل وقرار الحد الأدنى للأجور.
- الضغط على الحكومة لتحمل مسؤولياتها تجاه قضايا العمال وتوفير الحماية الاجتماعي وخاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا.
- الحفاظ على استقلالية العمل النقابي ووقف كل اشكال التدخلات ومحاولات فرض الوصاية على النقابات.
أخيرا لقد جسدت النقابات العمالية على مر التاريخ في نضالها النقابي والمطلبي مدرسة في العمل الجماعي والتعاون، والنضال الهادف المنظم الذي يساهم في مواجهة كل أشكال الاستغلال والاهدار لحقوق العمال.
واعتقد ان الحركة النقابية الفلسطينية في ظل ما يقع من ظلم على العمال، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية، تحتاج في نضالها لمزيد من الجهود المضاعفة والتعاون ومزيد من التشاركية المجتمعية والتضامن والتحالفات مع مؤسسات المجتمع المدني لحماية العمال ومصالحهم في ظل اختلال توازن سوق العمل وزيادة العرض وقلة الطلب على فرص العمل.
عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين.