أوروبا ولعنة الاسلام (3)


كوسلا ابشن
2020 / 11 / 4 - 00:19     

الهجوم الارهابي الاسلامي الذي إستهدف كنيسة بمدينة نيس وقتل أبرياء بشكل فضيع لا يقترفه إلا مسلم حقود, قطع رؤوس ثلاثة مسيحيين, تواصلت الكلمات التضامنية و التنديدية ضد موجة الارهاب الاسلامي التي تجتاح فرنسا بعلامتها المميزة (الذبح وقطع الرؤوس), ولم تجف دماء الاستاذ صامويل, حتى ارتكبت مذبحة كنيسة نيس, وبعدها إطلاق النار على راهب أمام كنيسة بمدينة ليون (قبل يوم هجوم إرهابي في فيينا), مما يدل أن العمليات الارهاب الاسلامي منظمة ومخطط لها, وليست عمليات إنفرادية أو ما أصطلح عليه ب (الذئاب المنفردة), العمليات تقف وراءها زوايا إرهابية وربما دول (إسلامية), ولهذا فالتنديد والتضامن إذا كان من أفواه رعاة الارهاب مثل السعودية وتركيا فلا يمكن أن يكون إلا مجرد تقية يحتمي به الارهابيون في حالة الهزيمة والضعف والحرج, وخصوصا أن البلدين لديهما تاريخ أسود في العمل الارهابي سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.
الشعوب الاوروبية تدفع ثمن سياسات حكوماتها الخاطئة أو الخجولة في التعامل الجدي مع الإسلام و الهجرة واللجوء.
تشكلت القيم الغربية على أسس قيم الهوية الدينية للشعوب الاوروبية, لم تلغي الحداثة القيم المسيحية المترسخة في الغرب منذ قرون, بل فسحت لها مجالها الخاص اللاعنفي, مع إستقلالية الانسان في الإختيار والمعارضة والنقد والعمل. هذه الاستقلالية التي ضمنت شروط التقدم الإنساني في كل مجالات الحياتية, وما وصلت اليه المجتمعات الغربية من تقدم حضاري يرجع الى تحديد المجال ما بين الدين لله والدولة للشعب (فصل الدين عن الدولة) و تبني مبادئ الحداثية, الدمقراطية وإحترام حقوق الانسان. ما وصلت اليه أوروبا اليوم دفعت شعوبها ثمنه بدمائها طيلة قرون من الظلامية والصراع ضد الاقطاع والكنيسة.
في فرنسا حدد قانون 1905 فصل الدين (الكنيسة) عن الدولة وترسيخ حيادية الدولة في التدخل في شؤون الكنيسة وإبعاد الدين (الكنيسة) عن الحياة المجتمعية وإستقلالية الانسان في إختيار العقيدة من عدمه, ومع ترسيخ القيم العلمانية في اوروبا عامة وفرنسا خاصة ولفترة طويلة من الزمن, إلا أن الدولة الفرنسية والسلطات المتعاقبة على الحكم لعقود لم تتعامل بحزم مع الدين الاسلامي, الوافد الجديد والمنظمات الاسلامية إنطلاقا من القيم العلمانية و الحداثية, بل فضلت السلطات المصالح الاقتصادية للبورجوازية الفرنسية عن المصالح الشعبية وقيم الحداثية, الدمقراطية, حقوق الانسان والعلمانية.
إستقرار المسلمون بفرنسا لم يلازمه الإندماج في المجتمع الجديد بسبب التباعد بين الانماط الفكرية والحياة الاجتماعية, وهو التناقض بين التقدم والحداثة والعلمانية من جهة وبين التخلف وهيمنة الدين الاسلامي من جهة آخرى, وأعتبرت العلمانية الجدار الفاصل بين الإندماج والتمسك بدور الاسلام في الحياة الاجتماعية للمسلمين داخل أوروبا عامة و فرنسا خاصة, وأعتبرت العلمانية مؤامرة ضد الاسلام بإعتبار هذا الاخير دين ودولة وهو المرجع الأول والأخير في كل الأزمات والمشاكل (الإسلام هو الحل).
إن هذه الصيغة , الاسلام دين و دولة, تطورت بشكل أكثر مع تشكيل الحركات والجماعات والجمعيات الاسلامية المناهضة للواقع العلماني الفرنسي, وتغلغلت هذه الحركات والجماعات والجمعيات في أوساط المسلمين بأفكارها الظلامية المعادية للحداثة والعلمانية والمعادية لحقوق الانسان و الدمقراطية.
إحتضن مسجد باريس بالإضافة الى جواسيس النظام العسكري بدزاير, فقد إحتضن منتسبي الى الجبهة الاسلامية للإنقاذ, وبهذا لعب مسجد باريس دورا رئيسيا في نقل الأفكار الظلامية والتطرف للجاليات الاسلامية و خصوصا دزايرية الضالعة في العمليات الارهابية بباريس سنتي 1995 و1996.
بجانب مسجد باريس برز منافس جديد سنة 1983, حمل إسم إتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا, أكثر تنطيما وأكثر جلبا للشباب وهو تحت سيطرة الإخوان المسلمون السوريون والمصريون.
وعدا الوكرين هناك ألاف من أكار الترهيب والترغيب والجمعيات والتجمعات الإسلامية المختلفة تأوي النصابين و الظلاميين الإرهابيين, و من بينها ما يسير من المراكز الاسلامية في الخارج ( الدول العربية والاسلامية).
لعبت هذه الأوكار الدور المركزي في ترسيخ أفكار التطرف الاسلامي في أوساط المريدين, ما دفع هؤلاء الأميون الى رفض القيم الفرنسية, و الإنعزال في الغيتوهات والتشبث بفكرة الاسلام دين و دولة, خاضعين ل"قوانين" وفتاوى الفقهاء والواعضين والرفض لقوانين الدولة الفرنسية. مبادئ حرية التعبير والتدين أتخذت معيار للفهم وللممارسة الخاطئتين بالتصرف على هواهم في التصدي لعلمانية الدولة بفتح مؤسسات تعليمية إسلامية تعلم "الجهاد" (إسلم تسلم) و"إن الدين عند الله الإسلام " وتنفيذ الشرائع الاسلامية في زواج القاصرات والطلاق و (الذبح الحلال) و فرض الحجاب على الفتيات والنساء والصلاة في الشوارع والمطالبة برسمية العطل الدينية للمسلمين, بإختصار تأسيس دويلة بقوانينها الاسلامية داخل الدولة الفرنسية ( ما تتعرض له فرنسا هو ما يحصل في الدول الأوروبية الآخرى).
حالة التصدي والرفض النابعة من الشريعة المحمدية منعت المسلمون من تقبل فكرة الاندماج في مجتمع الاقامة والاحتكاك بالجماعات الثقافية والدينية الاخرى والتعايش السلمي معها في مجتمع قوانينه تدافع عن التنوع الثقافي والديني وتحترمه وتضمن حرية الفرد والجماعة. حالة الممانعة لقيم العلمانية والعقلانية دفعت الاسلاميون بالمطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية بزعمهم الاسلام هو الحل لكل الازمات والمشاكل, بإعتبار الاسلام نظام شامل قائم على النصوص آلإلهية وهو البديل للنظام القائم. (هذا ما طلب به كذلك رضوان أحروش زعيم حزب النور في بلجيكا (حزب اسلامي في دولة علمانية تأسس في فبراير 1999), إن الهدف الاستراتيجي لحزبه هو جعل بلجيكا دولة إسلامية قائمة على القرآن والسنة).
فصل الدين عن الدولة, وعدم تدخل الدولة في حرية التدين, إستغله المسلمون لصالحهم, و بالإعتقاد الخاطئ في فهم حرية الممارسة الدينية, وبهذا أرادوا فرض الشريعة الإسلامية وتعليماتها وأحكامها في الزواج والطلاق والختان وتنظيم الأسرة والميراث والتجارة والملكية والأنظمة القضائية وأنظمة العقوبات والحرب والسلام و... , في المجتمع الفرنسي. تقاعس السلطة السياسية على المستجدات على الساحة الفرنسية أعطى الضوء الاخضر للظلاميين بالتحرك بحرية و الدعاية للأفكار الارهابية و تأسيس الشبكات الارهابية وتنظيمها و تنمية وعيها الديني," ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
رغم الصورة السلبية للإسلام في الغرب, بإعتباره دين التعصب والتطرف وعدم التسامح والتعايش مع النقيض, وقلق الشعوب الاوروبية من كثرة التنظيمات الاسلامية المهددة للنظام العلماني و قيم الحداثة و المهدد لحياة الفرنسيين, لم تحرك الحكومة الفرنسية في وضع حد للتجاوزات الاسلامية منذ البداية, إلا أن مصالح البورجوازية الفرنسية أهم من إرادة الشعب الفرنسي, الموقف المصلحي من أشعل نيران الحروب الارهابية في شوارع فرنسا, و رغم الخطابات التنديدية والاجراءات الترقيعية والروتينية بعد كل مذبحة, يفاجئ الشعب بكارثة جديدة, تفضح خطابات السلطة واجراءاتها الاستعراضية أكثر منها وقائية.
لم تظهر الجدية على مواقف الحكومة الفرنسية في محاربة الارهاب الاسلامي الا بعد العمليات الارهابية الأخيرة في كل من باريس و نيس وخصوصا كيفية تنفيذ القتل على الطريقة الإسلامية البربرية (الذبح وقطع الرؤوس), هذه المذابح من أخرجت ماكرون في الأخير من سكونه و سكوته, ليعلن رفضه القاطع للإرهاب الاسلامي, بالبدء ببعض الاجراءات الردعية في إغلاق بعض المساجد والجمعيات الاسلامية وعدم الاعتراف ببعض المنظمات المتطرفة.
من واجب الحكومة الفرنسية حماية الشعب الفرنسي بمحاربة الارهاب, بتفكيك منابعه المادية والروحية, من جهة تدمير البنية التحتية والفوقية للارهاب الاسلامي بفرنسا, باستهداف المؤسسات الارهابية ( مساجد وجمعيات و ...) وكذا منع الارهابيين من الحملات الدعوية التبشيرية لايديولوجية القتل, منع العنصر الاسلامي الارهابي من الاستفادة من الوسائل المعلوماتية والتكنولوجية, مثل مواقع الصحافة الالكترونية والمواقع الاجتماعية المقروءة والمسموعة والمرئية وكل وسائل التواصل الاجتماعي, , طرد دعاة الارهاب من اوروبا, ومن جهة اخرى اصدار مذكرات دولية لاعتقال ومحاكمة الاشخاص المتورطين في الارهاب تنفيذا أو تمويلا أو تنظيرا أو دعويا, والمعاقبة الإقتصادية والسياسية للدول المدعمة والممولة للارهاب في شكله المادي او الفكري, ومحاكمة قاداتها.
فرنسا بلد علماني و دمقراطي, على الشعوب "الاسلامية" وبالخصوص الامازيغ أن يحترموا ثقافة بلد الإقامة بالإعتراف بقيم العلمانية والعقلانية والتسامح والتعايش مع المختلف, عليهم التعايش مع مبادئ الحياة الدمقراطية الحديثة, ويبقى الاسلام مسألة شخصية (الدين لله).
ابتعدوا عن تجار الدين, فأرصدتهم البنكية تتضخم بسبب جهلكم.